الجامع
22-03-2010, 11:53 AM
مشاهدات الرحالة «فريا ستارك» للكويت عامي 1932 و1937
(الحلقة الأولى )الكويت بلدة صحراوية سكانها 70 ألف نسمة عام 1932 لم يدخلها سوى البشتختة
إعداد حمزة عليان:
احدث اصدارات مركز البحوث والدراسات الكويتية هو كتاب فريا ستارك في الكويت يحتوي على عرض مفصل لمشاهدات الرحالة «فريا ستارك» وانطباعاتها عن الكويت خلال زيارتها لها عامي 1932 و1937.
الكتاب من اعداد وتقديم أ.د. عبدالله يوسف الغنيم حيث يقدم صورة صادقة عن الحياة في الكويت في ثلاثينات القرن الماضي، حيث تحدثت عن اخلاق الناس وعاداتهم وتقاليدهم وبساطة العيش التي تتناغم مع بساطة الطبيعة والصدق.
كما وصفت المدينة واسوارها وانبساط الصحراء المكسوة بالنباتات الصغيرة والاعشاب في فصل الربيع، حيث زارت الكويت في اثنائه وعادات الناس في الخروج الى الصحراء وتحدثت عن ابناء البادية وعلاقتهم بالمدينة.
وقدمت صورة حية لسوق الصفاة المخصص لمنتجات البادية ووصفت اخلاق البدو بأنها «رائعة فيها جلال السهول الشاسعة التي نشأوا فيها».
استرعى انتباهها صناعة السفن وخاصة البوم الكويتي وقدرته على الابحار الى مختلف سواحل المحيط الهندي.
وعن الاحوال الاقتصادية قارنت بين عامي 1932و1937 وخرجت بمجموعة صور قامت بتصويرها وزميلها «كوزنز».
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/26924789620100322.jpg
الزيارة الاولى
زارت فريا ستارك الكويت اول مرة عام 1932، قادمة من بغداد بما فيها من حياة اجتماعية معقدة الى حد كبير، وكان سفرها بالطائرة من بغداد الى مطار الشعيبة في جنوب العراق ومنها بالسيارة الى الكويت، وقد سجلت الوثائق البريطانية في يومياتها هذه الزيارة التي كانت برفقة الميجر هربرت يونغ (H.W.Young) مستشار البعثة البريطانية العليا في العراق ومعه زوجته والسيدة ماريا هكسلي (Maria J.Huxley) وقد وصلوا الى الكويت في 17 مارس 1932 وغادروا يوم 19 مارس، وكان اول ما لفت نظرها وسجلته في كتابها ان الكويت بلدة صحراوية صغيرة يسكنها حوالي سبعين الف نسمة لم تدخلها بعد وسائل الحضارة الغربية الحديثة سوى بعض المعالم المتواضعة من مثل: الغرامفون او (البشتختة) كما كان يطلق عليه محليا تلك التي كانت تقتنيها مقاهي الكويت لامتاع روادها والتسرية عنهم بإذاعة بعض الاغاني لمشاهير المطربين آنذاك.
وقد تجولت في أسواق الكويت وأعجبت بالمعروض فيها من البضائع المحلية، فاشترت اربع دراعات نسائية صناعة محلية.
إعجاب بسفينة البوم
وخلال تجوالها واحتكاكها بالفئات المختلفة من المواطنين اثار اعجابها تمسك اهل الكويت بآداب الفضيلة ومحافظتهم على التقاليد والعادات الموروثة المحافظة، وسجلت ما شاهدته من بساطة الحياة وهدوئها مقارنة بذلك الجو المعقد والمشحون بالصراع والازدحام في بغداد، فالشوارع هادئة لا اثر فيها لمظاهر الازدحام والحركة المحمومة التي تميز المدن الكبيرة.
كما سجلت انطباعاتها عن مظاهر العمران حيث لاحظت ان حوائط المنازل المطلة على الشوارع خالية من النوافذ مما يوفر للشارع مزيدا من الهدوء وللمنازل قدرا كبيرا من الخصوصية.
ولاحظت ان المنظر العام للناس هناك يكاد يكون موحدا، فالجلباب الابيض (الدشداشة) للرجال والعباء السوداء للنساء اللواتي لا يسمح لهن بالخروج من بوابات سور المدينة الا بإذن خروج مكتوب، وطابع الحياة بوجه عام أكثر ميلا الى الهدوء، والحياة الاجتماعية تتسم بطابع التواصل الاقرب الى روح الاسرة الواحدة.
وربما كان اكثر ما اثار انتباهها واستولى على اعجابها هو عالم البحر بما يزخر به من اسرار وروائع تثير الدهشة، فقد وقفت طويلا امام احدى السفن الرائعة المصنوعة في الكويت، واستولت على مشاعرها سفينة البوم العربي الذي جسدت وصفه في عبارات اخاذة، فهذه السفينة البالغة الروعة مصنوعة من خشب الساج المجلوب من المليبار ببلاد الهند، واعتبرت تلك السفينة بأشرعتها العالية المقوسة وهندسة بنائها الرشيقة من اجمل ما رأته عيناها في رحلاتها العديدة، فقد كانت الى جانب جمالها وجاذبية منظرها تبحر بكل ثقة وثبات عبر مياه المحيط الى سواحل الهند الغربية وساحل زنجبار وشرق افريقيا وموانئ البحر الأحمر، كما وصفت «البتيل»، وهي من السفن الخليجية القديمة التي انقرضت، وذكرت ان امير الغوص كان يستخدمها في قيادته لسفن الغوص في افتتاح موسم الغوص على اللؤلؤ.
ولم تخف اعجابها الشديد بتصميم «السمبوك» بخطوطه الانسيابية البسيطة المتمثلة في مقدمته الحادة ومؤخرته شبه المربعة. وتحدثت باستفاضة عن انواع السفن الاخرى: الجالبوت والبغلة اضافة الى السفن الصغيرة المتواضعة مثل «الورجية» التي كانت تصنع من البوص وجريد النخيل وتشد مكوناتها الجبال، وكانت تستخدم في صيد السمك قرب الشاطئ.
فأعطت بوصفها هذا صورة بانورامية شفافة لبحر الكويت العامر بالحياة، والذي يتزاحم على شواطئه العديد من انواع السفن التي أبدعتها يد بناة السفن الكويتيين الذين برعوا في هذه الصناعة الى حد كبير.
الكويت عام 1937
عاودت فريا ستارك زيارة الكويت مرة ثانية في ربيع عام 1937، ويبدو ان هذه الزيارة كانت بتكليف من المجلة الجغرافية البريطانية «Geographical Magazine». وتصف ستارك الكويت في هذه المرة وصفا تفصيليا، حيث قضت نحو شهر، فقد وصلت يوم الثاني من مارس وغادرت بالباخرة الى البصرة في 30 من مارس 1937. وتشير الى الفارق الكبير بين زيارتها الاولى عام 1932 وهذه الزيارة، فقد اصبحت طائرة الخطوط الجوية البريطانية تهبط مرتين في الاسبوع في مطار الكويت. وقد استرعى انتباهها تلك المفارقة الحضارية الواضحة، بين منظر الطائرة بهيكلها اللامع المصنوع من الالمنيوم وذلك السور القديم المبني من الطين الذي يحيط بالمدينة.
وتقف ستارك امام سور الكويت مأخوذة ببساطته وهندسته المحلية، فتصف ابراجه التي كانت تؤدي وظيفة الامن والاستكشاف لكل ما يجري خارج السور، كما تصف بواباته المتباعدة نسبيا، وتصف ملامح الرجال الذين يحرسون هذه البوابات وهم يرتدون الملابس البيضاء الضاربة الى الصفرة. حيث يأخذون مواقعهم وهم جلوس على مقاعدهم يراقبون الحركة عبر البوابات ويتفقدون الداخل والخارج بعيون حادة يقظة. ولا يفوتهم ان يتبادلوا الحديث مع القوافل القادمة من جوف الصحراء يسألون عن أحوال البادية وآخر اخبارها.
البوابات والصور المعبرة
ويمتد نظرها الى خارج السور، حيث تكون المناطق القريبة منه مكسوة بالنباتات الصغيرة والاعشاب في فصل الربيع، وتتابع وصفها لمظاهر الحياة خلال هذا الفصل الذي تتجدد فيه الحياة وتكتسي التربة الصفراء القاحلة ثوبا اخضر يغري بالرحلة والاستمتاع بمباهج الطبيعة.
وتصف جماعات النسوة وهن يعبرن البوابات جماعات بعباءاتهن السوداء ووجوههن المستورة متجهات الى البر في تلك العادة السنوية التي اعتادها سكان الكويت. وتضيف الى تلك الصورة المعبرة عناصر اخرى تزداد بها اكتمالا حينما تصف منظر الحمير الصغيرة بآذانها الطويلة وهي تمضي مهرولة- عند الصباح- حاملة الجبس (الجص) من المحاجر الواقعة خلف السور، وكذلك قطعان الماعز والاغنام التي يعود بها الرعاة مع ميلان الشمس الى الغروب وهي تتدافع مسرعة للدخول من البوابة فتبدو من كثرتها وتلاحمها كأنها بساط من القطيفة السوداء التي تنساب شيئا فشيئا من البوابة الى داخل السور يقودها رعاتها ويدفعونها الى مناطق تجمعها، حيث يكون اصحابها في انتظارها ليأخذ كل منهم ماعزه الى بيته، وكان اصحابها يعهدون بها الى الرعاة طوال اليوم نظير ثلاث آنات في الشهر (نحو 15 فلسا).
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/126924789620100322.jpg
مضمون الكتاب والزيارتين
زارت الكويت مرتين الاولى عام 1932 والثانية عام 1937، فقد جاء وصف الكويت من مصادر عدة وتصوير بعض معالمها، اولها في كتاب «ماليز روثفن» Malise Ruthven بعنوان: «Freya Stark in Iraq And Kuwait» المنشور في لندن عام 1994، وثانيها المقالة التي نشرتها فريا ستارك في مجلة «Geographical Magazine»، في عدد أكتوبر عام 1937.
وتضاف الى ذلك مجموعة الرسائل التي أرسلتها من الكويت في زيارتيها الأولى والثانية. وقد تم الحصول على الرسائل المذكورة من مصدرين اساسيين: أولهما كتاب فريا ستارك: «ما وراء الفرات»، ويتضمن سيرتها الذاتية كما كتبتها عن الاعوام الممتدة من 1928 الى 1933.
والثاني كتاب «رسائل فريا ستارك» الذي صدر في ثمانية مجلدات بين عامي 1974 و 1982، ويتضمن الكتاب المذكور جميع الرسائل عام 1914 الى 1980، ويعتبر مصدرا مهما عن حياة تلك الرحالة وتنقلاتها وصلاتها بالناس.
يشتمل هذا الكتاب على عرض المقالة التي نشرتها فريا ستارك عام 1937 في المجلة الجغرافية Geographical Magazine وترجمة لجميع رسائلها، التي تتضمن وصفا دقيقا لمظاهر الحياة في الكويت خلال ثلاثينات القرن العشرين.
والجدير بالذكر ان جانبا كبيرا مما أوردته في رسائلها كان مادة للمقالة التي نشرتها فريا ستارك في المجلة الجغرافية.
وقد صوّر كوزنز تلك الأحداث ونشرت ضمن أرشيف السلاح الجوي الملكي البريطاني.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/226924789620100322.jpg
من هي فريا ستارك؟
ولدت السيدة فريا ستارك في باريس عام 1893 ونشأت وتربت في ايطاليا، وعملت ممرضة في الجبهة النمساوية عام 1915م في اثناء الحرب العالمية الاولى وعندما بلغت الثامنة والعشرين من عمرها بدأت في تعلم اللغة العربية فقد امضت عام 1921م في سان ريمو تدرس اللغة العربية على يد راهب ايطالي هو كابتشن Capuchin في دير بمنطقة فنتمجيليا Ventimiglia وكان ذلك الراهب قد امضى ثلاثين عاما في بيروت، وتقول فريا ستارك انها لا تتذكر الامر الذي دفعها الى دراسة اللغة العربية لكنها احبت تلك الايام التي تعلمت فيها تلك اللغة، حيث عاشت في عالم يختلف الى حد ما عن حقل نشاطها ومشكلاته وتذكر انها في عام 1922م استطاعت ان تقرأ القرآن، وقد اكملت تعليمها في لندن، حيث تخرجت من مدرسة اللغات الشرقية، وهي تذكر من بين اساتذتها الذين احبتهم وظلت على صلة بهم كلا من السير توماس ارنولد (1864 ــ1930م) والسير هاملتون جب (1895 ــ1971م) والاثنان من كبار المستشرقين المعروفين بالانصاف للتراث العربي والاسلامي. ومنذ عام 1928 م اخذت فريا ستارك في السفر المتواصل عبر الشرقين الادنى والاوسط فزارت العراق وبلاد فارس وجنوب بلاد العرب وفي اثناء الحرب العالمية الثانية 1938 ــ1945م عملت في كل من القاهرة وبغداد وعدن والهند واميركا وكندا من اجل شرح السياسات البريطانية.
توفيت في مايو عام 1993م عن عمر بلغ مائة عام مما يجعل منها شخصية فريدة لها خصوصيتها.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/26924834220100322.jpg
القبس 22/3/2010 (http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=587592&date=22032010)
(الحلقة الأولى )الكويت بلدة صحراوية سكانها 70 ألف نسمة عام 1932 لم يدخلها سوى البشتختة
إعداد حمزة عليان:
احدث اصدارات مركز البحوث والدراسات الكويتية هو كتاب فريا ستارك في الكويت يحتوي على عرض مفصل لمشاهدات الرحالة «فريا ستارك» وانطباعاتها عن الكويت خلال زيارتها لها عامي 1932 و1937.
الكتاب من اعداد وتقديم أ.د. عبدالله يوسف الغنيم حيث يقدم صورة صادقة عن الحياة في الكويت في ثلاثينات القرن الماضي، حيث تحدثت عن اخلاق الناس وعاداتهم وتقاليدهم وبساطة العيش التي تتناغم مع بساطة الطبيعة والصدق.
كما وصفت المدينة واسوارها وانبساط الصحراء المكسوة بالنباتات الصغيرة والاعشاب في فصل الربيع، حيث زارت الكويت في اثنائه وعادات الناس في الخروج الى الصحراء وتحدثت عن ابناء البادية وعلاقتهم بالمدينة.
وقدمت صورة حية لسوق الصفاة المخصص لمنتجات البادية ووصفت اخلاق البدو بأنها «رائعة فيها جلال السهول الشاسعة التي نشأوا فيها».
استرعى انتباهها صناعة السفن وخاصة البوم الكويتي وقدرته على الابحار الى مختلف سواحل المحيط الهندي.
وعن الاحوال الاقتصادية قارنت بين عامي 1932و1937 وخرجت بمجموعة صور قامت بتصويرها وزميلها «كوزنز».
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/26924789620100322.jpg
الزيارة الاولى
زارت فريا ستارك الكويت اول مرة عام 1932، قادمة من بغداد بما فيها من حياة اجتماعية معقدة الى حد كبير، وكان سفرها بالطائرة من بغداد الى مطار الشعيبة في جنوب العراق ومنها بالسيارة الى الكويت، وقد سجلت الوثائق البريطانية في يومياتها هذه الزيارة التي كانت برفقة الميجر هربرت يونغ (H.W.Young) مستشار البعثة البريطانية العليا في العراق ومعه زوجته والسيدة ماريا هكسلي (Maria J.Huxley) وقد وصلوا الى الكويت في 17 مارس 1932 وغادروا يوم 19 مارس، وكان اول ما لفت نظرها وسجلته في كتابها ان الكويت بلدة صحراوية صغيرة يسكنها حوالي سبعين الف نسمة لم تدخلها بعد وسائل الحضارة الغربية الحديثة سوى بعض المعالم المتواضعة من مثل: الغرامفون او (البشتختة) كما كان يطلق عليه محليا تلك التي كانت تقتنيها مقاهي الكويت لامتاع روادها والتسرية عنهم بإذاعة بعض الاغاني لمشاهير المطربين آنذاك.
وقد تجولت في أسواق الكويت وأعجبت بالمعروض فيها من البضائع المحلية، فاشترت اربع دراعات نسائية صناعة محلية.
إعجاب بسفينة البوم
وخلال تجوالها واحتكاكها بالفئات المختلفة من المواطنين اثار اعجابها تمسك اهل الكويت بآداب الفضيلة ومحافظتهم على التقاليد والعادات الموروثة المحافظة، وسجلت ما شاهدته من بساطة الحياة وهدوئها مقارنة بذلك الجو المعقد والمشحون بالصراع والازدحام في بغداد، فالشوارع هادئة لا اثر فيها لمظاهر الازدحام والحركة المحمومة التي تميز المدن الكبيرة.
كما سجلت انطباعاتها عن مظاهر العمران حيث لاحظت ان حوائط المنازل المطلة على الشوارع خالية من النوافذ مما يوفر للشارع مزيدا من الهدوء وللمنازل قدرا كبيرا من الخصوصية.
ولاحظت ان المنظر العام للناس هناك يكاد يكون موحدا، فالجلباب الابيض (الدشداشة) للرجال والعباء السوداء للنساء اللواتي لا يسمح لهن بالخروج من بوابات سور المدينة الا بإذن خروج مكتوب، وطابع الحياة بوجه عام أكثر ميلا الى الهدوء، والحياة الاجتماعية تتسم بطابع التواصل الاقرب الى روح الاسرة الواحدة.
وربما كان اكثر ما اثار انتباهها واستولى على اعجابها هو عالم البحر بما يزخر به من اسرار وروائع تثير الدهشة، فقد وقفت طويلا امام احدى السفن الرائعة المصنوعة في الكويت، واستولت على مشاعرها سفينة البوم العربي الذي جسدت وصفه في عبارات اخاذة، فهذه السفينة البالغة الروعة مصنوعة من خشب الساج المجلوب من المليبار ببلاد الهند، واعتبرت تلك السفينة بأشرعتها العالية المقوسة وهندسة بنائها الرشيقة من اجمل ما رأته عيناها في رحلاتها العديدة، فقد كانت الى جانب جمالها وجاذبية منظرها تبحر بكل ثقة وثبات عبر مياه المحيط الى سواحل الهند الغربية وساحل زنجبار وشرق افريقيا وموانئ البحر الأحمر، كما وصفت «البتيل»، وهي من السفن الخليجية القديمة التي انقرضت، وذكرت ان امير الغوص كان يستخدمها في قيادته لسفن الغوص في افتتاح موسم الغوص على اللؤلؤ.
ولم تخف اعجابها الشديد بتصميم «السمبوك» بخطوطه الانسيابية البسيطة المتمثلة في مقدمته الحادة ومؤخرته شبه المربعة. وتحدثت باستفاضة عن انواع السفن الاخرى: الجالبوت والبغلة اضافة الى السفن الصغيرة المتواضعة مثل «الورجية» التي كانت تصنع من البوص وجريد النخيل وتشد مكوناتها الجبال، وكانت تستخدم في صيد السمك قرب الشاطئ.
فأعطت بوصفها هذا صورة بانورامية شفافة لبحر الكويت العامر بالحياة، والذي يتزاحم على شواطئه العديد من انواع السفن التي أبدعتها يد بناة السفن الكويتيين الذين برعوا في هذه الصناعة الى حد كبير.
الكويت عام 1937
عاودت فريا ستارك زيارة الكويت مرة ثانية في ربيع عام 1937، ويبدو ان هذه الزيارة كانت بتكليف من المجلة الجغرافية البريطانية «Geographical Magazine». وتصف ستارك الكويت في هذه المرة وصفا تفصيليا، حيث قضت نحو شهر، فقد وصلت يوم الثاني من مارس وغادرت بالباخرة الى البصرة في 30 من مارس 1937. وتشير الى الفارق الكبير بين زيارتها الاولى عام 1932 وهذه الزيارة، فقد اصبحت طائرة الخطوط الجوية البريطانية تهبط مرتين في الاسبوع في مطار الكويت. وقد استرعى انتباهها تلك المفارقة الحضارية الواضحة، بين منظر الطائرة بهيكلها اللامع المصنوع من الالمنيوم وذلك السور القديم المبني من الطين الذي يحيط بالمدينة.
وتقف ستارك امام سور الكويت مأخوذة ببساطته وهندسته المحلية، فتصف ابراجه التي كانت تؤدي وظيفة الامن والاستكشاف لكل ما يجري خارج السور، كما تصف بواباته المتباعدة نسبيا، وتصف ملامح الرجال الذين يحرسون هذه البوابات وهم يرتدون الملابس البيضاء الضاربة الى الصفرة. حيث يأخذون مواقعهم وهم جلوس على مقاعدهم يراقبون الحركة عبر البوابات ويتفقدون الداخل والخارج بعيون حادة يقظة. ولا يفوتهم ان يتبادلوا الحديث مع القوافل القادمة من جوف الصحراء يسألون عن أحوال البادية وآخر اخبارها.
البوابات والصور المعبرة
ويمتد نظرها الى خارج السور، حيث تكون المناطق القريبة منه مكسوة بالنباتات الصغيرة والاعشاب في فصل الربيع، وتتابع وصفها لمظاهر الحياة خلال هذا الفصل الذي تتجدد فيه الحياة وتكتسي التربة الصفراء القاحلة ثوبا اخضر يغري بالرحلة والاستمتاع بمباهج الطبيعة.
وتصف جماعات النسوة وهن يعبرن البوابات جماعات بعباءاتهن السوداء ووجوههن المستورة متجهات الى البر في تلك العادة السنوية التي اعتادها سكان الكويت. وتضيف الى تلك الصورة المعبرة عناصر اخرى تزداد بها اكتمالا حينما تصف منظر الحمير الصغيرة بآذانها الطويلة وهي تمضي مهرولة- عند الصباح- حاملة الجبس (الجص) من المحاجر الواقعة خلف السور، وكذلك قطعان الماعز والاغنام التي يعود بها الرعاة مع ميلان الشمس الى الغروب وهي تتدافع مسرعة للدخول من البوابة فتبدو من كثرتها وتلاحمها كأنها بساط من القطيفة السوداء التي تنساب شيئا فشيئا من البوابة الى داخل السور يقودها رعاتها ويدفعونها الى مناطق تجمعها، حيث يكون اصحابها في انتظارها ليأخذ كل منهم ماعزه الى بيته، وكان اصحابها يعهدون بها الى الرعاة طوال اليوم نظير ثلاث آنات في الشهر (نحو 15 فلسا).
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/126924789620100322.jpg
مضمون الكتاب والزيارتين
زارت الكويت مرتين الاولى عام 1932 والثانية عام 1937، فقد جاء وصف الكويت من مصادر عدة وتصوير بعض معالمها، اولها في كتاب «ماليز روثفن» Malise Ruthven بعنوان: «Freya Stark in Iraq And Kuwait» المنشور في لندن عام 1994، وثانيها المقالة التي نشرتها فريا ستارك في مجلة «Geographical Magazine»، في عدد أكتوبر عام 1937.
وتضاف الى ذلك مجموعة الرسائل التي أرسلتها من الكويت في زيارتيها الأولى والثانية. وقد تم الحصول على الرسائل المذكورة من مصدرين اساسيين: أولهما كتاب فريا ستارك: «ما وراء الفرات»، ويتضمن سيرتها الذاتية كما كتبتها عن الاعوام الممتدة من 1928 الى 1933.
والثاني كتاب «رسائل فريا ستارك» الذي صدر في ثمانية مجلدات بين عامي 1974 و 1982، ويتضمن الكتاب المذكور جميع الرسائل عام 1914 الى 1980، ويعتبر مصدرا مهما عن حياة تلك الرحالة وتنقلاتها وصلاتها بالناس.
يشتمل هذا الكتاب على عرض المقالة التي نشرتها فريا ستارك عام 1937 في المجلة الجغرافية Geographical Magazine وترجمة لجميع رسائلها، التي تتضمن وصفا دقيقا لمظاهر الحياة في الكويت خلال ثلاثينات القرن العشرين.
والجدير بالذكر ان جانبا كبيرا مما أوردته في رسائلها كان مادة للمقالة التي نشرتها فريا ستارك في المجلة الجغرافية.
وقد صوّر كوزنز تلك الأحداث ونشرت ضمن أرشيف السلاح الجوي الملكي البريطاني.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/226924789620100322.jpg
من هي فريا ستارك؟
ولدت السيدة فريا ستارك في باريس عام 1893 ونشأت وتربت في ايطاليا، وعملت ممرضة في الجبهة النمساوية عام 1915م في اثناء الحرب العالمية الاولى وعندما بلغت الثامنة والعشرين من عمرها بدأت في تعلم اللغة العربية فقد امضت عام 1921م في سان ريمو تدرس اللغة العربية على يد راهب ايطالي هو كابتشن Capuchin في دير بمنطقة فنتمجيليا Ventimiglia وكان ذلك الراهب قد امضى ثلاثين عاما في بيروت، وتقول فريا ستارك انها لا تتذكر الامر الذي دفعها الى دراسة اللغة العربية لكنها احبت تلك الايام التي تعلمت فيها تلك اللغة، حيث عاشت في عالم يختلف الى حد ما عن حقل نشاطها ومشكلاته وتذكر انها في عام 1922م استطاعت ان تقرأ القرآن، وقد اكملت تعليمها في لندن، حيث تخرجت من مدرسة اللغات الشرقية، وهي تذكر من بين اساتذتها الذين احبتهم وظلت على صلة بهم كلا من السير توماس ارنولد (1864 ــ1930م) والسير هاملتون جب (1895 ــ1971م) والاثنان من كبار المستشرقين المعروفين بالانصاف للتراث العربي والاسلامي. ومنذ عام 1928 م اخذت فريا ستارك في السفر المتواصل عبر الشرقين الادنى والاوسط فزارت العراق وبلاد فارس وجنوب بلاد العرب وفي اثناء الحرب العالمية الثانية 1938 ــ1945م عملت في كل من القاهرة وبغداد وعدن والهند واميركا وكندا من اجل شرح السياسات البريطانية.
توفيت في مايو عام 1993م عن عمر بلغ مائة عام مما يجعل منها شخصية فريدة لها خصوصيتها.
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/26924834220100322.jpg
القبس 22/3/2010 (http://www.alqabas.com.kw/Article.aspx?id=587592&date=22032010)