عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 09-04-2010, 02:26 AM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي المرحوم محمد أحمد المشاري كما عرفته (1934ــــ 2000)

قبل شهور خلت كتبت عن السيد المرحوم محمد سالم العتيقي، وقلت في ذلك البحث: محمد سالم العتيقي كما عرفته واحببت ان اعيد ذاكره للذاكرين.
واليوم اعيد البحث للحديث عن زميل آخر كان وايانا في المدرسة القبلية هو المرحوم محمد أحمد خالد المشاري.
أتذكر في سنة 1945 وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية، اوقفونا في طابور الصباح بعد سقوط المانيا في الحرب العالمية الثانية وكان المرحوم ناظر او مدير المدرسة القبلية عبدالملك الصالح يلقي علينا كلمة بمناسبة انتهاء الحرب، حيث انهزمت المانيا، وان ايام العسر ستنقضي.


كنا نقف مجموعة من الطلبة في هذا الطابور وخصوصاً اننا فصلنا وكان بجانبي المرحوم محمد العتيقي الضابط والتاجر السابق ومحمد علي الحمد وكيل وزارة الكهرباء السابق ومحمد أحمد المشاري السفير السابق وغيرهم من زملائنا في هذه المدرسة وهذا الفصل كانت المدرسة القبلية هي رابع مدرسة حكومية في الكويت: المباركية في الوسط والشرقية في شرق والاحمدية في البحر في اليسرة قبله والقبلية في الصهيد (هذه المنطقة تسمى الصهيد) قديماً.
تعرفت على المرحوم الزميل محمد المشاري في الفصل الذي ندرس فيه ولما كنا نخرج من المدرسة ونتيجة الى طريق مشترك حيث منزلهم قرب (بازين خانة) محطة البنزين، ونحن نواصل السير الى المرقاب فكنا اصحاب رفقة.
وقد توثقت العلاقة معه لانه يمتاز باخلاق عالية وصفات حميدة كان هادئا صافياً لا يتكلم الكثير وصوته منخفضاً.
أتذكر والده المرحوم أحمد خالد المشاري الرجل المثالي الذي كان يزور المدرسة القبلية كل اسبوع مرة لزيارته صديقه ناظر ومدير المدرسة عبدالملك الصالح ولما كبرت عرفت سر العلاقة، حيث كان الاثنان يدرسان في الهند، وهناك تعرف أحمد المشاري على عبدالملك حيث قدم عبدالملك الصالح للدراسة في الهند جاء في الزبير بعثة والده وفي الهند توثقت العلاقة ولما انهينا دراستها حبب أحمد المشاري لعبدالملك العمل في الكويت حيث مستقبل الكويت موعود، وعندما تبوأ أحمد المشاري بفضل نشاطه التجاري ومكانته الادبية واصبح عضوا فعالا في التعليم (مجلس المعارف) اقترح عبد الملك الصالح ان يكون ناظراً لمدرسة القبلية لانه كان مدرسا في المدرسة المباركية اقترحه خلفا لناظر المدرسة عبد العزيز العتيقي الذي رغب في ان يكون في قرية الفحيحيل، حيث الهدوء وكبر سنه بعد ان أدى دورا كبيرا في عالم السياسية العربية مع محب الدين الخطيب ورشيد رضا في تلك الحقبة من الزمن.
تسلم عبد الملك الصالح القبلية، واحسن الابوية والتوجيه والادارة في هذه المدرسة.
كنت اتذكر انه كانت تخرج (طاقات ربطات) القماش من الخام لتوزع على الطلبة الفقراء، ليصنعوا لهم دشاديش يلبسونها في فصل الشتاء القارس.
هذا هو احمد المشاري الاديب الكريم التاجر الشاعر الذي ترسم ابنه الثاني محمد حيث الاول خالد على خطا والده بعد ان انهى محمد احمد المشاري دراسته في القبلية ثم الثانوية توجه الى مصر لدراسة التجارة، وكنا ايضا هناك نلتقي، وكانت لقاءاتنا مع المرحوم الشيخ حمد الجاسر، ونجلس معاً على النيل في مقهى قرب كوبري جسر المنيل الروضة.كان الشيخ حمد الجاسر يعرف محمد المشاري عن طريق والده وعن طريق الشيخ عبد العزيز العتيقي.
في 18 نوفمبر 1956 كنت والاخ محمد متجهين الى السينما في احدى الامسيات، وكنت اسكن في المنيرة في القاهرة، وقبل الذهاب الى السينما اقترح علي ان نلتقط صورة معاً للذكرى (المنشورة مع هذا البحث) بعد التخرج من مصر توجه الى الكويت، حيث التحق بدائرة المطبوعات كمسؤول عن الشؤون المالية، وظل في هذا المنصب الى ان انتقل في سنة 1962 مع بداية وزارة الخارجية سكرتيرا اول ثم مديرا للادارة الاقتصادية ومن ثم مستشارا في سنة 1963 وبعدها وزيرا مفوضا في سنة 1964 وبعدها نقل الى سفارة الكويت في كينيا، وكان سفيرا هناك الى ان قدم استقالته في سنة 1969 ليتفرغ لتجارته والزراعة في مزرعته في الوفرة، وكذلك ليعيش مع الادب والشعر، وهنا قال بعد الاستقالة وترك كينيا والعودة الى الكويت هذه القصيدة:
«هذا وداع وتبقى بعده ذكر
قد تؤنس النفس ان لم يأنس البصر
لمن نعمت بهم في صحبة زمنا
ايامه كلما طالت بهم قصر
وللبلاد التي قد شاء خالقها
حتى تتابع فيها الشمس والمطر
وطيب ساحلها الشرقي يعرفه
منا الذين به بالامس قد عبروا
على الرمال بممباسا بشاطئها
وفوقها زبد الامواج منتشر
وقفت والفكر يدنيني ويبعدني
وفي خيالي - امامي - تخطر الصور
به اشاهد في الميناء اشرعة
بيضا على زرقة الامواج تنتشر
هذي مراكبنا من كل ناحية
تروح بالحمل اذ تغدو به أخر
منها تصاعدت الاصوات هاتفة
«هيلا وهوب» وفيها الانفس الصبر
لله در بني قومي وقد صمدوا
في لجة البحر لم يرهبهم خطر
كم موقف لهم شاب الشجاع له
والبحر مضطرب والليل معتكر
هم الرجال اذا ما شئت تسمية
حقا فما هدهم كل ولا خوز
ويا شوارع ممباسا التي قدمت
قولي لنا كيف كان الربع والسمر
كم مجلس لهم يزهو بمطربه
والدف يصدح والمزمار والوتر
فانني لو سألت الريح خبرني
عنهم وكاد بهم ان ينطق الحجر
يكفيهم انهم مر الزمان بهم
لكنما ذكرهم باق هنا عطر»
عندما كان المرحوم محمد المشاري في سفارة الكويت في كينيا كان يزوره بين الفينة والفينة بعض الشخصيات الكويتية ومنهم الاخ الفاضل يوسف احمد الصقر زميلنا في المدرسة القبلية وبالصف ايضا.
وكذلك زار كينيا سعادة سفير الكويت في المملكة العربية السعودية في حينه محمد يوسف العدساني وكان مقره في جدة، وقد توجه الى زيارة كينيا وزار سفيرنا هناك محمد احمد المشاري وقد اطلع المشاري على هذه البلاد العجيبة ومنها مناطق السفاري الحيوانات البرية وعندما عاد سعاده محمد العدساني كينيا احب ان يتحفه محمد المشاري بقصيدة عصماء طويلة يقول في اولها التالي:
دعتني بتحنان اليها المرابع
فقلت لها لبيك ها انا راجع
وكنت اصد الشوق والشوق جامع
يدافعني دوما لها وادافع
مرابع ان ينأى الفؤاد يعش بها
وان يقترب تضنيه فيها المواجع
ولكن للأوطان في كل مهجة
منازل لا تقوى عليها الزوابع
فمن ذا الذي ينسى عهود طفولة
ومهد صبا ضمت عليه الاضالع
وذكرى سنين اقبلت ثم ادبرت
وأيام انس في الحمى لا تضارع
فيا بلدي اضنى الحنين وهزني
وايقظني في الليل والكون هاجع
اعدد اياما تبقت لعودة
وكم تعبت مما تعد الاصابع
ويا بلدي قد خفف النأي زور
كرام من الأوطان حلو فرابعوا
لبضعة ايام قصير مدارها
فسرعان ما حم الرحيل فسارعوا
اقول وقد دارت احاديث جمة
بليل ونيروبي بها الليل ضالع
«ابا وائل» والحر بالحر يقتدي
كل فتى شهم الى الشهم نازع
لقد ابصرت عيني ما انت مبصر
وقد سمعت اذني الذي انت سامع
كان محمد المشاري ضنينا في الكلام والاختلاط بالناس وكان يقضي جل وقته في مزرعته في الوفرة وقد ظللت مدة طويلة لا ألقاه وكل اخذ سبيله في اثناء وفاة العم المرحوم المشاري ذهبت للعزاء في الوفاة وابتدأت بالعزاء بأول شخص ثم بأبنائه وأقاربه، فقال لي أول شخص وكنت جالسا بجنبه في الزاوية وعلى يسراه: ما عرفتني؟ فقلت له: من أنت؟ فقال: أنا أبو أحمد محمد المشاري. فتحت وعزيته مرة ثانية للبعد والقطيعة وكذلك «تغير علي» حيث كان دائما يلبس البدلة ولا ينفك عنها، ولهذا لم أكن أعرفه بهذا الزي التقليدي الكويتي. بعدها بفترة قصيرة توفاه الله في 2000/6/24، فتحت ونعيته بهذه الكلمة التي أوردها للمرة الثانية: افاجأ بصحف السبت 22 ربيع الأول 1421 الموافق 24 يونيو 2000 وهي تنقل نبأ وفاة السيد محمد أحمد خالد المشاري وأقرأ الخبر مرة ومرتين وأنا أراجع الاسم لكن هذا قضاء الله وارادته، ذلك الزميل الذي تزاملنا في المدرسة القبلية التي هي مجمع الراشد والعنجري، هذه المدرسة التي ضمت مجموعة من الشباب عندما كانت تعز الدراسة والثقافة والعلم.
لقد كنا نخرج سويا للذهاب إلى منزلنا بعد انتهاء الدراسة، وكان منزل المرحوم بقرب بلدية الكويت القديمة.


هكذا عرفته؟

كان منذ عرفته في القديم هادئا يحب الصمت وواصلنا الدراسة سويا والتحق بكلية التجارة بجامعة القاهرة، وبعد التخرج عمل في ادارة المطبوعات والنشر التي أصبحت فيما بعد وزارة الارشاد ثم وزارة الاعلام ثم ترك هذا العمل إلى الدبلوماسية وكان سفير الكويت في كينيا. ولحبه البقاء في الكويت وعدم التنقل قدم استقالته من الخارجية سنة 1969، وبعدها تفرغ للتجارة والشعر والأدب وكان قد أصبح رئيس التحرير لمجلة البيان الأدبية، وقد ظل ينظم الشعر بصمت، وبعدها ترك التجارة لأبنائه وتفرغ للانعزال في مزرعته في الوفرة بعيدا عن الناس.
يعد محد احمد المشاري اكبر رجل في عائلة المشاري الكرام بعد ان فقدت عميدها حمد المشاري، وأذكر اني قد واسيت الاخ المرحوم محمد المشاري فقلت له أنت عميد العائلة اليوم.
كان محمد المشاري فيه الصفات الكثيرة من والده المرحوم حمد المشاري الذي كان يرعى الفقراء والأيتام ويسأل عن احوالهم ولا نسمع له كلمة نابية اطلاقا.
من مآثر والده أنه بعد أن رجع من الهند اخذ ينهض بالتعليم في الكويت مع الشيخ يوسف بن عيسى رحمه الله.
ولكني اليوم أجد نفسي فقدت صديقا وأخاً أحن أبناء هذه البلاد البررة، أحد الذين يعيشون بصمت وبدون جعجعة، ويموتون بصمت، فرحمك الله يا أبا أحمد ورحم والديك وإلى جنة الخلد.
اخيرا، هذا هو محمد احمد خالد المشاري الذي فقدناه اخا وصديقا حميما. انه ابن عائلة المشاري المؤسسة مع عائلة الخالد لسكة «أعنزه» المشهورة والتي ربطت باسمهم منذ امد بعيد. هذه أسرة المشاري التي انجبت وامدت الوطن برجال افاضل في تاريخ الكويت منهم المرحوم محمد احمد خالد المشاري، فأقول رحمه الله رحمة واسعة حيث نذكره في هذا البحث ذكرى للذاكرين.

فرحان الفرحان - جريدة القبس - 9/4/2010



محمد أحمد المشاري سنة 1956



محمد المشاري يمينا مع كاتب المقال فرحان الفرحان
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس