عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 10-05-2010, 09:14 AM
د. يوسف مساعد الميلم د. يوسف مساعد الميلم غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2009
المشاركات: 31
افتراضي مقاطع من الفصل الأول للكتاب

مساعد يوسف الميلم في سطور

المولد والنشأة
هو مساعد بن يوسف بن عبدالهادي بن فهد بن عبدالرحمن الميلم ، من أبناء المرحوم بإذن الله يوسف عبد الهادي فهد عبدالرحمن الميلم ، والمرحومة نورة بنت الملا ) ناصر عبدالله السيف (.

ولد في15 أكتوبر1942 بحي القبلة وكان ترتيبه الأخير بين أشقائه وشقيقاته البالغ عددهم" عشرة" ، ويقع الحي القبلي في القسم الغربي من مدينة الكويت القديمة وسمي"بجبلة" كما ينطقها الكويتيون قديما، وذلك لأنه قبلة الصلاة لمدينة الكويت من جهة الغرب ، ويبدأ الحي القبلي من المستشفي الأمريكاني حتى "البهيتة "بالقرب من "قصر السيف" ، وهي المنطقة الواقعة مابين الشارع الجديد وساحة الصفاة " تجاه قصر نايف " وصولا ً لدروازة الجهراء ، إحدى أشهر بوابات سور الكويت القديم . ويلاحظ أن غالبية تجار دولة الكويت في الوقت الحالي هم من سكان الحي القبلي قديما حيث ورثوا هذه المهنة منذ القدم عن آبائهم وأجدادهم.
ومن المعروف أن عائلة الميلم العريقة قدمت من" الزلفي" ، وهي منطقة في" نجد" بالمملكة العربية السعودية ، والتي تعود لها الكثير من العوائل الكويتية التي نزحت إلى الكويت .وكان وصول العائلة إلى الكويت في بداية القرن التاسع عشر ميلادي ،أي منذ حوالي 200 سنة تقريبا، و سكنت العائلة بعد النزوح إلى الكويت في الحي القبلي بفريج الساير.
وأصولهم تنتمي إلى الرخال من الصردان من ميمون من بنو عبدالله من قبيلة مطير ،و"بنوعبدالله بن غطفان تعتبر من مشاهير القبائلالعدنانيّة وفي صدر الإسلام كذلك . وكانت هذه القبيلة الغطفانية تعرف باسم بني عبدالعزّى، وقد أسماهم رسولاللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنو عبداللّه, فحافظوا على هذا الاسمالذي اختاره لهم".
(عن شجرة قبيلة مطير) .
تعلم مساعد الميلم بالمرحلة الابتدائية بمدرسة عمر بن الخطاب (المشهورة بـ "العمرية") قرب فريج المديرس بالكويت (ما يعادل مرحلتي الابتدائي والمتوسط) ، واستكمل دراسته بالكلية الصناعية (ما يعادل المرحلة الثانوية)، ثم أتم تعليمه بالمملكة المتحدة"بريطانيا" ، ليعود مشاركا مع إخوانه في إدارة وتطوير واستثمار أعمال العائلة حتى تحولت إلى مجموعة شركات داخل وخارج دولة الكويت ، منذ ذاك الوقت وحتى وفاته في 25 يونيو م2006م.
تزوج المرحوم من السيدة الفاضلة/ فتوح سيد عبدالرحمن سيد محمد سيد عبد الله سيد يوسف الرفاعي ، سليلة واحدة من أعرق الأسر الكويتية ، ولهم من الأبناء الدكتور" يوسف" من رجال الأعمال زوج الدكتورة "فاتن فهد الميلم" ، والدكتورة" دينا" الأستاذة بجامعة الكويت زوجة "احمد سيد عبد الرزاق الرفاعي" ، والأستاذة "نورة "المحامية زوجة" غانم حربي الزيد" ، والأستاذ" زيد" من رجال الأعمال زوج "نورة فيصل السعيد".
كان المرحوم طيب القلب نقي السريرة ،جُبِلَ منذ طفولته على عمل الخير في مختلف النواحي ،وعلى كافة الأصعدة سواء داخل الكويت أو خارجها، فكان للمرحوم الكثير من أعمال الخير غير المعلنة في دول عديدة كمصر والعراق ولبنان، وكان شديد الحرص على عدم التصريح بها.
كما كانت له مساهمات عديدة داخل دولة الكويت سواء على المستوى التعليمي أو الاجتماعي أو الإنساني أو الخيري أو الوطني، وهذا ليس بغريب عليه ، فهو سليل عائلة كريمه جُبِلَتْ على الكرم وأعمال الخير وحب الوطن والتضحية من أجله.

==================================================



وقفات في تاريخ والده الحاج يوسف عبد الهادي الميلم رحمه الله


عمل الحاج يوسف العبد الهادي الميلم- رحمه الله- في بالتجارة بالأقمشة والمواد الغذائية، وكان يمتلك حملة للحج من ضمن الحملات القديمة للحج على الإبل "حملة يوسف العبد الهادي الميلم" واستمرت هذه الحملة تقدم خدماتها لحجيج بيت الله الحرام ما يقارب الثمانين عاماً ( 1822-1952) .
و يسجل له تاريخ الكويت بأنه كان له أياد بيضاء في عدة مجالات منها بناء المساجد داخل الكويت و خارجها، وشراءه لمجموعة من آبار المياه بمنطقة الشامية والتبرع بها لأصحاب الحاجة من المواطنين كوقف لا يباع و يوهب، وكانت مواقفه الطيبة في مساعدة المحتاجين والسيرة والسمعة الطيبة التي يتمتع بهما في تجارته وتعاملاته حديث كل من كانوا يعرفونه .
وهنا يذكر الكاتب عادل العبد المغني في مقال بعنوان" من داخل السور رجلا من بلدي" المنشور بتاريخ 19-2-94 19م في جريدة القبس العدد 7453 أنالمرحوم الحاج/ يوسف عبد الهادي الميلم له مساع خيّره، فمن ماله بنى مسجداً في منطقة "الصبيحيّه" لجماعة من العوازم كانوا في أمس الحاجة لذلك، وبنى مسجداً آخر في قرية "أبرق خيطان" في بداية الخمسينات، وله كذلك مجموعه من آبار المياه الحلوة خارج السور في منطقة الشامية.. أوقف ريعها سبيلاً ، وشأن المياه في الماضي كبيراً نظراً لندرة توفرها ووزنها واعتبارها.. وكانت تشكّل مصدر رزق لكثير من العوائل الكويتيّة عند بيعها لأصحاب مهنة بيع الماء الذين يُعْرَفون بـ "الحمّاره" ، ولكن احتساب الأجر والمشاركة في رفع شبح العطش الذي خيّم على المدينة القديمة.. والذي عانى منه أهالي الديره أشد معاناة، فأصبح هذا المصدر المدر للمال رخيصاً لعموم المحتاجين بدون مقابل.
وبهذه المناسبة نروي للقارئ الكريم قصة حدثت لضيفنا نستدل على مآثره من خلالها، فالقصّة تعتبر ضرباً من الخيال وكأنّها من قصص الأساطير في الزمن الذي تكالبت فيه المادة بطغيانها ، وأصبحت هي كل شيء في عصر فقدان الأخلاق والمبادئ والسمعة ، فتلك المبادئ شأنها شأن المعادن النادرة في الوقت الراهن ، فالقصّة ( أوالسالفة): كان للمرحوم/ أبو عبدا لله" يوسف العبد الهادي الميلم".. محل تجاري داخل مدينة الكويت القديمة وبالتحديد في الجهة المقابلة لمحلات سوق "الصرافة" القديم، وكان يجلس فيه كعادته يومياً، وارتبط في معاملات بيع وشراءمع أهل البادية وكان تعامله معهم وثيقاً ، فأهل البادية يفدون في مواسم الربيع لبيع منتجاتهم ، ويشترون احتياجاتهم من المواد التموينيّة من تجار الكويت، وكانوا يضعون أمانات ماليّة كثيرة لدى التجار لحفظها لهم من الضياع ، أو خوفاً من سرقتها عندما يحدث غزو من قبائل معادية.. أو من قطّاع الطرق، وعلى العموم فإن التاجر الكويتي أصبح محل الثقة لدى هؤلاء البدو، فأموالهم تكون في الصون والأمانة ، حتى يتم طلبها في السنة المقبلة أو لسنوات أخرى عندما يحتاجون إليها.
في أحد الأيام من منتصف الثلاثينات.. جاء رجل من سكان بادية الكويت ووقف عند باب محل الحاج يوسف الميلم ، طالباً الأمانة الماليّة التي أودعها في السنة الماضية، فنظر الحاج يوسف إلى الرجل متفحّصاً في هيأته، ولم يكن قد شاهده من قبل ولم يكن بالتالي قد أودع الأمانة لديه، فأدرك الحاج يوسف بداخل سريرته وبالفطرة أن الرجل البدوي حتماً قد التبس عليه صاحب المحل، لكون البدو لا يفدون إلى المدينة باستمرار، فقال الحاج يوسف :"ذكّرني .. كم المبلغ ؟" .. فرد الرجل البدوي: "300 ريال"، وفي الحال أخرج الحاج يوسف من الخزانة الحديديّة (التجوري) المبلغ وسلّمه للرجل الذي شكره ومضى في سبيله، ولم يمضِ وقت قصير من الانصراف حتى رجع ومعه الجار صاحب المحل الملاصق لمحل الحاج يوسف.. وأعاد المبلغ مع سيل من الاعتذارات وعبارات طلب المسامحة، والسبب أنه عندما خرج الرجل البدوي.. شاهده جار الحاج يوسف.. فتعرّف عليه وقال له: "وينك.. ما تبي فلوسك ؟" فأدرك البدوي أن المبلغ الذي أخذه ليس له، وكان تعليق الحاج يوسف الميلم رحمه الله.. بأن "المال الحلال لا يضيع" ، وأضاف: "كان علي أن أشتري سمعتي بأي ثمن وأنا مدرك بأن الرجل البدوي ليس له أمانه عندي ، ولو بيّنت له بأن لا مبالغ تخصّه عندي، لصاح بأعلى صوته بأّني قد أكلت حلاله، فماذا ستكون عليه سمعتي بعدها؟ (انتهى).
كان الحاج يوسف الميلم كريما لدرجة أن كثيراً من المقربين منه كانوا يستغربون من إنفاقه على الفقراء بلا حدود أو تحفظ ، وكانوا ينصحونه بأن يوفر أمواله لأبنائه وأسرته ، وكانت الأحوال المادية بشكل عام لغالبية أفراد المجتمع في ذلك الوقت متواضعة جداً ،ومع ذلك فقد كانت ديوانيته في منطقة القبلة بجانب مسجد الساير عامرة طوال ساعات الليل والنهار للضيافة وتقديم الطعام لمن يحتاج،وكان يستضيف عددا ً كبيراً منهم يوميا في الوقت الذي كان بحاجة لهذا المال الذي ينفقه في استضافة هؤلاء الأفراد.
ومن مآثره أيضا أن الفقراء كانوا يفترشون الطريق في دربه من السوق وحتى بيته ، وكان لذكائه الفطري وفطنته ، ولحرصه على عمل الخير في الخفاء ،كان يحصي عدد المحتاجين أثناء سيره دون أن يدري أحد منهم ، وعند وصوله إلى البيت كان يبعث أحد أبنائه إليهم ويعطيهم ما يتوفر لديه من مال دون أن يلاحظ أحد ذلك.
أصيب الحاج يوسف الميلم رحمه الله بمرض السرطان ، وتأخر في علاجه بالرغم من توصيات الأطباء بضرورة استئصاله ،وفي ذلك الوقت لم يكن يتوفر العلاج المتقدم وخصوصا بالأشعة العميقة في منطقة الشرق الأوسط تقريبا إلا في العراق ، وبالفعل سافر المرحوم إلى بغداد لتلقي العلاج ، ومع صعوبة الحالة.. توفاه الله في العراق، وكان قد أوصى ابنه الأكبر المرحوم" عبد الله" قبل وفاته أن يدفن في المكان الذي يتوفى فيه، وبناء على هذه الوصية تم دفنه في مقبرة "معيوف" ببغداد.
ويذكر له أيضاً أنه قد أعتق جميع العبيد الموجودين لديه قبل الخمسينيات من القرن العشرين ليضيف إلى رصيده الخيري والإنساني الكثير.
فرحم الله الحاج يوسف عبد الهادي الميلم صاحب الأيادي البيضاء ، ونسأل الله أن يتقبل منه صالح الأعمال ويجعله في ميزان حسناته.
وهذا غيضٌ من فيضٍ يدلُ على نزعة الخير المتجذرة في نفوس هذهالعائلة الكريمة منذ وقت طويل.

=========================================

علاقته بأسرته" زوجته وأبنائه وأحفاده"
عاش المرحوم مساعد طوال حياته مشدودا في اتجاهين كانا ككفتي ميزان، أسرته الصغيرة المكونة من زوجته وأولاده وبناته وأحفاده ،وعائلته الكبيرة المكونة من إخوانه وأخواته وأبنائهم، فكان دائما ما يوازن بينهما فلا تميل كفة على حساب الأخرى وكان شديد الحب والإخلاص والمودة لكليهما .

الزوجة "الحاجة أم يوسف"
لم يكن من السهولة أو البساطة أن لا نتلمس نبض وأحاسيس رفيقة عمره وشريكة رحلة حياته وكفاحه، زوجته وأم أولاده السيدة الفاضلة الحاجة "أم يوسف "، ولانستمع إليها ، وكان من الصعب أيضا أن نبوحلها بما نحن مقدمون عليه من كتابة لسيرة المرحوم .
وتعمدنا أن يكون حديثنا إليها بشكل غير مباشر حتى لانفسد المفاجأة لها قبل صدور الكتاب ،فإذا بها تتحدث عنه بفخر واعتزاز وحزن نبيل.
تذكر أنه لم يكن زوجا حنونا فقط ، بل كان صديقا صدوقا وفيا ، لم تكن له أولويات في حياته أهم من دينه والعمل على مرضاة ربه والاهتمام بزوجته وأبنائه وعائلته. كان كثير السفر ، وكان يصر على مرافقتها له في معظم سفراته ،لأنه يشعر معها بالأنس والأمان، وكان مرتبطا بها إلى حد بعيد.
عاش محبا لأبنائه بشكل غير عادي ، يستمتع بالجلوس معهم والحديث عنهم و معهم ،وكان يصر على تناول غداء العائلة الأسبوعي الذي يجتمع فيه الأبناء والأزواج والزوجات والأحفاد. كما كان متمسكا بعادة تناول طعام الغداء معهم جميعا في أول يوم من كل عيد في أحد المطاعم خارج المنزل ، نعم ، فقد كانت أمتع أوقات حياته أن يكونوا جميعا معه ومن حوله.
كان حريصا على تعليم أبنائه وإيصالهم إلى أعلى درجات العلم ، ويرسلهم إلى الخارج للحصول على الشهادات الدراسية العليا ، وكان دائم السفر إليهم ولا ينقطع عنهم رغم انشغالاته الكثيرة للاطمئنان عليهم ومتابعة دراستهم ومشاريعهم ، فقد كان- رحمه الله - يؤمن إلى أبعد حد بأهمية التعليم ،وبأنه الركيزة الأساسية للنجاح في كل المجالات.
تذكر الحاجة "أم يوسف" أيضا بأنه- رحمه الله - كان دائم الابتسام، قليل الكلام ، وأعماله هي التي تتكلم عنه وليس العكس ، وهذه صفة أجمع عليها كل من عرفوه عن قرب.
كان حليما مؤمنا بقضاء الله وقدره ، لايغضب ولا يثور في المواقف الصعبة ، ودللت على ذلك بالحريق الذي شب في منزلهم" بالعديلية" منذ وقت طويل ،وبالرغم من معرفته بالفاعل والمتسبب فيه، فإنه تعامل مع الموقف بهدوء.. لدرجة أثارت استغراب الأسرة، فقد كان مؤمنا ومرددا" قدر الله وما شاء فعل"، ولم يعاتب أو يلوم المتسبب فيه وكأن شيئا لم يكن،كان كبيرا في كل شئ.. يتعامل بترفع وسموّ.
كان بيته هو مملكته وأبناؤه هم رأس ماله الحقيقي ، لذا كان لايتكلم في عمله داخل البيت، بل يترك العمل ومشاغله ومتاعبه عند "عتبة الباب"،" حسب قولها" ،ليكون معهم بكل أحاسيسه ومشاعره في معايشة كاملة يسمع لهم وينصحهم ويحل مشاكلهم ويسعد بهم ويسعدوا به، كان إنسانا غير عادي، والخسارة فيه بالنسبة لهم كانت غير عادية أيضا، ولم يعوضهم عنه شئ في الدنيا بعد رحيله فقد كان- رحمه الله -هو حياتهم وعالمهم وكل شئ بالنسبة لهم.

(انتهى كلام الحاجة أم يوسف).


علاقاته بأبنائه
نعم فقد كان المرحوم مساعد الميلم بالنسبة لأبنائه محور حياتهم ، كان لهم صمام الأمن والأمان . كان يحرص على التفاصيل الصغيرة والدقيقة في حياة كُلًّّ منهم ،وبرغم اختلاف شخصية كل فرد فيهم عن الآخر فإنه كان يتعامل مع كل فرد منهم مع ما يناسب ميوله واتجاهاته وصفاته. لم يكن يوماً متزمتا أو يفرض رأيه على الآخرين أو يحجر على آرائهم ، بل كان يناقش ويحاور ويتفاعل معهم ، ويقدم لهم ما يرى ويؤمن ويقتنع به الجميع أنه الصواب عاش طوال حياته يعمل بكل ما اؤتي من قوة على الحفاظ على هذا الكيان مترابطا متماسكا متحابا وكان هذا هو هدفه في الحياة ،وكان يخشى من المستقبل عليهم برغم إيمانه الشديد، واعتماده الدائم على خالقه سبحانه وتعالى إلا انه كان لديه هذا الهاجس بداخله أن يحدث ما يخشاه وتنفصم العرى الوثيقة بين الأبناء لاقدر الله ،وكأنه يشعر بدنو الأجل وانتهاء رحلته في الدنيا فقد قام قبل وفاته بسنة واحدة بتأسيس شركة بينه وبين أولاده وبناته اختاروا له اسم "ميدنز" وهي الحروف الاولى من أسم كل منهم ربما هذا التصرف أثار حيرة البعض منهم وقتها ولكن بعد وفاته رحمه الله تبين أن لهذه الشركة دورا هاما في حياتهم ويتعامل الجميع فيها كل حسب نصيبه وميراثه الشرعي وأصبحت تمثل حصة المرحوم وورثته في جميع أعمال وانشطة مجموعة الشركات الخاصة بالعائلة، كانت الشفافية التي حباه الله بها قد جعلته يأخذ من الخطوات الواضحة ما يحقق الراحة والطمأنينة لورثته بعد رحيله ويمهد لهم رحلة الحياة من بعده في سهولة ويسر ومحبة ووئام لم يكن عليه رحمة الله متمسكا بدنياه ناسيا بأن هناك نهاية وأراد ان يرحل وهو مطمئناً على أولاده وفلذات كبده وتستمر حياتهم بنفس وتيرة الحب والمودة كما كانت في حياته.
كان الابن الأصغر" زيد" هو الأقرب إلى نفسه وقلبه، وكان يحيطه بحب جارف ربما لأنه الأصغر ،وربما كان يعوض شيئا في عقله الباطن أو في مكامن وأغوار نفسه ،وهو ما مر به من حالة فقدانه للأب وحرمانه من حنانه الذي توفي في سنوات طفولته الأولى وكان أصغر الأبناء .. ربما.
كان يخاف عليه بدرجة كبيرة، ويقدم له الدعم المادي والنفسي بلا حدود وبشكل متواصل حتى كبر، وحرص على المشاركة في مجالس الآباء والمعلمين لعدة سنوات ودعمه المستمر للأنشطة المختلفة سواء بالمدرسة أو بالكلية، وكان ذلك يشعر زيداً بالفخر والزهو بأبيه. كان اهتمام المرحوم به يرجع بدرجة كبيرة إلى أنه يرى فيه صورة مصغرة منه،فهو يرى فيه الجانب الآخر من شخصيته الاجتماعية والودودة مع أصدقائه في طريقته وأسلوبه وبساطته وأدبه، وكان يتوقع له مستقبلا باهرا ونجاحا في حياته العملية.. لايدري ماهو بالضبط ولكن كان لديه هذا الإحساس القوي، وكان يُسِِرُّ به للمقربين من الأهل والأصدقاء، وربما تكون بوادر توقعه قد ظهرت.
وها هو الآن الابن" زيد" بدأ حياته العملية في مجال الاستثمار السياحي دون الاعتماد على أحد، وبعيدا عن مجموعة العائلة التجارية، وبدأ يحقق نجاحات في المجال الذي اختاره وأحبه مع عدد من أصدقائه وشركائه. كان الانطباع الذي تكون عن علاقته واهتمامه به قد ترسخ في نفوس أصدقائه المقربين، وقد بدا واضحا جليا في عقد قران " زيد" بعد وفاة والده مساعد، والذي كان حاضرا فيه اثنان من أعز واقرب الأصدقاء للمرحوم وهما سعادة الشيخ" مشعل الأحمد الجابر الصباح" و سعادة الشيخ" فهد الجابر الأحمد الصباح "اللذان حضرا الحفل وكانا شاهدين عليه إعزازا ووفاء للأب الراحل وتكريما لابنه" زيد".
كانت لحظة وفاة الوالد بالنسبة لزيد لحظة رهيبة لا تنسى في حياته ، وكانت الصدمة قوية ومفجعة.. شعر فيها بأن الحياة قد أصبحت خاوية ، وفقد توازنه لفترة غير مصدق لما حدث، حتى استعاد توازنه مرة أخرى.. ولكن الجرح مازال عميقا.
أما علاقته بابنته "نورة " فكانت علاقة خاصة جداً فهي الإبنة الصغرى من ابنتيه اللتين رزق بهما، وكانت متعلقة و مرتبطة بأبيها بشكل غير معقول، فهي تستمتع بصحبته في خروجه ونزهاته، وتلح عليه وتطلب منه ذلك، ولم يكن أمامه إلا السمع والطاعة.. فقد كانت مدللة لديه، وكان -رحمه الله- أيضاً يستمتع بصحبتها، كانت متواجدة معه بشكل دائم، ولايرد لها طلباً ولا يرفض لها رأياً ما دام صوابا وفي حدود المعقول والمقبول.
أعطاها مساحة كبيرة من الحرية المسؤولة، وأثر ارتباطها به و معه على شخصيتها القوية والثقة والاعتزاز بالنفس التي تتمتع بهما, وهو ما انعكس بشكل ايجابي على حياتها العملية في مهنة المحاماة التي تمارسها الآن.
انهارت يوم وفاة أبيها ،وظلت لفترة طويلة زاهدة في الحياة وغير قادرةعلى فعل شئ، وانطوت على نفسها ،وعاشت أحزانها بأقسى ما تكون الأيام، كيف لا..وقد فقدت حلما جميلا وأبا غاليا وصديقا ورفيقا في حياتها.
أذكر هنا موقفا حدث لي معها فأثناء كلمتي في حفل افتتاح قاعة العروض الضوئية بالمدرسة التي تحمل اسمه –رحمه الله – وكان يحضرها عدد من أعلام المنطقة والمجتمع والشخصيات الهامة وأفراد من العائلة، وكنت عريفاً للحفل ومنظما له.. كنت أستعرض بعض المواقف مع المرحوم وبعض مآثره ، وقد استفضت في ذلك بتلقائية وعفوية غير مقصودة ،ولمحت دموعها وهي جالسة بين الصفوف.. كانت تبكي بحرقة في صمت حتى لايلاحظها أحد ،وكأني نكأت جرحا بداخلها لم يبرأ، وبعد أن انتهيت من كلمتي توجهت إليها لأعتذر عما سببته لها من آلام كانت غير مقصودة إطلاقا ، وأوضحت لها أيضا أن كل ما قلته هو أقل مما يجب أن يقال في حقه وعنه.. فقد كان رجلا شامخا وعظيما.
كان هذا الموقف العفوي يكشف ويؤكد مدى عمق الارتباط بينهما ومدى عظم الفراغ الذي تركه لها بعد رحيله.
أما الابنة الكبرى الدكتورة "دينا"، فقد كانت تمثل له الأخت الصغرى والصديقة المقربة إليه، وكانت دائماً مثار فخر أبيها وأسرتها جميعا، تتمتع بشخصية متوازنة ومحترمة ورزينة، كان يعاملها باحترام بالغ وتقدير كبير، ويستنير برأيها وينصت لها ويستشيرها في الكثير من الأمور، وخصوصا في فترة غياب الابن الأكبر يوسف لفترات طويلة بسبب دراسته خارج البلاد، وكانت آراؤها وأفكارها العقلانية محل تقديره واهتمامه دائما.
كانت وفاته لحظة فارقة في حياتها، اهتز لها كيانها، وكانت في حالة صدمة موجعة، ولكنها تسامت فوق جراحها وأحزانها، لتكون مع شقيقها الأكبر يوسف بجانب أمها وإخوتها الأصغر منها سنا تواسيهم وتحتضنهم ، وتخفف عنهم حالة الحزن التي كانوا عليها.
رد مع اقتباس