عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-02-2010, 11:57 AM
الصورة الرمزية جون الكويت
جون الكويت جون الكويت غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2009
المشاركات: 2,208
افتراضي

"حسافة يا كويت"...!

داود البصري
الكويتيون أمام خيارات حاسمة وتقاطع طرق تاريخية واضحة المعالم في عصر الحريات العولمي.
زحف الظلام على الكويت و تحولها إلى مركز تجارب دينية متعسفة و صارمة بدلا من أن تكون مركزا استثماريا دوليا مهما كما كانت الرغبة الاميرية الصريحة و المعلنة , لا يمثل ردة بقدر ما يعبر عن انتكاسة حقيقية ليس على المستويات الفردية بل على المستوى الشعبي العام ,......................ومن ثوابت التاريخ الكويتي الحديث الذي جعل من الكويت قلعة شامخة من قلاع الحرية , لا بل أن ملحمة البناء الوطني الكويتي قد تجسدت مع رفض الإملاءات و التشكيك بهوية وعقيدة و توحيد أهل الكويت و التصدي الحازم الشعبي و الرسمي لكل من أراد الشر بالكويت أو محاولة النيل منها و من وجودها الوطني المستقل , ........... التفكير و التخطيط الستراتيجي الرسمي للدولة و التي أعلن عن فحواه العام أكثر من مرة سمو أمير الكويت الحريص على تحويل الكويت إلى مركز مالي و استثماري مهم في المنطقة و بما يتناسب مع الدور التاريخي و المكانة الاعتبارية المهمة التي تحملها الكويت في الشرق الأوسط ,

و أنا أتامل في القرارات التعسفية الاخيرة توارد إلى ذهني على الفور من أن شهر أكتوبر بالذات يحمل ذكرى وطنية و تاريخية كويتية لها دلالاتها التي لم يهتم بها الإعلام الكويتي للأسف و تجاوزتها الصحف المحلية وداس عليها الزمن بغباره الثقيلة و أدت حالة المشاحنات الداخلية في الكويت إلى جعلها نسيا منسيا ,وهي ملحمة الصمود و الوجود و التألق الوطني الكويتي الحديث في معركة "الجهراء" التاريخية.
التي جرت فصولها الملحمية في العاشر من أكتوبر عام 1920 و التي شكلت على صعيد عملية التشكل الوطني في الكويت رقما صعبا و مفصليا , فتلك المعركة التي قدم فيها شعب الكويت تضحيات و خسائر كبرى و شهداء بلغ عددهم نحو 370 شهيداً و مئات الجرحى و المصابين قد أفرزت تلاحما وطنيا مدهشا و مثيرا للإعجاب تمثل في رفض الظلم و الإملاءات الخارجية و التشكيك في تدين و تقية وورع و التزام أهل الكويت بالإسلام الحنيف , فكانت مطالب جيش المتطرفين ( الإخوان ) بقيادة فيصل الدويش و جماعته لأهل الكويت بالعودة لما أسموه بالدين الصحيح مثيرة للاستغراب , لأن أهل الكويت مسلمون و لا يحتاجون أبدا إلى من يعطيهم شهادةبذلك فالمساجد ودور العبادة هي من أهم مميزات الحياة الكويتية .

و محاولة تصيد بعض المخالفات الفردية و جعلها أساسا لتقويم سلوك الناس هي مغامرة غير مأمونة العواقب و ما أشبه اليوم بالأمس.

لقد كانت أهمية معركة الجهراء أنها قد وحدت الضمير الشعبي الكويتي الرافض للتعنت و التطرف فكان الشهداء من مختلف قبائل و عوائل الكويت , كانوا من العوازم و الخوالد و عنزة و شمر و من آل الديحاني و العتيقي و الشملان و العدواني و الرشايدة و المطيري و المطوطح و الدويلة و العجمي كما كانوا من عموم الشعب و من الشيوخ كالشيخ الشهيد جابر العبدالله الصباح الذي قضى دفاعا عن القصر الأحمر الشهير ,

وكذلك لم تخل قوائم الشهداء من المرأة الكويتية التي كافحت بإصرار وكان لها دورها الحاسم منذ القدم وحتى مقاومة الغزو العسكري العراقي عام 1990 ففي معركة الجهراء ذكر لنا التاريخ أسماء ثلاثة شهيدات قتلن في تلك المواجهة هن :
هيا إبراهيم العساكر وحسنة مبارك الخشاب وبنت أم جلاد الطوالة.

وكانت أيام تضامن ملحمية أسست و رسخت البناء الحقيقي للتجربة الكويتية المقبلة التي كانت قوة زخمها في أواخر خمسينات القرن الماضي و بلغت الذروة مع السبعينات و حيث استكملت كل مراحل البناء الوطني الشامخ الذي جعل من الكويت واجهة تجارية و سياسية وديبلوماسية مهمة كان لها دورها الفاعل في دعم القضايا العربية المصيرية و المشاركة في حقن الدماء العربية في اليمن و الأردن و فلسطين و غيرها , وكانت الكويت هي يد العطاء التي عمرت المدن و الجامعات و الشوارع العربية و أضاءت القرى البعيدة من سواحل الأطلسي غربا وحتى أقاصي حضرموت جنوبا, وكانت الكويت ما غيرها هي الملاذ الآمن لحركات التحرر الوطني في فلسطين و أرتيريا قبل أن يدور الزمان و يفرز الغدر عصاراته الثقيلة.

تلك الكويت التي كانت في الماضي القريب جوهرة الخليج العربي بانفتاحها و توهجهها واستيعابها السريع لكل التطورات الحضارية المتسارعة هي اليوم بصدد التحول إلى كيان مغلق على ذاته يعيش تحت قرع طبول التهديدات المستمرة و التناحرات المذهبية البغيضة بعد أن تسربت للأسف بعض أشكال الصراعات و تصفية الحسابات بالقوة , و الكويت التي كافحت كثيرا للتقريب بين إشكاليتي الديمقراطية و الأمن , وعانت من نتائج غزو و احتلال تدميري تمكنت من التخلص منه بأثمان غالية اقتطعت من احتياطي الأجيال القادمة و ترك مؤثرات و تأثيرات نفسية مهمة للغاية في الضمير الجمعي , تعيش اليوم في مفترق طرق حاسم , فأول الرقص حنجلة كما يقولون , و قوانين التعتيم و منع التجول و إغلاق المقاهي و أماكن الترفيه سيعني بالضرورة لجوء البعض إلى خيارات أخرى يمكن التكهن بنتائجها! التجربة الكويتية على المحك , و الكويتيون أمام خيارات حاسمة و تقاطع طرق تاريخية واضحة المعالم ,

وسر الوجود الكويتي الحديث يتعلق بتقديس الحرية المسؤولة التي لا تعني الانفلات و لا الفوضى , و تكوين محاكم تفتيش جديدة في عصر الحريات العولمي هو واحد من أعجب متناقضات الحالة في الكويت... فوا أسفاه يا كويت الحرية و الالتزام و التقدم و الانفتاح... و لكننا في النهاية على ثقة تامة من أنه لا يصح في النهاية إلا الصحيح!.

جريدة حدث الالكترونية (باختصار)
رد مع اقتباس