د. صالح العجيري
 

حــاورته حنـان عبـيـد
ولد عام 1921 في منطقة القبلة. عاش طفولة فضولية تحب الاستكشاف والتعلم، ولخوفه من الظلام والرياح والبرق والرعد والمطر أخذ يبحث عن أسباب تلك الظواهر ليعرف كيفية التعامل معها، «اعرف عدّوك» كما قال، وقرر دراسة علم الفلك بعد أن هيأت الظروف له ذلك.
عمل مدرساً لسنتين ثم محاسباً في دائرة الشؤون الادارية ودائرة الشؤون الاجتماعية وفي دائرة أملاك الدولة، كما أسس قسم الادخار في بنك التسليف والادخار. وبعد تقاعده عام 1971 كرّس حياته لدراسة علم الفلك وللبحث ولتأليف كتبه، فحقق نجاحاً وشهرة في الميدان وذاع صيته داخل بلده وخارجه، لذا تمّ تكريمه مراراً وتكراراً بعشرات الجوائز والدروع أهمها الدكتوراة الفخرية التي منحته اياها جامعة الكويت، وتقليده قلادة مجلس التعاون من قبل رؤساء وملوك دول مجلس التعاون، اضافة لاطلاق اسمه على مرصد في النادي العلمي بعد أن تمّ انشاء مركز علوم الفلك والأرصاد الجوية فيه.
انه الدكتور صالح العجيري.. هذا النجم في سماء الكويت الذي دارت حوله نجوم وأجرام سماوية كثيرة، التقيناه في بيته في حديث مطوّل تشابكت فيه الأحلام والذكريات الجميلة والقاسية ومراحل حياته التي عاشها لسنوات ملئت بالانجازات وبالأحلام والطموحات فإليكم هذه الاستراحة:

ما تعليقك على ما قاله احد المتنبئين بحدوث زلزال في هذا الشهر سيقسم الارض الى قسمين وتفنى البشرية؟
ــــــــ يضحك قائلا:ً سيتم الاتصال بين الكواكب، وهذا لا يعني انها السبب في ما يحصل على الارض من كوارث وزلازل وغيرها، كالحروب والفيضانات والمجاعات، فهي تحصل منذ الازل، اما من يتنبأ بزوال الارض جراء زلزال سيقسمها فهذا غير صحيح ابداً، والذين قالوا عن عام 2012 وان الارض ستتعرض فيه لسلبيات خطرة نتيجة لاشعة الشمس، فالحقيقة انه سيكون للشمس في هذا العام نشاط كبير، ستزداد البقع في الشمس وستؤثر فقط على المغناطيسية الارضية وقليلا على المواصلات وعلى الجو، ولكنه لن يكون عام يوم القيامة، ففي الخامس من شهر مارس 2012 سيقترب كوكب المريخ من الارض، اما الحدث الفلكي العجيب والنادر والغريب فسيتمثل بمرور كوكب الزهرة امام قرص الشمس نهارا، وسيكون بين الارض والشمس وسيظهر كشامة سوداء للشمس، لقد رأيته قبل ست سنوات، واذا احياني الله لذلك التاريخ فسأرى هذا الحدث مرة اخرى.

خوف وغرام
عم صالح ولدت عام 1921 وفي طفولتك دفعك الخوف من البرق والرعد لدراسة علم الفلك، فحدثنا عن تلك الفترة؟
ــــــــ خوفي من الظلام والرياح والمطر والرعد والبرق دفعني للتعرف على هذا العدو الذي يخيفني، اردت ان اعرف كيفية التعامل معه من خلال التعرف على اسباب هذه الظواهر الطبيعية، كما ان والدي ـــ رحمه الله ـــ أرسلني في صغري الى البادية الى قبيلة الرشايدة، وحينذاك تأثرت بصفاء سماء الصحراء وجمالها، وبنور شمسها وضوء قمرها، مما جعلني أعشق علم الفلك.
في ذلك الوقت لم يكن هناك أي اهتمام بهذا العلم فلا كتب ولا مراجع ولا مدرسين، وصدفة وقع بين يدي كتاب عنوانه «المناهج الحميدية» للمؤلف عبدالحميد مرسي غيث، فقرأته لثلاث سنوات ثم صممت على السفر إلى مصر للالتقاء بهذا المؤلف للتعرف على ما خفي علي من أمور كثيرة في الفلك.
وبعد ان التقيته اهتم بي وزودني بالدروس والكتب، ثم أرسلني الى أحد تلامذته في القاهرة اسمه عبدالفتاح أحمد الذي له فضل كبير علي في تدريسي علم الفلك وتدريبي على الحسابات الفلكية، وكان يمتلك مكتبة عظيمة تعتبر كنزاً لعلم الفلك وبعد مماته أورثتني زوجته سبعين كتابا من كتبه، كانت تعتبرها ضرتها، فتخلصت منها باعطائي اياها.
كيف تأثرت من الجانب النفسي والديني عندما درست علم الفلك؟
ــــ قال تعالى: «انما يخشى الله من عباده العلماء»، فالعلماء أكثر الناس خشية من الله، لذا دراستي لعلم الفلك زادتني ايمانا وهدوءاً نفسيا.
ألا تجد المنجمين الذين يطلقون على أنفسهم لقب علماء فلك يتعدون على العلماء؟
ــــ علم الفلك وليد علم التنجيم، حيث حيث كان الانسان يهتم بالاجرام السماوية منذ ان ظهر على سطح الأرض، ظنا منه انها هي التي تدير شؤون الكون، وبعد نزول الاديان السماوية عرف أن لهذا الكون خالقا ومدبرا، فبدأ علم الفلك وبقي علم التنجيم كما هو لأنه غير مبني على أسس صحيحة. أما علم الفلك فتقدم وتطور وأصبح الإنسان يسبح في الفضاء وعلى سطح القمر وحاول الوصول لأطراف المجموعة الشمسية، أما المنجمون فكثروا بعد ان طلقّناهم منذ سنوات طويلة، لكن الفضائيات أرجعتهم، وهم دجالون، ألا يعرفون من أين يأتي الذهب والكنوز؟ فلماذا لا يذهبون إليها بدلاً من ان يأتوننا لأجل حفنة دنانير؟
ألم تفكر في السباحة بالفضاء؟
ــــ سبقت الأميركان والروس في السباحة في الفضاء منذ أكثر من عشرين سنة من خلال التمثيل، لقد مثلت من سنة 1938 الى 1961، وكنت ممثلاً مشهوراً فلغرامي بالفلك عملت تمثيلية فضائية على مسرح مدرسة المباركية، حيث علقنا شخصاً اسمه محمد علي، بعد ان ألبسناه لباس الغوص، في سقف المسرح، وربطناه بحبل ونزل منه وكأنه أتى من القمر حينها، وجمعت العلماء من جميع أنحاء العالم، وقلت لهم اسمعوا يا علماء لقد جمعتكم على مستوٍ عالٍ.
(ويضحك كثيراً) وهو يرفع يده اليمنى للأعلى واليسرى للأسفل، ويشير الى نعاله (أي على مستوى نعالي).

لأجل لبنان
هذا المكان الذي نجلس فيه وما يحويه من دروع تكريمية وقطع أثرية وتليسكوبات، أتدل على شخصية وفكر وعبق العم صالح؟
ــــ صحيح، فلكل قطعة قصة معينة وحدث في حياتي، مثلاً هذا التليسكوب الأزرق هو أول تليسكوب في المنطقة، لم يكن موجوداً إلا عندي اشتريته منذ زمن بعيد، كما ان حقيبة مدرستي التي اشتراها لي والدي عام 1937 بعتها بمبلغ 660 ألف دولار، عندما اجتاحت اسرائيل لبنان فتبرعت للبنان بهذا المبلغ عبر الهلال الأحمر الكويتي الذي سلمها للصليب الأحمر اللبناني.
ألم يكرمك لبنان على هذا الموقف الجليل؟
ــــ لا لم يكرمني أحد، ثم أخذ يريني الدروع والشهادات ومنها شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة الكويت، وقلادة مجلس التعاون التي قلده إياها ملوك ورؤساء دول مجلس التعاون، وجائزة الدولة التقديرية عام 2005، وشهادات وقطع كثيرة تضمها الغرفة.
هل أنت محظوظ؟
ــــ الإنسان يصنع حظه، فعندما يعمل لحياته ويسعى لها جاهدا يسعد، والحياة قسمة ونصيب.
والحمد لله، عشت والكل يحبني ويحترمني ونجحت في تحقيق أهدافي في الحياة، لذا فأنا محظوظ.

توقعات صحيحة
أتطمح لإنشاء مدرسة لتعليم الفلك تحمل اسمك؟
ــــ قبل أربعين سنة كنت شابا قدمت محاضرات ودروسا ودورات للوزارات المختلفة، وألفت حوالي عشرين كتابا في الفلك، لكن وللأسف الاهتمام ضعيف جدا بعلم الفلك في بلداننا العربية، لذا لم أفكر بهذا الأمر.
عند حدوث أي ظاهرة طبيعية غريبة تتصل بك وسائل الإعلام المختلفة فماذا تشعر حينها؟
ــــ اشتهرت لأن توقعاتي الفلكية صدقت كذا مرة وهذا وفقا لدراسات وحسابات لا كما يفعل المنجمون.
ألم تفكر بفتح متحف صغير في بيتك ليأتي الزوار ويتعرفوا على تاريخ العم صالح والقطع الأثرية التي لديه؟
ــــ سننتقل إلى بيت جديد وواسع وفكرتك جيدة في أن أعمل كما تقولين مكانا للزوار وأضع فيه كتبي وأبحاثي والقطع الخاصة بعلم الفلك.

غيرة الحب
صديقك العم عقاب الخطيب قال إن المرحومة زوجتك كانت تغار عليك كثيرا وإذا خرجتما معاً ورأتك تنظر الى امرأة تضربك على وجهك، فماذا تقول؟
ــــ كانت تقول لي «لا تحاول أن تلتفت لترى أي امرأة»، وتدير وجهي. رحمها الله كانت تغار عليّ كثيراً، وفي إحدى المرات شكوتها لأحد أولادي من غيرتها الشديدة، وأقنعني كلامه بأنها تحبني كثيراً.
والحقيقة إنني أحببتها كثيرا، فبعد أن خطبتها لي زوجة والدي وتزوجنا وعشنا سنوات طويلة معاً، أقول بكل صدق: إنها الإنسانة الوحيدة التي أحببتها في حياتي. وعندما أُصيبت بمرض هشاشة العظام بقيت لخمس سنوات تنام على سرير طبي لا تستطيع الحركة أو الكلام، وكنت أنام بالقرب منها على الأرض وأخدمها من دون أي تذّمر، وتركت شركاتي وأعطيت فلوسي لأولادي وطلقت الدنيا لأجلها.

آلام ودموع
موت زوجتك وابنك شكّل صدمة مؤلمة لك، فماذا تذكر من تلك الحادثة؟
ــــ في ليلة الأول من اكتوبر عام 2003 صحت زوجتي من النوم وصرخت، وإذ بي أصحو وأرى دخانا كثيفا يدخل الغرفة، فأخذت أفتش على الجرس، لأرن للممرضة كي تساعدني في نقل زوجتي للغرفة الاخرى، فلم أجد الجرس. طرقت باب ابني البكر الذي توفي مع والدته ليساعدني بحملها، ثم ذهبت لأخبر الخدم أن في البيت حريقا ليطلبوا المطافي، وعند عودتي للغرفة إذ بابني اختنق ومات من الدخان، ثم متنا ثلاثتنا خنقا، ظنوا انني مت، وعندما أخذونا إلى المستشفى بقيت واحدا وعشرين يوما فيها من دون علمي بوفاة زوجتي وابني. وفي احد الأيام أحضر لي ابني بلحا، وقال هذا البلح كانت تحبه والدتي رحمها الله، فعرفت انها توفت وابني توفى معها.
أنصح الناس ألا يضعوا. قضبان حديد على شبابيكهم كما فعلنا نحن، فالمرحوم ابني كان يحمل تعليقة بيده ليكسر بها القضبان، فلم يستطع، ومات والحقيقة انا «نصّاص» أبكي كثيرا، وصدمتي بموتهما أخذت وقتا لأستوعبها، ثم بدأت الآلام والدموع.
أتشعر بالوحدة من دون زوجة؟ ألم تفكر بالزواج ثانية؟
ــــ لم أفكر بالزواج مرة أخرى، فأولادي قد يرفضون هذا الأمر وينزعجون منه. حاليا أعيش مع ابنيّ غير المتزوجين، والحمد لله لدي ثلاثة أولاد وبنت وأحفاد.
هل تستطيع القول إنك حققت وأنجزت ما طمحت إليه؟
ــــ «من ظن أنه علم فقد جهل»، فما زلت أدرس وأتعلم للآن.
ما المحطة التي عشت فيها أسعد لحظات حياتك؟
ــــ في السبعينات.. عنــــــدما كـــــانت زوجتي نشيطة وشابة نركض معا ونسافر الى اوروبا واميركا.
كيف تصف شخصيتك؟
ــــ أنا انسان كتوم وصبور جدا وهادئ لا أغضب أبدا.
أكان لديك حساد؟
ــــ لم أشعر بذلك، بل شعرت بحب الناس وتقدير بلدي لي.
ما العادة التي رافقتك طول حياتك وأزعجتك؟
ــــ عدم غضبي أثر في، أشعر بالأسف لأنني لا أغضب، فأنا بارد لا أنفعل عند أي حدث يحتاج الى الانفعال، وغرامي بعلم الفلك جعلني بعيدا عن كل شيء في الحياة سواء كان سياسيا أو تجاريا واعتبر التلسكوب رفيق عمري.

محروم
ماذا تحب في شخصية صديقيك برجس البرجس والعم عقاب الخطيب؟
ــــ يعجبني في برجس حبه العمل للغير أكثر من عمله لنفسه، فكثيرون دخلوا التجارة ومجلس الأمة، أما هو فوهب نفسه لمساعدة الفقراء ويسافر دائما لإعانة المنكوبين، أما عقاب الخطيب فهو مربي جيل وأنا وعقاب من العمر نفسه تقريبا.
ما لونك المفضل؟
ــــ أحببت اللون الأزرق بعد أن أجريت عملية لعيني فكنت محروما من التمتع بهذا اللون لسنوات.
ما طبقك المفضل؟
أحب البطاطا والماش واسألي لماذا؟ لأن والدي حرمنا من أكلهما في صغرنا، فعندما كبرت تحديته في حبي لأكلهما.
ما الأغنية التي تحبها؟
ــــ أغنية اسمهان «دخلت مرة الجنينة»، وكنت أغنيها وزوجتي المرحومة تسمعها.
أتتمنى أن تعود شابا؟
طبعا، لأنني في أيام شبابي كنت أعيش المغامرات والسفر.
ما الجرائد التي تقرأها؟
ــــ أحب الجرائد الكلاسيكية كالقبس وبقية أخواتها.
ما البرامج التلفزيونية التي تتابعها؟
ــــ لأنني كبير في السن أتابع الأخبار.. ولأنني أشعر بالضعف أحب المصارعة.
ما حكمتك في الحياة؟
ــــ أن يُكرم الإنسان الآخرين لأنه كريم.
http://www.alqabas.com.kw/Temp/Pictu...c39b6_main.jpg
http://www.alqabas.com.kw/Article.as...&date=26092011

وعينا على الدنيا و انت عالِم .... جزاك الله خير على عطائك و اطال الله عمرك