عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 04-02-2012, 11:19 PM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

إعداد عبد الله عيسى
ترجع أهمية «النوخذة» في حياة المجتمع الكويتي، والمجتمع الخليجي عامة، إلى ما كان يحتله من مكانة خاصة، إذ كان واحداً من أهم عناصر مهنة السفر الشراعي، أو الغوص على اللؤلؤ آنذاك، وكان يتصدر أولوية النشاط الاقتصادي، ويتربع على قمة هرم التراتبية الاجتماعية، وكان رمزاً تتجمع حوله مختلف موحيات النشاط الاجتماعي، وكان الأب والأخ والصديق على ظهر السفينة، ومسؤولياتها الأكثر ثقلاً ومشقة.
ولعلنا ندرك أهمية الدلالة التي يحتلها «النوخذة» في قلب ذلك النشاط الاقتصادي الذي أصبح العمود الفقري قبل ظهور النفط، والحق ان مهنة ركوب البحر كانت عماد حياة الناس، ومعظم المهن الأخرى ارتبطت بحياة البحر بشكل أو بآخر.
وبين فترة وأخرى، نلتقي بأحد الشموع المضيئة في تاريخ الكويت، مع نواخذة السفن الشراعي، وفي هذا العدد نكمل لقاءنا مع العم النوخذة صقر عبدالوهاب القطامي الذي استقبلنا برحابة صدره وابتسامته المعهودة، وليطلعنا على أحدث الخرائط البحرية الدقيقة لمجاري السفن الكويتية، وعبورها البحار والمحيطات، ومدة الرحلة، وليبحر بنا في دعوته الكريمة إلى بحور ومحيطات ذكرياته الجميلة، ومن ساحل إلى ميناء، مع أهوال البحر ومعاناته وتضحياته بآلامه وآماله، مؤكداً أن للبحر دوراً كبيراً في حياة الإنسان الكويتي، وستبقى أعمال النواخذة وتضحياته بصمة يفتخر وتعتز بها الأجيال المقبلة.
بسؤال العم بومحمد عن فكرة وإعداد وتصميم الخريطة البحرية لمجاري السفن الكويتية في البحار والمحيطات قال: الفكرة إنه قبل سنوات عملت خريطة مماثلة وتم إهداؤها للشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، فأرسل لي للقائه في قصر السيف، وسألني ماذا تقصد بهذه الخريطة؟ وما الهدف منها؟ فقلت له اقترح على سموكم أن يتم تدريسها لأبنائنا طلبة المدارس لمعرفة إلى أين وصل الآباء والأجداد في قيادة السفن الشراعية؟ وما هي أعمالهم وتضحياتهم قبل النفط؟
فقال لي سأقترحها على وزير التربية لتعميمها على المدارس، ولكن بشرط أن يتم عرضها على نواخذة يدققونها، فمن ترشح لذلك، فاقترحت عليه النوخذة حسين العسعوسي نوخذة المهلب، والنوخذة محمود العصفور، وكان معنا محمد العرادي، وبعد أسبوع اتصل تلفون الأخ محمد العرادي، وقال لي سمو الأمير يطلبك ولما أقبلت عليه كان مبتسماً، رحمه الله، وقال لي دققوها النواخذة، وقالوا لي ما فيها ولا خطأ واحد، وكل المقاسات والاتجاهات صحيحة ودقيقة، وإن شاء الله سأعطي أمراً لوزير التربية لاعتمادها في المناهج الدراسية، وخلال تلك الأيام، صار الغزو الغاشم على الكويت ودمروا وأحرقوا، وراح معاهم كل شيء.

قصة إعادة بناء بوم المهلب
ويقول العم صقر القطامي: بعد حرق بوم المهلب قال لي عبدالرحمن البدر، للأسف حالياً ما عندنا أي بوم، لذلك يجب أن نقترح على الشيخ جابر، رحمه الله، أن نصنع بوماً بدلاً من المهلب، وخلال لقائه اقترحت عليه، رحمه الله، ووافق على طول، وتم الاتصال على سفارتنا في دلهي، وكان وقتها سفيرنا ضرار الرزوقي لتسهيل مهمة الحصول على الأخشاب المطلوبة لإعادة بناء المهلب، واستمر هالحال 6 شهور في سفارتنا، وذلك بسبب منع خروج الأخشاب وأيضاً لعدم معرفتهم بقياسات الأخشاب وأنواعها، فاقترح سمو الأمير على عبدالرحمن البدر أن يجد حلاً لهذه المشكلة، فاقترح البدر على سموه ترشيح صقر القطامي لهذه المهمة، وخلال تلك الأيام اتصل رئيس مجلس الوزراء السابق الشيخ ناصر المحمد، وقال لي الأمير أعطانا أمراً بترشيحك للسفر إلى الهند لجلب الأخشاب لإعادة بناء المهلب، فوافقت بشرط أن يكون عملي تطوعياً، ولسوء الحظ ثاني يوم صارت مشكلات وخلافات كبيرة في الهند بين الإسلام والهندوس ، وبعد أيام ذهبت إلى الهند والتقيت في دلهي بمسؤولين من الكويت والهند، وأثناء المحاورة سألني المسؤول الهندي إن كانت الأخشاب التي أبحث عنها موجودة في بومبي، فقلت له الأخشاب اللي في بومبي ليست للسفن وإنما للأبواب والديكورات الخشبية، فقال لي إذن، أين موجودة؟ فقلت له في بيفور في كارلا، فقال لي هل تعرف كارلا، فقلت له هل أنت هندي.. أشك في ذلك، فذكرت له كل المناطق والموانئ الهندية إلى حدود باكستان «إلى أن طارت بوهته»! وسكت مرة وحدة.
وثاني يوم حضر الملحق التجاري في السفارة وذهبنا إلى وزير التجارة الهندي وسألني ما هي طلباتي؟ فقلت له «أخشاب» وهذه هي المقاسات والأحجام وأنواعها وسماكتها وعرضها، ثم ترجمت للوزير، ووقع عليها على طول، وعرضها على وزير الغابات ليعتمدها، وكانت نوعية الخشب صاج ومنتيج وفيني وجنقلي وصنوبر وفنص، وفي اليوم التالي ذهبت إلى السفارة الكويتية، وسألني السفير عن إتمام الطلبية، وما هي نتائجها؟ فقلت له «خلصنا» وهنا فوجئ، وقال لي صار لنا 6 شهور وما خلصنا وأنت خلال يومين خلصتها.. ويا فرحة ما تمت قام وسلمني ورقة فاكس من الديوان الأميري يقول فيها سيأتي شخصان أسماؤهما كذا وكذا لمساعدتك، علماً أني اشترط منذ البداية على رئيس مجلس الوزراء بألا يرسل لي أحداً، وكانت فكرتي اختيار بعض أصحاب الخبرة من أبناء البحر واللي يفتهمون باختيار الأخشاب، ولكن ماذا أقول، اختلفت الآراء، فاتخذت قراري وسافرت إلى دبي وبعدها أكمل الأخ سعود المرزوق باقي المهمة.
ويضيف العم صقر القطامي:
«أثناء بناء بوم المهلب طلبني الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، للقائه في المهلب وكان يسألني عن كل شيء، وكنت أتمنى أن يبنى له حوضاً عند الأبراج، ويكون مركزاً للبوم المهلب»، وبسؤاله كيف تحسب أوزان السفينة؟
يقول العم بومحمد، بوم الحمد «سليماني» بحريته 52 بحاراً وحمولته 5000 والسفن لها حسبة تكون كل 100 «من» لها رجل والــ 1000 «من» لها 10 رجال.

أول رحلة بحرية
وبسؤال العم بومحمد عن أول رحلة بحرية؟ وما هو اتجاهها؟ قال في الأربعينات كانت لي أول رحلة بحرية مع والدي النوخذة عبدالوهاب القطامي في أكبر وأشهر بوم «الداو»، وكان عمري آنذاك 14 عاماً، ووقتها كانت الحرب العالمية الثانية، وأتذكر وقتها أيضاً قصة الغواصة اليابانية التي ضربت السفن الكويتية، وأتذكر في آخر الموسم كنا مبحرين في البوم الداو، ومعانا سنيار بومين، واحد لمحمد الجارالله، والثاني من أهل قطر. وأتذكر في باخرة تنزل الحمولة في مسكت انضربت في الميناء، وتعرض بحارتها وعمالها إلى حوادث كبيرة.
وقال: كنا متجهين الى غوا للتموين بالماء والمأكل ومن ثم نعبر وهذا وضع وحال كل السفن، وفي اخر ايام الموسم عبرنا، وبعد يومين من رحلتنا ضربنا طوفان وكنا بالمحيط، ولكن البوم لم يكن باستطاعته الصمود فقرر الوالد ان نرجع، اما باقي الابوام فانزلوا اشرعتهم الكبيرة واستبدلوها بأشرعة صغيرة ودخلوا المحيط ولسوء حظهم طلعت لهم «واجهوا» الغواصة وكانت السفن الكويتية ترفع اعلامها الحمراء فضربتهم الغواصة وانقذتهم الماشوه الصغيرة وبمرور احدى السفن اوصلوهم الى بومباي وبعد ايام وهناك اكدوا لتجار السفن انهم تعرضوا لهجوم من الغواصة واغرقت الابوام.
وقال: اول سنة ركبت مع والدي في بوم الداو وبعدها بسنتين ركبت سنتين مع اخي النوخذة ناصر في بوم البدري، وبعدها ركبت مع اخي النوخذة يوسف في بوم السليماني ملك الحمد، وفي عام 1951 اصبحت نوخذة سفر الى عام 1952 حتى توقفت السفن الشراعية وظهور النفط.
وعن اجرة النوخذة والبحار يقول العم بو محمد.. النوخذة يأخذ 4 اسهم والمجدمي العود يأخذ من سهمين الا ربع السهم الى سهم ونصف، والبحار يأخذ سهما واحدا، والطباخ يأخذ سهما وثلت السهم، والقلاف ياخذ سهما ونصف السهم.. وتبقى علاقة النوخذة مع البحارة والعاملين معه علاقة انسانية اساسها الود والتعاون والاحترام ودائما يتفقدهم ويطمئن على احوالهم.
وبسؤاله، هل تذكر احد من بحارتك او المجدمية؟ يقول العم صقر القطامي: في اول سنة اتذكر ركب معاي مجدمي عباس بن عثم ومجدمي خميس الجيماز في بوم «الباز» سفينة شراعية، اما السفن اللي فيها ماكينة ركب معاي مجدمي ماجد الحملي وعبدالله بو خضور من البحرين وكانت الماكينة بقوة 150 حصانا وحجمها طول الريال وسرعتها من 5 الى 7 اميال.

أطول رحلة
يقول العم صقر القطامي.. في إحدى رحلاتنا البحرية على السفن الخشبية وفي وسط المحيط الهندي انكسرت الماكينة، فقمت بقياس موقعنا فوجدت ان أقرب مدينة لنا هي كراتشي فاستخدمنا الشراع لمدة 12 يوما حتى وصلنا كراتشي بسلامة.
وبسؤاله عن أطول رحلة وأصعب رحلة على السفن الكويتية؟ يقول.. من منقرور إلى ممباسة أطول عبرة وأصعبها وهذه مذكورة في الخريطة.
وقال.. أبحرت إلى كراتشي وبور بندر وكاليكوت وغيرها الكثير من المدن والمواني.

بقلة البدري
يقول القطامي من اشهر الابوام في تاريخ الكويت واكبرها «الداو»، ومن كبر حجمه ما قدروا يدخلونه النقعة الى ان خفوا من رفعه ثم انزلوه النقعة، وايضا بوم «سليماني» للحمد حمولته 5000 من تمر، وكذلك بوم الخرافي «الناصري» و«تيسير»، بوم العثمان وبوم القضيبي «رشيد» نوخذاه صقر القضيبي وكذلك بوم «العماني» وغيرها من الابوام التي كان لها دور كبير في تاريخ الكويت البحري.

أمنية
يقول النوخذة العم صقر القطامي: كل إنسان لديه أماني، ومن أمنياتي التي أرجو أن تتحقق تشجير الجزر، وعل‍ى سبيل المثال الكوناركاربس أو الكينيا تنمو بسرعة، ولا تحتاج تكلفة، ولا تأثير لها على البيئة، وفيها يربى الطير والخضرة، ويتمتع الناس بظلالها وجمالها.

نوخذة درجة «أ» و«ب»
يروي لنا النوخذة القطامي، الذي حصل على «اجازة نوخذة درجة «أ»و«ب» في 12 أبريل عام 1961 من دائرة الموانئ العامة - حكومة الكويت»، قصة بيع «البقلة» البدري على أحد تجار عدن بعد ان خدمت لأكثر من سبعة عقود من الزمان، وآن تقاعدها عن العمل، بأن الشاري، وهو من أحد أعيان ومن كبار تجار عدن في تلك الأيام، من عائلة بازرعه الذي اشترط على شقيقي النوخذة ناصر، رحمه الله، أن يعبر بها المحيط الهندي إلى النيبار بقصد شحن أخشاب لصناعة السفن من كلكوتا إلى عدن، فتم له ما أراد واستلم «البقلة» مع حمولتها.

ما زلت أدخل البحر
يقول العم صقر القطامي: رغم كبر سني، فإنني ما زلت عاشقاً للبحر وأدخل البحر للحداق، وعندي طراد، ومحادقي كانت بعيدة، ولكن حالياً بحكم السن أصبحت محادقي قريبة، وأطلع من نادي اليخوت إلى محادق الكرسة ومقابل الأبراج وعوهة، وإذا كان الهوا تارس يكفيني فقط أجابل البحر، ومن المتعارف عليه أن السمكة في البرد تدخل للقزر بحثاً عن الدفا ومتفائلين بشهر 2، ومع دخول النقرور شهر 3.

ضربة الأحيمر للسفن الشراعية
يقول النوخذة العم صقر القطامي: معظم سفن السفر تخرج من البصرة في شهر 9 وتستمر الى اول شهر 6، خاصة الاتية من افريقيا، واطول رحلة لي كانت من الكويت الى البصرة لتحميل التمر، ومن ثم الى كاليكوت الى الكويت.
والتمر انواع، منه اللي يتأخر الى اواخر شهر اكتوبر ويسمونه «الزهدي» وهذا النوع اذا حملناه ننزل في رأس الفاو حتى تتجمع السفن وتتراوح من 20 الى 40 سفينة وننتظر نهاية رياح الاحيمر، لانه من المتعارف عليه ان ضربة الاحيمر تهب في تاريخ 11/11، لذلك ننتظر ضربتها وبعدها بأيام تسير السفن.. واتذكر اول سنة لي وكنت شابا وجريئا.. طلعت وما انتظرت الاحيمر.. ونهار ثالث بعد طلعتي من شط العرب تعرضت لضربة الاحيمر ومزقت الشراع وبقينا نروح لولا ان لطف بنا رب العباد.. وبعدها رسونا في بندر لمدة 3 ايام لاصلاح السفينة، ونهار 25 يوم وصلنا قبل السفن كلها في بوربندر «خورميان».. وكما تعلم السفن تتسابق بالوصول من اجل مصلحتها.. ومن يصل قبل الاخر ينزل السوق عليه وبيعه اكثر.. واتذكر كان معنا سنيار «المهلب» بقيادة النوخذة عيسى النشمي.

قصص ما زالت في ذاكرتي
يقول العم بومحمد.. قصص ومواقف البحر كثيرة وبعضها ما زال في ذاكرتي.. وأتذكر في إحدى الرحلات مع أخي النوخذة ناصر القطامي وكنا محملين بوم وشار جديد شريناه من حجي أحمد القلاف، وأتذكر لم ندفع قيمته بالكامل آنذاك.. وأتذكر حملناه بانزين طيران من الكويت ووقتها أتذكر ان بوم الغانم احترق بسبب هذا البنزين، و أثناء سفرتنا وضعناه في الخن وسكرنا عليه وسافرنا، والعادة السريدان المخصص للطبخ يضعون تحته شينكو ويفرشون فوق الشينكو رماد وفوق الرماد يضعون الفش «الفلين» العازل ومن العيله نسوا هذه الأمور ونهار ثاني بعد طلعتنا من الكويت وكان الهواء شمال وتارس وقت العصر صاح النوخذة «انكبوا العشا ويصيح راعي السكان «انجب» بمعناه «حطوا العشا» وأتذكر أحد البحارة حس بحرارة. ولما نظر تحته واذا النار مشتعلة لان السريدان تآكل خشبه وسقط الجمر على الدك فقام بالصراخ وصاح البحارة رشوا الماء على النار وقلبوا السريدان ونزلنا الخن ولله الحمد، لم تصل النيران الى البنزين، واتذكر كان الارز منجوب «بالصواني» والمرق بالبوادي ولله الحمد الله ستر ولم تصل النيران، ومن الخرعة قلوبنا راحت واستمرينا طوال الليل من غير شراع الى ان قمنا باصلاحه.
وايضا اتذكر كنا معلين من مومباي وضربنا طوفان عاصفة من رياح وامواج فاضطررنا لالقاء حمولتنا كلها، وكنا محملين خردوات من قماش وصابون وروائح وغيرها، واستمرينا على هالحال 3 ايام، ومن قوة العاصفة انكسر الدقل ومعظم البحارة مرضوا.. وهذه الحمولة كانت لاحد التجار اليهود في البصرة واسمه «عدس»، ولما وصلنا الكويت اخبرنا ديكسن بالحادثة وزودناه بموقعنا (موقع الحادثة) وتاريخها، ومن ثم تأكد من البحرية البريطانية ان طوفان ضرب السفن الشراعية وزودنا بشهادة، ولما توجهنا للبصرة قابلنا الوكيل وكان معترضا في البداية الى ان اقتنع من اخي النوخذة ناصر مع شهادة المعتمد البريطاني حتى دفع لنا الاجرة.



إجازة النوخذة صقر القطامي عام 1961



القطامي يرافق الامير الراحل جابر الاحمد في بوم المهلب



بقلة البدري
__________________
رد مع اقتباس