عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 02-06-2010, 03:06 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

الذكرى السنوية لوفاة يوسف إبراهيم الغانم (أبو ابراهيم)
كتب فخري شهاب :

أول ما يحضرني وانا أجلس لكتابة هذه الكلمة بيت شعر لأمير الشعراء أحمد شوقي في رثاء صديقه حافظ ابراهيم، حيث قال:
كنت اوثر أن تقول رثائي
يا منصف الموتى من الأحياء!

غير أن للبارئ تعالى احكامه، وقد شاء ما شاء، وما على العباد الا الرضا والقبول.

* * *
إذا حلت النائبة فجأة، كان وقعها أشد ايلاما، وفشلت اللغة عن وصف تلك الآلام!
اختار الباري تعالى الى جواره أبا ابراهيم، يوسف ابراهيم الغانم، منذ عام كأنه الأمس القريب، وما غاب عن ذهني طوال هذا العام، وكيف يغيب عني من ملأ وجوده عالمي منذ عرفته قبل اكثر من نصف قرن؟

كان يوسف ابراهيم الغانم أول صديق كويتي سعدت بمعرفته قبل مجيئي الى الكويت. استهوتني فيه فضائل لم أعرفها مجتمعة في صديق غيره. ثم نمت صداقتنا وترعرعت بعد مجيئي الى الكويت، واتفقنا في أمور كثيرة، واختلفنا في الكثير من الامور، واجتمعنا وافترقنا، واقتربنا وابتعدنا، ولكن الود المتبادل العميق ما فتئ يجمعنا.

لقد حبّبت يوسف الى قلبي شمائل شتى: عرفته يوم كان شابا وضاح المحيا، مشيق القامة، يترقرق في طلعته ماء البشر، ذكّرتني وحببته اليّ طلعته الفتية التي أعادت الى ذهني صورة «عودة أبو تايه» التي رسمها الفنان الانكليزي المعروف كنينغتن، والتي نشرها ت. اي. لورنس في كتابه المشهور «أعمدة الحكمة السبعة».

ومظهره الوسيم لم يختلف طوال هذه العقود التي قطعناها، بل اكتسب وقارا وهيبة يتميز بها علية القوم. عرفته في أيام الخير، وعرفته إبان المحن، عرفته في السراء وفي الضراء، وعرفته جادا وهازلا، فكنت ازداد به إعجابا وبالقرب منه مودة وسرورا. ان اختفاء أبي ابراهيم من أفقي خسارة فادحة، شخصية لا تعوض.

أما خسارة المجتمع الكويتي بفقده فرزء وطني لا سبيل للمبالغة فيه ولا التخفيف منه، تلك فاجعة كبرى: فلقد أسهم يوسف ابراهيم الغانم في الحياة السياسية، وفي الحياة الاجتماعية، كما كان اسهامه في الحياة التجارية والصناعية مرموقا، وستفتقده الكويت في هذه الحلبات جميعا. كان يوسف ابراهيم رفيع الهمة، عالي الجناب، مضيافا، سخيا، لا في ماله فحسب، بل في جاهه أيضا، وكان من القلائل الذين تمثلت فيهم أطيب شمائل الفتوة العربية. أما مجلسه (او ديوانيته) فكان ملتقى اجتماعيا وفكريا: ذكريات أمسياته من أطيب ما مر بي مذ استوطنت الكويت.

ومما أرى لزاما عليّ تسجيله عنه اليوم، وقد ارتحل عنا أبو ابراهيم، أنه حين قدمت مشروع الصندوق الكويتي، وحضرت الى المجلس الاعلى لتبرير الفكرة الاساسية التي بني الاقتراح عليها، والدفاع عنها، (وكان هو يومئذ عضوا في المجلس)، كان هو أول من أدرك أهمية المشروع، وأول من ناصرني فيه، ومن اول من اقتنع بوجوب تحقيقه لنتائجه الانسانية، وأبعاده الدبلوماسية على حد سواء. وما أحسبني أفشي سرا حين أقول اني كنت تداولت واياه الفكرة قبل طرحها علناً لأسمع رد فعله عليها، فكان أول من شجعني على المضي فيها، كما كان هو الذي تولى طرح الكثير من الأسئلة عليّ لغرض الرد عليها كي يتضح القصد منها حين دعيت للدفاع عنها أمام المجلس الأعلى، وهو الذي حمل المترددين من أعضاء المجلس على قبولها. وكذلك كان شأنه في كل ما خص القضايا العامة في الكويت: دور القيادي البعيد النظر، متى اقتنع بالفكرة، بعد تمحيصها واعادة النظر فيها، تبناها وانبرى للدفاع عنها حتى تبرز الى حيز الواقع.

لقد افل، بوفاة أبي ابراهيم، من أفق العالم العربي بأسره، كوكب ساطع، قل أن يجود الزمان بمثله، كوكب متألق لا يعوض: أما أحزاني وآلامي بغيابه من عالمي فمما لا أبحث لها عن عزاء ولا سلوى، ففي مصيبة كالتي منينا بها برحيله، تستحسن الآلام، وتطيب الاحزان، وما أضرع الى الباري، جل وعلا، أن يمن علي به هو الرضا بما قدر، وقبول ما اختار، وأن يلهمني صبرا جميلا أستعين به على خسران لا يعوض. وعزائي الوحيد أنه، باختفائه المفاجئ كان من السابقين، وإنا لنحن اللاحقون، فسلام على أبي ابراهيم يوم ولد، وسلام عليه يوم كان بيننا، وسلام عليه يوم انتقل الى جوار ربه، و«انا لله وانا اليه راجعون».

وختاما.. فاني لأدعو الله تعالى ان يعين أفراد عائلته ومحبيه على ما أصابهم، ويلهمهم الصبر، ويعظم أجرهم، ويجزل لهم العزاء.

جريدة القبس - اليوم
رد مع اقتباس