عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 01-06-2010, 04:56 PM
الصورة الرمزية محمد المبارك
محمد المبارك محمد المبارك غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
المشاركات: 42
افتراضي

تنوير السند بتراجم العلماء الأجِـلاَّء من آل سند .


نسخة موثَّقة ومهمَّشة



كتب محمد بن حسن المبارك


الحمدلله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ،نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و من استن بسنته و اهتدى بهديه إلى يوم الدين
.
و بعد ، فهذه نبذة مختصرة في تاريخ أسرة علمية مشهورة نشأت في مدينة حريملاء، ثم انتقلت الى غيرها من البلدان ، فكان لها حضورٌٌ علميٌ و اجتماعيٌّ متميزٌ في كل من الزبير و البصرة و الكويت و الشام ، و قد أحببتُ وفاءً لتاريخ هذه الأسرة الكريمة أن أسطر ورقاتٍ في ذكر من برز منها من العلماء الأعلام و المشائخ الكرام ، و بالله المستعان و عليه التكلان و إليه الرجعان .



الشيخ العالم عثمان بن سند الوائلي البصري ( مؤرخ القرن الثالث عشـر ) :

الشيخ عثمان بن سند النجدي نسبةً ، الفيلكي مولداً ، البصري نشأة ، والوائلي نسباً ، و المالكي مذهباً ، ظاهرة موسوعيَّة نجــدية من القرن الثالث عشر الهجري، بل لعلّه من العلماء القلائـل الذين لا تتناسب شهرتهم الحــاليــَّة مع مكـانتهم و آثارهم العلمية المرموقة .
و لعلَّ عِـدَّةٌ من الاعتبارات و الظروف الخاصَّـة و العامَّـة ساعدت على غمط هذا العلَم الكثيرَ من سـبقِهِ و تميُّزه العلمي .

فهو العـالم الجليل والأديب البارع العلامة بدر الدين[1]عثمانبنسند بن راشد بن عبدالله بنراشد[2]بن محمد بن عبدالله بن محمد بن حمد بن يعقوب بن حمد الرباعي العنزي الوائلي .










هاجر والده من بلدة حريملاء بنجد إثر أحداثٍ وقعت في بلدته عام 1168 هـ إلى جزيرة فيلكة بالكويت لطلب الرزق ، فولد له بهـــا [3] المترجَم لــهُ عـام 1180هـ [4] .
وانتقلت أسرته بعد ذلك إلى الأحساء وهو في سن الصغَر ، فأخذ عن علمائها مثل الشيخ محمد بن عبدالله بن فيروز الأحسائي ، و سيبويه عصره الشيخ عبدالله البيتوشي الكردي الذي اختصَّ به .
وممَّن زامله في الطلب على الشيخ البيتوشي و غيره الشيخ عبدالله بن عثمان بن جامع ، و الشيخ ناصر بن سليمان بن سحيم وغيرهما كثير .
و في عام 1204هـ انتقل للبصرة للأخـذ عن علمائها ، فأخذ عن الشيخ محمد بن علي بن سلُّوم في علوم الهيئة و الفلك ، و الشيخ محمد بن فيروز في الفقه ، ثمَّ الشيخ ابراهيم بن جديد ،و الشيخ عبدالله بن شارخ ، و أخذ عن العالمين المشهورين علي بن محمد السويدي و زين العابدين المدني ( جمل الليل )المحدِّث حين مرَّا بالبصرة .
و لمَّا حجَّ و جاور بمكَّة و المدينة المنوَّرة مُدَّة أخذ عن علماء الحرمين ، و من يردُ إلى الديار المقدَّسة من العلماء .
و دخل عام 1214هـ بغداد حيث أكمل أخذه عن الشيخ السويدي ، و أخذ عن الشيخ ابن سميكـة و الشيخ أحمد الحافظ ،، و الشيخ علي بن حسين بن كثير في علوم الحديث ، و الشيخ أبي الحسن السندي ، و الشيخ عبدالقادربن عبيدالله بن صبغة الله الحيدري ، و أخيه الشيخ عبدالله ، و الشيخ محمد أسعد الحيدري ، و الشيخ محمد أمين ، و الشيخ أحمد الحياني قاضي بغداد ، و الشيخ خالد النقشبندي ، ثمَّ صار يتردَّد على بغداد بين الحـين و الحـين للاستفادة من علمائها .
و ارتحل بعد ذلك إلى الشام فأخذ عن علمائها .
و في عام 1232 هـ تمكَّـن أحد الموظفين البارزين في بغداد و الذي كـان من قبلُ مملوكاً من التمرد على والي بغداد و عزله ، ومن ثمَّ تولِّي ولاية بغداد و اليصرة ، و ما كان هذا الموظَّف إلاَّ زميله في الطلب على الشيخ السويدي الشيخ العالم داوود أفندي .
و أحدث داوود باشـا نقلة حضاريَّة في العراق بما ابتدع من تحـديثٍ لآلات الحـرب و معداته ، و من تطوير لشتَّى المرافق ، حتَّى أنه أنشأ أول مطبعة باللغة العربية ، و كان أوَّل ما نشره كتاب ( دوحة الوزراء ) للكركوكي عام 1246هـ .
و في عام 1334هـ وعد ابن سند داود باشا أن يؤلف له تاريخا ، إلاَّ أنَّ إقامة ابن سند في البصرة عطَّلت إخراج مثل هذا الكتاب .
ثم إن الوجيه الكبير أحمد بن رزق الذي ألف له الشيخ عثمان كتابه ( سبائك العسجد في أخبار أحمد بن رزق الأسعد ) طلب منه زيارة بلد الزبارة[5] ، فاستأذن من الوالي داود فأذِن له في ذلك ، فذهب فجعلهُ الصدرَ المقدَّم في بلده ، و احتفى به احتفاءاً بالغاً ، و اعتبر قدومه إليه زينةً لبلاده ، و غنيمة في بساطه ، و رغب منه دوام البقاء عنده ، و لكنَّ الزبارة تضيق عن معلوماته ، و تصغر في وجه نشاطه العلمي ، فعاد الشيخ عثمان إلى بغداد .[6]
و في عام 1241 هـ أرسل داود باشا إلى ابن سند يطلب منه القدوم إلى بغداد و يستعجله إتمامِ هذا التاريخِ في الثاني عشر من ذي الحجَّة عام 1241هـ ،وأنزله في دار خاصة له ، وشرعَ ابن سند في الكتاب في الحـادي والعشرين من ذلك الشـهـر ، وأرَّخـَـها [7]بِـقَــــوْلــِهِ ( داودُ يُـمــتـثــلُ أمـْــرُهُ)[8] .
و أرَّخ لشروعه في تأليف تاريخه بنفس اسم كتابه ( مطالع السـعود بطيب أخبار الوالي داود )[9] ، و أتمَّ الشيخ عثمان كتابه في أوائل عام 1242هـ .
مكانته العلميَّة :
تصف المراجع الشيخ ابن سند بأنــَّه الإمـامُ العلامة ، والرُّحَـلَةُ[10]الفَـهَّـامة صاحب البلاغة[11]، حَسَّان زمـانِه ونادرة أوانِـــه ونابغـة البلغاء [12]، علاَّمة الزمان و فريد الدهر و الأوان [13] ، مؤرِّخٌ أديبٌ من نوابغ المتأخرين[14].
كان مشائخ ابن سند منذ حداثته يتفرَّسون فيه العلم و النجـابة ، و لذلك لما أجازَهُ شيخُهُ السيِّدُ زَين العابدين جَمـَــلُ اللَّيل المدني حَـرَّرَ له هذا البيت على طُرَّةِ الإجازة :

أنـا الدخيلُ إذا عُدَّت أصـولُ عـلا فكيف أذكُرُ إسنادي لدى ابن سند [15]

وحين لمس شيخه الشيخ النحـوي عبدالله البيتوشي الكردي نبوغه المبكر احتفلً به ، و أقرأهُ دواوين العـرب ، و أشركه معه في تأليف شرحٍ لهما على ( الشافية ) لابن الحـاجب في علمي الصرف و الخــط، و رأى فيه خليفةً له في هذا الفن الذي قـلَّ مرتادوه و ندُرَ طالبوه .
و حين ذكره الشرواني في حديقة الأفراح قال: ( القول فيه أنه طُرفة الراغب وبغية المستفيد الطالب وجامع سور البيان ومفسر آياتها بألطف تبيان أفضل من أعربَ عن فنون لسان العرب، وهو إذانَـظَمَ أعجَـبَ ، وإذا نثرَ أطربَ وإنَّه لإمام هذا العصر[16]).
قالَ محمود شكري الألوسي : ( إنَّ هذا الفاضل ممن شاعَ ذكـرُه وملأَ الأسماعَ مدحُه و شكـرُه ، له اليدُ الطولى في العلوم العربية والفنون الأدبية ، نظم غالب المتون من سائر الفنون ، وقد اشتهرت في هذه الديار ، و ظهَـرَت ظُهورَ الشمسِ في رابعة النهار)[17] .
ويعــدُّ ابنُ ســندٍ من نوادرِ أعلامِ العِـراق في القرن الثالث عشر[18]، جامع بين العلم والـفـقه في الدين، متفوق في فنون الشعر والنثر حــاد الذكاء مشــبوبه ، قوي الحافظة خــصب القريحــة ســيَّال القلم ، واســع الثقــافـة ، لـه بصرٌ بالعلم الرياضـي والتاريخ والنقد الأدبي وولـعٌ بالتأليف في كل ما يتصـل به من علم وأدب ، وله طبيعـة كالينبوع تتدفق بالخــَصب ونفسٌ طُلَـعَـةٌ[19] كَـلِفـَةٌ بالبحْـثِ والدَّرسِ كَـلَـفـاً يدعُو إلى الدهــشةِ والإعـجــابِ [20]، وكان مع ذلك شاعراً مكـثِراً[21]، قال عنه النبهاني هو آخــر فضلاء البصـريـيـن ) [22].
ويعـدُّ الشيخ ابن سند خاتمة النحـاة المحققين المصنفين ، و كان يلمس ذلك فيقول متحسِّـراً على علم النحـو في (البصرة ) مدينة النحـو :

قــد كـانت البصرة الفيحـاءُ مِن قِدَمٍ مجـرى لأبحـر نحـــوٍ تقذف الدُّرَرا


فأصبحتْ وهيَ صفراءُ الوِشاحِ فمـــا بها نُحـَـــاةٌ ســوى نــزرٍ وهم فُـقَـرا [23].

قال الشيخ ابن بسام حفظه الله : ( من النوابغ في سرعة الحفظ و جودة الفهم و بطء النسيان ، و الرغبة العظيمة في العلم ، و الجِـدُّ في تحصيله ، و هذه العوامل الهامَّة صيرت منه ـ مع توفيق الله تعالى ـ آيةً كبرى في المحصول العلمي ، و بكونه موسوعةً كبرى في العلوم الشرعيَّة و العلوم العربيَّة و التاريخيَّة و غيرها ) [24].
( تلاميذه ) :
يعدُّ الشيخ عثمان شيخاً لجميع علماء البصرة تقريباً، حيث تولَّى التدريس في أغلب مدارسها ، و ممَّن تخرَّج على يديه من العلماء الشيخ عبداللطيف بن سلُّوم ، و الشيخ عبدالرزاق بن سلُّوم ، و الشيخ عبدالوهاب بن محمد بن حميدان بن تركي ، و الشيخ محمد بن تريك ، و الشيخ عثمان المزيد ، و الشيخ أحمد بن عبدالله بن عقيل[25] وغيرهم كثير .
نماذج من أسلوبه ومحاوراتِه العِـلميَّة:
يعدُّ الشيخ عثمان بن سند من الشعراء المطبوعين والنُظَّام المكثرين كما يتبين من خلال مؤلَّفاته ، فلذلك انتدبَ نفسَه للردِّ على الشاعر العباسي دعبلٍ الخـُزاعي الذي ملأَ ديـوانَه بسبِّ أصحاب سيد الأنام عليه الصلاة والسلام ، فألــَّف كتابـَه ( الصارم القرضاب في نحر من سبَّ الأصحاب ) بلغ به نــحوَ ألفي بيتٍ أو أكثر ، فمن ذلك قوله ردَّا على الرافضي :
ولقد هجوت المصطفى إذ قُلتَ قد سادت على السادات فيها الأعبدُ
إخــسأ فما سادت عليهم أعـــــــبد بل ســــــــــادةٌ بـهم الفــِخــارُ معــمَّـد
أســدٌ يخــــالون القـــنا يـوم الوغـــــــى قُـــضــــــبان بـانٍ بالأكــــــفِّ تـــــأوَّدُ
إن كان عبداً من زعمت فَــما لـــــــه عــــــبدُ يُـــصاهِــــره النـــبي محــمَّــد [26]
قالَ الألوسـي : (وكانَ رحمه الله سلفي الظاهر والباطن ، مازالَ يصدعُ بالحـق ويُـعـلِـن ، وقد أبطلَ الرابطة[27] بقصيدةٍ طويلة ، وبيَّن عَـدمَ مشروعِـيتها ، يقـول فِـيهـا:
الشيخ يدعو لإخلاء الفُــؤاد من الــ أغيارِ طُرَّا ليصفو الذكر للـفُـقـرا
فكيف يدعــو إلى تصويـر صــورته في خاطرٍ فيه نور الله قد سَـفرا
فـحــسبُنا باتباع المصطـفـى شـرفـاً إن مالَ نحو ابتداع غيرُنا وجَـرى
فيامريدَ الهُـدى استنسك بعِـز تُـقى وقل إذا السالك استهداك معتبِرا
دع التَـــوجُّـــــــه إلاَّ للــذي فــَطــرا واسلك على الشرع واترك ما سواه ورا [28]
و مما يدلُّ على وافر علمه وغزير أدبه وفهمه قوله في جمع إقسام الحديث :

هذا وما إلى نبينا انتمى من سُنن في الاصطلاح قُسِّما


الـمُــتـواتـِرُ والمــشـــهـــورُ صحِــيحها والحـَـسن المَــأثـورُ


وصالح مضعَّــف ضعيف مُـسندٌ المرفُــوع والموقُــــوف


موصولٌُ المرسلُ والمقطوعُ ومُـعــضلٌ مُعَـنـعـنٌ مسمـوعُ


مُــؤنَّــن مُــعَــلَّـقٌ مُــدلَّــسُ ومُدرَجٌ عالٍ ونازلٌ قِـسِ

مسلسلٌ غريبٌ العزيزُ مع مُعَـلَّـلٌ فَـردٌ وما شَـذَّ اتَّـبع

منقلبٌ مُدبَّـجٌ مُـصَحَّـفٌ وناسِخٌ منسوخٌ المختلِـف

دُونَكها على اختصارٍ مُجملة لكــنَّـها بديعـةٌ مكَـمَّلـةٌ [29]