عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 26-03-2008, 02:55 PM
IE IE غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

كان الاستاذ محمد عبد الهادي جمال في كتابه القيم تاريخ الخدمات البريدية في الكويت الذي اصدره سنة 1994 قد افرد ثماني صفحات لمغامرة حمد الحميدي مع الصحراء والبريد والتنقل متفرداً مع جمله والحياة الخلوية وهنا انقل بعض ما اورده عن الحميدي حين يتوجه لاصلاح خط الهاتف التلفون فيقول في صفحة (80) من كتابه المذكور وهو خير من تتبع قصة الحميدي التي دفعتها الايام الا ان هذا الشاب محمد جمال قد انتشل قصة الحميدي من النسيان واودعها في كتابه لنستعيد ذكرى هذا الرجل المغامر.
وكان المرحوم حمد الحميدي يتوجه الى مكان العطب على جمل، وكان يسير في الصحراء بمحاذاة الخط الى ان يصل الى مكان العطب، حيث يقوم باناخة جمله وانزال عدته التي كانت تتكون من ادوات التصليح وبعض العدد البسيطة، بالاضافة الى الاسلاك و(الفناجيل) التي كانت تستخدم لتثبيت السلم بالعمود، وكان لديه جهاز تليفون كان يستخدمه للاتصال بالكويت والبصرة بعد قيامه باصلاح الخط للتأكد من صلاحيته للعمل في الاتجاهين. وعند التأكد من صلاحية الخط كان يعود الى الكويت. وكانت فترة التصليح تعتمد على طبيعة العطل وحجمه. فكانت في بعض الاحيان تستغرق يوماً واحداً بينما قد تطول الى ثلاثة ايام او اربعة في احيان اخرى.
وكان المرحوم حمد الحميدي يذهب على جمله وحيداً في الصحراء وهو يحمل عدته وبعض الغذاء والماء لسد حاجته للفترة غير المعروفة التي سيقضيها في الصحراء الى ان يتم اصلاح الاعطال، وقد استمر على ذلك المنوال سنين طويلة الى ان تم فتح خط للسيارات بين الكويت والبصرة، حيث بدأ بالذهاب الى مكان العطل مع السيارات المتوجهة الى البصرة. وكانت الجادة لحسن حظه موازية لخط البرق حيث كان يراقب الاعمدة والخطوط اثناء مرور السيارة عليها الى ان يهتدي الى مكان العطل فينزل لاصلاحه وتكمل السيارة مسيرتها الى البصرة. وبعد قيامه باصلاح العطل كان ينتظر قدوم احدى السيارات العائدة الى الكويت ليعود معها. وكان في بعض الاحيان يضطر للبقاء في الطريق يوما او يومين بانتظار مرور احدى السيارات المتوجهة الى الكويت. وكان على اي حال يستعد لمثل تلك الاحتمالات، حيث كان يأخذ معه من الطعام ما كان يكفيه لتلك الفترة.
وكان مكتب بريد الكويت في ذلك الوقت مسؤولاً عن اصلاح الخط من الكويت الى صفوان بينما كان العراق مسؤولاً عن اصلاح الخط من صفوان الى البصرة.
وكانت عملية اصلاح العطل في الاسلاك لا تطول اكثر من عدة ساعات بينما يتطلب الموضوع جهوداً كبيرة قد تستغرق يوماً او يومين على الاقل ان كان العطل بسبب سقوط احد الاعمدة او كسره لاي سبب من الاسباب. وكانت اعمدة خطوط البرق مصنوعة من الحديد المجوف، وتتكون من جزأين، يتم تركيب الجزء العلوي ـ الاقل سماكة ـ داخل تجويف الجزء السفلي لتثبيته فيه. وكانت شدة الرياح او غزارة الامطار تؤدي الى سقوط بعض الاعمدة او كسرها. كما ان فتح طريق للسيارات مواز للخط ادى الى وقوع بعض الحوادث كاصطدام السيارات بالاعمدة واتلافها مما كان يعني ضرورة استبدالها. وكان ذلك يضطر المرحوم حمد الحميدي الى العودة الى الكويت لجلب اعمدة جديدة وعدد من العمال للمساعدة في نصب الاعمدة البديلة. ويذكر السيد عبد الله الحميدي ـ نجل المرحوم حمد الحميدي ـ ان والده كان في بعض الاحيان يمكث في الصحراء لعدة ايام دون معرفة اهله بمكان وجوده، وكان ذلك بسبب كثرة الاعطال او لعدم مصادفة وصوله المنزل في منتصف الليل دون ان يشعر به احد. وكان من عادته في تلك الظروف الا يطرق الباب في ذلك الوقت المتأخر بل كان يتوجه الى المسجد المجاور ويأخذ (النعش) الموجود فيه ويسنده على حائط منزله ويستخدمه كسلم للوصول الى سطح منزله والنزول اليه. وكان المنزل يقع في منطقة المسيل.
وكان المرحوم حمد الحميدي دائم التفكير بصلاحية خطوط البرق وعدم توقفها في جميع الاحوال. فكان يستيقط من النوم في الليالي الممطرة او اثناء هبوب الرياح ـ ولو كان ذلك في وقت متأخر من الليل ـ ويتوجه من منزله الى مقر البريد بالكشك ليقوم بفحص الخطوط للتأكد من عدم تعرضها لاي اعطال بسبب العوامل الجوية.
واخيراً ترينا القصة التالية كيف كان السيد الحميدي يتعايش مع جمله والصحراء في هذا العمل واظن لو طلب من شخص اليوم بعد مرور خمس وثمانين سنة ان يعمل مثل ما عمل الحميدي فأظن انه سينهزم او يرفض أو يستقيل لكن هذا هذا الرجل وقصة حياته في هذا العمل المضني شيء غير عادي ونحن نواصل الحديث عما ذكر عن قصة هذا الرجل العجيب.


جريدة الوطن 31/7/2003
__________________
"وَتِـــلـْــكَ الأيّـَــامُ نُـــدَاوِلـــُهَـــا بـَـيـْـنَ الـــنَّـــاسِ"
رد مع اقتباس