عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05-03-2008, 05:52 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي السيد علي السيد سليمان الرفاعي

-




خدم هذا الرجل وطنه بصمت، وقدم له الكثير من جهده ودأبه، وكان حريصاً على المشاركة في كل عمل كريم يتداعى إليه أبناء الكويت، ويتكاتفون من أجل إنجازه خدمة لوطنهم كما هي العادة بينهم.
أذكر السيد علي جيداً فقد كنت أمر أمام مكتبه مراراً، إذ كان في الشارع الجديد (شاع عبدالله السالم) بجوار مبنى بنك الكويت الوطني القديم، وكان مروري به لسببين أولهما الدراسة عند الملا محمد صالح العدساني، والثاني الدراسة في المعهد الديني، كان عند دراستي في مدرسة الملا محمد صالح العدساني على طريقي إلى البيت ثم عودتي إلى المدرسة، وكان مبنى المعهد الديني القديم خلفه تماماً، كنت أرى محله المكون من دكانين واسعين فيهما بعض الأثاث المكتبي، ومعه مساعد له، وأراه مكباً على عمله لا يلتفت إلى ما يدور في الطريق المهم الذي يقع في مكتبه، هيئته تدل على الطيبة، واحترام الناس له ممن أراهم حوله يدل على مكانته في نفوسهم وتقديرهم له ولسلوكه الكريم ومبادراته النافعة. لا يخلو المكان من تاجر صديق أو صاحب حاجة أو متعامل معه في تجارته. هكذا كنت أتخيل الناس حوله، ولا أظنني الآن أخطأت فيما ذهبت إليه فسيرته الكريمة التي تتبعت أخبارها فيما بعد دلت على ذلك وأكّدتْهُ.
ہہہ
ولد السيد علي السيد سليمان في سنة 1310هـ وهي توافق سنة 1892م، ونشأ في بيت علم وتقوى، وكان وحيد أبويه، ولكنه لم يستمتع بوجود والده حوله لأن الوالد توفي مبكراً في سنة 1315هـ التي توافق 1897م.
عاش السيد علي يتيماً ترعاه أمه، ولكن الأم توفيت بعد ذلك بست سنين، وهكذا صار الولد يتيما من جهة الأب ثم من جهة الأم. وقد وجد الرعاية بعد ذلك في منزل خاله السيد ابراهيم المضف حيث أقام وواصل حياته.
بدأ السيد علي دراسته في الكتاتيب التي كانت قائمة في وقت بداية طلبه للعلم، وكانت تلبي كل ما يحتاج إليه فتى وجد في نفسه الرغبة في خوض مجال التجارة كما يجده أمام عينه من خاله وغيره من التجار. وعندما أنهى دراسته تطلع إليه الخال فوجد فيه نجابة وعلو همة ورغبة في العمل التجاري فأمده بمبلغ بسيط يستطيع أن يباشر به تنفيذ ما يرغب فيه من عمل. ويقال إنه اقترض مبلغا آخر من قريب له هو السيد ياسين الرفاعي إضافة إلى المبلغ السابق وانطلق إلى السوق، وقد وفقه الله تعالى كما سوف نرى فيما سوف يأتي من حديث.
ہہہ
والد السيد علي هو السيد سليمان الرفاعي، وكان على الرغم من قصر فترة حياته من الذين تركوا أثرا طيبا في الكويت يتمثل في تلامذته الذين درسوا عنده، فقد كان معلما درس على يديه عدد من هؤلاء واستفادوا من علمه وخبراته.
ولن أتحدث عنه هنا إلا بما تكرم به عليَّ أخي السيد محمد السيد علي حفيد السيد سليمان، حيث كتب لي نبذة عن جده هذا فحواها:
«السيد سليمان بن السيد علي، ولد رحمه الله في منتصف القرن التاسع عشر في منطقة الشرق.. والده رحمه الله كان فقيرا ولكنه صاحب دين ويتكسب من أعمال تجارية بسيطة إضافة الى ما يحصل عليه من أوقاف السادة في الأحساء والعراق وأمه من آل المضف، توفي والده وهو صغير السن وترعرع في أحضان أخواله ثم سعى لطلب العلم في منطقة الأحساء وكان بها في محل الحفاوة لصلاحه واجتهاده في طلب العلم.. استوعب في الأحساء في مدة وجيزة الكثير من العلوم الدينية خاصة في مجال الفقه.. عاد بعدها إلى الكويت وعمل إماما في مسجد المضف في منطقة الشرق إضافة الى شروعه في التعليم وحصل على إقبال كبير من أبناء العائلات الكويتية.. غير أن المنية عاجلته في سن مبكرة وهو في السادسة والثلاثين من العمر حيث انقطعت أعماله الجليلة، وقد توفي عن ولد واحد هو السيد علي بن السيد سليمان».
وامتدح الشيخ يوسف بن عيسى القناعي السيد سليمان كثيرا في كتابه: «صفحات من تاريخ الكويت» فقال: «السيد سليمان ابن السيد علي، تغرب في طلب العلم إلى الأحساء وكان بها محل الحفاوة لصلاحه واجتهاده في الطلب، وأدرك في مدة قليلة مالا يدركه غيره في زمن طويل، ورجع إلى الكويت، وشرع في التعليم، وحصل عليه إقبال شديد من وجهاء الكويت، ولكن المنية عاجلته وهو في مقتبل العمر، ولم تُفسح له حتى نرى ثمرة ذلك الاجتهاد والإخلاص».
ولا عجب بعد أن عرفنا شيئا من سيرة السيد سليمان أن نجد سيرة ولده السيد علي سيرة عطرة تتماشى على ما كان عليه الوالد، وإذا كان الابن لم يبق في رعاية أبيه مدة كافية بسبب وفاة الأب فإن البذرة الصالحة لابد أن تؤتي ثمرة صالحة.
ہہہ
بدأ السيد علي السيد سليمان حياته التجارية وهو في العشرين من عمره، اتخذ له مكتبا في سق التجار بوسط العاصمة، وصار يعمل بالبيع والشراء وبخاصة في تجارة اللؤلؤ التي كانت رائجة وقتذاك. وظل يعمل في هذا المجال حتى بدأ سوق اللؤلؤ في الانهيار فانتقل إلى البحرين حيث جدد نشاطه حين ذهب مع بعض زملائه التجار إلى هناك، وبعد فترة قصيرة وجد أن حركة السوق هناك لا تنسجم مع طموحه فعاد إلى الوطن ليعمل في تجارة أخرى هي تجارة الأقمشة التي أضاف إليها تجارة المواد الغذائية، وقد اعتدلت له أمور عمله التجاري عند هذه المرحلة، وكان يعمل في هذه الفترة في المكان الذي وصفناه في بداية المقال.
وفي الكويت وجد السيد علي أن كل شيء يسير بصورة تنبئ عن تطور إلى الأفضل في كافة المجالات وبخاصة في المجال التجاري الذي لمس من واقع عمله فيه ما يؤكد له ذلك، والمجال الاجتماعي الذي سار فيه المجتمع الكويتي إلى الأفضل، ولقد اتخذ لنفسه مسارين أولهما العمل الاقتصادي بصورته الواسعة والثاني هو العمل العام في عدد من الأنشطة التي كانت الحكومة تدعوه إلى المشاركة فيها.
ففي المسار الأول نجده من المساهمين في تأسيس أول بنك كويتي هو بنك الكويت الوطني، الذي تم إنشاؤه بتعاون عدد من أبناء الكويت المخلصين في سنة 1952م، ثم نراه في سنة 1954م عضواً في مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية الكويتية، وكانت هي نواة مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية التي تعمل حاليا في البلاد وتملكها الحكومة بالكامل.
هذا إلى جانب عدد من المشروعات التي تصعب الإحاطة بها.
وأما على المسار الثاني فقد بدأ نشاطه الأول عندما تم اختياره عضوا في مجلس المعارف الذي تأسس لأول مرة في البلاد إبان سنة 1936م، وكانت الكويت بإنشائه تدخل مرحلة جديدة من مراحل التقدم، وذلك بتبني الأنظمة التعليمية الحديثة التي سار عليها هذا المجلس، وأسفرت عن حركة التعليم الكبرى في البلاد، ولم يكن دعوة الحكومة له إلى الاشتراك في هذا المجلس إلا اعترافا بجهده الذي بذله عند إنشاء المدرسة الأحمدية والمشاركة في مجلس إدارتها.
ثم نشرت مجلة «البعثة» في عددها الصادر في شهر يناير لسنة 1952م نبأ فوز السيد علي السيد سليمان بالانتخابات التي جرت لاختيار أعضاء مجلس معارف الكويت. ويعتبر هذا الفوز تأكيدا لتعيينه السابق في المجلس المذكور عند بداية عمله في سنة 1936م.
وذكرت البعثة أيضا في عددها الصادر في شهر سبتمبر للسنة ذاتها أن الرجل قد زار القاهرة آنذاك وكتبت عنه ما يلي: «زار مصر هذا العام السيد علي السيد سليمان عضو مجلس المعارف، وقد اجتمع بجميع الطلبة، وأقام لهم ولجميع الكويتيين الموجودين في مصر حفلة غداء».
وحينما قام المجلس التأسيسي الأول في الكويت خلال سنة 1938م كان السيد علي واحدا من المشاركين فيه مع مجموعة من رجال الكويت حاولوا القيام بتجربة مهمة في تاريخ البلاد وكان رئيس هذا المجلس هو الشيخ عبدالله السالم الصباح.
وفي المجلس البلدي كان للسيد علي نشاط بارز، وكان عضوا في كثير من اللجان منها اللجنة التي شكلت في سنة 1936م لبحث موضوع الاوزان في الكويت حتى تستقر البلاد على اوزان محددة يعمل بمقتضاها الجميع. وقد ورد ذكر السيد في عدد من محاضر البلدية المنشورة إثباتا لحضوره، منها محضر بتاريخ اليوم العاشر واليوم الحادي والعشرين من شهر يونيه لسنة 1932م، وكذلك اليوم الرابع من شهر يوليه للسنة ذاتها، واليوم الأول واليوم السابع عشر واليوم الثالث والعشرين من شهر أغسس لسنة 1932م.
ہہہ
قدم السيد سليمان علي الكثير من المال والجهد في سبيل الخير، ومنذ كان في بداية حياته التجارية وهو ينفق بقدر امكاناته، وأسهم آنذاك بترميم بعض المساجد وتكفل برواتب أكثر من إمام ومؤذن فيها، وكانت له أعمال أخرى فيما بعد عن طريق الإقبال على أوجه الخير المختلفة، سواء أكان ذلك في الكويت أم خارجها.
ومما رواه الأخ الكريم محمد ابن السيد علي أن والده كانت له أعمال خيرية متعددة في الهند وأفريقيا منها على سبيل المثال دور الأيام التي كان يحرص على تشييدها ودعمها بالمال وتهيئة الوسائل المريحة لمن ينضوي تحت جناحها من الأيتام الذين لم يجدوا المأوى بسبب وفاة والديهم.
ومن أهم أعماله توصيته بعدة أعمال خيرية تقام بعد وفاته بثلث تركته حيث انه لم يتمكن من القيام بكل ما يأمل القيام به أثناء حياته، فآثر ألا يتوقف عمله الخيري بعدها. ومن أهم الدلائل على مباشرة ورثته بالقيام بتنفيذ ما وصى به مورثهم المسجد الكبير القائم الآن بمنطقة جنوب السرة (السلام) وهو مسجد يقع على مساحة خمسمائة والفين متر مربع، يتسع لعدد كبير من المصلين، ويضم مكتبة يؤمها طلاب المعرفة.
ہہہ
تميز السيد علي السيد سليمان بميزات كريمة كثيرة، وكان محبوبا لدى كل من يعرفه، لطيبته، وحسن خلقه، وحرصه على ألا يؤذي أحدا أو يسمعه كلمة نابية، ولذا فإننا حتى اليوم - لم نسمع من يحمل عنه أية ذكرى غير مريحة، بل لا نجد إلا الثناء عليه، وصفه الشيخ عبدالله النوري قائلا: «كان رحمه الله من الاشخاص المعدودين في الكويت، المشاركين في كل نافع للوطن وللمجتمع، والمضحين بالكثير الكثير من أوقاتهم».
وقال أيضاً: «عرف السيد علي بأنه رجل صالح، عفيف الذيل، عفيف النفس، محافظا على الصلوات في المسجد مادام حاضرا في بلده».
ووصفه شخصيا بما يلي: «كان رحمه الله مربوع القامة سمح الوجه، خشن الصوت دون إزعاج للسامع، أبيض اللون، ومن صفاته رحمه الله أنه إذا نصح لا يزعج من ينصحه بعيب فكرته، وإذا استشاره أحد أشار عليه بأسلوب لا يتضايق منه المستشير».
وفي مجال وصف الأخلاق العالية التي تمتع بها جيل السيد علي، وما يتميز به كل منهم من فضائل ونخوة تكاد تقارب الخيال، أورد قصة حدثت للسيد علي فيها طرف، فقال: «علم المرحوم محمد المدعج أن السيد علي السيد سليمان اشترى بيتا مجاورا لبيته، فزاره في متجره ولما رأه السيد علي قام مرحبا به قائلا: أهلا بقدومك يا بومدعج (وعسى حاجتك عندنا ونقضيها؟) وكانت هذه الكلمة معروفة بين الكويتيين عندما يزورهم ذو المكانة الذي لم يتعود زيارتهم. فقال محمد المدعج: أي والله فإني قد سمعت أنك اشتريت البيت المجاور لبيتي. فهل ستسكنه وهذا الذي أريده وأتمناه، أم أنك ستستثمره مأجورا وهذا ما أخاف منه.. لأني أخاف من جار السوء. وأرجو إن كان الثاني أن يبيعني البيت بالفائدة التي تريد. فضحك السيد علي وقال: لا. إن مجيئك لي هو الفائدة الكبرى واعتبر البيت مسجلا باسمك.
وعلم المرحوم علي العليمي وهو من خيار الناس بما جرى بين السيد علي ومحمد المدعج، وقال له: إنني أبحث عن دار وجار وقد حصل الجوار الذي أتمناه والذي هو أفضل من الدار فهل تبيعني البيت بالفائدة التي تريد؟ فقال محمد المدعج: اعتبر البيت قد سجل باسمك ولا أريد عليه فائدة أكثر من جوارك.
ولا تعليق لنا على هذه الرواية التي نقلها إلينا رجل صادق موثوق به جدا، إلا أننا نزداد إعجابا بالرجل الذي ترك وراءه سيرة عطرة، وبالجيل الذي عايشه لما كان يتمتع به أفراده من أخلاق عالية وإيثار.
أما الشيخ عبدالعزيز الرشيد فقد ذكر السيد علي في كتابه «تاريخ الكويت» ضمن الحديث عن أسرته فذكر أن من هذه الأسرة الكريمة «الشاب النبيه السيد علي ابن السيد سليمان، أحد أعضاء الهيئة الإدارية للمدرسة الأحمدية، وأحد أعضاء المكتبة الأهلية».
وها نحن نرى من حديث الشيخ الرشيد جانبين من جوانب أنشطة الرجل يضافان إلى الجوانب الأخرى التي أشرنا إليها فهو فيما يبدو من القول الذي نقلناه كان منذ بداية شبابه وهو ينشط في المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية، ويسعى إلى مشاركة أبناء وطنه في دعمها والعمل على تنميتها.

ہ ہ ہ

كانت هذه جوانب من حياة رجل من أهل الكويت من الرعيل الأول الذين لم يتأخروا عن تقديم كل ما يستطيعون من جهد ومال في سبيل الوطن، وكان عملهم الطيب هذا مصحوبا بنكران الذات، وعدم التشدق بالأعمال، فكل ما كان يعنيهم رضا الخالق سبحانه وعزة البلاد وأهلها.
وكانوا إلى جانب ذلك متكاتفين متعاونين لا تفرقهم الأهواء ولا تشتتهم المصالح. إننا نأمل من أبناء الجيل الذي تلاهم إلى هذه الدنيا وكذلك من أبناء الاجيال اللاحقة أن يقتدوا بهؤلاء فهم قدوة كريمة لا تنسى صفاتها ولا أعمال المتصفين بها.
رحم الله الجميع برحمته الواسعة.

تاريخ النشر: الاربعاء 5/3/2008

__________________