عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 21-03-2009, 01:45 AM
الصورة الرمزية AHMAD
AHMAD AHMAD غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
الدولة: الكويت
المشاركات: 2,661
افتراضي

تحمل نفقات الحج عن بعض الفقراء:
لم يشأ المحسن أن يحرم نفسه من ثواب عظيم، هدفه مساعدة أولئك الذين يرغبون في أداء فريضة الحج وهم لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً، فكان رحمه لله يتحمل نفقات بعض الحجاج الفقراء كل عام، محتسباً ذلك عند الله تعالى، عاملاً بقول رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :"مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ"([1])،و ايضا كما قال صلى الله عليه وسلم "مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ فَقَدْ غَزَا"([2])، كيف لا والحج هو الجهاد الذي لا شوكة فيه كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ؟

وقياساً على ذلك فإن من جهز حاجاً فكأنما حج مثله، غير أن هذا لا ينقص من أجر الحاج شيئاً، والله أعلم. وقد كان المحسن محمد الفلاح أميراً على حملة الفلاح للحج وعلى الحملات التي ترافقهم من بداية موسم الحج إلى نهايته مع كونه كفيفاً، وكان ذلك أيضاً اقتداء بسنة النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال: "إِذَا كَانَ ثلاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ" أخرجه أبو داود، أي يجعلوه أميراً عليهم، يقودهم ويوجههم ويجمع كلمتهم، ويوحد صفهم، ويقضي بينهم حتى لا يكون للشيطان عليهم سبيلا.

وقد كان المحسن محمد الفلاح من أعلم هؤلاء الأفراد، وأحفظهم لكتاب الله، ولذا كان يتم اختياره دائماً أميراً عليهم ولسنوات عديدة تناهز العشرين عاماً، فكان يسير فيهم بأمر الله تعالى، سواء كانوا من منتسبي حملته أو من الحملات الأخرى.

القيام بنظارة الوقف
الوقف من الأعمال المستحبة في الإسلام، والتي لا يعود نفعها وثوابها على صاحبها في حياته فحسب، بل يمتد أجرها بعد وفاته أيضاً. قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَه" رواه مسلمُ.
ومن أوجه الإحسان في حياة المرحوم محمد الفلاح كذلك عملاً بهذا الحديث، والتماساً لما بشر به من ثواب أنه كان يتكفل برعاية بعض الأسر الفقيرة ويقوم بالإنفاق عليها نفقة كاملة، كما تبرع بكفالة بعض الأسر التي توفي عائلها، وكان يساعد بعض الأرامل في الحي الذي يقيم فيه على رعاية أبنائهن والإنفاق عليهم بعد موت آبائهم.
وامتداداً لهذا الحس الكبير بالمسؤولية والقدرة على الرعاية والمتابعة رغم كونه كفيف البصر، فقد عمدت إليه أكثر من امرأة من نساء الحي بالقيام على نظارة الوقف الخيري الذي خصصته لوجه الله تعالى، وكان هذا الوقف على الأغلب عبارة عن بيت تسكنه الأسر الفقيرة، أو يؤجر ويصرف ريعه على وجوه الخير والإحسان، وكان يقوم بذبح الأضاحي لهن من ريع هذا الوقف في عيد الأضحى من كل عام، وأحياناً في المواسم الدينية المباركة والنوافل، وخصوصاً شهر رمضان المبارك.

حبه لإطعام الطعام وإفطار الصائمين:
من الأعمال العظيمة التي دعانا إليها الإسلام في القرآن والسنة إطعام الطعام، إذ قال تعالى عن الأبرار: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا(8)" سورة الإنسان.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا بالليل وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ" أخرجه ابن ماجه والترمذي وقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
لقد كان شديد الحرص على أن يقوم بتوزيع التمر عند الإفطار على بعض الأسر والجيران في الحي الذي يعيش فيه، وكان يشرف على هذا العمل بنفسه، متأسياً في ذلك بحديث النبي صلى الله عليه وسلم :"مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا" أخرجه الترمذي.
وكان أيضاً عند شرائه لإدام البيت يخصص جزءاً منه للفقراء، ويقوم بربطه بخيط تمييزاً له عن بقية الإدام الخاص بالعائلة، فكان يأمر "بخيتة الفلاح" بتوزيعه على الفقراء من الأسر والمحتاجين وذلك قبل أن يقوم بتناول طعامه.

الحث على فعل الخيرات:
لم يكتف المحسن محمد الفلاح رحمه الله بصنع المعروف بنفسه وعمل الخير وحده فحسب، بل كان يحث أهله وجيرانه وكل من يعرفهم على عمل الخير والفوز بنصيب وافر من فضل الله تعالى، فكان يدعوهم إلى الصلاة والزكاة وفعل الخيرات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، عملاً بقول الله تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ..(110)" آل عمران.
ومقتدياً بسيدنا إسماعيل عليه السلام الذي قال عنه الله تعالى: " وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا(55)" سورة مريم.
وقد تولى ­ رحمه الله ­ مهمة الدعوة إلى الله والوعظ وإرشاد الناس إلى طريق الحق والنور أيضاً من خلال عمله التطوعي الذي أشرنا إليه سابقاً وهو إمامة مسجد الصقر لمدة اثنتي عشرة عاماً متطوعاً لله تعالى، واهباً جهده لله تعالى دون مقابل مادي.

دوره الوطني:
إن المسلم الحق لا يهتم بنفسه فحسب، ولا يعيش لنفسه فقط، فمن عاش لنفسه عاش صغيراً ومات صغيراً، ومن عاش لغيره عاش كبيراً ومات كبيراً، لذلك كان يهتم بأحوال إخوانه المؤمنين جميعاً في كل مكان، قال تعالى: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اخوة فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون (10)"سورة الحجرات.
وقد جاء في الأثر: "ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط". فعند الكوارث والأزمات تظهر معادن الرجال، وأهل الخير الذين كان منهم المحسن محمد الفلاح رحمه الله ذو المعدن الأصيل، الذي كان فعل الخير متجذراً في وجدانه، فكان يسارع عند الأزمات أو الشدائد والكوارث إلى مساعدة إخوانه المحتاجين والمكروبين في حيهم أو الأحياء المجاورة لهم .
فعندما وقعت الأمطار الغزيرة وتحولت إلى سيول جارفة سنة 1934م والتى على أثرها سقطت الكثير من المنازل وسميت تلك السنة باسم "الهدامة"([3]) قام المحسن محمد الفلاح بتكوين لجنة مع إخوانه من أهل الخير والبر والإحسان، وكانوا يطوفون على الفرجان " الأحياء " المجاورة لهم، ويقدمون المساعدة لمن يحتاجها، عاملين في ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ" رواه البخاري.

بل كان الديوان بمثابة خلية نحل يتم فيها تبادل المعلومات وتوزيع الحراسات و تنظيم الدوريات في حالة قيام الآخرين بالغزو على الكويت .

وفاته:
وفى عام 1354هـ الموافق 1934م، توفي المحسن محمد فلاح مفلح الفلاح رحمه الله، بعدما بذل كل ما أمكنه في أوجه الخير والإحسان ما قدر عليه ووفقه الله له.
نسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة، ويجعل أعماله في ميزان حسناته، وأن يجزل له الثواب، إنه هو الرحيم التواب.

قالوا عنه:
لعله من المميز لسيرة المرحوم محمد فلاح مفلح الفلاح هو استخلاصها من روايات كثيرة موثقة على شكل أشرطة تسجيلية، من أشخاص كثر، سواء أكانوا من عائلة الفلاح أو من القريبين منهم. لذا نسوق بعض روايات من تحدثوا عنه من المقربين منه والملازمين له فى أغلب الأوقات العارفين لصفاته وأخلاقه فيما يلي:

- السيد سعود عبدالعزيز الهولى:
يقول فى المقابلة المسجلة إن محمد الفلاح – رحمه الله - كان معروفاً بالشهامة والكرم والفضل وبعلاقاته المميزة مع الناس التي أشبه ما تكون بعلاقة العائلة الواحدة، ويؤكد ذلك ما حدث لهم عندما ذهب أبوهم عبدالعزيز الهولى إلى الغوص وكان ذلك فى أيام عيد الأضحى المبارك ولم يترك لهم شئ من المال بسبب الفقر وقلة ذات اليد فذهبت عمته أم حسين إلى بو زيد "محمد الفلاح" فسلم عليها وعرفها من صوتها وسألها عن أحوالهم فى المرة الأولى، فأخبرته بخير، ولكنه كان لديه الإحساس أن فى الأمر شيء، وسألها في المرة الثانية وألح عليها بالسؤال، فأخبرته أن عبدالعزيز ذهب إلى الغوص ولم يترك لهم شيء وليس عندهم ما يضحون به فما كان منه إلا أن رجع من فوره وخرج من البيت وبعد فترة حضر ومعه الأضاحي لهم.

ويضيف سعود الهولى بأن محمد الفلاح يمتاز بعلم الفلك والرياضيات حتى أنه كان يأمرنا ونحن صغار بكسر غصن الشجرة "السدرة التي في الديوان" في الصباح الباكر فلا يخرج من الغصن الماء، ثم يأمرنا بكسر غصن الشجرة في المساء فيخرج منها الماء فيقول لنا انظروا إلى تغير الأوقات ودخول المواسم، ويؤكد فى مقابلته أن محمد الفلاح قد حج ما يقرب من عشرين حجة كلها على الإبل، وكانت له دراية بعلم الوراثة، وكان مصاحباً لفضيلة الشيخ عبدالله بن خلف الدحيان ويعتبر من أحد تلامذته ويؤكد على أن ديوانيه الفلاح "السداحة" كانت مفتوحة على مدار 24 ساعة.
لقد كان محمد الفلاح ­ رحمه الله ­ من الذين يفصلون في المنازعات بين النواخذة والبحرية وكان أخاه أحمد الفلاح يتاجر بالقماش ويسعر اللؤلؤ بالديوانية "طواش".

- السيد جرمان المطيري:
فى المقابلة التي أجريت معه فى بيته ذكر أن محمد الفلاح ­ رحمه الله ­ كان معروفاً بالدراية والعلم والبصيرة، وهو الذي كان يحتكم إليه النواخذة فيما يحدث بينهم وبين بحارتهم، عند حدوث مشاكل


---------------
(12) رواه مسلم.
(13) رواه الترمذي

([3]) وقعت الهدامة في الكويت عام 1353هـ (1934م)، وتسمى هذه السنة بالهدامة لهطول الأمطار المستمرة (ديمة) بشكل أثر في القوام الطيني للبيوت، ومع الرطوبة المستديمة طوال أسابيع انسلخ الطين بالتدريج عن الحوائط حتى سقط كثير منها، وذلك على عكس المطر القوي القصير الذي يكسبها رطوبة محددة تكفي لزيادة صلابتها.
رد مع اقتباس