عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 02-05-2009, 02:00 PM
الصورة الرمزية سعدون باشا
سعدون باشا سعدون باشا غير متواجد حالياً
عضـو متميز
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
الدولة: دولة الكويت
المشاركات: 788
افتراضي الإنقلاب الأول على الدستور - للكاتب أحمد الديين

سلسلة كتبها الكاتب

في جريدة الرأي العام


الانقلاب الأول على الدستور
(1 من 5)
تمر هذه الأيام الذكرى السنوية الثلاثون لأول انقلاب على دستور 1962، وهو حدث تاريخي مفصلي خطير، أحسب أنّ غالبية شبابنا الكويتي لا تُلِمّ بظروفه وملابساته وأحداثه، كما أنّ كثيرين من جيلنا، الذي شهد ذلك الحدث المرير وعاشه، ربما قد نسوا مع مرور السنوات والأحداث كثيراً من تفاصيله، بحيث أجد أنّه من المناسب الآن بعد انقضاء ثلاثين سنة أن أتناوله في المقالات الخمسة المتتالية خلال هذا الاسبوع، فلعلّها تكون عبرة وعظة ودرساً يُستفاد منه!

خلال العطلة الصيفية لمجلس الأمة الرابع، الذي كانت جلسته الأخيرة قبل مباشرته العطلة قد شهدت تبادل عبارات الثناء والمجاملة حول التعاون الايجابي بين السلطتين في كلمتي رئيس مجلس الأمة حينذاك المغفور له خالد الغنيم، ونائب رئيس مجلس الوزراء المغفور له الشيخ جابر العلي السالم...وفجأة، ومن دون مقدمات، جرى الإعلان عبر الإذاعة والتلفزيون صبيحة يوم الأحد، الرابع من شهر رمضان المبارك من العام الهجري 1396 الموافق 29 أغسطس 1976، عن رفع سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء حينذاك المغفور له الشيخ جابر الأحمد كتاب استقالة الحكومة إلى صاحب السمو الأمير الأسبق المغفور له الشيخ صباح السالم، متضمناً اتهامات شديدة إلى مجلس الأمة بأنّه المسؤول عن «تعطل النظر في مشروعات القوانين، التي تراكمت مدة طويلة لدى المجلس ولم يتيسر لأغلبها أن يرى النور بالرغم من أهميتها الحيوية»، وأن «الكثير من الجلسات، التي يعقدها المجلس تضيع من دون فائدة، كما أصبح التهجم والتجني على الوزراء والمسؤولين دون وجه حق همّ الكثيرين من الأعضاء، وأصبح من الصعب على الوزراء الاستمرار في العمل»

وفي اليوم ذاته ألقى المغفور له صاحب السمو الأمير الأسبق الشيخ صباح السالم، الذي كان قد عاد قبل فترة وجيزة من رحلة علاج في الخارج، خطاباً عبر الإذاعة والتلفزيون تضمن نقداً شديداً لمسار الحياة الديموقراطية.

وجرى الإعلان أيضاً عبر الإذاعة والتلفزيون ومن خلال طبعة خاصة مجهّزة من الجريدة الرسمية «الكويت اليوم» عن إصدار مجموعة من الأوامر الأميرية، بعضها كان دستورياً، وهما الأمران الأميريان بقبول استقالة رئيس مجلس الوزراء وإعادة تعيين الشيخ جابر الأحمد رئيساً لمجلس الوزراء، وبعضها الآخر غير دستوري، حيث قضى أحدهما بتعليق العمل بعدد من مواد الدستور، وتعطيل الحياة النيابية، وقضى الآخر بإصدار تعديل على قانون المطبوعات والنشر لإضافة المادة 35 مكرر بما يتيح للحكومة تعطيل الصحف إدارياً.

إذ أوقف الأمر الأميري غير الدستوري في مادته الأولى العمل بأحكام مواد الدستور 56 فقرة 3، و107، و174، و181، وليس الدستور كله، وإن كان الأمر سيّان... فيما قررت مادته الثانية حلّ مجلس الأمة، حلاً غير دستوري، وتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة لمجلس الأمة بموجب الدستور... وقضت المادة الثالثة من الأمر الأميري غير الدستوري بصدور القوانين بمراسيم أميرية، ويجوز عند الضرورة إصدارها بأوامر أميرية، التي لا تمثل أداة دستورية لإصدار المراسيم بقوانين.

ونصت المادة الرابعة على أن «يصدر مرسوم بتشكيل لجنة من ذوي الخبرة والرأي للنظر في تنقيح الدستور لتلافي العيوب، التي أظهرها التطبيق العملي وتوفير الحكم الديموقراطي السليم والحفاظ على وحدة الوطن واستقراره، على أن يكون التنقيح متفقاً مع روح شريعتنا الغراء، مأخوذاً من تقاليدنا العربية الكويتية الأصيلة»

وحددت المادة الخامسة فترة عمل لجنة تنقيح الدستور بستة أشهر من تاريخ تشكيلها، وأن ترفع مقترحاتها إلى الأمير بعد موافقة مجلس الوزراء، ويعرض المشروع على الناخبين للاستفتاء عليه أو يعرض على مجلس الأمة المقبل لإقراره خلال مدة لا تزيد على أربع سنوات، أي حتى العام 1980

فما أسباب ذلك الانقلاب الأول غير الدستوري؟ وما ملابساته؟ وكيف كانت تداعياته؟


الانقلاب الأول على الدستور
(2 من 5)
ظروف وعوامل
إذا حاولنا أن نبحث عن تفسير نحدد خلاله السبب الوحيد أو المباشر، الذي أدى إلى الانقلاب الأول على الدستور في أغسطس من العام 1976، فسنجد أنّه من الصعب الوصول إلى مثل هذا السبب الوحيد أو المباشر.

فمجلس الأمة كان في عطلته الصيفية، ولم تكن هناك علاقة متوترة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال دور الانعقاد السابق للعطلة وللحلّ غير الدستوري، بل لقد كانت هناك إشادة صريحة عن تعاون المجلس مع الحكومة وردت على لسان المغفور له الشيخ جابر العلي السالم نائب رئيس مجلس الوزراء، في كلمته، التي ألقاها خلال الجلسة الختامية.

ومن ثَمَّ لابد لنا في مثل هذه المحاولة للبحث عن تفسير لسبب وقوع ذلك الانقلاب من أن نتناول الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحلية، والظروف الإقليمية المحيطة، التي كانت قائمة منتصف سبعينيات القرن العشرين، فلعلّها تساعدنا في فهم العوامل، التي أدت إلى وقوعه وساهمت في الاندفاع نحوه.

ففي ذلك الوقت تبين أن أمير الكويت الثاني عشر المغفور له الشيخ صباح السالم يعاني من مرض خطير.

وكانت هناك مراكز نفوذ داخل الأسرة الحاكمة تتنافس على مستقبل ولاية العهد، بعد وفاة الأمير وتولي ولي العهد المغفور له الشيخ جابر الأحمد مسند الإمارة، حيث كان الشيخ جابر العلي السالم نائب رئيس مجلس الوزراء حينذاك يمثل أبرز تلك المراكز المتنافسة، خصوصاً بما يمتلكه من صلات وثيقة مع عدد من أعضاء مجلس الأمة من أبناء القبائل... ناهيك عن أنّ هناك تجربة تاريخية مشهودة كشفت مقدار النفوذ النيابي للشيخ جابر العلي السالم في مجلس الأمة الأول، عندما حرّك كتلة الثلاثين نائباً، التي عارضت أداء حكومة ديسمبر 1964 يمين القسم الدستوري أمام مجلس الأمة، بحجة مخالفتها المادة 131 من الدستور، لكونها تضم وزراء من النخبة التجارية، مما أدى إلى سقوط تلك الحكومة.

وأجد هنا من المناسب أن أشير إلى أنّ تفسيراً رائجاً بأنّ هناك طرفين استُهدِفا بتزوير انتخابات 25 يناير من العام 1967: الأول هم نواب المعارضة بزعامة الدكتور أحمد الخطيب، والطرف الثاني هو الشيخ جابر العلي السالم نفسه، بهدف تقليص نفوذه النيابي... ولكنه سرعان ما استعاد ذلك النفوذ في مجلسي الأمة الثالث 1971 والرابع 1975

وعلى الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي، شهد منتصف السبعينيات تعاظماً في إيرادات الدول النفطية إلى مستويات قياسية، مما زاد من الإمكانات المالية الهائلة للدولة الكويتية المتاحة لكسب الولاء السياسي والضبط الاجتماعي.

وفي الوقت نفسه، وهذا هو الأهم، برزت على السطح فئات طفيلية منتفعة جديدة ضمن الطبقة الرأسمالية، تعتمد على صلة أشخاصها بالحكم واستفادتهم منه، حيث شكلت هذه الفئات الطفيلية القاعدة الاجتماعية للتوجه المناهض للتطور الديموقراطي في البلاد، بل كانت المحرض الأبرز ضد وجود حياة دستورية ونيابية، على خلاف الدور التاريخي للنخبة التجارية، التي ساهمت في الدفع باتجاه قيام الحياة الدستورية والنيابية.

وأما على المستوى الاقليمي فقد شهد الوطن العربي في تلك الفترة أحداثاً خطيرة، بدءاً من الحرب الأهلية في لبنان... مروراً بحلّ «المجلس الوطني» المنتخب وتعطيل الحياة الدستورية الوليدة في البحرين... وصولاً إلى التوجهات الانفرادية الاستسلامية للرئيس المصري السابق أنور السادات، التي توجها بعد ذلك باتفاقيات كامب ديفيد.

وهذه التطورات الإقليمية اقتضت بالضرورة إحداث ترتيبات محلية تتوافق معها في العديد من بلدان المنطقة، وبينها بالطبع الكويت وسط تلك الظروف شهدت الكويت الانقلاب الأول على الدستور في 29 أغسطس من العام 1976


الانقلاب الأول على الدستور
(3 من 5)
المعارضة الشعبية
صبيحة يوم الأحد 29 أغسطس من العام 1976، وبالتزامن مع إذاعة استقالة الحكومة وخطاب الامير وإعلان الأوامر الأميرية غير الدستورية، دعا وزير الشؤون الاجتماعية والعمل حينذاك الشيخ سالم صباح السالم إلى اجتماع عام حضره ممثلو النقابات والجمعيات والهيئات الشعبية لشرح مبررات تلك الإجراءات والطلب من ممثلي المجتمع المدني تأييدها، أو على أقل تقدير عدم معارضتها.

وهنا نسجل للتاريخ أنّ أول موقف شعبي معارض معلن لذلك الانقلاب تمثّل في كلمة المغفور له الأخ ناصر الفرج رئيس الاتحاد العام لعمال الكويت، الذي كان حاضراً الاجتماع مع زميله القيادي النقابي الأخ حسين اليوحة، حيث ردّ على حديث الوزير وأعلن باسم الحركة النقابية العمالية رفضه تلك الإجراءات غير الدستورية.

كما تصدّى بعض الصحف والمجلات لتلك الإجراءات غير الدستورية، فردّت الحكومة بتعطيلها إدارياً وفقاً للأمر الأميري باستحداث المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات، وهذه الصحف هي: «الوطن»، و«الطليعة»، و«الرائد»، و«الاتحاد»، و«الرسالة»، و«الهدف».

وكذلك أصدرت سبع من الهيئات الشعبية بياناً طالبت فيه «بعودة الشرعية والحكم الدستوري، واسترداد المكاسب الديموقراطية بأسرع وقت»، وهذه الهيئات هي:

الاتحاد العام لعمال الكويت
ورابطة الأدباء
وجمعية المحامين
وجمعية الصحافيين
ونادي الاستقلال
وجمعية المعلمين
والاتحاد الوطني لطلبة الكويت


وكانت قيادة الاتحاد وقتها تتكون من العناصر التقدمية.

وقام قياديو الاتحاد العام لعمال الكويت بتوزيع نسخ عديدة من البيان في بعض مناطق الكويت وعلى المصلين في المساجد خلال شهر رمضان، حيث لم تنشر الصحف، التي استمرت في الصدور ذلك البيان.

فردّت الحكومة باعتقال موزعي البيان وعدد من أعضاء المجلس التنفيذي للاتحاد، وهم (وفقاً للترتيب الهجائي) الإخوة:

ثابت الهارون
وجلال السهلي
وحسين اليوحة
ورجا العتيبي
وعلي الكندري
وناصر ثلاب الهاجري
وناصر الفرج
ونهار عامر المحفوظ

وبعد عشرة أيام من الاعتقال والتحقيق في المباحث ثم إحالة القضية إلى النيابة العامة ونقل المتهمين إلى السجن المركزي، بادر المغفور له الشيخ جابر العلي السالم نائب رئيس مجلس الوزراء إلى التحرك لإطلاق سراح المعتقلين من القياديين النقابيين، فيما شمل التحقيق بعد ذلك قيادات الهيئات الشعبية الأخرى الموقّعة على البيان.

وفي وقت لاحق قامت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بحلّ مجالس الإدارات المنتخبة للجمعيات الموقّعة على البيان المعارض للإجراءات غير الدستورية، وفرضت مجالس إدارات معينة عليها، ثم أصدرت في العام 1977 قراراً تعسفياً بحلّ نادي الاستقلال، الذي كان مركز تجمع عناصر المعارضة التقدمية، أما الاتحاد العام لعمال الكويت، فلم يتم حلّه لأسباب تتصل بأحكام قانون العمل، التي تشترط صدور حكم قضائي بالحلّ.

واللافت للانتباه هنا ثلاث ملاحظات: أولها، أنّ أعضاء مجلس الأمة المنحلّ أنفسهم، لم يبدوا رد فعل فورياً على قرار الحلّ والاتهامات الحكومية الموجهة ضدهم، كما أنهم لم يعلنوا رفضهم للإجراءات غير الدستورية.

ولاحقاً بعد مضي نحو سنة، رفع 18 نائباً مذكرة إلى الأمير أكدوا فيها ضرورة عودة مجلس الأمة المنحل وفقاً للمادة 107 من الدستور، وعدم جواز تعطيل أي حكم الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية وفقاً للقانون.

والملاحظة الأخرى، أنّ بعض الشخصيات الوطنية المعروفة بمواقفها المؤيدة للديموقراطية قد شارك في التشكيلة الوزارية غير الدستورية، ومعظمهم كان عضواً في التشكيلة الوزارية، التي كانت قائمة قبل الحلّ.

والملاحظة الثالثة، أنّ «جمعية الخريجين» لم تشارك في التوقيع على بيان الهيئات الشعبية، وكذلك «جمعية الإصلاح الاجتماعي»، التي كانت تمثل تحالف العناصر المتدينة المحافظة القريبة من توجهات الإخوان المسلمين، بينما شارك رئيس جمعية الإصلاح السيد يوسف الحجي في عضوية مجلس الوزراء غير الدستوري؛ حيث تولى حقيبة الأوقاف.


الانقلاب الأول على الدستور
(4 من 5)
فشل التنقيح ونهاية الإنقلاب
لم تمض سنوات قليلة على وقوع الانقلاب الأول على الدستور في 29 أغسطس من العام 1976 حتى شهد إقليم الخليج مجموعة من الأحداث والتطورات والأحداث، التي كانت لها انعكاساتها وتأثيراتها المهمة على الوضع الكويتي، من بينها:

إطاحة نظام شاه إيران ونجاح الثورة وقيام الجمهورية الإسلامية والأحداث الدامية، التي شهدها الحرم المكيّ الشريف بقيادة جهيمان العتيبي ذي الوجهة السلفية، ومشاركة بعض الكويتيين فيها...والانتفاضة الشعبية، التي اندلعت في المنطقة الشرقية من السعودية ذات التركز السكاني الشيعي.

كما شهدت الكويت في الوقت ذاته مجموعة من الأحداث والتطورات المهمة، من بينها:

سلسلة الاجتماعات الجماهيرية الحاشدة في مسجد شعبان خلال خريف العام 1979، التي قادتها عناصر التيار المتأثر بالثورة الإيرانية... والمسيرة الاحتجاجية غير المسبوقة، التي قامت بها الدفعة الأولى من المجندين الكويتيين.

حيث انطلقت سيراً على الأقدام من معسكرات الجيش في «الجيون» إلى منزل سمو الشيخ سعد العبداللّه، الذي كان قد أصبح في العام 1978 ولياً للعهد ورئيساً لمجلس الوزراء بعدما جرى حسم الأمر لصالحه في إطار الأسرة.

وذلك بعد وفاة الأمير الأسبق المغفور له صاحب السمو الشيخ صباح السالم وتولي المغفور له صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد مسند الإمارة، بحيث جرى تقليص نفوذ المنافس الأبرز المغفور له الشيخ جابر العلي السالم، الذي كان حلّ مجلس الأمة يستهدف من بين ما يستهدفه الحدّ من نفوذه في صفوف النواب، وترتيب أمور خلافة الحكم في إطار الأسرة وخارج نطاق الإجراءات الدستورية وبمعزل عن الدور المقرر لمجلس الأمة وفقاً لقانون توارث الإمارة...وهذا ما تمّ فعلاً.

وبذلك اكتشف الحكم صعوبة استمرار الوضع الناشئ عن الانقلاب على الدستور على ما هو عليه، خصوصاً بعدما تمّ حسم أمر ولاية العهد، فصدر في العاشر من فبراير من العام 1980 مرسوم أميري ينص في مقدمته على السعي لتمكين الشعب «من استئناف حياته النيابية على أسس أكثر صلابة وأقدر على تيسير انطلاق العمل الوطني في إطار من سيادة الدستور واحترام حقوق المواطنين وحرياتهم وكرامتهم» وتأمين «التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية تعاوناً يجنب البلاد عواقب السلبيات، التي تعرضت لها الممارسة النيابية»، كما قضى المرسوم بأن تُشكّل لجنة للنظر في تنقيح الدستور، وأن تضع اللجنة تقريراً بتوصياتها متضمناً نصوص المواد المقترحة ومشفوعاً بمذكرة تفسيرية توضح أسباب التعديل ومبرراته، ويُرفع التقرير إلى رئيس مجلس الوزراء خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخ المرسوم، وأن تبدي اللجنة رأيها مسبباً في مشروعات القوانين، التي يرى مجلس الوزراء عرضها عليها.

وبالفعل جرى تعيين أعضاء هذه اللجنة، التي أنهت أعمالها في 22 يونيو من العام 1980، حيث عقدت 18 اجتماعاً، واطلعت على 13 مقترحاً مقدماً من الحكومة لتنقيح بعض مواد الدستور تستهدف تقليص السلطات التشريعية والرقابية لمجلس الأمة مقابل تعزيز الضمانات الدستورية للحكومة وتوسيع نطاق صلاحياتها، بالإضافة إلى اطلاعها على مقترح آخر مقدّم من أعضاء في اللجنة.

ولكن على خلاف ما توقعه الحكم وخطط له، فقد رفضت اللجنة المعيّنة معظم الاقتراحات الحكومية في شأن تنقيح مواد الدستور وأوصت في تقريرها النهائي بتنقيح مادتين دستوريتين فقط، هما:

المادة الثانية من الدستور، بحيث تصبح «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع»

بدلاً من كونها مصدراً رئيسياً، وهو أمر لم يكن ضمن التعديلات الحكومية المقترحة... والمادة 80 من الدستور لزيادة عدد أعضاء مجلس الأمة المنتخبين من 50 إلى 60 عضواً، التي لم تكن من بين الأهداف الأساسية لمحاولة تنقيح الدستور.

وأمام هذا الوضع اكتشف الحكم صعوبة مواصلة نهج الانقلاب على الدستور، ومحاولة فرض تنقيحه من خارج إطره المقررة


الانقلاب الأول على الدستور
(5 من 5)
تبعات وتركة ثقيلة
بعدما اكتشف الحكم صعوبة مواصلة نهج الانقلاب على الدستور ومحاولة فرض تنقيحه من خارج أطره المقررة، فقد صدر في 24 أغسطس من العام 1980 أمر أميري يقضي بدعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد خلال مدة لا تتجاوز شهر فبراير من العام 1981، إلا أن الحكم لم يتنازل عن مشروعه لتنقيح عدد من مواد الدستور، وحرص على ترتيب الأوضاع الانتخابية بحيث يأتي مجلس الأمة الجديد خالياً ما أمكن من نواب المعارضة الوطنية من جهة، وأن يوافق على تنقيح الدستور من جهة أخرى.

ومن بين التركة الثقيلة للانقلاب الأول على الدستور مجموعة من الأوامر الأميرية والمراسيم بقوانين المقيدة للحريات أو الهادفة إلى إفساد النظام الانتخابي، وأسوأها ثلاثة:

-الأول، هو الأمر الأميري بالقانون رقم 59 لسنة 1976 بشأن إضافة مادة جديدة إلى قانون المطبوعات والنشر، هي المادة 35 مكرر، التي تجيز التعطيل الإداري للصحف من دون حاجة لصدور حكم قضائي بذلك... وقد تمكّن مجلس الأمة من إلغاء هذه المادة المقيدة للحريات عندما رفض ذلك الأمر الأميري في مايو من العام 1982.

-والثاني، هو المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات، الذي قيّد الاجتماعات العامة والتجمعات على خلاف ما قرره الدستور، واستمر قائماً طوال ربع قرن، إلى أن قضت المحكمة الدستورية هذا العام بعدم دستوريته في القضية الشهيرة للمحامي الحميدي السبيعي ومبارك الوعلان.

-والثالث، هو المرسوم بقانون رقم 99 لسنة 1980 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية، الذي ألغى نظام الدوائر الانتخابية العشر وفتتها إلى خمس وعشرين دائرة صغيرة، مما أدى إلى إفساد النظام الانتخابي وتخريب العملية الانتخابية، واستمر هذا النظام الفاسد والمعبوث به قائماً طوال ربع قرن، إلى أن تمكّن الشعب الكويتي وقواه الشبابية والطلابية والسياسية والنواب المؤيدون لإصلاح النظام الانتخابي من إسقاطه عبر حركة «نبيها خمس».

وأما عن مصير مشروع الحكم لتنقيح الدستور، فقد أعاد الحكم الكَرَّة عقب عودة العمل بالدستور والحياة النيابية في 23 فبراير من العام 1981 فقدمت الحكومة مشروعاً لتنقيح الدستور في 5 أبريل من العام 1982، حيث استمر مدرجاً على جدول أعمال مجلس الأمة فترة من الزمن، وتم التصويت على مبدأ التنقيح في جلسة 14 ديسمبر من العام 1982، ووافق على المبدأ 37 عضواً بينهم الوزراء، أي نحو 21 نائباً منتخباً من النواب المحسوبين على الحكومة والمقربين إليها.

وعارض مبدأ الـــتنقيح 27 عضواً، هم غالبية النواب المنتخبين من مختلف التوجهات.

وتضمّن المشروع الحكومي لتنقيح الدستور تعديل المواد 50، 65، 66، 69، 71، 73، 80، 83، 87، 91، 93، 95، 100، 101، 104، 105، و112 من الدستور، بما يؤدي إلى توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية وتقليص صلاحيات السلطة التشريعية.

وعندما درست لجنة الشؤون التشريعية والقانونية في مجلس الأمة المشروع الحكومي قررت رفضه، مما دفع الحكومة، في نهاية الأمر، إلى سحبه قبل التصويت عليه من حيث الموضوع.

وترافق ذلك مع تحرك شعبي معارض لمشروع تنقيح الدستور عبرت عنها اجتماعات الهيئات الشعبية مع أعضاء مجلس الأمة لحثهم على رفض المشروع، والمذكرة التاريخية الشهيرة الموجهة إلى المجلس من زعيمي المعارضة التقدمية (خارج المجلس) الدكتور أحمد الخطيب وجاسم القطامي، والدراسات المنشورة لبعض الفقهاء الدستوريين الكويتيين من معارضي مشروع التنقيح، والندوات السياسية، التي نظمتها المعارضة، وهذه المعارضة الشعبية، مع أنها لم تكن تشمل ألوان الطيف السياسي جميعه، مثلما هي الحال لاحقاً في حركة المطالبة بعودة العمل بالدستور في نهاية الثمانينات وبداية التسعينيات، إلا أنها شكلت عنصر ضغط جدياً حال دون نجاح مشروع التنقيح، الذي كان أحد أهم أهداف الانقلاب الأول على الدستور.

ولم تكن تلك هي النهاية، إذ سنتوقف ذات يوم، مثلما توقفنا في مقالاتنا خلال هذا الأسبوع، أمام الانقلاب الثاني على الدستور، الذي وقع في الثالث من يوليو من العام 1986، لنلقي الضوء على أحداثه ومسبباته وملابساته وتداعياته.
لا أعاد الله الانقلابين وزمنهما الأغبر


المصدر
سلسلة كتبها الكاتب أحمد الديين
في جريدة الرأي العام
__________________
<img src=http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/127526942620100531.jpg border=0 alt= />
رد مع اقتباس