[AHMAD]

يعقوب يوسف الإبراهيم - القبس
اليوم

في فسحة «وثيقة للتاريخ» لـ «قبس» يوم السبت المنصرم 6 مارس 2010 للاستاذ احمد شمس الدين، عرضت «عدسانية» مؤرخه 24 صفر 1321 ه‍، الموافق 21 مايو 1903، هي صك بيع لبيت موقعه فريج بن خميس بشرق الكويت القديمة، تعود ملكيته الى ام الشيخ محمد بن صباح.
وربما كان محض صدفة ان يبرز اسم هذه السيدة في احتفال يوم المرأة العالمي، مما يجعل اماطة اللثام عن نموذج حي للمرأة العربية ــ التي لعبت ادوارا كبيرة عبر التاريخ على الرغم من الاهمال والتغاضي، فأثرت وغيرت في أحيان كثيرة مسار الاحداث ــ امرا واجبا، بل ضروريا ينبغي الا ينسى، مكنونا بالاعجاب والعرفان. ( شاهد الموضوع هنا - وثيقة شراء ابن شايع )

بيت كبير
هذه القامة المتحدرة من بيت كبير وشهير سيطرت شخصيات من افراده على مجرى الحوادث في شبه الجزيرة العربية وتخومها لفترة امتدت اكثر من ثلاثة قرون.

ادت هجرة اجدادها في القرن السابع عشر الميلادي بعد صدامات وثارات عائلية الى انفصالهم عن ابناء عمومتهم من آل سعود حكام نجد في الدولة الاولى والثانية وملوك العربية السعودية في حكم الدولة الثالثة التي ارساها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن منطلقا من الكويت عام 1902.
الشخصية هي لولوة الثاقب التي ولدت في الزبير حوالي عام 1815، هي ابنة شيخ وحفيدة شيخ وزوجة شيخ وام لشيخين وجدة حكام الكويت من آل صباح منذ 28 نوفمبر 1915 والى يومنا هذا.

جدها الاكبر هو وطبان بن ربيعة بن مرخان بن ابراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي، الذي قتل عمه مقرن (الجد الاكبر لآل سعود) بن مرخان، فترك اثر ذلك نجد شمالا حتى استقر في الزبير. اخلف ثاقب جد آل ثاقب المعروفين، ومنه جاء اسمهم ومن بعده ابنه ابراهيم الذي تحالف مع حمود بن ثامر السعدون زعيم المنتفك الذي كان على خلاف دائم مع ولاة الدولة العثمانية في ولاية البصرة. ليصبح ابراهيم شيخ الزبير بعد ازاحة آل زهير عن حكمها، فأثمرت تلك الخلافات التي امتدت لفترة طويلة مأسي ومواجهات دموية قتل خلالها سبعة من ابناء يوسف بن يحيى الزهير الثلاثة عشر.

اللجوء إلى الكويت
تولى ابوها محمد المشيخة بعد مقتل والده ابراهيم عام 1822، وعلى الرغم من مؤازرة آل سعدون له فإنه ازيح عن الحكم مرتين، الاخيرة كانت عام 1827، حيث قرر اللجوء الى الكويت مع عائلته بعد ملاحقة العثمانيين له. كان ذلك ابان حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح (1814 - 1859) الحاكم الثالث الذي استضافه واكرمه وناسبه، حيث تزوج ابنه الاكبر (فيما بعد) الشيخ صباح الحاكم الرابع (1859 - 1866) ابنته لولوة حوالي عام 1835، فأنجبت الشيخ محمد بن صباح حوالي عام 1838 وهو الحاكم السادس (1892 - 1896) والشيخ مبارك بن صباح حوالي عام 1840 الحاكم السابع (1896 - 1915) والشيخ جراح بن صباح 1845، والشيخة حبابة والشيخ عذبي بن صباح 1850.
في ديسمبر 1836 قتل متسلم البصرة احمد اغا الشيخ محمد الثاقب في وضح النهار بعد استدراجه الى سراي الحكم، والقيت جثته من اعلاه على جماعته الذين كانوا بانتظاره.

وحيدة عصرها
صمدت لولوة امام تلك المآسي والكوارث التي طالت جدها واباها ولم تقف عند ذلك، بل اصابتها الايام بقسوتها لتحصد ابنها البكر الشيخ محمد وشقيقه الاصغر الشيخ جراح بيد اقرب الناس اليهما شقيقهما الاوسط الشيخ مبارك في صبيحة يوم 25 ذي القعدة 1313 هــ الموافق 17 مايو 1896 ورغم كل تلك الفواجع فانها صبرت لأمر من قدير مقدّ.ر وجعلها ثباتها وقوة تحملها وعزيمتها في مواجهة الحياة وحيدة عصرها لتبلغ عمراً وصل الى 112 سنة، وفق رواية الكولونيل نوكس اول وكيل سياسي بريطاني في الكويت (1909/1904)، واعتقد ان هذا الرقم مبالغ فيه حيث لا تستقيم تواريخ مواليد ابنائها مع ذلك.

كان الشيخ مبارك يزورها صباح كل جمعة ويحترم مشورتها ورأيها، حيث كانت ذات شخصية قوية مستقلة، مستنيرة، تختلف فيها عن بنات جيلها وحياتهم التقليدية في تلك الأزمنة، عاشت في بيت منفصل في اقصى الحي الشرقي على الرغم من كبر سنها، يقصده من يريد حل الامور المتعلقة بالشؤون والخلافات العائلية، والتي كانت تحكم فيها عن خبرة ومعرفة، استأجرت البيت بعد وفاتها الوكالة البريطانية لاستخدامه سكنا لموظفيها ومستوصفاً، ثم اصبح مقرا لدائرة البريد (راجع كتاب من هنا بدأت الكويت لعبدالله الحاتم ص115).

ويذكر عنها لوريمر انها كانت تشرف لقاء اجور على ادارة الاوزان والمقاييس في اسواق الكويت، فيقول: «تتم الاوزان في تجارة الجملة بالميزان الروماني (القبان) ويتقاضى عنها رسما قيمته آنة واحدة عن المن (75 كيلو/138 رطلا) تدفع الى ام الشيخ»، دليل الخليج، القسم الجغرافي الجزء الجغرافي الرابع ص 1312. توفيت ــ رحمها الله ــ في 1 يوليو 1905 بعد حياة امتدت اكثر من 90 عاماً حافلة بالاحداث والمصائب والمآسي، وفوق كل ذلك الذكرى العطرة.