عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 03-09-2009, 02:04 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

مذكّرات هنري ميلر في كاديلاك وكوكا كولا...
معالم الكويت ونهضتها قبل النفط وبعده

كتب - آدم يوسف ( جريدة الجريدة )
1-9-2009م

يحوي كتاب «كاديلاك وكوكا كولا» جوانب خفية ومهمة للحياة في الكويت إبان فترة الخمسينات، وما سبق ذلك بقليل. فمؤلفه المهندس السويسري جون هنري ميلر يملك حساً روائياً عالياً، جعل الكتاب أشبه بلقطات متتابعة من الحوار والحدث، والتفاعل مع معطيات البيئة والمجتمع.
وصل ميلر إلى الكويت عام 1957 وعمل في البداية لدى شركة كويتية، ثم استخدمته شركة أميركية لبناء ميناء الشويخ. وغادر الكويت بعد إنجاز أعمال البناء عام 1962.

لم تأت تسمية الكتاب «كاديلاك وكوكاكولا» اعتباطية، فهي تنطوي على مفارقة اجتماعية تعكس بناء المجتمع الكويتي الطبقي آنذاك. فمن يقتنون سيارات الكاديلاك المكيفة الفاخرة يتحدرون من طبقة اجتماعية غنية، فيما أن من يستمتع بشراب الكوكاكولا هو من عامة الشعب. يقول ميلر: «حين يجري تسليم هذا الميناء سنقف أنت وأنا في مؤخرة الصفوف فالقطط السمان ستكون في المقدمة حيث توزع سيارات الكاديلاك... وأولئك في الصفوف التي تليهم ستكون سيارات الشفروليه من نصيبهم، أما أفراد الصف الثالث فلن يتفضل لهم سوى الساعات. وأولئك في الصفوف الخلفية، أنت وأنا، فستوزع عليهم قناني كوكاكولا مثلجة».

سيرة ذاتية
جاء الكتاب في أسلوب السيرة الذاتية، ولا يخلو من حس السخرية والمواقف الطريفة، نتيجة لمفارقة الموقف. فهذا المهندس الأوروبي (مؤلف الكتاب). يجد نفسه في صحراء قاحلة، حيث درجة الحرارة تفوق 45 والحياة بدائية بائسة إذا ما قورنت بالحياة الأوروبية آنذاك. يزداد الأمر طرافة حين يتعلق بالتعاليم الإسلامية التي تمنع شرب الخمر، وتفرض صيام رمضان، ومعاقبة من يجاهر بالإفطار في النهار، إلى درجة إنهاء عقده وتسفيره، إذا كان من رعايا الدول الغربية.

هجرة الجاليات
يستطرد المؤلف طويلاً في وصف المناخ، والبيوت، وملامح الناس، خصوصاً حين يتحدث عن بداية هجرة الجاليات العربية من الفلسطينيين، واليمنيين، والإيرانيين، بعد ظهور النفط مباشرة. فالكل كان يتخيل في الكويت الجنة التي تمنحه الثراء السريع. يوضح الكاتب: «منذ اكتشاف النفط قدم إلى هنا ثلاثمئة ألف مقيم، فتنهم الذهب، وحملهم إلى هنا الحلم في أن يجدوا حظهم في الثراء. من مخيمات اللاجئين في الأردن وسورية، قدم إلى هنا مهجرون فلسطينيون حيث هيأ لهم الشيخ الذي عرف باستقامة عقيدته كرم الإقامة، وقدم المصريون مصطحبين أسرهم بحثاً عن الثراء. ومن حياة الفقر والعوز في الصحراء السورية قدم بدو إلى الكويت، كما عبر من الجانب العراقي سكان الصحراء، كذلك سعوديون تبدو عليهم معالم الحذر والوقار، يفضلون الحياة الحرة في الكويت».

ملامح
يسجل المؤلف وصفاً تفصيلياً، لبعض ملامح أبناء الجاليات الأخرى، متوقفاً عند المهن التي تمارسها هذه الجاليات: «من إيران أفقر أحياء الشرق الأوسط قدم بناؤون ونجارون، عمال وحدادون. يمثل الفرس أكثر عمالة البناء كما يجري استغلالهم بشكل بشع من أصحاب العمل اللبنانيين. ولأن هؤلاء الفرس يقيمون من دون أوراق رسمية فهم فريسة ضعيفة لا يجدون من يحميهم. من الإمارات الصغيرة على ساحل القراصنة، من عمان، أبو ظبي، مسقط، من ساحل حضرموت، ومن الجبال الغامضة في اليمن، من براكين عدن، من قطر والبريمي، قدم أناس آخرون. حفاة الأقدام قاطعين بمحاذاة ساحل البحر ألفي كيلومتر، يصارعون الرمال والقيظ وقطاع الطرق، تقودهم غاية واحدة، هي إدراك الكويت، مدينة الذهب على ساحل الخليج. لقد رأيتهم مراراً نحيلي البنية هؤلاء من المهرة اليمنيين والحضارمة، قوم قصار رشيقو البنية، بلا أونصة دهن واحدة تحت جلودهم. أجسادهم العرية تبدو كما لو أحرقت حتى السواد. يربطون حول الخصر إزاراً قطنياً بأشكال مربعة. وفي الحزام تبدو الخنجر العوجاء، لهم أقدام مفلطحة فيها من التورم ما هو بحجم الإصبع، أقدام لم تر يوماً صندلاً أو حذاءً. يتيهون بلا صديق في طرقات الكويت، ويكابدون بعربيتهم القديمة الأمرين في التفاهم مع الغير. ومع ذلك فحالما يجدون لهم مكاناً في هذه المدينة وبقناعتهم اللافتة للنظر يدخرون أيضاً. الصوماليون يأتون إلى هنا أيضاً بأوراق بريطانية وبسمة دخول، بعيون داكنة، تميل إلى النعاس. يبدون أكثر روية في هذه المعمعة الزاحفة، وينتظرون بصبر حتى يظفر الواحد منهم بعمل لا تتسخ الأيدي من مزاولته}. يرد في الكتاب كذلك سرد تفصيلي للهنود والسيخ، والباكستانيين، والأعمال التي يمارسونها.

عدد السكان
يشير المؤلف إلى أن عدد الكويتيين لم يكن يتجاوز ثمانين ألف نسمة، إبان فترة الخمسينات، منهم بدو رحل يجوبون بقطعانهم من الجمال والأغنام في 16 ألف من الكيلومترات المربعة. مقابل ذلك يتواجد ثلاثمئة ألف غريب، طفحت بهم الكويت بمعنى الكلمة. أغاروا على الأزقة والأسواق كموجة الجراد التي تقدم كل ربيع من جهة السعودية وتبدو كسحابة خضراء فوق سماء المدينة. يبني هؤلاء الغرباء عرائش وبيوتاً من الحصير، أو يسكنون ببساطة على قارعة الطريق. ينامون ليلاً فوق الرمال، ويعدون شاياً على الأرصفة. يتوضأون على جانب الجدران، ويتبولون في وسط الطرقات. ينامون آلافاً في الصفاة تحت مظلات المتاجر، وتحت كل شاحنة، حتى تدخلت الشرطة وأخرجت هؤلاء المهاجرين إلى خارج المدينة حيث صُرح لهم بنصب حصيرهم في أماكن مكشوفة.

ثم دارت عجلة البناء في الكويت.
يبدي المؤلف وجهة نظره في بعض المسائل المهمة في تاريخ الكويت، مثل سور الكويت، والجدل الذي دار آنذاك بين مؤيد لهدمه، ورافض له، مع وصف للأحياء خارج السور وداخله. يذكر: «يتفق الجميع اليوم بأن قرار هدم سور المدينة الجميل كان متسرعاً. فقط حول قصر الحاكم في دسمان، ما تزال تنتصب بقايا ذلك السور وبعض أبراج الحراسة المتينة بالإضافة إلى البوابات الأربع العتيقة التي أبقي عليها والتي ستكون يوماً شاهداً وحيداً على الكويت العتيقة. واليوم تدور طوابير السيارات التي لا تنتهي حول هذه البوابات}.

مرحلة التشييد
باشر الكويتيون مرحلة التشييد بسعار لا يمكن تصوره: {سحقاً لهذه البيوت القديمة، وإليك هذه الأكواخ، إجرِ فيها المَحَش، إفسح المكان لطرق واسعة. بعداً لذلك السحر العتيق. فلا نريد أي شيء يذكرنا بماضينا الفقير. وفي تلك المدينة القديمة والجميلة ببيوتها العربية المتواضعة أخذت تكثر مساحات الفضاء: هات الجرافة! اهدم! انسف الأسوار! افسح المكان لمدينة جديدة. للتقدم، طرق مزدوجة الاتجاه لا بد من أن تشق من هنا، مواقف سيارات. أما أماكن تجمع القوافل، البيوت الأرستقراطية، مساجد، مدارس قرآن، فبعداً لكل ذلك، بعداً لتلك الخرائب، نريد حديداً وإسمنتاً، أبواباً ونوافذ، معدنية، نريد طابوقاً! ولتذهب خصوصية السكن إلى الشيطان. نريد مانهاتن هنا، مدينة عظيمة، ناطحات سحاب. ونود أن تكون أحدث مدينة في الجزيرة العربية، أحدث من بيروت والقاهرة، إعلانات ضوئية هنا، أضواء نيون حمراء صفراء، زرقاء بنفسجية وبرتقالية، إشارات مرور. لم يعد بالإمكان التعرف إلى الكويت، ما قد يتطلب في مدن أخرى عقوداً طويلة ينجز هنا بين عشية وضحاها}.

يأتي المؤلف على ذكر بعض العائلات الكويتية التي عملت في التجارة، أو في وظائف حكومية مرموقة، مثل الثويني، الغانم، والحمد. كذلك يصف التجار الكويتيين الذين يتسمون «بالوقار البالغ، والنبل الذي لا يمكن رشوته». أما الشعب فمعروف بالكرم، والحرص الشديد على تجنب المحرمات بحسب ما يرد في الدين الإسلامي.

يشار إلى أن الكتاب ترجمة
د. محمد عصام السبيعي ويرد في المقدمة، بقلم جون هنري ميلر (الابن)، أن ميلر الأب وصل الى الكويت في عام 1957، لكن يتضح من ثنايا فصول الكتاب أن للمؤلف زيارات للكويت سبقت ذلك، تحديداً في عام 1936، ما زاد على رصيد مشاهداته، وفرص تقييمه مراحل تطور هذه المنطقة الصغيرة.




بوابة الشامية




جانب من سور المدينة




أحد فصول التعليم في شركة نفط الكويت
__________________
رد مع اقتباس