عرض مشاركة واحدة
  #16  
قديم 20-04-2009, 02:02 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

بقلم : عبد الرحمن بن عيد السنافي - عالم اليوم
20/04/2009

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام أجمعين، ثم أما بعد؛
حاولت أن أمسك القلم، واستحثثت نفسي مُراغِماً، وبعد لأيٍّ قبضت عليه، ولكن!! كان إمضاؤه في الصدد الذي أريده أصعب.
فالذي أقدم عليه لا يصوغه القلم وقد استقبع!!، والنفس عليلة كليمة بعد الفجع، وخطبٌ لا مساغ له؛ فكيف يتجرعه!!، ثم قلت: لعلي إذا تأملت الوسط الثقافي في البلاد أجد مماثلا، وللأسف، عالم جهبذ، وناقد بصير، جمع بين الفقه واللغة والأدب والشعر في طرافة لفظ، وهيبة سمت، امتزج ذلك كله في اتفاقٍ مع الشريعة واتساقٍ مع نصوصها؛ وانصهر في كنف الشيح أحمد بن غنام بن رشيد الحمود –رحمه الله تعالى-.

كان من الصعب بمكان أن يُحَدَّ علمُ الشيخ في تخصصٍّ دقيق لا يتجاوزه، فقد كان من العلماء المشاركين في العلوم والمتناولين لصنوف من الفنون، حتى تعذر على أحد أن يصنفه في قالب واحد، لذلك أصبح رحمة الله عليه ركيزةً مهمة من ركائز الوسط الثقافي، وسِمَةً من سمات المجتمع العلمي القديم في دولة الكويت.

طيب غرسه ومحل جذره
نزح جده رشيد الحمود من بلدة جلاجل إحدى مدن إقليم سدير الواقع باليمامة في نجد، ارتحل إلى مدينة الزبير بن العوام واستوطنها مدة، حتى عرفت بعض معالمها به، اشتهرت بئر له حفرها خارج أسوار المدينة فعرفت المنطقة من بعد باسمه، يقال لها الرشيدية، فأصبحت مع مرور الزمن موضعاً خصيباً للغرس والزراعة.

ثم رحل أبوه غنام إلى الكويت نازلاً حي المرقاب، بعدما أسس مسجداً في محلة أبيه (حي الرشيدية) اشتهر بـ(مسجد الغنام)، وولد له الشيخ أحمد سنة 1928م في الكويت بفريج ابن حمود الشايع.
وقد حدثني الأستاذ محمد بن عبدالرزاق الصانع –نزيل المدينة النبوية-: أن الشيخ أحمد عندما زار الزبير تطوع للإمامة في مسجد أبيه مدة مكثه.
وغنام بن رشيد هذا معروف عند أهل الكويت بعبادته وشدة عنايته بحضور الجماعة للصلاة مع كونه –في آخر حياته- من ذوي الأعذار غير القادرين على السير.

الشيخ كما عرفته
عرفت الشيخ كما عرفه غيري بالتواضع وخمول الذكر، وكرم السجية، ودقة المأخذ، ودماثة الخلق، وعلو الهمة إلى آخر لحظة من حياته، ذا وقار وهيبة، لا يجترئ أحد أن يتكلم في أحد بذَمٍّ وغيبة أمامه.
والشيخ حنبلي المذهب، كسائر علماء الكويت النجديين، لكنه كان صاحب اتباع وسنة، ولم يرتضِ التعصب المذهبي في دراسة العلوم الفقهية منهجاً، قال – رحمه الله-العبرة في مسائل الفقه بالدليل الصحيح، واتباع الدليل واجب، والعصبية لأقوال الرجال لا تجوز).

كما كان - رحمه الله – يبتعد عن مظان الشهرة، ولم يسع أبدا إليها، لذلك لم يعرفه الناس من خلال الأجهزة الإعلامية، وقد ترجم الشيخ لنفسه في آخر حياته ترجمة نشرت في صفحة (نسايم السور)، بمقابلة أدارها الأخ الفاضل الأستاذ طلال الرميضي في مجلس مكتبتي الخاص، لمّا تفضل الشيخ بقبول الدعوة، التي حصلت بها الفائدة ولله الحمد والمنة، فليراجعها من أراد.

حرص الشيخ على مناصحة الشباب في الكويت
لاحظ الشيخ أحمد –رحمه الله- توقد نفوس بعض طلبة العلوم واندفاعهم، وشدة تدفق مياه الربيع في هممهم، فكان كثيراً ما يحرص على تنبيههم لأخذ هذا الدين بهدوء، وإرشادهم إلى منهج السماحة والأخلاق وحسن العشرة والمعاملة، وقد جاهد بلسانه وقلمه ليكسر من شدة جموح بعضهم.

وفي مقابل هؤلاء، لم ينس الآخذين حظاً يسيراً من العلوم، فلم يهمل الشيخ نصيحتهم، فهم وإن كان يتقلبون في المعارف بسكينة، لكنه خشي عليهم من آفة حب التصدر والبروز الكاذب، وطالما نهى الشيخ كثيرين من السعي خلف الشهرة لنيل الأغراض أوالمصالح، وأمرهم بملازمة التواضع وعدم الاستعلاء على الناس. وإن اللهث وراء الأضواء الزائفة عرض زائل، فهو كالجليد الذي لا يلبث حتى يذوب ويتلاشى. ولم يسلم الشيخ جراء ذلك من أذية بعضهم، وهو –رحمه الله- يصبر محتسباً أجره على الله، ولا يسعى في رد جهالتهم بمثلها، بل كان يتحلم ويترفع عن كل خلق دنيء.

مكتبته
ومن أبرز مظاهر اهتمام شيخنا أبي عبدالرحمن – رحمه الله - بالعلم؛ ولوعه بتحصيل الكتب المفيدة في كل فن، وقد خلف مكتبة ضخمة جدّا، عظيمة القدر، إذ سبيله في جمعها الانتقاء للطبعات المعتمدة، والاعتناء بتجليدها وحفظها، وتسطير الفوائد في طرر كل مجلد منها، فاكتسبت قيمة لا يعرفها إلا من عالج القراءة واقتناص الفوائد.

مساعيه في طباعة الكتب النافعة
وكاهتمامه بجمع الكتب كانت له همة أخرى ذات صلة بها، فالشيخ كان يحب الكتاب، ولا يكاد يفارقه في حضر أو سفر، وكان يحب لطلاب العلم أن يصنعوا مثل صنيعه في الاقتناء والقراءة والتخلق بما قد حوته من أدب وحكمة، فانتقى رحمه الله بعض العناوين لطباعتها، أو لإعادة طبعها، على نفقة بعض محسني الكويت، ومن تلكم الكتب التي طبعها الشيخ بالأصالة، أو الإسهام، أو التصوير:«الفتوحات الربانية في المجالس العظية» (منح الشفا الشافيات)، و(دليل الطالب)، و(قطف الأزاهر) وهي تعليقات الشيخ عبدالله النوري على منظومة حديقة السرائر في نظم الكبائر، و(أوضح المسالك على مذهب الإمام مالك) لعثمان بن سند الفيلكي، نشرت بعض هذه العناوين في فترة مبكرة جدا الخمسينيات والستينيات الميلادية، ولم يقتصر على طباعة الكتب فحسب؛ بل تولى توزيعها بنفسه على طلبة العلم والخطباء، في زمن كانت حركة الطباعة ضئيلة؛ لشح المطابع آنذاك، ومن أشهر المطابع الكويتية التي تعامل معها الشيخ-رحمة الله عليه– مطبعة المقهوي الشهيرة في ذلك الوقت–و لا زالت–و غيرها، ويجدر بنا أن نقول هنا: إن الشيخ حمل لواء نشر الوعي الإسلامي في بلده الذي أنجبه، قياما بحق الله تعالى حيث قال جل ثناؤه:{وإذ أخذ الله ميثاق الذي أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه...}.

نماذج من حس فكاهته – رحمه الله -
ولعلاقته الوطيدة بالقراءة، كانت له علاقات مع المكتبات وأصحابها، يراسلهم، ويسأل دائما عن جديدهم، وكان يداعب بائعي الكتب بعناوين غريبة لا يعرفونها، رأيت الشيخ–رحمه الله– يمشي في معرض كتاب جمعية الإصلاح ، ويدخل المكتبة بعد المكتبة، فدخل إحدى المكتبات قائلاً للبائع-وكان مصرياً-هل عندكم من جديد؟).

فطفق البائع يريه الكتب الجديدة وهو يراها ويقولقديم.. قديم)، حتى نثر البائع كنانته، ولم يغرب على الشيخ بشيء، فسأله الشيخ عن كتاب الوسيط؟، فقال البائع: (عندي الكتاب)، فقال الشيخ: (أي وسيط عندك؟) فقال: (ممكن يكون معجم)، فقال الشيخأريد كتاب الوسيط فيما يحصل في الأمة العربية من الخرابيط!!) فقال البائع: (لأ دا معرفوش!! لمين دا؟).
فيرد عليه الشيخ قائلايسر الله إتمامه!!)
فخرج الشيخ، وأنا أقفو أثره لأرى ما يكون في المكتبة الثانية، فلما دخل ورأى ما عندهم، وأراد الخروج، رجع وقال: (هل عندكم كتاب الغصن المتدلي؟)فقال البائع: (الكتاب بيتكلم عن أيه؟) فرد عليه الشيخ: (الغصن المتدلي على طريق حولي!!)، فتعجب البائع من هذا العنوان؛ فسأل عن مؤلفه، فرد عليه كرده على الأول.

ثم ذهب إلى مكتبة ثالثة وأنا خلفه وصنع كصنيعه في المكتبتين، فظننت أنه سيكرر أحد العنوانين، فقال: (هل عندك كتاب الجواهر المرصعة في أخبار فاطمة المطوعة؟) فسأل البائع عن مؤلفه، فرد الشيخ كعادته!!.

هذه القصة على طرافتها فإنها تدل على القوة البيانية عند الشيخ – رحمه الله -، وبلاغته وموسوعيته في المفردات، حيث يركب مثل هذه الأسماء ليداعب بها أصحاب المكتبات والبائعين.
وكتب أحد أصحابي المعتنين بالتاريخ، كتاباً يريد نشره في السوق، فعرضه على الشيخ حينما كان عندي بالمجلس، فلما قرأ منه قال لمؤلفه: (كتابك هذا ما يمشي)، فاستغرب صاحبي وبهت بالقول وقال: لماذا يا شيخ؟ فرد عليه الشيخ: (كيف له أن يمشي وليست له قدمان).
رحمه الله ما أظرف مزاحه، ولم تقتصر خفة ظل الشيخ أبي عبد الرحمن على منثور الأحاديث، فقد تجاوزت ذلك إلى الأنظام الشعرية، والشيخ في القريض فحل هجمة سريع البديهة ذو طبع كما سنبينه.
رأى الشيخ سقطاً في كتاب لأحد الطبعات التجارية؛ فارتجل مرتجزاً:
فإن تكن طبـعتها العـلميهْ
فإنـها بنـقصـها حَرِيّهْ

ودخل مرة أحد معارض الكتب وبعد تقليبه النظر في رفوف الكتب المعروضة وجدها لم تأت بجديد وليس فيها ثمة إضافة، فارتجل مرتجزاً:
لكنـها من كتـبٍ مكـرّرهْ
يقرؤها الرجَّالُ حتى والمرهْ!

ولفرط حب الشيخ للكتب واقتنائها؛ فقد تأذى من أولئك الذين يستعيرون من كتبه ويماطلون في إرجاعها، فقال مرة وهو يتأوّه على ما ضاع من نفائس مكتبته:
زبانيةُ الجحيم إذا استعاروا
كتاباً دأبهم أنْ لا يردّوا

ولكننا نقول: هذا الذي ضاع على الشيخ لم يكن سوى قطرةً في بحور خزانته الزاخرة.

معرفة الشيخ بتاريخ الكويت، ومعرفته للأخبار
كان الشيخ–رحمه الله- ذا معرفة بالتاريخ، ذا تدبر له وتأمل، فمن الفوائد النفيسة التي عَلَّقناها عن الشيخ أحمد- رحمه الله – شرحه وبيانه للمراد من لفظة (الهيلك)، تلك السنة ذات المجاعة الشهيرة.
فقد احتار المؤرخون بالكويت في توجيه المفردة نحو أصولها اللغوية وهل هي من الكلام العربي أو من الدخيل، والتحقيق عند الشيخ في بيان أصولها اللغوية:

(أن لفظة (هيلك) كلمة منحوتةٌ ومركبة من جملة ذات كلمتين: (هي لك)، ذلك أن الآباء لشدة ما أصابهم من الفقر والجوع خشوا على بناتهم من العار؛ فسارعوا بتزويجهن وهم يرددون “هِي لِكْ”، وشاع ذلك، فسميت هذه السنة بهذا الاسم الدال على رثاثة الحال).

وأيضاً قال لنا الشيخ ذات مرة:
(أول ما حكم الشيخ عبدالله السالم الصباح –رحمه الله- بعد الأمير الراحل أحمد الجابر -رحمه الله - تمثل بقول الأفوه الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
والبيت لا يبتنى إلا له عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة
يوماً فقد بلغوا الأمر الذي كادوا)

قالكان الشيخ عبدالله السالم الصباح ذا إلمام بالشعر والأدب، وكان يحفظ لامية الطغرائي، وكان مرة في مجلس يهب الأعطيات لمن حوله، فأنشده أحد الكويتيين –ممن لم يعطه الشيخ شيئاً- البيت:
تقدمتني أناس كان شوطهم
وراء خطوي إذ أمشي على مهل

فالتفت الشيخ عبدالله السالم بغضب وقال: (ما الذي حملك على التلفظ بهذا البيت)، فذكر أنه لم يعطه مما كان يهبه لمن حوله، فسأله الشيخ عبدالله السالم: (هل تعرف البيت الذي قبل هذا البيت؟) فقال الرجل: لا أذكر، فقال الشيخ:
ما كنت أؤثر أن يمتد بي زمني
حتى أرى دولة الأوغاد والسفل!!

فانكب الرجل على الشيخ عبدالله أسفاً طالباً السماحة، وهو يعتذر للشيخ بسبب الذهول عن معرفة مناسبة الأبيات، وقد كان الشيخ عبد الله السالم رحيماً حليماً؛ فعفا عنه.

وذكر لنا الشيخ أحمد: أن الشيخ عبدالله السالم كان أديباً فصيحاً، يستخدم المفردات العربية الفصيحة في عموم كلامه، من ذلك أنه عاتب رجلاً مرة فقال له: (ما كنت أظنك ضنين بزيارتنا يا فلان).
وكلمة ضنين – بمعنى بخيل- فصيحة مهجورة لا تستخدمها عامة الناس اليوم.

وكما حدثنا أيضا أن الشيخ صباح السالم الصباح–رحمه الله– أول ما حكم البلاد تمثل بقول الشاعر:
سلوا ضمائركم فالحق ما شهدت
له الضمائر شح الدهر أو طالا

وقد كتبها على كتابا من مقتنياته اسمه: الفلك المشحون.

شعر الشيخ ونظمه
كان الشيخ شاعراً مجيداً، صحيح القريحة، عذب الألفاظ، جيد السبك لما يقوله من أشعار جزلة، حيث كان يكتب مع حضور البديهة وتوقد الروح.
ساعدته في ذلك نفسه المطبوعة وسليقته العربية الخالصة، فلم يكن الشيخ متعاطياً لتكلفات أهل الصناعة الشعرية، بل كان ينساب في أشعاره انسياب المياه الرقراقة الصافية التي لا تمر على شيء إلا وتبعثه حياةً ونشاطاً.
كان رحمه الله إذا انفض المجلس وأراد القيام بعد تطييبه بالطيب يقول:
ختامُ مجالسِ الأحباب عودُ
مشيراً للأحبة أن يعودوا

ونلفت نظر القارئ إلى أن شعر الشيخ أحمد الغنام يعتبر مدونة توثيقية مهمة لتواريخ البلدانيات والحوادث وتراجم الأعلام في داخل الكويت وخارجها.
وهذه مادة غنية وفيرة يقدمها من تصدى لجمع وطباعة ديوانٍ للشيخ أحمد، فيكفي أن المراثي الكثيرة التي سطرها الشيخ في أعيان الكويت وأعلامها، تعتبر مكنزاً تاريخياً ضخماً لسيرة هؤلاء الفضلاء، وأتذكر قوله: (لقد رثيت فلاناً على لسان أهله).
والنماذج في ذلك متكاثرة، من ذلك قصيدته في رثاء صاحبه العزيز وعشيره، المرحوم بإذن الله: عبداللطيف العلي الشايع، قال في مطلعها:
أيا رحمة الرحمن هلّي وأمطري
على قبر محبوبٍ كريم الخصائل
أبي خالدٍ عبداللطيف أخي الوفا
سما في سما العلياء بدر المحافل

وأيضاً يهمني إيراد نموذجٍ من قصائده المتناولة لأحد البلدان العلمية التي كانت رافداً ثقافياً مؤثراً في النخبة الكويتية المتعلمة. إنها مدينة الزبير بن العوام، حيث استقرت رحال جده رشيد الحمود، قال الشيخ:

كم خرّجت من عليمٍ زاده شرفاً
إذ كان تلميذها والعلم كاسيها
شام الصغير لقد قالوا وقد صدقوا
قد نافست في طلاب العلم شاميها
تكاد ترقص تيهاً في فطاحلها
أهل العلوم بهم من ذا يضاهيها
وابن الغنيم بنظم الزاد جمَّلها
فلا يضاهى وأعط القوس باريها
قد سهّل الفقه في نظمٍ لطالب
حتى حوى النظم إرشاداً وتفقيهاً
وابن الحمود وقد كانت درايته
في فقه أحمد كتب الفقه حاويها
جل المسائل عن حفظ يرددها
من غير طرسٍ خبيراً في مظانيها
وكان شيخاً لعبد الله بنْ خلفٍ
بدر الكويت ومفتيها وقاضيها
وبابطين سما في العلم منزل
لا سيما في أصول الفقه عاليها
ونظمه الشعر يحكي الدر مرتبةً
ومن بحور عَروض الشعر يمليها
ومعهد قد نجا من كان قاصده
من الجهالة من حضرٍ وباديها
هي النجاةْ لذوي الأقلام مفخرةٌ
ورحمةُ الله تغشى من سعى فيها
وخرَّجت دارها فرسان معرفةٍ
في كل علم إلى أن (بيح) ضاحيها
حتى غدت مثل بهمٍ نام صاحبها
يا صاح عنها وأمسى الذئب راعيها
والبعث جرَّدها من كل مكرمة
فيا رعى الله أياماً زهت فيها
والربع صار كئيباً قد ألمَّ به
سوء المصير وظل الربع يبكيها
تبكي المساجد رواداً تعطرها
وقت الفريضة إن نادى مناديها
قف بالربوع لقد يبكيك منظرها
هيهات يرجع للأحباب ماضيها
تأسيسها عام (ظعط) جاء معتبراً
بالأبجديِّ حساباً قال راويها
رعاك ربي من عصرٍ ومن زمنٍ
فيه النفوس زكت تعنو لباريها
فكل من عاش يلقى في الدنا عجباً
لا يسلم المرء يوماً من مآسيها
أهدي السلام على قوم ذوي شرفٍ
عنها فقد رحلوا والموت طاويها
هذا ومسك ختام النظم معتذراً
إن كان في النظم أخطاءٌ ترى فيها


وأبياته واضحة المراد وفي قوله: (معهد قد نجا..قاصده) مع قوله: (هي النجاة) جناس، ولا بد من تعليق يسير على أهم ما ورد فيها من الاعلام فأما الدويحس فهو المحسن دويحس بن عبدالله الشماس تبرع ببيئة ليؤسس مدرسة شرعية ، فأما الغنيم فهو محمد بن قاسم بن غنيم الفقيه الحنبلي، تأهل بالشيخ صالح المبيض، ونظم زاد المستقنع في الفقه بما يقارب خمسة آلاف بيت، ومنه نسخة خطية محفوظةٌ بمكتبة (دارة الملك عبدالعزيز) العامرة، أما الحمود فهو عبدالله بن عبدالرحمن الحمود أحد أشهر أساتذة مدرسة الدويحس وهو من شيوخ قاضي الكويت ومفتيها عبدالله الخلف الدحيان الحنبلي. والبابطين هو عبدالمحسن بن إبراهيم أبا بطين الفقيه الحنبلي والشاعر المجوّد. ومدرسة النجاة أسسها الشيخ محمد أمين الشنقيطي بعد جلائه من الكويت إلى الزبير. رحمهم الله تعالى برحمته الواسعة أجمعين.

تعزية الشيخ نفسه في أيامه الأخيرة
زارني بمكتبتي الشيخ أحمد ومعه أثيره الأخ الكريم زكريا الكندري، قد كانت ليلة هادئة من ليالي شهر فبراير، قبل أن يتوعك الشيخ في سرير مرضه بفترة قريبة. فأريت الشيخ تقريظه لكتاب الخطب العصرية المنبرية للشيخ عبدالرحمن الكمالي، يرحمه الله من جملة تقريظ آخرين من أهل العلم كانوا ثمانية، فقال الشيخ وهو ينظر إلي بتعطف وترقبٍ، ملاحظاً مدة الأجل ومشيراً لانتهاء فسحة العمر، قال: (يا عبدالرحمن، كل المقرظين للكتاب ومؤلفه توفاهم الله عز وجل، ولم يبق في قيد الحياة غيري!)

فأجبته: أطال الله بالخير عمرك يا شيخ، ولا أذاقنا فقدك. فكان قضاء الله ولا مرد لقضائه، أن تدهورت صحته وساءت حالته، ولم تكن القضية إلا وقت تطهير وتكفير بمعاناة المرض، حتى قضى الشيخ ملاقياً ربه عز وجل في يوم الأربعاء 4 /3 /2009م رحمة الله برحمته الواسعة وحبب عليه من شأبيب أخوانه.
رد مع اقتباس