مشاهدة النسخة كاملة : سامي المنيس اسم لامع في تاريخ الكويت السياسي
بقلم: النائب محمد عبدالله العبدالجادر
ابتدأت فكرة ابراز مسيرة المرحوم سامي المنيس منذ وفاته، ولكنها تبلورت عام 2003 عندما قمت مع الاخ العزيز نافع الحصبان بتجميع المادة المتوافرة خصوصا في مضابط مجلس الامة منذ عام 1963 حتى عام 2000، وقد حاولت جاهداً التوسع في هذا الجانب.
إن سامي المنيس لم يكن سياسياً لامعاً او برلمانياً فحسب، بل كان صحافياً متمرساً، ولكنني اغفلت هذا الجانب عن عمد حتى يجيء من يستطيع الغوص في كنوز صحافتنا، وبالذات مجلة الطليعة التي ترأس الراحل تحريرها.
هذه الحلقات هي سلسلة متواضعة تقديرا لشمعة وطنية احترقت للمساهمة في تنوير هذا الوطن الغالي، وتأتي صعوبة هذه الحلقات في انها أتت بعد مذكرات الدكتور احمد الخطيب، اطال الله في عمره، واذا ما كان هنالك من نقص او استدراك، فالمجال متاح لإرساله عبر جريدة «القبس» الغراء.
في الختام اود توجيه الشكر لكل من ساهم في هذه المادة جمعاً وتدقيقاً وتحريراً بدءاً من الاخ الكبير عبدالله النيباري، الذي لولاه لم ينجز هذا العمل، وكل من الاساتذة احمد الديين، عبدالمحسن مظفر، محمد اشكناني، الذين اطلعوا على المادة وابدوا ملاحظاتهم السديدة، والشكر موصول للدكتور عبدالرحيم حسين الذي اشرف على المادة والمنهج المتبع، والشكر لكل جهد، مهما كان بسيطا، ساهم في اخراج هذا العمل.
اخيراً الشكر لاسرة جريدة «القبس» على نشر الحلقات والتبرع بطبعها بـ«كتاب»، تقديراً للمرحوم سامي المنيس ودوره الريادي في خدمة الكويت.
هذه صفحات من كفاح المرحوم سامي أحمد المنيس البرلماني منذ عام 1963 وحتى وفاته في 23/8/2000. اعتمدنا فيها بالدرجة الأولى على ما سُجل في محاضر مجلس الأمة من أقوال المرحوم، وضعناها جميعاً فصلاً فصلاً، وأوردنا أقواله في كل فصل بين "علامتي تنصيص". كما اعتمدنا على مصادر ومراجع لها علاقة بهذا الكفاح في الفترة الزمنية المذكورة، وكانت فيها مناقشات ومطالبات وتحديات واستجوابات، منها ما تحقق في حياة سامي، ومنها ما يتحقق حالياً بعد وفاته.
لقد كان الهدف الأسمى لسامي حماية الدستور والمال العام والمواطن ومصلحة الوطن العليا أولاً وأخيراً، لذا كان واحداً من مجموعة قصدت تحقيق أهداف الوطن ونجحت في ما نجحت وفشلت في ما فشلت. لكنها نجحت في وضع دستور الكويت وإعادة الثروة الوطنية إلى أصحابها بتأميم النفط، كما نجحت في إرساء قواعد المجتمع المدني وتأسيس النقابات العمالية. وكان نجاحها البارز في حماية الدستور والذود عن الحياة الديموقراطية، مما كان له دور أساس في بناء دولة المؤسسات والقانون رغم بعض العيوب والثغرات.
من هنا، فإن سامي يستحق التكريم وتسجيل مآثره، كي تكون نبراساً للأجيال القادمة في الحفاظ على ما تحقق والسعي إلى تحقيق ما لم يتحقق.
عندما نعى الناعون سامي أحمد المنيس يوم 23/8/2000 لم يكن قد تجاوز الثامنة والستين من عمره، قضى منها سبعة وثلاثين عاماً (1963 – 2000 ) في هموم الديموقراطية والصحافة والحياة الدستورية في وطنه الكويت.
انتخب سامي عضواً في مجلس الأمة الكويتي في ستة فصول تشريعية من بين تسعة فصول شهدتها الحياة النيابية في حياته. وكان نجاحه في الفصول التشريعية الأول 1963، والثالث 1971، والرابع 1975، والسادس 1985، والثامن 1996، والتاسع 1999.
ومنذ البداية كان سامي المنيس رجل مبدأ ومناصرا للقضايا الوطنية داخل الكويت وخارجها، وقضايا التحرر العالمي التي سادت العالم في الخمسينات والستينات.
قسمت دولة الكويت بين يناير 1963 وديسمبر 1980 إلى عشر دوائر انتخابية، وكان نجاحه في الفصول التشريعية الأول والثالث والرابع عن الدائرة الانتخابية الثالثة (حولي)، كما كان نجاحه في هذه الدائرة مع رفيق دربه د. أحمد الخطيب. أما عندما قسمت الكويت في 16/12/1980 إلى خمس وعشرين دائرة انتخابية، فقد كان نجاحه في الفصول التشريعية السادس والثامن والتاسع عن الدائرة الانتخابية العاشرة (العديلية).
كان سامي – رحمه الله – رئيس السن في جلسة افتتاح الفصل التشريعي التاسع 1999 في دور الانعقاد الأول، ورئيس لجنة الصداقة الكويتية - الصينية، كما كان رئيس لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في الفصلين التشريعيين الثامن والتاسع وعضواً في لجنة التعليم والإرشاد والثقافة ولجنة الأمن، كما انتخب أمين سر مجلس الأمة في الفصل التشريعي الثالث - دور الانعقاد الأول، وكان مقرراً للجنة الشكاوى والعرائض.
هناك علامتان بارزتان في حياة سامي البرلمانية، هما مشاركته في الاستجواب الخامس المقدم إلى وزير التجارة والصناعة 1974. وفي الاستجواب المقدم إلى نائب رئيس الوزراء ووزير المالية 1997. كما كان هناك حادثان لهما دلالتهما في حياته، وهما طلب رفع الحصانة عنه كعضو مجلس مرتين لتقديمه للعدالة بسبب ما كانت تنشره جريدة الطليعــة التي تولى رئاسة تحريرهــا ما بين 1965 و1985. وكان الحدثان في الفصل التشريعي الثالث 1971 – 1975 دور الانعقاد الأول، وفي الفصل التشريعي السادس 1985 - 1986 دور الانعقاد الثاني.
وفي المرتين كان سامي يرجو زملاءه أعضاء مجلس الأمة الموافقة على رفع الحصانة عنه والتفريق بين وضعه عضواً في مجلس الأمة ورئيساً لتحرير جريدة الطليعة، لكن الحصانة لم ترفع ولم يقدم سامي للمحاكمة.
ومن غرائب الصدف، أن سامي المنتخب في هذه الفصول التشريعية الستة، لم يحدث أن أكمل فصلاً تشريعياً واحداً ( باستثناء الفصل التشريعي الثالث). فقد قدم استقالته من المجلس الأول سنة 1963، وحُلَّت المجالس النيابية الرابع والسادس والثامن حلاً دستورياً أو غير دستوري، أما في الفصل التشريعي التاسع فقد وافاه الأجل المحتوم عام 2000 ولمّا يكمل المجلس دور انعقاده الرابع.
لمع عام 1963
لمع اسم سامي أحمد المنيس في تاريخ الكويت السياسي بعد نجاحه في أول انتخابات تشريعية (1963)، وكان عمره آنذاك واحداً وثلاثين عاماً، إذا ما سلمنا أن تاريخ ميلاده 1932، وكان مجهزاً بسلاح المعرفة والتجربة العملية في الحياة، وكان تجسيداً لقطعة من تراث الكويت الوطني. وعند نجاحه لم يكن منذ شبابه المبكر بعيداً عن هموم العمل الوطني على صعوبة الحياة الشخصية التي كان يعيشها والتي ما كانت لتؤهله لغير كسب العيش. فقد عرف المسؤولية ولما يزل يافعاً، حين توفي والده في عام 1937 وكان عمره آنذاك خمس سنوات، لذا، فقد تربى يتيماً في أسرة عريقة امتزج تاريخها بتكوين المجتمع الكويتي الأصيل، وعمل أفرادها في البحر والتجارة والمهن والوظائف العامة . وأبى سامي منذ نعومة أظفاره إلا أن يكون كادحاً يوفر العيش الكريم لأسرته، فما إن بلغ الرابعة عشرة عام 1946 حتى كان عاملاً في شركة نفط الكويت في ظروف قاسية، كان لها تأثيرها في تفكيره في المستقبل عندما تبنى قضايا العمال عموما وقضايا عمال النفط خصوصا، بعدها عمل صيدلياً في دائرة الصحة في الكويت ثم صاحب صيدلية بعد الاستقلال حتى 1963 عندما تركها لدى انتخابه في أول مجلس للأمة.
سعى سامي إلى طلب العيش بعرق الجبين مما حرره من الكبرياء ومركبات النقص والخوف، فكان الطهر والنقاء صفتين بارزتين في سلوكه. ويبدو أن وضوح الشخصية والطهر والالتفات إلى تحمل المسؤولية كانت صفات أهلته للالتقاء مع د. أحمد الخطيب والسيد عبد الله النيباري اللذين شاركاه في كثير من الصفات، أهمها الطهر السياسي والوطنية وتحمل المسؤولية نحو الوطن والأمة. فالدكتور أحمد الخطيب من مواليد 1927 تخرج طبيباً بشرياً من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1952.
وكانت هذه صفات بارزة في سلوك المرحوم سامي أحمد المنيس. وحتى هذه السنة، لم يكن سامي قد التقى د. أحمد الخطيب لقاءً سياسياً أو تنظيمياً. ويبدو أن أول لقاء تم بينهما كان في نادي الجزيرة (القادسية حالياً) بعد عام 1952، وكان د.الخطيب قد نجح في تأسيس نواة الحركة القومية العربية في الكويت، كما نجح في تأسيس النادي الثقافي القومي عندما تقدم د. الخطيب، أحمد السقاف، محمد السداح، أحمد زيد السرحان، عبد الرزاق البصير، عبد العزيز العيسى، يوسف الغانم ويوسف مشاري البدر بطلب إلى السلطات لتأسيس هذا النادي، وساعدهم نصف اليوسف وعبد الحميد الصانع. وقدم الطلب إلى الشيخ عبد الله مبارك الصباح وتمت الموافقة عليه على أن تكون العضوية للكويتيين فقط.
النادي الثقافي القومي
وقد تلقى النادي دعماً من مجلس المعارف يقدر بخمسة عشر ألف روبية في جلسته بتاريخ 28/6/52، أما الصوت المعبر عن النادي فقد كان مجلة صدى الإيمان التي صدر العدد الأول منها في 1/1/1953. كما يبدو أن تلك الفترة شهدت انضمام سامي المنيس إلى حركة القوميين العرب وإلى النادي الثقافي القومي الذي تبنى الدعوة الى القومية العربية. إذ كان لسامي اهتمامه السياسي في تلك الفترة من خلال التجارب التي عاصرها، وخصوصاً أثناء سفراته إلى مصر حيث تشرب النزعة القومية وارتبط بالمفكرين العرب منذ بداية قيام الثورة المصرية في 23/7/1952. وكان يلاحظ على سامي في تلك الفترة سفره المتكرر إلى القاهرة وسافر سنة 1952 إلى الهند ليدرّس اللغة العربية. وينبغي القول هنا إن الكويت أنشأت مدرسة في بومباي عام 1952 لتعليم اللغة العربية لأبناء العرب هناك، ونشر القيم الإسلامية وكان مجلس المعارف يتولى الإنفاق عليها، ويبعث المدرسين والمدرسات إليها، وبقيت قائمة حتى عام 1959/1960 ولا ندري ما إذا كان سامي قد درّس العربية في هذه المدرسة أو غيرها، لكنه عاد من الهند بعد أشهر ليعمل صيدلانياً في دائرة الصحة قبل الاستقلال.
أما أول لقاء مع رفيق دربه الآخر عبد الله النيباري، فقد كان في المهرجان الخطابي الذي أقامته المدرسة المباركية عام 1948، وكانت بداية أساسها الوطنية والحماسة لقضايا الأمة وقضيتها المركزية فلسطين .
تعد الحركة التي أسسها د. الخطيب وريثا لحركة 1938 في الكويت التي حملت اسم الكتلة الوطنية وشباب الكتلة الوطنية، وكان لها مطلبان أساسيان هما مجلس تشريعي منتخب ودستور يقيد من سلطة الحكم . ويعدّ ظهور الكتلة الوطنية حلقة من حلقات معركة الدستور التي عاشتها الكويت حتى نجحت في تحقيق ما سعت إليه.
لقد تتبعنا المرحوم سامي المنيس في نشاطه البرلماني فصلاً تشريعياً إثر الآخر، ورصدنا كل مناقشاته وتساؤلاته واستجواباته وأقواله استناداً إلى محاضر مجلس الأمة المطبوعة، وعمدنا في نهاية الكتابة عن هذا النشاط إلى تلخيص أهم الموضوعات والأمور التي حظيت بالاهتمام من نشاط سامي.
أغنى سامي نقاشات مجلس الأمة بتساؤلاته ومداخلاته وطرحه قضايا وطنه وشعبه، قضايا أمته العربية التي آمن بدورها الحضاري وحتمية وحدتها. وكان التزامه بطرح هذه القضايا بلا حدود وبلا تحفظ. وخاض الانتخابات جميعها ملتزماً بالفكر القومي وضمن قائمة انتخابية ضمت إخواناً له في مختلف الفصول التشريعية كان أبرزهم جاسم القطامي، أحمد الخطيب، عبد الله النيباري، أحمد النفيسي، خالد الوسمي، سليمان خالد المطوع، يعقوب يوسف الحميضي، بدر العجيل، عبد الرزاق الخالد الزيد، علي عبد الرحمن العمر وراشد التوحيد، وجميع هؤلاء أعضاء في حركة التقدميين الديموقراطيين الوطنية، أو في تنظيم مؤازر لحركة القوميين العرب من بين تجار الكويت تحت اسم " الرابطة الكويتية ".
حملت قائمة سامي الانتخابية في الفصل التشريعي الأول سنة 1963 اسم "نواب الشعب"، وهو تحالف قومي وطني بين القوميين العرب والرابطة الكويتية التي أسست عام 1958 "وكان وراء تأسيسها قيادة تنظيم فرع حركة القوميين العرب في الكويت كواجهة سياسية اجتماعية بين التجار، وذلك للثقل السياسي والاجتماعي لهذه الطبقة" .
ونجح منهم ثمانية كانوا فعلاً فرسان الديموقراطية الأوائل وهم جاسم القطامي، أحمد الخطيب، سامي المنيس، سليمان خالد المطوع، عبد الرزاق الخالد الزيد، علي عبد الرحمن العمر وراشد التوحيد.
التقدميون الديموقراطيون
في عام 1971 حملت القائمة اسم التقدميين الديموقراطيين ونجح منها: أحمد الخطيب، عبد الله النيباري، سامي المنيس وأحمد النفيسي، وذلك في انتخابات مجلس الأمة الثالث. وفي هذا المجلس برز الأربعة دعاة مثابرين للضغط من أجل تأميم نفط الكويت إلى أن نجحوا، بمؤازرة القوى الوطنية وتعاون الحكومة ومجلس الأمة، في هذه الدعوة. نجح ثلاثة من الأربعة السابقين في انتخابات مجلس الأمة لعام 1975 هم أحمد الخطيب، عبد الله النيباري وسامي المنيس. أما في مجلس الأمة الخامس 1981 فلم ينجح أحد من التقدميين الديموقراطيين. وكانوا قد خاضوا هذه الانتخابات باسم "التجمع الديموقراطي" الذي ظهر سنة 1976. أما في انتخابات 1985 وفي مجلس الأمة السادس، فقد كان سامي في قائمة "التجمع الديموقراطي"، لكن هذا التجمع اختلف في تأليفه عن التجمع السابق، إذ اقتصر تكوينه على الفئات اليسارية فقط. وفي هذه الانتخابات فاز د. أحمد الخطيب، سامي المنيس، د. أحمد الربعي، جاسم القطامي وفيصل الصانع في مجلس كانت فيه الأغلبية للمعارضة، وهي أقوى من مؤيدي الحكومة. لكن هذا المجلس لم يدم طويلاً، إذ حُلّ بعد ثمانية أشهر ويومين، بسبب محاولات تفتيش المعارضة على سجلات البنك المركزي، والاستجواب الشهير الذي قدم إلى وزير النفط آنذاك علي الخليفة الصباح.
كان همّ سامي وشعاره استثمار البشر، لذا فإن له مقولة شهيرة "الاستثمار في البشر قبل الحجر" ، ولازمه هذا الشعار في كل ما كان يطرحه من مشكلات تخص الوطن أو المواطن، كويتياً كان أم عربياً.
كانت لسامي المنيس تجربة غنية وصفها بقوله: "إن تجربتنا في العمل السياسي تؤكد أنه لا يمكن النظر إلى بلادنا بشكل معزول عما يدور في المنطقة" . وكانت هذه رؤيته للأحداث المتلاحقة في وطنه وربطها بما يحدث حوله في المنطقة العربية أو المناطق المجاورة.
كما وصف التجربة الكويتية قائلاً: "إن جوهر التجربة الكويتية يتلخص في شكل رئيس واحد اسمه الدستور. والصراع الذي حدث خلال عشرين عامــاً (1963 – 1983) ومازال ممتداً، جوهره الحقيقي هو الحرية التي يحمي سياجها الدستور.. والمحاولات الدؤوبة لتقليصلها يقابلها نضال لا يهدأ للحفاظ عليها" .
لذا، فإن من عرف سامي أحمد المنيس عرف فيه العفوية والوضوح والثبات على المبدأ، ومن عرفه عرف فيه انصهار ذاته في الدفاع عن الدستور والديموقراطية والحرية، وفي الدفاع عن وطنه الكويت وعن أمته العربية وعن حقوق الإنسان. كانت لديه حصانة أسطورية ضد إغواء المال وسطوته ، وتلك صفة لا يقوى عليها إلا الرجال. تطلع إلى خلاص الوطن والأمة من واقع ما بعد الاستعمار والحماية فرأى في الديموقراطية طريق الخلاص، ديموقراطية تتمثل في الرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسبتها، ديموقراطية يتم في أجوائها اقتراح التشريعات تحت قبة مجلس الأمة لتقر أو ترفض من الأغلبية، ديموقراطية فيها دستور آمن به الشعب وأيده وأصبح ملاذاً له يلجأ إليه كلما لاحظ انحرافاً في أداء أي من السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.
حماية الدستور
رفع سامي أثناء حياته البرلمانية ما بين 1963 و2000 شعارات دخلت في صلب التقاليد العريقة للعمل البرلماني، فقد نادى حتى آخر لحظة من حياته بحماية الدستور وصيانته وعدم الالتفاف عليه ورفض أي مساس به بعد أن أيده الشعب.
نادى بالمساواة بين كل من عاش على أرض وطنه الكويت، لا فرق بين وافد وكويتي، فقد آمن أن "وطنه الكويت جزء لا يتجزأ من المنطقة، ولا يمكن النظر إلى الكويت بشكل معزول عما يدور في هذه المنطقة" .
انضم إلى حركة القوميين العرب بعد عام 1952 في النادي الثقافي، وكان همّه مع رفاقه تأسيس مجلس تشريعي منتخب ووضع دستور للبلاد، ونادى بإلغاء الحماية البريطانية ووضع سياسة حازمة تجاه شركات النفط .
والأهم من هذا، نادت جماعة النادي الثقافي القومي منذ تأسيسها بإنشاء المؤسسات والجمعيات والروابط المستقلة نوعا ما عن الدولة، وهي دعوة لبناء المجتمع المدني في الكويت. وكانت "دعوة حضارية مستقبلية نوعية". وارتبط بناء المجتمع المدني في الكويت على نحو محدد بحركة القوميين العرب التي ينتمي إليها سامي والتي ارتبط بها تأسيس شبكة جمعياتية من المؤسسات والنوادي والروابط والاتحادات المهنية والثقافية والرياضية. ولا سيما تأسيس النقابات العمالية والطلابية التي كانت تعويضاً عن غياب الأحزاب .
ولا أحد ينكر دور هذه الجماعة في تأسيس النادي الثقافي القومي ومن بعده نادي الاستقلال واتحاد الطلاب ونقابات عمال النفط واتحاد العمال الكويتيين ونادي المعلمين.. إلخ.
القوميون العرب
نجح القوميون العرب _ فرع الكويت، الذين كان سامي المنيس أحد فرسانهم مع أحمد الخطيب وجاسم القطامي وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي، بالتعاون مع مجموعة من التجار الوطنيين، على رأسهم عبد اللطيف ثنيان الغانم أحد رموز حركة 1938 في الكويت في إنشاء أول مجلس تشريعي منتخب في الكويت، ولقي هذا التعاون صداه في نفس حاكم الكويت آنذاك الشيخ عبد الله السالم الصباح، وترجم إلى عمل شعبي تمثل في انتهاج الديموقراطية سبيلاً للحياة السياسية في الكويت. وكان المجلس التأسيسي برئاسة عبد اللطيف ثنيان ونائبه د. أحمد الخطيب واضع أول دستور للبلاد 1962. وتبع ذلك انتخابات تشريعية لأول مجلس أمة كويتي عام 1963 ليكون المجلس الرائد في منطقة الخليج العربي كلها. وليفوز سامي وسبعة من أصحابه من بين خمسين عضواً في انتخابات هذا المجلس، ولتبدأ مسيرة سامي المنيس الديموقراطية المسؤولة في أروقة مجلس الأمة، ولتمتد هذه المسيرة إلى ديوانيته في منطقة العديلية وإلى صحيفة الطليعة التي عشقها واستمر رئيساً لتحريرها منذ صدورها عام 1965 حتى عام 1985 وكاتباً فيها حتى وافاه الأجل المحتوم، بعد أن توج عشقه لها بمنحه جائزة الصحافة العربية 2001 بعد وفاته. وكان سامي نائبا لرئيس اتحاد الصحافيين العرب 1985 حتى 1996.
كانت مسيرة سامي المنيس الديموقراطية في مجلس الأمة مرآة للفكر الديموقراطي الذي لا يشوبه أثر المصالح الشخصية ولا الخشية من مسؤول أو المجاملة لصديق، كانت مرآة للموضوعية المتجردة، وعفة اللسان وأدب الاختلاف والصمود على المبدأ مما أكسبه احترام كل من عمل معه.
سامي أحمد عبدالعزيز المنيس (1932ــ2000)
ــ رئيس المنبر الديموقراطي الكويتي 1999ــ2000، وأمينه العام 1993ــ1999 وأحد مؤسسيه في عام 1991.
ــ عضو مجلس الأمة الكويتي في الفصول التشريعية الأول 1963ــ1965 والثالث 1971ــ1975 والرابع 1975ــ1976 والسادس 1985ــ1986 والثامن 1996ــ1999 والتاسع 1999ــ2000.
ــ رئيس لجنة شؤون التعليم والإرشاد في مجلس الأمة 1985.
ــ رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة في فصليه التشريعيين الثامن 1996ــ1999 والتاسع 1999ــ2000.
ــ صاحب امتياز صحيفة «الطليعة» الأسبوعية.
ــ رئيس تحرير صحيفة «الطليعة» الأسبوعية 1965ــ1985.
ــ صاحب امتياز ورئيس تحرير صحيفة «الجماهير» 1962، صدرت منها ثلاثة أعداد فقط ثم عطلت.
ــ أحد مؤسسي نادي الاستقلال الثقافي الاجتماعي ورئيس مجلس اداراته لأكثر من دورة.
ــ أحد أعضاء المؤتمر الأول لاتحاد الصحافيين العرب المنعقد في الكويت 1965.
ــ عضو الأمانة العامة لاتحاد الصحافيين العرب 1973ــ1975.
ــ نائب رئيس اتحاد الصحافيين العرب 1985ــ1996.
ــ رئيس اللجنة الدائمة للحريات الصحافية في اتحاد الصحافيين العرب 1996ــ2000.
ــ عضو منظمة الصحافيين العالميين وحائز جائزة المنظمة للحريات الصحافية 1984.
يتبع
جريدة القبس
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/24023987220090420.png
سامي المنيس في مجلس الأمة
بن الرشيد
22-04-2009, 05:09 PM
رحمك الله يا ابا احمد ومثواك الجنه
kuwaiti-man
23-04-2009, 04:04 PM
مشكور يا اخوي على الموضوع
ابتدأت فكرة ابراز مسيرة المرحوم سامي المنيس منذ وفاته، ولكنها تبلورت عام 2003 عندما قمت مع الاخ العزيز نافع الحصبان بتجميع المادة المتوافرة خصوصا في مضابط مجلس الامة منذ عام 1963 حتى عام 2000، وقد حاولت جاهداً التوسع في هذا الجانب. إن سامي المنيس لم يكن سياسياً لامعاً او برلمانياً فحسب، بل كان صحافياً متمرساً، ولكنني اغفلت هذا الجانب عن عمد حتى يجيء من يستطيع الغوص في كنوز صحافتنا وبالذات مجلة الطليعة التي ترأس الراحل تحريرها.
هذه الحلقات هي سلسلة متواضعة تقديرا لشمعة وطنية احترقت للمساهمة في تنوير هذا الوطن الغالي، وتأتي صعوبة هذه الحلقات في انها أتت بعد مذكرات الدكتور احمد الخطيب، اطال الله في عمره، واذا ما كان هنالك من نقص او استدراك، فالمجال متاح لإرساله عبر جريدة «القبس» الغراء.
في الختام اود توجيه الشكر لكل من ساهم في هذه المادة جمعاً وتدقيقاً وتحريراً بدءاً من الاخ الكبير عبدالله النيباري، الذي لولاه لم ينجز هذا العمل، وكل من الاساتذة احمد الديين، عبدالمحسن مظفر، محمد اشكناني، الذين اطلعوا على المادة وابدوا ملاحظاتهم السديدة، والشكر موصول للدكتور عبدالرحيم حسين الذي اشرف على المادة والمنهج المتبع، والشكر لكل جهد، مهما كان بسيطا ساهم في اخراج هذا العمل.
اخيراً الشكر لاسرة جريدة «القبس» على نشر الحلقات والتبرع بطبعها بـ«كتاب»، تقديراً للمرحوم سامي المنيس ودوره الريادي في خدمة الكويت.
مجلس الأمة الأول 1963
ليس أمامنا إلا أن نضع مسيرة سامي المنيس الديموقراطية من خلال مناقشاته المسجلة في محاضر مجلس الأمة في الفصول التشريعية التي نجح فيها، لنثبت ما ذهبنا إليه عندما نجح سامي المنيس في أول انتخابات تشريعية في الكويت 1963، هو ومجموعته الثمانية، وحملوا اسم نواب الشعب، بقي هذا سنوات عدة في فصول تشريعية لاحقة. كان دستور الكويت نافذاً وأصبح مجلس الأمة واقعاً ولم يعد حلماً. ولم يكن أمام سامي إلا أن يعض على هاتين المؤسستين بالنواجذ ويسعى ما وسعه السعي إلى تفصيل دورهما من خلال كفاحه الدؤوب من أجل تثبيت حق مجلس الأمة في الرقابة ومساءلة الحكومة واستجواب وزرائها، والدفاع عن حقوق الشعب وأمواله والحدّ من نفوذ شركات النفط وامتيازاتها والقضاء على استغلالها ومناصرة العمال أينما وجدوا، والسعي إلى توفير حرية الصحافة والتعبير.
لذا، كان سجله الديموقراطي حافلاً بالقضايا الداخلية والخارجية التي طرحها في مسيرته والتي لم يتردد لحظة في متابعها في كل فصل تشريعي انتخب فيه. وها نحن نتتبع مسيرة سامي وهذه القضايا في الفصول التشريعية التي انتخب فيها، فصلا فصيلا، وتقسم إلى مجموعتين الأولى سامي والقضايا الوطنية، والثانية سامي والقضايا العربية والعالمية.
ففي الفصل التشريعي الأول وفي دورات انعقاده الثلاث كانت أهم القضايا التي استحوذت على فكره قضية النفط، وشركات النفط والعاملين فيها بشكل خاص، وقضايا العمال بشكل عام. فقد أخذ سامي على عاتقه تحرير العمال المستغَلين وكشف ادعاءات هؤلاء المضللين، ونجح في إقناع العمال بذلك. وكانت أولى مداخلاته حول هذا الأمر في دور الانعقاد الثاني عندما طالب " إحالة مذكرة عمال شركة نفط الكويت إلى الحكومة لبحث أوضاعهم، وطالب بمساهمة الشركات النفطية في تشغيل العاملين، خصوصا أن امتيازات شركات النفط أكثر مما يقرره القانون ".
وفي دور الانعقاد الثالث، أشار سامي إلى أن سكان الكويت 330000 نسمة ولم تساهم شركات النفط حتى الآن في حل أزمة العمالة بشكل صحيح. وهناك لوائح داخلية تصدرها الشركات تحول دون عمل المواطنين. وتتمتع شركات النفط بامتيازات أكثر مما يقرره القانون، فنحن لا نعرف ما نوع المواد التي تستوردها شركات النفط، وما أسباب الاستثناءات التي تتمتع بها، ولماذا لا تدفع الشركات رسوماً جمركية".
كان سامي واضحاً في مناقشة أمور شركات النفط من غير لف أو مواربة، فقد أعلن في دور الانعقاد العادي الثالث " أن شركة نفط الكويت لم تنفذ أي بند من البنود التي اتفقت عليها مع الحكومة بشأن العمال، وهناك حقيقة مؤسفة جداً هي أن العمال في قطاع النفط أو شركات النفط أو القطاع الأهلي أوضاعهم محزنة، ومنها الاستغلال البشع، وفيها تعسف، فماذا عملت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لحفظ حقوق العمال؟".
بالنسبة للعمال الآخرين، فقد أعلن سامي في الفصل التشريعي الأول ودور الانعقاد العادي الثاني أنه " لا يجوز أخذ مكاسب العمال الطبيعية والشرعية وهي خدماتهم لما قبل 1959، كل إضافة في قانون العمل يجب أن تكون لمصلحة العمال لا لمصلحة رؤوس الأموال، وعلى العامل الكويتي أن يقرر مستقبله بيده وبتفكيره وبنظرته للمصلحة العامة من دون وضع شروط قانونية تحجم هذا الحق". كما طالب "بإنشاء نقابة عمالية في شركتي نفط"، وتساءل عن "سبب رفض طلب العمال الانضمام إلى هذه النقابة " لا سيما أن سامي كان الداعية الأول لإنشاء نقابات عمال النفط، ونجح في تأسيس أو لجنة عمالية عندما عمل مع شركة النفط 1946 وعمره أربعة عشر سنة . لذا كان حديثه عن تأييده لمطالب العمال صدى لتجربة قاسية وصعبة عاشها في مطلع حياته عاملاً في شركة النفط نفسها، ورأى معاناة العمال وقاسى همومهم. وكان حلقة الوصل بين أفراد النقابات عام 1961 وحركة القوميين العرب، ومع عام 1964 بدأت نقابات الوزارات، بدءا من وزارة الصحة، وتوالت الجهات، حتى توجت بالاتحاد العام لعمال الكويت في 1967 وكانت لسامي المنيس مساهمة فعالة في توجيه الحركة النقابية العمالية وإعداد كوادرها .
تنفيق العوائد النفطية
من هنا كان أمر العاملين في شركات النفط هماً من همومه، فكان يطلب التخفيف عنهم وتحقيق العدالة لهم، ولم يكف عن طرح هذا الأمر في مجلس الأمة. وبفضل جهوده وجهود النواب الوطنيين ونجاح هؤلاء في التعاون مع آخرين من الأعضاء من أجل مصلحة الوطن، نجح مجلس الأمة في إفشال اتفاقية تنفيق العوائد النفطية، وشكل ذلك أول صدمة لشركات النفط الاستعمارية التي كانت ترى أنها قوة لا يمكن التصدي لسيطرتها واستغلالها.
وتعود أهمية نجاح مجلس الأمة في إفشال اتفاقية تنفيق العوائد إلى ما تركته من آثار في عالم النفط، إذ وضع هذا النجاح أول مسمار في نعش الشركات النفطية حتى انتهى الأمر بتأميم النفط. وقد تم إفشال تنفيق العوائد النفطية في عام 1965. وتنفيق العوائد مصطلح يعني أن تحسب العائدات (الريع) المقدم من الحكومة للشركات النفطية العاملة في أراضيها على أنه جزء من النفقات العامة للشركة ولا تخصم من الأرباح العائدة للحكومة بموجب مناصفة الأرباح . وكان قد صدق على الاتفاقية كل من إيران والمملكة العربية السعودية وليبيا وقطر، ورفض الكويت لها آنذاك كان يعني مفاجأة خاصة لمنظمة أوبك (الدول المصدرة للنفط) التي عقدت الاتفاقية باسم أعضائها وكان نفاذها مرتبطاً بموافقة الكويت.
التدريب المهني
وإلى جانب مصالح العمال، التفت سامي مبكراً إلى موضوع التدريب المهني، فطالب في دور الانعقاد الثاني في الفصل التشريعي الأول الحكومة "بتدريب مهني وحل المشكلة مع شركات النفط"، كما طالبها "بالإسراع في تكوين المدرسة المهنية، وهي مدرسة تختلف في مهماتها عن الكلية الصناعية". وكان واضحاً التعاون مع الحكومة في هذا المجال، ففي الأول من مارس 1965 وافق سمو أمير البلاد على اعتماد إضافي بمبلغ خمسين ألف دينار لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمواجهة نفقات تدريب الكويتيين العاطلين عن العمل. ورأى سامي استكمالاً لهذه الخطوة "أن يتم دفع رواتب للمتعطلين وعددهم آنذاك 925 عاطلاً".
طالب سامي في دور الانعقاد الثالث "بإنشاء هيئة مستقلة ذات شخصية اعتبارية ومعنوية كحل عملي لمشكلات ذوي الدخل المحدود البالغ عددهم خمسين ألف مواطن، ويتوزع إنشاء بيوتهم على عدة جهات وتتهرب بعض الوزارات من طلباتهم". وذلك في محاولة منه لتوزيع البيوت بعد إنشائها عن طريق جهة واحدة مسؤولة بدلاً من تعدد الجهات.
كان سامي واضحاً، يريد الحلول الجذرية لكل مشكلات المواطن، ولم يكن يريد توزيع جهده بين هنا وهناك، فهو يريد مدرسة مهنية واحدة لمختلف أنواع التدريب، ويريد هيئة تشرف على ذوي الدخل المحدود. وتبدو عقلية العمل من خلال المؤسسات واضحة في فكر سامي المنيس.
لقد ناقش سامي المنيس في دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الأول موضوع الجنسية في مجلس الأمة، وطالب "بالتساهل في إجراءات الجنسية مع أبناء بادية الكويت، وإعادة تشكيل اللجنة العليا للجنسية وتعيين مقرر لها مع أعضاء متفرغين". كما طالب "بسحب الجنسية ممن أخذها بغير حق" وهو يرفض التوقف في إعطاء الجنسية، ويرى "أن لجنة الشؤون الداخلية هي المخولة بالتحقيق في موضوع الجنسيات التي أعطيت".
والتفت سامي في الفصل التشريعي الأول دور الانعقاد الثاني إلى الصحافة والإعلام، ورأى أن "الصحافة يملكها الشعب". وطالب بإعادة النظر في قانون المطبوعات. وكان مدركاً منذ البداية لدور التلفاز في الإعلام، وطالب بارتفاع أجهزة الإعلام إلى مستوى المسؤولية. كما طالب بصرف المبلغ على برامج تؤدي خدمة للمواطنين، معلنا رفضه المطلق "لأي مبلغ سري يخصص لوزارة الإرشاد" (الإعلام حالياً). ورأى أن "الترفيه مطلوب لكن من دون إثارة للجنس والعواطف، لذا فهو " يرفض إقامة الحفل السنوي للتلفاز" (60 ألف دينار) لأن "الحفل يزيد من مشكلات الشباب والبلد".
يضع سامي المنيس منذ البداية في الفصل التشريعي الأول دور الانعقاد العادي الثالث، أسساً لمناقشة ميزانية الدولة والحساب الختامي للمؤسسات، ويضع فلسفة واضحة للمستقبل، فهو لا يرى في مناقشة "حساب ختامي أرقاماً، إنما يرى موضوع السياسة المالية بشكل عام". ولما كان هذا هو المبدأ، فقد رفض التصديق على الميزانية، لأن "هناك إدانة صريحة من اللجنة المالية للحكومة بالفوضى"، إن صح التعبير، ولأن "اللجنة المالية تشكك في صحة الأرقام، ولأنه يرى أن مردود الميزانيــة "صفر على الشمال والإنتاج أقل بكثير من ضخامة الميزانية". وسامي المنيس لا يعترض على أرقام الميزانية، ولكن اعتراضه على مصير هذه الأرقام وأين تنفق وما مردودها على حياة الوطن والمواطن. فهو مستعد لبذل الأموال مقابل إنتاج للوطن.
لم يتردد سامي المنيس لحظة واحدة في الإعلان عن أن الكويت بلد عربي وجزء من الوطن العربي، ومصيرها مرتبط بمصير هذه الأمة، أفراحاً وأتراحاً. ولم يكن متردداً أبداً في الطلب إلى مجلس الأمة مناقشة قضايا الأمة، إضافة إلى مناقشة قضايا الوطن. ففي الفصل التشريعي الأول دور الانعقاد الثاني "أهاب سامي بحكومة الكويت والحكومات العربية أن تعيد النظر فوراً في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع الحكومة البريطانية، في ضوء عدوانها السافر على بلد عربي شقيق هو الجمهورية العربية اليمنية". وسامي يعلن هذا الموقف أمام مجلس الأمة وهو يعلم متانة العلاقات البريطانية الكويتية في عام 1964/ 1965، لكنه يرى مصلحة الأمة العربية فوق أي مصلحة. ويذهب سامي إلى المطالبة "بالاهتمام بنضال اليمن وزيادة المنح الدراسة لأبناء الخليج".
كانت قضية فلسطين في صميم وجدان سامي المنيس، يتحدث عنها في الديوانية، وفي جريدة الطليعة، في مجلس الأمة وفي أي مكان. ولم يكن متردداً أو متهاوناً في طرح ما يمس فلسطين في مجلس الأمة الكويتي. فقد أراد البعض في عام 1964 أن تسمى "فلسطين السليبة"، لكنه والمجلس كله يوافق على التسمية التي اقترحها المرحوم عبد العزيز حسين "الوطن السليب فلسطين العزيزة". وكان يأنف من ذكر الكيان الصهيوني ويرى فيه "دولة العصابات" بدلاً من إسرائيل. ورأى في الصهيونية عدواً لدوداً للأمة العربية، لذا نراه يطالب مجلس الأمة بإلحاح "بالكشف عن الجاسوسية لمصلحة الصهيونية وملاحقتها". ولا يتردد في الموافقة والمطالبة بتنفيذ تحويل روافد نهر الأردن عندما لجأت إسرائيل إلى تحويل مياه النهر إلى أراضيها لتستفرد بالانتفاع بها وحدها في عام 1964.
الجيش
وطالب سامي، من دون مواربة، بتصفية مكتب الكويت في لندن، ورأى أن "تزويده للجيش الكويتي بما يلزم أمر مرفوض، فالجيش الكويتي جيش الأمة". وواضح أن طلب سامي لقي آذاناً صاغية، إذ عُيّ.ن ملحق عسكري في السفارة الكويتية كما أراد سامي.
إضافة إلى القضايا التي ناقشها وأثارها في الفصل التشريعي الأول 63ـ64ـ65، أثار سامي قضايا تمس حياة المواطن، وطالب بحلها، فهو يطالب "بسرية المراسلة البريدية والبرقية والهاتفية"، ويطالب "بقانون للبرق والهاتف"، كما طالب بألا يجمع المختار بين وظيفتين. ومن الأمور التي ناقشها سامي ورأى أنها تمس حياة المواطن الوافد على السواء، مطالبته لوزير الداخلية بـ "تلبية مطالب أهل النقرة بشأن وجود مسرح الخليج العربي عندهم". وجاءت استجابة وزير الداخلية لهذا المطلب بالرد على سامي في 25/11/63 "أخطرنا المسرح بمراعاة رغبة أهالي منطقة النقرة وعدم القيام بالأعمال التي تزعجهم".
كما ناقش سامي في هذا الفصل قانون الإيجار وقانون البناء من دون ترخيص، إلا في الملك الخاص بإذن من البلدية، " ويرفض الإيجار من الباطن إلا إذا كان بالتفاهم مع المالك". وأشار إلى ظاهرة تفشي الخمر وردّ انتشار هذه الظاهرة إلى " القلق الذي يصيب المواطنين والشعب من عدم الاستقرار، وشارب الخمر إما لمزاج أو لتفريج الهموم والنسيان". وأكد سامي عند مناقشته لهذا الأمر "أنه لا يكفي منع الخمور ولكن يجب دراسة الأسباب والمشاكل التي دعت إلى هذا التفشي"، "وإذا كان من الواجب منع الخمر وتشديد العقوبة، فإنه يجب أن نضع العلاج الكافي، وأن نهيئ الاستقرار النفسي للمواطن".
كان يحرص ما وسعه الحرص على أموال الدولة وعدم إنفاقها في سبل لا يقتنع بها، لذا نراه يطالب "بإلغاء 650000 دينار المرصودة في الميزانية لشراء مكيفات لأنها لا تشترى سنوياً". واستغل حديثه عن المكيفات ليتحدث عن استهلاك الكهرباء وتساءل "هل يعقل تنوير الشوارع ونحن نشتكي من قطع الكهرباء؟"، كما طالب هنا بإعفاء ذوي الدخل المحدود من دفع ثمن الكهرباء.
لم يكن يفوّت فرصة فيها منفعة للمواطن، خصوصا الكادح أو العامل أو أي من ذوي الدخل المحدود إلا وانتهزها للدفاع والمطالبة بالحقوق، فهو يطلب "مصادرة المواد الغذائية غير الصالحة. لا تصديرها إلى الخارج وارتكاب جرائم إنسانية". وعندما ارتفعت بعض الأصوات ضد الباعة المتجولين ورأت فيهم ضرراً بالاقتصاد رفض سامي هذا الأمر ورأى أن "الحديث عن هؤلاء مبالغ فيه".
التربية
والتفت إلى التلاميذ الذين يقبلون في السنة الأولى الابتدائية استثناء من وزير التربية عندما يبلغون خمس سنوات ونصف السنة بدلاً من ست سنوات، فطالب "بأن يكون هذا الاستثناء عن طريق لجنة، وليس عن طريق الوزير".
كما التفت سامي إلى وزارة الصحة وحثها في ذلك الفصل التشريعي على "ضرورة الإشراف على العيادات الخاصة وبيع الأدوية في الصيدليات". وشارك في مناقشة قانون مزاولة مهنة التمريض وتساءل عند مناقشته عن "الفرق بين الممرض والمضمد اللذين وردت تسميتهما في قانون المهنة".
كانت بداية عهد أول مجلس أمة بداية امتداد التعليم الثانوي للبنات خارج مدينة الكويت، إذ وافق مجلس الأمة، بتشجيع واضح من سامي، على إنشاء ثانوية الفحيحيل للبنات في العام الدراسي 66/ 1967، وكان ذلك بداية التوسع في ثانويات البنات في مختلف مناطق الكويت.
وختاماً لسرد هذا النشاط البرلماني، لا بد من القول إن مجلس الأمة الكويتي انضم إلى الاتحاد البرلماني الدولي في 12/5/1964 وظهرت شعبة برلمانية من أعضائه وقبلت في 2/6/64 في عضوية الاتحاد الدولي .
إن الفرحة بعرس الديموقراطية لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما بدأت المسيرة تتعثر، وذلك من طبيعة الأمور. فالتجربة ناشئة وفريدة في منطقة الخليج العربي، وهناك من يشجعها، وهناك من يخشاها ويعمل ضدها، والذين يقلبون صفحاتها داخل الكويت وخارجها بين مستفيد وخاسر أناس كثر، وكان لا بد للتجربة الكويتية من مواجهة المصاعب التي قد تعطلها أحياناً تحت تأثير الظروف الداخلية والخارجية، لكنها لم تثنها عن الاستمرار.
الأزمة بين المجلس والحكومة
تجمعت خيوط الأزمة بين مجلس الأمة والحكومة منذ الرد على الخطاب الأميري في دور الانعقاد الثالث للفصل التشريعي الأول، وكانت للأزمة أسبابها، أولها الخطة الخمسية، وذلك عندما رأى سامي المنيس أن "الخطة الخمسية التي ترسم سياسة الدولة لا تزال في الأدراج". وثانيها، ما اعترض عليه سامي من عبارة جاءت في الرد على الخطاب الأميري تقول: يشجع المجلس خطوات الحكومة من أجل التنظيم الوظيفي والإداري... إذ رأى سامي "لا وجود لخطوات". وتساءل: "أين التنظيم الإداري والتوظيف؟"، واقترح أن تكون العبارة "يتابع المجلس خطوات الحكومة باهتمام" بدلاً من يشجع... إضافة إلى ما سبق كانت هناك إدانة صريحة في اللجنة المالية الخاصة للحكومة على "الفوضى المالية". وفي هذه الفترة تمكن مجلس الأمة من إحراز نصر كبير، عندما نجح في إسقاط اتفاقية تنفيق العوائد النفطية، ودعا إلى "انتزاع الغاز الطبيعي من أيدي الشركات النفطية وإعادة ملكيته للدولة".
وفي الفترة نفسها في أواخر عام 1964 اعترض بعض النواب على التشكيل الوزاري الجديد، مما أدى إلى استقالة الوزارة. وفي الخامس من يناير 1965 استقال السيد عبد العزيز الصقر رئيس مجلس الأمة وأصر على استقالته وتولى رئاسة المجلس من بعده السيد سعود العبد الرزاق .
استطاعت الحكومة الرد على مواقف المعارضة، التي كان سامي أحد رموزها، بتنظيم تحالف من 31 نائباً في المجلس مؤيد لها، وأصبح هؤلاء أغلبية في المجلس. وأصبح نواب الشعب الثمانية الذين يمثلون التيار القومي، ومنهم سامي المنيس، غير قادرين على مواجهة إقرار القوانين المقيدة للحريات ومنعها، مثل فصل الموظفين ومنع الحديث في السياسة في النوادي وإغلاق الصحف إدارياً ، وبعد مضي ثلاثة أعوام على التجربة البرلمانية التي انتهت بوجود القوانين المقيدة للصحافة والنشر، والتي جعلت من المستحيل ممارسة الصحافة لوظيفتها، وفرض قوانين قسرية بتعديل قانون الوظائف العامة الذي سلب الهوية الأساسية للمواطن الموظف، وجعل مصيره معلقاً بإرادة أفراد الحكومة، وفرض عليه الانتقال من وظيفته إن أراد الترشيح، رأى نواب الشعب الممثلون للتيار القومي في مجلس الأمة أن الغرض الحقيقي وراء سلوك الحكومة ومؤيديها، هو محاولة إجهاض التجربة الديموقراطية وتزييف إرادة الشعب.. وتحول مجلس الأمة إلى مؤسسة لاديموقراطية، ومصدر لقوانين جائرة لا تتفق وإرادة الشعب.
كانت تلك انتقادات نواب الشعب للحكومة، وكان تفكيرهم في تقديم الاستقالة مبكراً، لكن وفاة الشيخ عبد الله السالم الصباح أمير البلاد أجّل هذه الاستقالة. وعندما تأكد لهؤلاء النواب تصميم الحكومة، على حد تعبيرهم، على تنفيذ القوانين المقيدة للحريات تقدم هؤلاء الثمانية باستقالاتهم من مجلس الأمة، وهم: جاسم القطامي، د. أحمد الخطيب، سليمان خالد المطوع، يعقوب يوسف الحميضي، سامي أحمد المنيس، عبد الرزاق الخالد الزيد علي عبد الرحمن العمر وراشد التوحيد .
أما د. أحمد الخطيب، مؤسس حركة القوميين العرب في الكويت، فقد لخص أسباب الاستقالة على النحو التالي:
فرض قانون التجمعات الذي حرم المواطنين وسيلة التعبير عن آرائهم ومواقفهم.
سن تشريع يكبل حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة والنشر.
تعديل قانون الوظائف العام حيث أصبح مصير الموظف معلقاً بإرادة الحكومة.
سلوك الحكومة ومؤيديها في محاولة إجهاض التجربة الديموقراطية وتزييف إرادة الشعب .
وكانت استقالة هؤلاء مدوية وتعد حدثاً بارزاً في تاريخ الحياة البرلمانية في الكويت (انظر الملحق ـ نص الاستقالة) ردت على استقالة الثمانية بالإعلان عن انتخابات تكميلية في بداية عام 1966 لكن نواب الشعب المستقيلين طالبوا بمقاطعة هذه الانتخابات كدليل على إيمان الشعب بأن الديموقراطية أصبحت عندنا زائفة، وأن الشعب قد كفر بهذا المجلس الذي لم يعد يمثله .
ورغم هذه الدعوة للمقاطعة، فقد جرت الانتخابات، وبغض النظر عن عدد الأصوات التي نالها الناجحون في هذه الانتخابات الفرعية، فإنهم أصبحوا أعضاء في مجلس الأمة. وشككت المجموعة المستقبلية في هذه الانتخابات ورأت أنه لا يمكن اعتبارهم ممثلين حقيقيين للشعب، إذ كيف يعتبر نائباً حقيقياً من حصل على بضعة أصوات لا تشكل أكثر من 20% من أصوات الناخبين؟!، إنهم لا يمثلون إلا أنفسهم .
كان انتخاب المجلس التأسيسي 1962، بعد استقلال الكويت 1961، الذي وضع الدستور وتبعته انتخابات أول مجلس أمة في تاريخ الكويت 1963 لافتاً للتفكير، خصوصا أن السلطة كانت ترفض أي استجابة لانتخابات برلمانية، فما الذي حدث؟ كان ما حدث بتوافق بين المواطنين وحركة القوميين العرب من جانب، وبين أمير دولة الكويت آنذاك المرحوم الشيخ عبد الله السالم الصباح من جانب آخر، لأسباب أهمها الإلحاح الشعبي منذ 1938 على تأسيس مجلس تشريعي، وما نتج من وحدة وطنية شاملة إثر مطالبة عبد الكريم قاسم بضم الكويت، والموقف العربي الرافض لمزاعمه والمؤيد للكويت، وترى مجموعة القوميين العرب أن ما حدث يعود إلى أن:
1) السلطة كانت تسعى دائماً إلى إيجاد صيغة من التمثيل الشعبي تفيد ولا تضر، كما كانت السلطة بحاجة إلى تثبيت كيان الكويت كدولة والرد على الانتقادات الموجهة ضد نظام الحكم.
2) بريطانيا الحليفة للكويت لم تكن ترى أن من مصالحها ومصالح الغرب أن تظهر أمام العالم كحامية لأنظمة حكم فردية .
فما الذي كان وراء فك التحالف؟ يرى القوميون من خلال ما نشروه أن نجاحهم في الانتخابات سبب قلقاً للسلطة. وقد شعرت هذه السلطة بعد السنة الثانية من عمر المجلس أنه استنفد أغراضه بالنسبة لها. فقد ثبت كيان الكويت في الجامعة العربية والأمم المتحدة، وأصبحت عضواً فيهما، كما أنها حصلت على اعتراف العراق بها بعد انقلاب 1963 ضد عبد الكريم قاسم وقتله. ورأت السلطة أن الفرصة سانحة للتخلص من العناصر الوطنية، كما أن نجاح مجلس الأمة الكويتي في رفض اتفاقية تنفيق العوائد النفطية أكد مدى خطورة العناصر القومية .
رغم ما حدث في الفصل التشريعي الأول من استقالات وانتخابات تكميلية وقوانين لم يرضَ عنها النواب القوميون، أو "نواب الشعب" كما سموا آنذاك، فإن الجو الديموقراطي في الكويت لم يصل إلى درجة الكبت كما في بعض البلدان الأخرى، وبقي هامش المطالبة الشعبية بالديموقراطية مفتوحاً، ولكن ليس بالطريقة التي يريدها "نواب الشعب".
وعقد أول مجلس أمة كويتي آخر جلساته في 3/1/67 وكان فصله التشريعي خمس سنوات وليس أربع سنوات، أي بزيادة سنة تكميلية. وأعلن عن انتخابات المجلس التشريعي الثاني في 25 يناير 1967 وكان الجو مهيأ لتقدم نواب الشعب في الانتخابات وزيادة عددهم إلى أكثر من ثمانية أعضاء، كما كان في المجلس الأول. وكان سامي مرشحاً في الدائرة الثامنة (حولي) لكن ترتيبه حسب النتائج المعلنة كان التاسع في القائمة، أي أنه لم ينجح.
لكن هذا الفصل اقترن بالحديث عن التزوير في الانتخابات، إذ قام بعض رجال الشرطة ودخلوا بعض اللجان الفرعية وأخذوا صناديق الاقتراع لنقلها إلى اللجان الرئيسة من دون غلقها وختمها، ومن دون مرافقة أحد مندوبي المرشحين حسب رواية بعض النواب والمرشحين .
ونتيجة لهذا صدر بيان في 27/1/1967 وقعه 38 مرشحاً، من بينهم ستة أعلنت الحكومة فوزهم، على رأسهم المرحوم عبد العزيز الصقر، جاء فيه: لجأت السلطة إلى التدخل المباشر في عملية الانتخاب، إذ فوجئ المواطنون بتنفيذ خطة مبرمجة لتزوير الانتخابات بشكل سافر ومفضوح .
وأصدرت جمعية الصحافيين الكويتية بياناً استنكرت فيه عملية التزوير، وكذلك الاتحاد الوطني لطلبة الكويت وجمعية المحامين والحقوقيين وجمعية الخريجين، واتحاد عمال الكويت، ومستخدمي القطاع الحكومي، ولكن المجلس عقد جلساته ولم يكن للمعارضة دور فيه، وغاب جميع رموزهم عن هذا المجلس الذي لا يزال ما حدث فيه موضع قيل وقال في تاريخ الحركة النيابية الكويتية.
المنيس في احدى مداخلاته عام 1976
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/24067387520090425.jpg
كان أبرز نتائج هذه الانتخابات على حركة القوميين العرب، ظهور تيار راديكالي بين صفوف شبابها أدخل الحركة في مأزق مع التجار وأدى إلى انقسام القاعدة في حركة القوميين العرب، وذلك عندما عقد الراديكاليون مؤتمرا في أكتوبر 68 فصلوا فيه قيادة أحمد الخطيب للحركة، والتزموا بالكفاح المسلح والماركسية اللينينية . لكن ما حدث بعد ذلك من تصفية حركة القوميين العرب لنفسها وتحولها إلى منظمات قطرية، أدى إلى ظهور حركة التقدميين الديموقراطيين في الكويت 1969 من رحم حركة القوميين العرب، وكان د. أحمد الخطيب وعبد الله النيباري وسامي المنيس قادة الهرم لهذه الحركة، وتحولت القيادة الراديكالية إلى منظمات يسارية أخرى.
ووصف السيد عبد الله النيباري هذه الحركة بأنها حركة ديموقراطية تقدمية قابلة للتطور المستقبلي، وتسعى إلى تحقيق أهدافها عن طريق النضال السياسي والعمل البرلماني. وحددت الحركة أهدافها في تحقيق السيادة السياسية الكاملة والتخلف عن النفوذ الاقتصادي الأجنبي بتصفية جميع مظاهر التبعية الاقتصادية للإمبريالية، وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والديموقراطية .
ومنذ ذلك التاريخ حل اسم التقدميين الديموقراطيين محل اسم القوميين العرب الذين خاضوا الانتخابات 1963 باسم نواب الشعب، وخاضوا انتخابات المجلس الثالث في 23/1/1971 تحت هذا المسمى أيضا.
غُيّب سامي المنيس عن مجلس الأمة الثاني هو وكثيرون من تنظيمه، وكانوا مرشحين للفوز في انتخابات هذا المجلس، لكنهم لم يكفوا عن نضالهم السياسي من خارج المجلس ضد ما حدث في انتخابات 1967، ورأوا فيها قتلاً للديموقراطية. وانعكس ما حدث على مجموعة القوميين العرب في الكويت ككل، إذ رأت فئة منهم ضرورة النضال المسلح ضد ما جرى في انتخابات 1967 وانفصلت عن المجموعة الأم، وكانوا في معظمهم من الشباب الراديكالي، لكن سامي المنيس ومعه عبد الله النيباري وأحمد الخطيب... بقوا متمسكين بالنضال السياسي من أجل تحقيق الديموقراطية ورفضوا اللجوء إلى الكفاح المسلح بكل أشكاله . وأصبح اسم هذه المجموعة "مجموعة التقدميين الديموقراطيين" أو جماعة الطليعة التي يتزعمها د. أحمد الخطيب ومعه عبد الله النيباري وسامي المنيس وأحمد النفيسي. وكان لهم برنامجهم الديموقراطي الوطني الذي يسعى إلى التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في الكويت، وخاضوا انتخابات مجلس الأمة الثالث في 23 يناير 1971 على أساس البرنامج الوطني، وحققوا نجاحهم المتوقع والمنشود، إذ فاز كل من أحمد الخطيب وعبد الله النيباري وسامي المنيس وأحمد النفيسي في هذه الانتخابات، ورفع هؤلاء لواء المعارضة للمشاركة النفطية والمناداة بوجود جهاز وطني يقوم بعمليات إنتاج النفط وتسويقه وضرورة تأميم الغــاز.
كأي جماعة سياسية منظمة، خاض التقدميون الديموقراطيون الذين يعد سامي أحد رموزهم، انتخابات مجلس الأمة الثالث في يناير 1971 وفق برنامج سياسي طرحوه على المواطنين قبل موعد الانتخابات بسنة كاملة. وقد طرحت الجماعة برنامجها في يناير 1970 بعنوان "برنامج العمل الوطني الديموقراطي" الذي أعلنه نواب الشعب (التقدميون الديموقراطيون) في يناير 1970، ليتلاءم مع مرحلة التحرير الوطني الديموقراطي ضد معسكر الخصم الرئيس المتمثل في الإمبريالية العالمية وإسرائيل والرجعية العربية وإيران، إضافة إلى الشركات الاحتكارية الأجنبية، وليلائم القوى الوطنية التقدمية التي حددها البرنامج بأنها تتكون من الطبقة العاملة وشرائح الطبقة المتوسطة والموظفين والمدرسين والمهنيين وصغار التجار وبعض العناصر الإصلاحية ذات التوحد الوطني من البرجوازية الكبيرة .
برنامج المعارضة
1- دعا البرنامج إلى وحدة العمل الوطني في الكويت. وقد جاء في الحديث عن هذا الهدف: نرى من الضرورة في ضوء فهمنا للمرحلة الراهنة. أن يواصل العمل الوطني مسيرته، وأن تنهض قواه الوطنية من كبوتها.. ولن يتم ذلك إلا في التوجه نحو تكتيل القوى الوطنية ووحدة العمل الوطني .
ومن دون جدال، فإن العناصر والقوى الوطنية كافة تلتقي في رفضها للقوانين غير الديموقراطية، وتلتقي في رفضها للفساد والسرقات والممارسات التي زكمت روائحها الأنوف. وتلتقي أيضاً برفضها للتدهور الاقتصادي وتحكم الشركات الأجنبية، وتلتقي على إطلاق الحريات العامة، وتطهير الجهاز الإداري والتخطيط لمستقبل البلاد والاهتمام بالصناعة الوطنية والوقوف في وجه الشركات الأجنبية .
2 - كما دعا في المجال السياسي والديموقراطي إلى:
1 - إلغاء القوانين اللاديموقراطية كافة، وبالذات قوانين الصحافة والأندية والوظائف العامة.
2 – إشاعة الديموقراطية.
3 – عدم تعطيل الصحف.
4 – عدم تدخل السلطة التنفيذية في سير الانتخابات.
* وفي المجال الاقتصادي من أجل الحفاظ على الثروة النفطية، دعا البرنامج إلى:
1 – دعم شركة البترول الوطنية.
2 – إنشاء معامل جديدة لتكرير النفط وصناعة مشتقاته وصناعة بتروكيماويات.
3 – إجبار الشركات الأجنبية على احترام القوانين والضغط عليها لإعطاء العمال حقوقهم.
* وفي مجال التصنيع والمستوى المعيشي دعا البرنامج إلى:
1 – تشجيع الصناعات الوطنية.
2 – تصحيح جهاز الدولة المتضخم.
3 – إزالة الفوارق الفاحشة في الدخل.
3 – وضع حد لسياسة التبديد والإسراف.
4 – الحد من الاعتماد على السوق الغربي.
5 – التوسع في إنشاء بيوت ذوي الدخل المحدود.
6 – الاهتمام بأبناء البادية .
* كما اهتم البرنامج بالتعليم والفن والثقافة فدعا إلى:
1 – اعتماد سياسة تربوية مدروسة.
2 – إقامة جامعة عصرية غير خاضعة لرغبات المسؤولين.
3 – الاهتمام بالشباب ودعم مؤسساتهم.
4 – الاهتمام بالأدب والفن.
5 – مكافحة الاتجاهات الفكرية الاستعمارية والرجعية، مع مكافحة الخرافات والشعوذة.
6 – رعاية المسرح وتشجيع العاملين فيه.
* والتفت البرنامج إلى قضايا الخليج العربي وطالب بما يلي:
1 – محاربة الاستعمار بكل أشكاله.
2 – محاربة الأطماع الإيرانية التوسعية.
3 – رفض المشاريع الاستعمارية كافة.
4 – المطالبة بإطلاق الحريات العامة.
5 – إقامة الجبهة الوطنية العريضة على امتداد الخليج.
* وركز البرنامج على فلسطين فدعا إلى:
1 – دعم المقاومة الفلسطينية.
2 – رفض الحلول السلمية كافة ورفض مشروع الدولة الفلسطينية (على جزء من فلسطين).
3 – العمل من أجل إنجاح الوحدة الوطنية الفلسطينية.
4 – عدم التضييق على الفلسطينيين.
5 – محاربة التسلل الصهيوني إلى البلاد.
* أخذ البرنامج بعين الاعتبار الوحدة العربية والعمل على تحقيقها، فدعا إلى:
1 – العمل من أجل قيام وحدة عربية.
2 – الانفتاح على الأنظمة التقدمية العربية.
3 – دعم جميع أطراف حركة التحرر الوطني في البلاد المستَعمَرة.
4 – المباشرة بإقامة المؤسسات الاقتصادية العربية المشتركة لتحقيق التكامل الاقتصادي.
* أما في مجال السياسة الخارجية العالمية فدعا البرنامج إلى:
1 – مواجهة الاستعمار.
2 – تأييد حق الشعوب في تقرير المصير.
3 – محاربة أجهزة التجسس الاستعمارية والصهيونية والإيرانية كافة.
4 – التعامل مع الجميع على أساس الموقف من القضية العربية وبالذات قضية فلسطين والخليج العربي.
5 – رفض جميع المعاهدات والأحلاف الاستعمارية والعدوانية .
نجاح التقدميين الديموقراطيين
وعلى أساس هذا البرنامج ـ الذي تعمدنا إيجازه ـ والالتزام بما جاء فيه، خاضت حركة التقدميين الديموقراطيين انتخابات 23/1/1971 لمجلس الأمة وتمكنت نواتها البرلمانية الصلبة، المتمثلة في أحمد الخطيب، عبد الله النيباري، سامي أحمد المنيس وأحمد النفيسي التي نجحت في الانتخابات، من العمل ما وسعها على المناداة بتطبيق برنامج التقدميين الديموقراطيين الذي سبق ذكره، وتحقيق أهدافه المتمثلة في:
أهداف البرنامج
تحقيق السيادة الكاملة والتخلص من النفوذ الاقتصادي الأجنبي وتصفية مظاهر التبعية الاقتصادية للامبريالية وتحقيق المزيد من العدالة الاجتماعية والديموقراطية . وكان أبرز ما في مسيرة التقدميين الديموقراطيين في هذه المرحلة تأييد القاعدة العمالية لهم عندما دعا اتحاد عمال الكويت إلى انتخاب مرشحي الحركة .
كان أساس البرنامج الانتخابي الذي سبق ذكره لانتخابات 1971 برنامج حركة التقدميين الديموقراطيين الذي أكد أن:
1 – حركة التقدميين الديموقراطيين الكويتيين تنظيم سياسي طليعي يسترشد بالنظرية العلمية والفكر الثوري العربي.
2 – تؤمن الحركة بالنضال السياسي بمختلف وسائله.
3 – تعبر الحركة عن مصالح الجماهير الشعبية وقواها الوطنية، ومن أجل تحقيق كامل مهمات مرحلة التحرر الوطني الديموقراطي.
4 – تدعو إلى تصفية جميع مظاهر التبعية الاقتصادية للامبريالية.
5 – تدعو إلى ترسيخ الديموقراطية كنهج ثابت في الحياة العامة للكويت.
6 – تدعو إلى إجراء إصلاح تقدمي في الجهاز الإداري للدولة.
7 – تؤمن الحركة بمساواة المرأة مع الرجل في جميع الحقوق والواجبات وممارسة الحقوق السياسية .
إنجاز المشاركة النفطية
استطاعت الحركة من خلال نوابها في مجلس الأمة الثالث 1971/1975، وبالتعاون مع النواب المستقلين، إنجاز موضوع المشاركة النفطية ومن ثم تأميم النفط، كما كان لها دورها في إقرار قانون المحكمة الدستورية . كان هذا هو الخط الذي سار عليه سامي المنيس بعد نجاحه في انتخابات مجلس الأمة الثالث 1971. وما يهمنا هنا هو نشاط سامي المنيس في هذا الفصل التشريعي الثالث ومتابعة أهم ما طرح من مناقشات واقتراحات. ولا بد من القول أن سامي المنيس انتخب أمين السر لمجلس الأمة في هذا الفصل التشريعي، كما انتخب مقررا للجنة العرائض والشكاوى، وهو أمر لا بد من الإشارة إليه كتعبير عن ثقة أعضاء المجلس به ووفق برنامج مجموعته التي نجحت في انتخابات 1971.
الفصل التشريعي الثالث
كان النفط واستعادة ملكيته للشعب والإشراف الوطني على إنتاجه وتكريره والاهتمام بأمر العاملين فيه عامة والعمال خاصة، أكثر ما اهتم به سامي في هذا الفصل التشريعي.
فكان أول تساؤلاته في الفصل التشريعي الثالث لدور الانعقاد الأول عن "سبب تأخير صرف الأعمال الإضافية للعمال، وكيف تصرف في وزارة ولا تصرف في أخرى؟". وكانت استجابة الوزارات سريعة لتساؤلات سامي عندما قامت بصرف هذه الأعمال الإضافية.
كان سامي فخوراً بالقوى العاملة في كل المجالات وبإنجازاتها، وكان يتابعها خطوة خطوة، فهو يفتخر بالقوى العاملة التي "استطاعت أن تحرز انتصاراً بإيجاد قانون العمل في قطاع النفط 1968، ثم صدور قانون معدل 1969". لكنه كان يرى ايضاً أن شركات النفط "تطفش" العمالة الكويتية، أي تجبرها على ترك العمل "فالقوى العاملة الوطنية لا تزيد عن 10% في شركات النفط، وتقوم هذه الشركات بتسليم أعمالها إلى المقاولين للتخلص من العناصر الوطنية" وهو تأكيد لما قاله بأنها "تطفش" العمالة الوطنية. وتساءل سامي عن دور الشركات النفطية الأجنبية "هل القوانين والتشريعات التي نصدرها غير مقبولة ومرفوضة من شركات النفط؟ وهل هذه الشركات حكومة خفية؟". وحتى يثبت سامي أقواله بعدم انصياع الشركات النفطية لتنفيذ القوانين كعادته في توجيه أي اتهام "أثار العريضة رقم 19 من رئيس اتحاد العمال حول رفض شركات النفط تنفيذ القانون 28/1969 بشأن العمل في قطاع النفط المحال إلى لجنة العرائض والشكاوى بتاريخ 15/3/1971".
رأى سامي أن "شركات النفط تريد تفسير القوانين كما تشاء" لا كما يجيء في نصوصها. ويشير سامي إلى ظاهرة لا تقل خطورة عن تقاعس شركات النفط عن تنفيذ القوانين، وهي أن خبراء الحكومة عاجزون أمام الشركات النفطية التي ترى أن قانون شركات النفط غير ملائم وغامض. فقد أعيد هذا القانون إلى مجلس الأمة مرتين من دون أن تأخذ به الشركات النفطية. وهنا تساءل سامي:
" متى يقف المجلس وتقف الحكومة أمام شركات النفط الاستعمارية؟" فالممارسات العملية لشركات النفط في نظر سامي هي ممارسات حكومات خفية، فهي لا تأبه بقوانين الشركات ولا بالقوانين الخاصة بالعمال.
يقف سامي أمام شركات النفط محارباً شرساً يريد انتزاع حقوق الوطن من بين مخالب لا تعترف بحكومات ولا نقابات، فنراه ينتقد الاتفاقية النفطية لأن "نصوصها ليست في مصلحة الكويت". ويستمر في كشف عيوب هذه الاتفاقية ورفضها هو ومجموعته المؤيدون له في مجلس الأمة والضغط من أجل إفشالها. كان يريد النفط ثروة وطنية قومية يستغلها الإنسان العربي في السراء والضراء، فهو يقف موقفاً لا لبس فيه في عام 1973 "ويحيى الدولة على وقفها ضخ نفط الكويت"، وذلك بعد حرب أكتوبر 1973 ضد العدو الصهيوني، وهو يُغلّب المصلحة القومية على المصلحة الوطنية ويرى في النفط سلاحاً عربياً يجب استخدامه عندما يكون ذلك في مصلحة رفعة الأمة وسمعتها واستعادة كرامتها. ويعد موقفه من شركات النفط امتداداً لموقفه في مجلس الأمة الأول عندما كان عضواً فيه، فهو ثابت في نقده امتيازات شركات النفط وثابت في ملاحظته تصرف الشركات النفطية وعدم تنفيذها للبنود التي تتفق فيها مع الحكومة...
ونظراً لما كان للمعارضة من تأثير واضح في استرداد الكويت لثروتها النفطية، فإننا نورد ملخصاً لهذا الموضوع: ففي سنة 1971 أصبحت التوجهات السياسية داخل مجلس الأمة تنادي بتحديد الانتاج في حدود 2.95 مليون برميل يومياً، في عام 1972 فُوض أحمد زكي اليماني من أقطار الخليج العربي للوصول إلى اتفاقيات مع شركات النفط العالمية الكبرى بخصوص المشاركة، وتسمى هذه اتفاقية المشاركة التي تبدأ في 1978 ترتفع إلى 30 في المائة 1979، و35 في المائة يناير 1980، و40 في المائة يناير 1981، وإلى 51 في المائة في 1982، وتستمر حتى نهاية مدة الامتياز، وهي في الكويت سنة 2025.
ضد اتفاقية المشاركة
شن الوطنيون في المجلس حملة عنيفة ضد اتفاقية المشاركة، ورفضها المجلس بعد أن ناقشها بين يناير ومارس 1973، ورأى أن تبدأ المشاركة بـ 51% على أن تصل إلى 100% في نهاية عقود الامتياز. كانت رموز المطالبة باسترجاع الثروة النفطية في مجلس 1971: علي الغانم، سالم المرزوق، عبد اللطيف الكاظمي، بدر المضف وناصر الساير، أما ممثلو التقدميين الديموقراطيين فكانوا: د. أحمد الخطيب، عبد الله النيباري، سامي المنيس وأحمد النفيسي، وقد طالبوا ببحث السياسة البترولية وتشكيل لجنة وطنية لدراسة موضوع البترول.
كانت الدعوة في مجلس الأمة إلى رفع نسبة المشاركة والوصول إلى التأميم ولهذا قدم أعضاء مجلس الأمة في 22/12/73 اقتراحاً بمشروع قانون لتأميم النفط في الكويت، وهم: يوسف المخلد، فلاح الحجرف، عبد العزيز المساعيد، فالح الصويلح، محمد الرشيد وعبد الكريم الجحيدلي. وعقد عبد الله النيباري مناظرة تلفزيونية عن المجلس مع السيد عبد الرحمن العتيقي عن الحكومة، وكان واضحاً توجه الرأي العام لرفض اتفاقية المشاركة.
وهنا تدخل رئيس مجلس الوزراء آنذاك المغفور له الشيخ جابر الأحمد الصباح (1977/2006) وبعد اجتماعه مع مندوب شركة غلف أعلن أن محتوى اتفاقية المشاركة لا بد أن "يراجع لتأكيد حقوق الكويت المشروعة". وإثر ذلك سحبت الاتفاقية من مجلس الأمة بسبب توقع رفض المجلس لها.
بعد ذلك بشهور، وافق مجلس الأمة على اتفاقية المشاركة التي تقضي بأن يكون للحكومة 60% من العمليات والحقول البترولية للشركتين (غلف، وبي بي) ابتداء من 1/1/1974.
وقد امتنع النواب التقدميون الديموقراطيين الأربعة عن التصويت على هذه الاتفاقية، ووعدت الحكومة على لسان السيد عبد الرحمن العتيقي وزير المالية والنفط أنذاك، بالسعي للحصول على المزيد، بما فيه خير هذه البلاد ومصلحة شعبها الكريم. وعلل عبدالله النيباري امتناع ممثلي الحركة التقدمية الديموقراطية عن التصويت بغياب شرط الوصول للتملك النهائي. أما الدكتور أحمد الخطيب، فقد رأى في مناقشة الاتفاقية "نصراً للديموقراطية" لكن اتفاقية المشاركة لم تدم طويلاً، إذ سرعان ما أعلنت حكومة الكويت في 5/3/75 بعد الانتخابات أنها قررت تأميم نفط الكويت. وتم تصديق مجلس الأمة بالإجماع على اتفاقية التأميم في 18/3/76. وكان على حكومة الكويت أن تدفع 50،5 مليون دينار مقابل القيمة الدفترية للموجودات التي انتقلت ملكيتها للحكومة .
ظهرت آثار التعاون بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء برئاسة الشيخ جابر الأحمد الصباح آنذاك واضحة لمصلحة الوطن، فقد تمكنت الكويت من انتزاع ثروتها الوطنية من براثن الشركات النفطية العملاقة بأقل التعويضات عن الموجودات. لذا لا بد أن يُسجل نتائج هذا التعاون كنموذج بناء في تاريخ السلطتين التشريعية والتنفيذية. وكان لإصرار مجلس الأمة على انتزاع هذا الحق وقدرة الحكومة على التفاوض بذكاء وحكمة الفضل الأكبر في الوصول إلى التأميم واسترداد الحقوق.
أظهر سامي في ذلك الفصل التشريعي اهتمامه الواسع بالوطن ومشكلاته وسياسات الدولة ووزاراتها، وكان موضوعياً في طرحه، يسعى إلى تحقيق الأفضل من خلال تساؤلاته ونقده بعيداً عن التجريح أو التشهير. وتناول أول ما تناول مناقشته الرد على الخطاب الأميري، وكان أول مطلب له "أن يتضمن الخطاب مساندة الكفاح المسلح مادياً وتخصيص دعم مالي للثورة الفلسطينية ووقف المعونة الأردنية".
لم يرَ سامي خلاف حكام الخليج، الذي أشار إليه الخطاب الأميري، خلافاً شخصياً يستوجب توجيه نداء لهم، لكنه رأى فيه انه "صراع أنغلو أميركي ـ إيراني" يجب الالتفات إليه والتعامل معه بجدية وزارة الداخلية، وعندما جاء دور وزارة الداخلية ناقش الجريمة وأسبابها وخلص إلى القول إن "الفاعل مجهول" في جرائم البلد، "وحوادث المرور في تزايد"، وعزا ذلك إلى "الإدارة ومسؤولياتها وليس إلى الرعونة وحسب".
رأى سامي أن مجلس الأمة يناقش سياسة الحكومة من خلال الرد على الخطاب الأميري بشكل عام لكن الأعضاء "لا يستطيعون إضافة أكثر من السنة الماضية"، إلا أن ذلك لم يمنعه من التساؤل: "هل السياسة الخارجية تعبير عن الشعب وعن رغباته؟"، "وما موقف الكويت من الخليج العربي وإيران عندما احتُلت الجزر العربية؟". وفي استغراب لافت للنظر، يذكر سامي "أن التعامل الاقتصادي زاد مع إيران" بعد احتلال الجزر، وهي تحضر مؤتمر جدة (الإسلامي) أثناء حديثه عن الجزر، وهو هنا منسجم تماماً مع تطبيق برنامجه الانتخابي في مقاومة الاستعمار والتسلل الإيراني. وانتقل إلى الشأن الداخلي وتساءل: "ما أسباب حل المجلس البلدي 1972؟"، ويلاحظ "إعادة المادة 43 من مشروع قانون البلديات إلى اللجنة المختصة تخوفاً من عدم ترسيخ قواعد الديموقراطية". وأعلن سامي "أن أبناء الكويت يعيشون الاستغلال مقترناً بالاحتكار لسوق الكويت والأقلية التي تحتكره". لكنه يقرن هذا القول بالمثل العملي في السلوك الرسمي ويعلن أمام المجلس أن "مجلس الأمة منذ ثلاث سنوات يقف بحزم ويناشد الحكومة في شخص وزير التجارة، إعادة النظر في موضوع الأسعار ليرفع الاستغلال عن المواطن، لكن ذلك لم يحدث، فسياسة الحكومة، في نظره، أن تترك الباب مفتوحاً"، وهو أمر يرى فيه طريق الاستغلال، لذا نجده يعلن قائلاً: "يجب على وزارة التجارة، والحكومة جميعاً، أن تعيد النظر في سياستها بترك الباب مفتوحاً". كان منطقياً في طرحه فهو لا يتحدث من فراغ، إذ يطرح المشكلة التي يعاني منها المواطن لكنه يقرن المشكلة بحل يراه صالحاً. يضع يده على الداء ويصف الدواء أيضاً. من هنا جاء قبول سامي بين زملائه في المجلس واحترام الآخرين له.
تساءل سامي في دور الانعقاد الأول للمجلس الثالث عن: "الفلسفة أو السياسة التي ترسمها الدولة في خدماتها العامة للمواطنين، وإلى متى تستمر هذه الفوضى في الخدمات المعطاة للمقاولين، وفي انقطاع الكهرباء، وفي سياسة الإسكان، متى يمكن وضع سياسة اقتصادية حقيقية؟ إلى متى تستمر المحسوبية في شراء الأدوية لوزارة الصحة وتنفيذ الإنشاءات دون مراعاة لمصلحة المواطن؟".
تساءل سامي كذلك عن الفلسفة التي تنتهجها الدولة من مفهوم الاستملاك (التثمين) و"هل هي محاولة لتوزيع الدخل؟ كيف تم صرف 750 مليون دينار؟ إنها كذبة كبرى لم تصرف، ولكنها ذهبت إلى جيوب أفراد قلائل"، والغريب أن هذه العبارة "أفراد قلائل" لا تزال تتردد حتى اليوم كنقد موجه ضد المنتفعين من أموال الدولة! واشتدت مطالبة سامي بالحد من الغلاء كلما كثرت شكاوى المواطنين من وطأته عليهم وتأثيره في حياتهم، وعندما لم يجد صدى عملياً من المسؤولين لمطالبته بالحد من الغلاء وارتفاع الأسعار، بعد أن تأكدت له صحة ارتفاعها استناداً إلى تقارير موضوعية تقدم باستجواب إلى وزير التجارة والصناعة في 19/3/1974 وتمت مناقشته خلال دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الثالث.
استجواب وزير التجارة والصناعة 1974
قدم الاستجواب الأعضاء: عبد الله النيباري، علي الغانم وسامي المنيس لوزير التجارة والصناعة بشأن ارتفاع الأسعار وتطبيق قانون الشركات والتراخيص التجارية والصناعية.
وجاء في الاستجواب:
بالنظر إلى تقصير وزارة التجارة والصناعة في واجبها، فقد أدى ذلك التقصير إلى الضرر بالمواطنين وبالاقتصاد الوطني، ويتمثل هذا التقصير في ما يلي:
1 – لم يقم وزير التجارة والصناعة بما تمليه عليه المسؤوليات الدستورية لمعالجة مشكلة الغلاء.
2 – "تهاونت وزارة التجارة والصناعة في تطبيق قانون الشركات والقوانين الأخرى، وقد أدى هذا التهاون إلى التلاعب في سوق الأسهم وفي الاكتتاب بأسهم الشركات الجديدة، مما أدى إلى استفادة نفر قليل على حساب المصلحة العامة".
3 – إن إعطاء التراخيص التجارية والصناعية يطبق بصورة فيها تمييز بين المواطنين ومحاباة لبعضهم، مما يعتبر مخالفة للدستور، كما أن الضرر يمتد ليمس المصلحة الوطنية عامة.
تحدث السيد عبد الله النيباري فتناول نقطتين:
1 – ممارسة حق الاستجواب مسألة يجب ألا يعتريها أي حرج لا من قبلنا كأعضاء ولا من الحكومة.
2 – نفى أن يصوَّر الاستجواب على أنه خلاف شخصي.
وفي أسلوب حضاري واضح، لم ينسَ النيباري ماضي وزير التجارة والصناعة السيد خالد العدساني في الكفاح من أجل الديموقراطية والحكم الدستوري التشريعي... "وعزاؤنا أننا نطبق عملياً ما أراد أن يغرسه هو فينا وفي المجتمع منذ 36 عاماً..."، "إننا نستجوب وزارة التجارة باعتبارها أو باعتبار الوزير ممثلاً للحكومة في هذا المجال".
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/24075861320090426.jpg
سامي المنيس في مجلس الأمة
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/124075861320090426.jpg
أحمد النفيسي
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/224075861320090426.jpg
د. أحمد الخطيب
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/24075871120090426.jpg
عبدالرحمن العتيقي
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/124075871120090426.jpg
عبدالله النيباري
خالدطعمة
02-05-2009, 08:23 PM
جهد مميز لشخصية مميزة ومن شخص مميز
ارتفعت الأسعار في مدى سنتين بموجب التقرير المقدم إلى هذا المجلس من بعض الخبراء إلى 27 في المائة، أما السيد علي الغانم، أحد مقدمي الاستجواب، فقد أكد "احترامنا ومودتنا للسيد وزير التجارة والصناعة وتقديرنا لماضيه. وقانون التجارة الموجود حالياً فيه كثير من المواد القيمة لو طبقت لربما تفادينا كثيراً من الأخطاء وكثيراً من التلاعب الذي حصل في بعض الشركات. إلا أنني للأسف وجدت القانون لم يطبق ولم تعمل الوزارة على تطبيقه".
أما سامي المنيس، أحد مقدمي الاستجواب، فكان له تعقيب قال فيه "عندما يقدم الاستجواب فهو من أجل نصرة الحق وليس من أجل الهروب من قول كلمة الحق.. كنت أتمنى أن يفند الاستجواب من خلال النقاط الثلاث".
وكان تعقيب السيد الوزير حضارياً أيضاً عندما شكر السيدين عبدالله النيباري وعلي الغانم على ما قالاه، وأعلن أن الرخص التجارية كانت بناء على قرار أن لكل مواطن الحق في رخصة "وزعنا حوالي خمسين ألف رخصة وأنا أقول إنني أعطيت كل ذي حق حقه. وما زلت أعطي كل مواطن ما يطلب".
أما بالنسبة للأسعار، فأعلن السيد الوزير أنه "يمشي مع الدستور. دستورنا يقرر أن النظام الاقتصادي الحر هو نظام البلاد".
أما عن الموضوع الثالث، تأسيس الشركات، فقال "عندي ظاهرة صحية 100%.. إذا كانت الشركات ذات جدوى اقتصادية.. إذا كانت موافقة للقوانين فليس لي الحق أن أمنعها إطلاقاً. طبقت وزارة التجارة القانون بحذافيره" .
إن أهم ما في الاستجواب هو المظهر الحضاري والموضوعي في مناقشته، وهو أمر يحق لمجلس الأمة الكويتي أن يفتخر به، نظراً للمستوى الراقي الذي وصله النقاش في أروقة المجلس بين الأعضاء المنتخبين والوزراء. فلقد كان حسن النوايا واضحاً كما كان الالتزام بوصول رأي الشعب إلى الحكومة أكثر وضوحاً، كما كان رد الوزير قانونياً لجهة طبيعة النظام الاقتصادي في البلاد والقوانين المنظمة للشركات والرخص التجارية.
كان هذا أول استجواب برلماني شارك فيه سامي المنيس مع اثنين من زملائه وفقاً لما تتطلبه اللائحة الداخلية لمجلس الأمة، ولم يحدث أن شارك سامي قبل هذا في أي استجواب لأي وزير.
وقد أدى الاستجواب أثره، حيث قامت الحكومة بعد ذلك بزيادة الأجور لمواكبة الزيادة في أسعار السلع والمواد الغذائية وبدأ التفكير في نظام البطاقة التموينية للمرة الأولى منذ الاستقلال بعد ذلك الاستجواب.
لم يقف سامي مادحاً الخدمات العامة على سعتها وتوافرها، لكنه وقف مطالباً بتحديد الأهداف من هذه الخدمات ودورها في تنشئة المواطن الصالح، يريد خدمات ذات مردود وطني لا خدمات استهلاكية بلا معنى "بإنشاء مؤسسة استهلاكية تموينية كإحدى الخدمات التي تقدم للأسرة وتساعد المواطن على اقتناء المواد الضرورية التي لا ترهق ميزانية المواطن البسيط". ووضع بهذه الفكرة أساس مستقبل فلسفة الاستهلاك ومحاولة السيطرة عليها وتوجيهها وجهة نافعة وكان واضحاً أن سامي ينظر إلى الخدمات من زاويتين: الأولى أن تكون خدمات لها فلسفة محددة تؤدي إلى نتائج إيجابية في تنشئة المواطن، والثانية أن تكون من خلال مؤسسات منتظمة تعرف ما يريده المواطن البسيط وتقدم له ما يحتاجه.
كانت النظرة المستقبلية عند سامي لتقديم الخدمات واضحة، ونجدها اليوم متمثلة في اتحاد الجمعيات التعاونية، وفي مطالبات النواب المستمرة بتحديد الأسعار وفي نشاط البلدية المتمثل في الحد من التلاعب بالأسعار....
كان واضحاً في فكر سامي انشغاله بمستقبل أجيال الوطن الذي لم يرَه من خلال احتياطي الأجيال وحسب، ولكن من خلال "تنشئة مواطن مؤهل قادر على مواجهة الحياة بإيمان وعزيمة". فتراه يولي قضايا العمالة اهتماماً واسعاً من فكره ويلتفت إلى التدريب وضرورته في كل دورة انتخابية نجح فيها. وفي الفصل التشريعي الثالث في دور الانعقاد الأول وقف غاضباً في مجلس الأمة بسبب الفوضى في التدريب، إذ رأى في التدريب المهني "طامة كبرى لتعدد الجهات"... "الكل يدرب". وكعادته في إرساء فلسفة العمل من خلال المؤسسات، طالب بإنشاء "مؤسسة مهنية تشمل جميع التدريبات القائمة"، وهو مطلب تبناه في الفصل التشريعي الأول 63/65 ولم يكن قد تحقق في الفصل التشريعي الثالث 71/1975.
كان يريد مؤسسة مهنية مركزية تتولى التدريب في المجالات جميعاً ذات أهداف محددة، أبرزها "تأهيل كوادر فنية وإدارية كويتية" في سوق العمل الحكومي والخاص والمشترك. كان يريد عمالة فنية مدربة يستفيد منها الوطن وتجد فرص عمل لها في القطاع المشترك، أي القطاعين الحكومي والأهلي.
كان هناك في الكويت منذ عام 1954 الكلية الصناعية في الشويخ الصناعية، وقد انشئت لتكون نواة لتوفير الأيدي العاملة الفنية الوطنية لتسد فراغاً في سوق العمل، ولكن يبدو أن سامي لم يكن مقتنعاً في أوائل السبعينات بدور الكلية ولا بما حققته قياسا على عمرها الزمني وتكاليف إنتاجها، ونراه "يستفسر عن مسيرة هذه الكلية"، واضعاً الشك في استمرار وجودها ويدلل على ذلك بإعلانه "أن خريجي الكلية ما بين 1954 و1970 بلغ عددهم 589 خريجاً فقط، وهو عدد لا يساوي شيئاً بين أعداد العاملين ومن يحتاجهم سوق العمل".
أراد سامي من الكلية الصناعية معهداً مهنياً إدارياً يتخرج فيه "الفنيون الإداريون الذين يتولون مناصب القيادة الوسطى في المؤسسات". واستمر سامي في طرق هذا الباب، وما إن وافاه الأجل المحتوم حتى كانت الكلية الصناعية قد تحولت إلى "الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب" يحصل خريجوها على أعلى المؤهلات العلمية، وينتشرون في مختلف قطاعات الدولة، والقطاعين الخاص والمشترك.
أَولَى سامي أثناء وجوده في مجلس الأمة عضواً منتخباً في دورات عدة، نشاط وزارة الداخلية اهتمامه الخاص. فقد كان يؤمن أن الحياة لا تستقيم من دون توفر الأمن والأمان مهما بلغت درجات الرفاهية في العيش. وكان اهتمامه الأكبر موجهاً نحو الجريمة. وعند مناقشته لسياسة وزارة الداخلية في هذا الفصل طالب سامي "بمنع الجريمة ومكافحة الجاسوسية"، كما حدث في الفصل التشريعي السابق. "وسنّ القوانين، مع الاستعانة عند سنها بالجمعيات والنقابات المهنية"، وكان يطالب "بمحاربة الفساد من خلال سن قانون: من أين لك هذا؟".
وانتقل من الجريمة إلى حوادث المرور في دور الانعقاد الثاني في الفصل الثالث وذكر أن "عدد القتلى 145 والجرحى 2441 وفق بيانات وزارة الداخلية سنة 1970، ويرى في هذه الأرقام أمراً مخيفاً ويحمّل إدارة المرور المسؤولية منتقداً أساليبها وواصفاً إياها بالتخلف، محملاً إياها المسؤولية الأولى عن هذه الحوادث، وهو خط تبناه في الفصل التشريعي الأول، وظل مؤمناً بصحته ما لم يظهر عكس ما يؤمن به. ومن أجل تلافي هذا الأمر أو التقليل من خطره نادى "بضرورة وجود قانون أو قرار وزاري منظم لمدارس تعليم قيادة السيارات" التي تتولى تخريج السائقين، وقصد بذلك أن يكون التدريب على القيادة وفق قواعد أخلاقية وانضباطية وقانونية، كما رأى في ظاهرة تخلف المرور ما يشير إلى "أزمة بين المواطنين جميعاً ورجال الأمن بشكل عام ورجال المرور بشكل خاص". ويطالب سامي بحل هذه الأزمة من خلال معرفة أسبابها ونتائجها لأن في حلها كما رأى "مصلحة للبلد" وهو على حق في ذلك.
ومن المرور والجريمة، انتقل سامي في دور الانعقاد الرابع من هذا الفصل إلى مناقشة "الجنسية"، ومنحها في دولة الكويت، وأعلن "أن ما يزعجنا جميعاً ويقلق مستقبلنا في ظاهرة التجنيس عدم الوصول إلى حل علمي وجذري لموضوع الجنسية". ولا يكون الحل العلمي إلا من خلال وضع قانون محدد وقواعد ثابتة لمنح الجنسية. وحاول سامي أن يبدد قلقه هذا وتساءل في 10/12/1973 عن الذين "تقدموا طالبين الحصول على الجنسية الكويتية ولم يحصلوا عليها من بين العاملين في الوظائف المدنية في مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها. وما عدد سنوات خدمة هؤلاء في العمل". وكان لسامي رأي في الجنسية أعلنه في الفصل التشريعي الأول، ويرى في التجنيس ظاهرة مقلقة لمستقبل الوطن أو يريد معايير محددة لمنحها، تتوازى مع البرنامج الاقتصادي والخدماتي للدولة.
وأوجز سامي رأيه في نشاط وزارة الداخلية بعد كل ما عرضه، وأبدى عدم رضاه عن حالة الأمن والتي يعيشها الوطن، ولم يفته التنبيه إلى ظاهرة "التسلل الإيراني التي تؤثر تأثيراً مباشراً في حالة الأمن". وكان الالتفات إلى مقاومة التسلل الإيراني في برنامجه الانتخابي.
كان سامي حاملاً لهموم وطنه ومواطنيه، يطرح مشكلاتهم في مجلس الأمة، المؤسسة التشريعية التي يحتمي بها المواطنون، ولكن همه الدائم كان الصحافة والإعلام، فذلك غذاؤه وواقعه وحياته، وتوجه هذا الفصل، وفي دور الانعقاد الأول، أول ما توجه إلى الإذاعة والتلفاز وطالب "بفصل الإذاعة والتلفزيون عن الإعلام، وجعلهما هيئة مستقلة، على غرار ما هو حاصل في كثير من بلدان العالم، وعلى غرار ما هو حاصل الآن في وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
والتفت إلى الصحافة مطالباً بتعديل قانونها ووقف الإجراءات الإدارية التي رآها "سيفاً مصلتاً على الصحافة". وكان همه الدائم تعديل المادة 35 من القانون رقم 3/ 1961 والمعدلة بالقانون 29/1965، وما انفك يطالب بتعديلها مقترحاً مع آخرين من زملائه مشروعات القوانين لهذا التعديل.
نجح سامي وصحبه عندما أحال رئيس مجلس الأمة قانون المطبوعات إلى لجنة التعليم والثقافة والإرشاد في 9/5/1971 وبحثته في 22/5/1971 ووافقت على القانون بالإجماع وصدق عليه صاحب السمو أمير البلاد وعدلت المادة 35 والمعدلة بالقانون 29/65 وأصبحت كما يلي:
"لا يجوز تعطيل أي جريدة بعد ترخيصها إلا بموجب حكم نهائي صادر من محكمة الجنايات، ولا يجوز تعطليها أكثر من سنة".
ونجح سامي في رفع السيف المصلت على رقاب الصحافة، ذلك السيف الذي كثيراً ما شهرته واستخدمته الحكومة ضدها. وكانت مطالبته بإلغاء المادة 35 نابعة من أن هذه المادة تقف حاجزاً دون التطور الصحفي وتقدمه، وبقاؤها يعني "بقاء أمراض مختلفة". وكان النجاح في تعديل هذه المادة أمراً ليس بالهين عند أصحاب الأقلام الحرة وهو مظهر واضح من مظاهر التقدم الحضاري للدولة وسلطاتها.
خصصت الكويت في السنة المالية 1972 / 1973 مبلغ مائة ألف دينار كويتي كمنحة لتلفزيون دبي، واستغل سامي هذه الفرصة ليتساءل في دور الانعقاد الثاني من الفصل الثالث عن "السياسة الإعلامية في الخليج"، وقصد من وراء هذا التساؤل "أنه يريد هدفاً قيما وأساسياً لتلفزيون دبي وإلا فلا معنى لوجوده".
وتساءل "ما المردود من هذا الجهاز؟" وهو تساؤل يدخل في صميم فكر سامي المؤسساتي. فعقله كان رافضاً لكل ما هو غير مبرمج لتحقيق أهداف واضحة ومحددة، وكان صرف المال العام عنده لا بد أن يكون مقنعاً يعطي المردود المطلوب من صرفه، وتراه يطالب بـ "إعادة النظر في المصاريف الإعلامية لعام 1973/ 1974"، ويرى فيها مغالاة ولم يقتنع بها. وما إن يأتي دور الانعقاد الرابع للفصل التشريعي الثالث حتى تبدو مظاهر بعض الارتياح في لهجة سامي المنيس نحو الصحافة والإعلام، فهو "يطلب التحديد وليس التعميم في النقد"، كما "يحيي الصحافة والصحافيين" من على منبر مجلس الأمة. وتزول بذلك النظرة السوداوية الى الإعلام وتحل محلها نظرة التفاؤل والاعتراف بأن هناك أعمالاً تستحق الإشادة، ربما كان ذلك بسبب نجاحه في تعديل المادة 35، التي رأى من خلال تعديلها توفير صحافة حرة تدافع عن تجربة الديموقراطية وانتشارها كمقوم أساسي لحياة المواطن.
ميزانية الدولة
كانت لسامي فلسفة للموافقة على إقرار الميزانية العامة للدولة، أو ميزانية أي وزارة أو مؤسسة حكومية، تقول "إننا إذا أقررنا الميزانية من دون محاسبة علمية دقيقة نكون قد أهملنا واجبنا الأساسي". أعلن ذلك في الفصل التشريعي الثالث وفي دور الانعقاد الرابع. وكان ذلك نهج سامي في كل مناقشاته للميزانية أو بنودها. يلتفت في مناقشة الميزانية أول ما يلتفت إلى موازنة منطقة الشعيبة الصناعية لعام 71/72، ويوافق سامي على ريعها، لكنه رأى "تناقضاً في الميزانية بشأن التثمين للعقار والبيوت"، وطالب بحل التناقض، وعند مناقشته للباب الثاني من ميزانية 1971/1972 اشار "إلى المحسوبية في شراء الأدوية لوزارة الصحة"، وهو أمر أشار إليه أكثر من مرة. كما انتقد "ظهور بعض الإنشاءات لفئات معينة من دون مراعاة لمصلحة الوطن". ذكر سامي أن ميزانية الباب الأول (خاص بالرواتب) في عام 71/72 "بلغت 153،227،100 دينار كويتي تنفق سنوياً على سبعين ألف موظف ومستخدم"، ولم يعارض سامي الرقم المذكور لكنه طالب "برفع إنتاجية الجهاز الإداري ليكون في مستوى الإنفاق"، ولم يتردد في الإشارة إلى "بعض مظاهر المحسوبية" موجهاً النقد لها.
كانت موازنة الباب الثاني في الميزانية 294،489،455 دينارا كويتيا، إلا أن سامي رأى في هذا الرقم استهتاراً في الصرف، وكان رأيه صرخة أثمرت في المستقبل، وفي نهاية المطاف نوقشت ميزانية الخطوط الجوية الكويتية كما نوقشت سياسة بنك التسليف والادخار، ولم يبد. سامي ملاحظات حول هذين الأمرين ذات بال. لكنه عند ذكر ديوان المحاسبة طالب "بعمل جدي لإيجاد المراكز الأساسية في الديوان ليجعل من جهازه الإداري جهازاً فعالاً". وكانت الاستجابة لمطلب سامي إيجابية، إذ سرعان ما تحول ديوان المحاسبة إلى مؤسسة رقابية على صرف الوزارات والمؤسسات الحكومية، ظهر أثرها في مستقبل مناقشات السياسات المالية للوزارات والمؤسسات الحكومية.
واستكمالاً لمناقشاته للمؤسسات المالية، تساءل سامي في دور الانعقاد الثاني عن "دور البنك المركزي في الاقتصاد الوطني والإشراف على أموال استثمارات البنوك وواقعها في الخارج، خصوصا أن 90% من أموال البنوك يتم استثمارها في الخارج"، وتساءل "هل من تعاون بين البنوك التجارية وخريجي ودارسي معهد المصارف الذي يشرف عليه البنك المركزي؟".
إن مناقشات سامي وتساؤلاته كانت على درجة من الأهمية، ولا بد منها، فمن دون هذه التساؤلات ما كان يمكن أن يثار التنبيه إلى محاسن ومساوئ المؤسسات التي يشير إليها وخطورتها. فمن ذا الذي كان يعلم أن 90% من أموال البنوك تستثمر خارج البلاد؟
كانت العمالة المدربة الفنية وضخها في سوق العمل شغل سامي الشاغل، لذا فهو يتساءل عن مصير دارسي معهد المصارف لما لوجودهم المتخصص من دور في رفع عمل المؤسسات المالية.
البلدية
التفت سامي في دور الانعقاد الرابع إلى البلدية ووضع أعمالها موضع النقد، من دون الانتقاص من دورها الرائد في نهضة الكويت الحديثة. ولفت الانتباه إلى تنفيذ قرارات المجلس البلدي التي رآها "تنفذ من جانب وتهمل من جانب آخر"، كما أشار إلى عدم المساواة في أنشطة البلدية، إذ هناك "تفاوت في النظافة في المناطق". ولم يغب عن باله أبداً في يوم من الأيام اهتمامه بالصحة العامة للمواطن فهو يريد "رقابة على المطاعم"، وأشار إلى "وجود تسممات عند التفتيش عليها". كما أشار إلى ما يحصل لبعض الألبان والأجبان والتأثير المدمر عند فسادها على صحة الإنسان. وطالب "بتنظيم الأرصفة في المناطق المختلفة".
أشار سامي إلى بعض المسائل التي يجب أن تزيد البلدية اهتمامها بها، لكنه لم يتنكر لدورها ولم ينقصها حقها ولا حقوق العاملين فيها، لذا نراه يوافق على ميزانية البلدية من دون تحفظ.
جامعة الكويت
سعى سامي ما وسعه السعي إلى جعل جامعة الكويت مؤسسة علمية أكاديمية يعتز بها كل مواطن، ولم يكن يخفي اعتزازه بهذا الصرح العلمي، ولا حرصه على تقدمه واحتلاله مركزاً متقدماً بين جامعات العالم. وحرصاً منه على تحقيق ذلك توجه برجاء من على منبر مجلس الأمة أن تكون هناك "طبيعة محددة لإدارة الجامعة واضحة المعالم في توسعها ومسؤولياتها". وأشار بخجل واستحياء إلى أن أسلوب الإدارة في الجامعة لا يريحه "لأنه يريد لجامعة الكويت هويتها الخاصة، فهو يرفض أن "تنقل جامعة الكويت ما يحصل حرفياً في الجامعات الأخرى".
وتراه هنا يلمس الجامعة برفق، فهي مؤسسة وليدة لم يكن عمرها يزيد على 5 سنوات عند حديثه عنها، وكان يريد لها التقدم والنجاح، لذا إشاراته مقرونة بالأمل والرجاء. وسامي يعرف أدب المخاطبة، فالجامعة مركز للعلم والعلماء ولا بد من مخاطبة أهلها بما يستحقون.
سامي وفلسطين
مع دور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الثالث في 1971، كان الوضع متفجراً بين الأردن والمقاومة الفلسطينية إثر أحداث أيلول 1970، التي أثرت في العمل الفدائي الفلسطيني. وكان موقف سامي المنيس في مجلس الأمة واضحاً لا يحتمل المواربة أو المجاملة، فهو مع "الكفاح المسلح الفلسطيني ضد العدو الصهيوني"، وما كان له أن يؤيد طرفاً أو يتعاطف معه إذا "ما مس قدسية هذا الكفاح".
كما تحدث في هذا الفصل عن المعونة العربية للأردن التي أقرها مؤتمر قمة الخرطوم العربية بعد نكسة حزيران 1967 وكانت مخصصة لإعادة بناء الأردن وقواته. لكن سامي رأى أن هذه "المعونة ذهبت من أجل ضرب شعبنا العربي"، وتجلى ذلك "في المشاركة الأردنية الصهيونية للقضاء على الثورة الفلسطينية التي تخوض أشرف معركة".
كان سامي ملتزماً حتى العظم بتأييد الثورة الفلسطينية، وكان يود لو أن كل درهم عربي يذهب لمساندة هذه الثورة، ولم يكن يرى دور الثورة الفلسطينية في محاربة العدو الصهيوني وحسب، لكنه رأى فيها ثورة "تدافع عنا في الكويت وعن شرف الأمة العربية". وطالب بتحويل مبالغ المعونة الأردنية إلى الثورة الفلسطينية "لنرفع رأسنا".
ربما لم يتم تنفيذ مطلب سامي بتحويل المعونة الأردنية، لكن المؤكد والمعروف أن الكويت قدمت أضعاف المعونة الأردنية للثورة الفلسطينية ودعمها، ولا تزال تقدم حتى الآن. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العلاقات بين الكويت والثورة الفلسطينية كانت علاقات مبكرة جداً. فقد شهدت ثورة 1936 في فلسطين تأييداً شعبياً في الكويت، مادياً ومعنوياً، شاركت فيه المرأة الكويتية. ومنذ عام 1936 حتى الآن كانت المسيرة مشتركة بين الشعبين، رغم ما أصابها من الشوائب إثر الغزو العراقي للكويت بعد 2/8/1990 التي رآها الشعب الكويتي وحكومته في تأييد قيادة الثورة الفلسطينية للغزو العراقي للكويت، رغم موقف كثير من الفلسطينيين المؤيد للكويت والرافض للغزو. ويسهل التدليل على موقف الثورة الفلسطينية المؤيد للغزو أو قل غير المؤيد للكويت من مواقف قيادة منظمة التحرير في مؤتمر القمة العربي في 11/8/1990 في القاهرة حيث لم تُدن الغزو وظهرت بمظهر المتخاذل في تأييدها للكويت، كما ظهر في موقف اتحاد العمال الفلسطيني أثناء انعقاد مؤتمر اتحاد العمال العرب في دمشق بعد الغزو، عندما أيد مندوب فلسطين موقف الوفد العراقي ضد موقف الوفد الكويتي ، وفي موقف اتحاد المعلمين الفلسطينيين الذي كان يحظى بتقدير الكويت ودعمها عندما لم يصدر عنه أي بيان مؤيد للكويت، وعندما ظهر بعض أعضاء لجنته التنفيذية على تلفاز العراق مؤيداً للغزو، وعندما اشتكى المرحوم جمعة ياسين من مراوغة أمين عام اتحاد المعلمين الفلسطينيين وعدم لقائه في تونس رغم ما بينهما من علاقات حميمة.
إلا أن الأمور بدأت في التحسن الآن خاصة بعد الاعتذار العلني للكويت الذي قدمه السيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن موقف المنظمة أثناء الغزو العراقي. وانطلاقاً من تأييده للثورة الفلسطينية، التي رأى فيها ثورة تدافع عن الأمة، أحس سامي بأن شعوب الأمة العربية قادرة على تجاوز نكسة 1967 وتحقيق نصر مؤكد. لذا فهو يطالب بأن يسجل في مجلس الأمة في دور الانعقاد الأول أن "هزيمة 1967 لم تكن للإنسان العربي بل للأنظمة العربية لأن الشعب العربي لم يكن يحمل السلاح". وكانت نظرة سامي محقة، فقد تمكن الشعب العربي من رد الهزيمة في حرب أكتوبر 1973.
كانت أحداث أيلول 1970 في الأردن دامية ضد فصائل الثورة الفلسطينية، أدمت قلوب أبناء الأمة العربية، وشحنتها بالحقد ضد كل من تآمر على هذه الثورة. وكان وصفي التل رئيس وزراء الأردن أحد هؤلاء الذين أدانهم الشعب بالإساءة إلى الثورة وإلى الشعب الفلسطيني. ويشاء القدر أن يتعرض وصفي التل للاغتيال في فندق شيراتون في القاهرة 1971 بعد أحداث أيلول 1970 في الأردن. وهنا رأى سامي في مقتل وصفي التل "ردّ اعتبار أساسياً لكرامة الشعب الفلسطيني". ورأى في مقتله "مقتلا للجريمة الصهيونية والاستعمارية والإمبريالية".
ومن هذا المنطلق رفض سامي المنيس سعي حكومة الكويت للعمل على "إيجاد صيغة بين النظام الأردني والمقاومة الفلسطينية". وتشكك في دور الانعقاد الثاني للمجلس في مشروع المملكة المتحدة (بين الأردن والضفة) ورأى فيه "مشروعاً مشبوهاً.. مشروعاً لتصفية القضية الفلسطينية.. قضيتنا". و"مؤامرة على شعبنا، نستنكره ونستنكره". كان سامي المنيس ابناً للقضية الفلسطينية نذر نفسه للدفاع عنها وعن شعبها من دون تردد أو تقلب، إذ رأى فيها قضية حق عربي سلبه الاستعمار الصهيوني. ولم يتردد لحظة في تأييد كل ما هو فلسطيني. وكلما كان يمنح الشعب الفلسطيني منحة مالية من أي جهة، كان سامي يقول هل من مزيد لهذا الشعب؟ وكان أكثر ما يهز وجدانه أن يرى دعماً مالياً للفلسطينيين قد تراجع أو انتقص منه، ونراه في دورة الانعقاد الثاني "يطالب بإلحاق الطلبة الفلسطينيين بمدارس المنظمة إن أرادوا" ويعترض بحدة على "إنقاص الدعم الحكومي لمنظمة التحرير من مائتي ألف دينار إلى مائة وخمسين ألفاً".
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/24165242320090507.jpg
المنيس و الخطيب في مجلس الأمة
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/124165242320090507.jpg
سليمان العدساني
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/224165242320090507.jpg
علي الثنيان الغانم
كانت قضايا الأمة العربية حاضرة في وجدان سامي، المنيس، فهو يعيش القضية الفلسطينية يوماً بيوم، وما كان له أن يغفل عن قضايا الخليج العربي لحظة واحدة، وكانت نظرته لمنطقة الخليج العربي نظرة واقعية، فرأى إيران خطراً ماثلاً وحقيقياً في منطقة الخليج العربي يتجسد "في نظرة إيران واحتلالها للجزر العربية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى التابعة لدولة الإمارات العربية، وأن احتلال إيران لهذه الجزر لا يمثل إلا خطوة أولى تتلوها خطوات. ضاعت فلسطين، وضاعت أجزاء عربية أخرى، والآن يتم احتلال الجزر وغدا ستحتل إيران الشاطئ الغربي، والأطماع الإيرانية قد ستستمر ما دمنا نحن على الهامش".
وها هو سامي ينذر بخطر إيران على منطقة الخليج العربي من جهة، ويدعو إلى العمل الجاد لمواجهة هذا الخطر وإلا... ! ولا يزال موضوع الجزر العربية قائماً، إذ ترفض إيران الانسحاب منها، لكن الموقف العربي ثابت في ضرورة استردادها.
إضافة إلى هذا كانت حكومة الكويت طرحت توجيه نداء لقادة الخليج في عام 1971، إلا أن سامي رأى أن "قضية الخليج ليست قضية حكام بقدر ماهي قضية استعمار وتشهد صراعات أنجلو ـ أميركية ـ إيرانية". وكان يرى في النظرة إلى اختلاف حكام الخليج على أنه اختلاف شخصي "نظرة فيها من البساطة تصل إلى حد السذاجة، فخلافاتهم ليست شخصية". وكان يعتقد سامي أن منطقة الخليج بحاجة إلى "تحديد مفهوم حرية الأرض وحرية الإنسان"، لذا طرح حلاً لمنطقة الخليج ومشكلاتها، وهو "مساندة الثورة الشعبية في المنطقة" من أجل تحديد مفهوم الأرض وحرية الإنسان، ومن خلال هذه الثورة الشعبية يمكن القضاء على "التناقضات والخلافات بين الحكام، كما يمكن تحجيم الصراع الأنجلو ـ أميركي ـ إيراني وطرد نفوذه من منطقة الخليج العربي". كما دعا في الوقت نفسه إلى "تعاون بناء في منطقة الخليج العربي يقوم على أساس مصلحة الشعوب لا مصلحة أنظمة الحكم القائمة".
وكان دائماً مهموماً بالنظرة إلى المستقبل، ولا يقدم على تأييد مشروع أو قانون أو اتفاقية إلا إذا كان المستقبل حاضراً في الاتفاقيات والمشاريع، لذا فسامي يعارض أي اتفاقية لا تلتزم هذا الهدف أياً كان الطرف في هذه الاتفاقية.
إن مصير الثوار والمصلحين واحد في شتى الأقطار وفي شتى العصور، فسامي الذي يرفض الاستعمار الأنجلو ـ أميركي ـ إيراني، وسامي الذي يرى الثورة الفلسطينية دفاعاً عن شرف الأمة، وسامي الذي يرى ضرورة التقيد بأهداف واضحة عند الإنفاق، وسامي الذي يؤمن بصحة قضايا أمته وحرية مناقشتها وطرح جوانبها من غير لف ولا دوران، سامي هذا، وجدناه يتعرض في عام 1973 وفي دور الانعقاد الرابع للفصل التشريعي الثالث إلى طلب من وزير العدل "برفع الحصانة عنه بشأن ما نشرته مجلة الطليعة" التي يرأس تحريرها، وأحيل الأمر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية.
وهنا، كعادة الكبار، يقف سامي أمام اللجنة التشريعية لمجلس الأمة ويطلب فيها "رفع الحصانة عنه للمثول أمام القضاء الكويتي بسبب شكوى الإعلام ضد الطليعة، إذ يأبى الكبير إلا أن يكون كبيراً. فسامي يعرف أنه سيمثل أمام القضاء إن رفعت الحصانة عنه لا بسبب رشوة أو فساد، سيمثل بسبب قوله الحق بجرأة لا يخشى في قوله لومة لائم، فأنعم به من مثول. لكن الحصانة لم تُرفع ولم يمثل سامي أمام القضاء.
كانت هذه مداخلات سامي المنيس في الفصل التشريعي الثالث الذي تميز بنشاط ملحوظ لمصلحة الوطن من خلال رفض اتفاقية المشاركة النفطية والوصول بهذه الثروة إلى التأميم. ولمصلحة الأمة العربية بطرح قضايا فلسطين والخليج العربي. وقد نجح سامي في انتخابات الفصل التشريعي الرابع، وسنمضي قدماً في تتبع نشاطه البرلماني في هذا الفصل كذلك، مع زملائه الذين نجحوا معه باسم التقدميين الديموقراطيين.
مجلس الأمة الرابع 1975
تنبأ د. أحمد الخطيب في الجلسة الختامية لمجلس الأمة في الفصل التشريعي الثالث ( يوليو 1974) بإقبال المنطقة على عمليات تصفيات شاملة من المحيط إلى الخليج حيث يراد للقضية الفلسطينية أن تصفّى، ويراد منا أن نعترف بإسرائيل ونتعايش معها، يراد منا أن نربط اقتصادنا جميعه بالاقتصاد الأميركي والمصالح الأميركية.. ويرون أن لا مكان لأي قوى وطنية أو ديموقراطية في البلاد العربية في وسط الأجواء التي تنبأ بها د. أحمد الخطيب جرت الانتخابات في الفصل التشريعي الرابع في 27/1/75 ونجح سامي المنيس عن الدائرة الثامنة (حولي) وتم افتتاح دور الانعقاد الأول لهذا الفصل في 11/2/1975.
وقبل هذه الانتخابات نشرت مجلة الطليعة في أكتوبر 1974 مشروع البرنامج الوطني الديموقراطي، وهو البرنامج الملزم للأعضاء التقدميين الديموقراطيين، ومنهم سامي المنيس. وكان هذا بعنوان برنامج العمل الوطني لنواب الشعب . واشتمل على أحد عشر موضوعاً هي:
حماية وتعزيز الديموقراطية والاستقلال الوطني، والتزام نواب الشعب بالآتي:
1 – العمل على صيانة الحقوق التي كفلها الدستور.
2 – العمل على حماية وتعزيز الديموقراطية وتوسيع إطار ممارستها.
3 – العمل على إنشاء المحكمة الإدارية.
4 – العمل على التخفيض من سن الانتخاب.
5 – العمل على فاعلية السلطة التشريعية.
الاقتصاد وتحرير الثروة النفطية والتنمية، الالتزام بـ:
1 – تأميم شركات النفط.
2 – الحد من استنزاف الثروة النفطية.
3 – التوسع في الصناعات النفطية.
4 – تحقيق التنمية الاقتصادية.
5 – دعم القطاع العام وتعزيز دوره في عملية التنمية.
6 – الاهتمام بالطاقة البشرية.
7 – ضبط حركة الأسعار.
8 – محاربة الإثراء غير المشروع.
9 – توثيق عُرى التعاون الاقتصادي العربي.
إصلاح الإدارة الحكومية، والتزم مرشحو نواب الشعب (التقدميون الديموقراطيون) بـ:
1 – وضع خطة مدروسة لإصلاح الجهاز الإداري على أساس احتياجات أجهزة الدولة.
2 – إعادة النظر في قانون الوظائف العامة.
3 – القضاء على المحسوبية والفساد.
4 – تطبيق مبدأ تفرغ الموظف لوظيفته في المناصب العليا والوظائــف القيادية.
العمل والعمال، التزم مرشحو نواب الشعب بـ:
1 – تحسين الأوضاع المعيشية للطبقة العاملة.
2 – مساندة العمال في كفاحهم من أجل مصالحهم الاقتصادية.
3 – الدفاع عن حق النقابات في العمل بحرية.
4 – حق العمال في الإضراب سلمياً لتحسين أوضاعهم.
5 – رفع كفاءة العامل المهنية.
6 – مساهمة العمال واشتراكهم في إدارة المؤسسات التي يعملون فيها.
7 – العمل على وضع قانون التأمينات الاجتماعية لجميع العاملين في القطاع العام والخاص والمشترك.
8 – العمل من أجل وضع حد أدنى للأجور.
الثقافة والتعليم، الالتزام بـ:
في الثقافـــة:
1 – دعم الجمعيات والروابط والأندية الثقافية.
2 – التوســع في إنشاء المؤسسات الثقافية كالمكتبات وصالات العرض المسرحي.
3 – مكافحة الاتجاهات الثقافية والفكرية والرجعية المتخلفة
4 – مساندة وتطور المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
في التعليـــم:
1 – اعتماد سياسة تربوية للتوسع في نشر التعليم والارتفاع بمستواه.
2 – الاعتمــاد على الأجهـزة الكفؤة والمسؤولين الأكفاء والقضاء على
المحسوبية والشللية.
3 – الحد من المركزية في وزارة التربية.
4 – تشكيل لجان متخصصة ومتنوعة لوضع المناهج.
5 – العمل على تطور كفاءات المدرسين.
6 – الاهتمام بالتدريب المهني وتطوير أساليبه.
7 – الحرص على تطبيق قانون التعليم الإلزامي.
في التعليم الجامعي:
1 – التأكيد على حرية البحث والتحصيل للأساتذة والطلبة.
2 – ضمان حرية الطلبة في العمل النقابي.
3 – ربط التعليم الجامعي بمخطط التنمية الاقتصادية.
الخدمات الاجتماعية والصحية، العمل على:
1 – رفع مستوى الخدمات الصحية والعلاجية.
2 – السيطرة على أسباب الأمراض: الأوبئة والأمراض السارية.
3 – رعاية الطفولة والأمومة.
4 – رعاية الشباب وحمايته من الانحراف.
5 – العناية بالمسنين.
6 – رعاية المعوقين.
7 – تكوين الأندية الرياضية.
8 – إنشاء مجلس استشاري للأسرة.
9 – تدعيم نظام المساعدات الاجتماعية.
10- توفير وسائل الترويح البدني.
11- المحافظة على البيئة الطبيعية.
الإسكان والمرافق، العمل على:
1 – إيجاد الحلول المناسبة لأزمة السكن: وحدات سكنية، كهرباء، هواتف..
2 – دراسة أوضاع ما بني من مساكن لذوي الدخل المحدود.
3 – كسر احتكار الأراضي وتدخل الدولة لمنع الممارسات الاحتكارية.
حقوق المرأة:
1 – الدفاع عن حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وحصولها على حق الترشيح والانتخاب.
2 – حماية المرأة ومساعدتها للقيام بدورها كأم وكعاملة في المجتمع.
3 – تعديل قوانين الأحوال الشخصية بما يحمي حقوق المرأة ومساواتها مع الرجل.
4 – رعاية الأسرة أساس المجتمع.
5 – انتشال المرأة من براثن الجهل بتطبيق التعليم الإلزامي.
السياسة السكانية والتجنيس والإقامة:
1 – وضع سياسة سكانية مدروسة.
2 – تعديل قانون الجنسية وضمان التطبيق العادل له.
3 – تشكيل لجان الجنسية من المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة.
4 – وضــع شروط عادلة للإقامة تراعي الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية.
الدفاع والأمن، تطوير أجهزة الأمن من خلال:
1 – رفع كفاءة أفراد القوات المسلحة والشرطة.
2 – رعاية أفراد القوات المسلحة والشرطة.
3 – تطبيق نظام خدمة العلم.
4 – رفع كفاءة الشرطة وأجهزة التحقيق.
السياسة الخارجية:
الخليج والجزيرة:
1 – محاربة الوجود العسكري والقواعد الأميركية.
2 – محاربة الأطماع التوسعية للنظام الرجعي الإيراني.
3 – العمل على إقامة جبهة عريضة على امتداد منطقة الخليج.
4 – فضح الحصار الإعلامي المفروض على الجماهير.
5 – تأكيد كفاح شعب عربستان من أجل الحرية والسلام.
الوطن العربي:
1 – العمل من أجل قيام الوحدة العربية.
2 – إقامة أفضل العلاقات مع الأنظمة العربية الوطنية.
3 – محاربة التخلف بكل أشكاله.
4 – المباشرة بإقامة المؤسسات الاقتصادية من أجل تكامل اقتصادي.
5 – المطالبة باستثمار رؤوس الأموال العربية (النفطية) في البلاد العربية.
6 – دعم المقاومة الفلسطينية المسلحة.
7 – رفض الحلول الاستسلامية التي تجهض نضالات الشعب الفلسطيني.
8 – العمل من أجل إنجاح الوحدة الوطنية الفلسطينية.
9 – إعطاء الشعب الفلسطيني مطلق الحرية في التنقل والتنظيم والعمل في البلاد العربية.
النطاق العالمي:
1 – المساندة الكاملة للجبهة المعادية للاستعمار.
2 – تأييد حق الشعوب في تقرير مصيرها.
3 – التعامل مع دول العالم على أساس مواقفها من قضايا التحرر العربية والاسلامية وبالذات القضية الفلسطينية.
4 – توطيد العلاقات وعرى التعاون الوثيق مع الدول الاشتراكية كافة ودول العالم الثالث التي تساند النضال العربي .
وأكد البرنامج أن ما ورد فيه لا يشكل وعوداً انتخابية وإنما خطة للعمل ودليلا يُسترشد به في الممارسة. ويلتزم أصحابه تجاه المواطنين بالسعي الدؤوب والعمل الجاد المخلص من أجل تحقيقه .
نواب الشعبي
خاضت مجموعة التقدميين الديموقراطيين انتخابات هذا الفصل التشريعي تحت اسم نواب الشعب، كما جاء في برنامجها الانتخابي الذي ذكرنا ملخصاً له. ونجح من مجموعة نواب الشعب المرشحين كل من د. أحمد الخطيب، عبد الله النيباري وسامي المنيس. ومنذ البداية لا بد من القول إن هذا الفصل التشريعي لم يكتمل، إذ سرعان ما حل المجلس في 29/8/1976 الموافق 4/ رمضان 1396 هـ وكانت آخر جلسة له في 30/7/1976. أي أنه لم يمارس صلاحياته أكثر من ثمانية أشهر ويومين.
صحيح أن د. أحمد الخطيب تنبأ بالخطر الداهم للمنطقة، متمثلاً في تصفية القضية الفلسطينية... إلخ كما أسلفنا، إلا أنه لم يتنبأ بحل المجلس بهذه السرعة وتنبؤاته الأخرى صدقت وها نحن نشهد تحققها يوماً بعد يوم.
نعود بعد أن وضعنا القارئ في الأجواء التي سادت حياة مجلس الأمة الرابع والتي انتهت بحله في 29/8/1976، إلى نشاط المرحوم سامي أحمد المنيس في هذا الفصل ودوري انعقاده الأول والثاني قبل حله. فلقد كان واضحاً التزام سامي برنامج نواب الشعب الذي أشرنا إليه، والذي حوى كثيراً من التركيز على الشأن الداخلي الكويتي وعلى القضايا التي تهم المواطن الكويتي وأجيال المستقبل.
وكانت أولى مناقشات سامي دفاعاً عن ذوي الدخل المحدود عندما أشار إلى القرض المقدم وقيمته سبعة آلاف وخمسمائة دينار إلى أصحاب بيوت ذوي الدخل المحدود لتمكينهم من بناء طابق ثان، ويطلب سامي "عدم خصم أي مبلغ من القرض لمن عليه ديون من هؤلاء الذين يشملهم القرض بغية تمكينه من الاستفادة من القرض في تحسين مسكنه". وأضاف سامي في اقتراح بشأن "إخراج أصحاب بيوت الدخل المحدود من معضلة اختيار شكل البيت أن توضع تصاميم لبيوت هذه الفئة من المجتمع، ومن ثم تعرض على المواطنين ليختاروا ما يحلو لهم من بينها"، وذلك في محاولة منه لتوفير الجهد والمال على هذه الفئة، وفي محاولة منه لإظهار هذه البيوت بمظهر معماري متناسب مع الطرز المعمارية التي تتلاءم وبيئة الكويت.
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/24283782420090520.jpg
أحمد الخطيب في مجلس 1976
عدها أثار سامي مسألة العمالة الكويتية التي أثارها في الفصول التشريعية السابقة، وتساءل عن نسبة وجودها في القطاعين الخاص والمشترك (ويقصد بها القطاع الأهلي مع الحكومي) وطالب "بمشاركة العمالة الكويتية في هذا القطاع المشترك". ونراه هنا يطرح أمراً يعالج واقعاً معاشاً ينسحب على المستقبل أيضاً. وتبدو رؤية سامي المستقبلية والواقعية التي تلائم حياة المواطن الكويتي لمعالجة مشكلة العمالة واضحة، عندما نجد الحكومة قد أخذت بهذه الفكرة في الأعوام الأخيرة، وأصبح لزاماً على الشركات والمؤسسات توظيف عدد معين من الكويتيين. اتخذت الحكومة في دور الانعقاد الثاني للمجلس الذي انتهى عمليا في 30/7/1976 قراراً بمنع تعيين الكويتيين في الدوائر الحكومية، إلا إذا كان الكويتي حاصلاً على الشهادة الثانوية العامة. ولم يرضَ سامي عن هذا القرار وناقشه من مختلف جوانبه. ومن الأمور التي رآها في هذا القانون أنه "ربما كان لمنع التسرب من المرحلة الثانوية" وهو أمر لا يعارضه سامي "لكن المتسربين يبحثون عن عمل". وهنا تساءل سامي "عن مسؤولية القطاع الخاص والقطاع المشترك في عملية التوظيف وتوفير فرص العمل"، وتساءل أيضاً: "لماذا لا يكون هناك تشريع وقانون لاستيعاب هذه الأعداد الكبيرة؟"، وهو أمر طرحه سامي في دور الانعقاد الأول أيضاً. وحتى تكون مناقشته عملية وحتى يكون طرحه للداء مقروناً بالدواء، اقترح سامي وضع تشريع ينص على ألا تتعامل "الحكومة مع أي قطاع مشترك أو مؤسسة أهلية ما لم تأخذ عدداً معيناً من الكويتيين"، صحيح أن هذا لم يحدث في عام 1976 لكنه حدث فعلاً فيما بعد وأصبح إلزامياً مع مطلع القرن الحادي والعشرين. ذلك هو سامي العضو المتطلع دائماً إلى مستقبل الأجيال والملتزم دائماً مناقشة مشكلات وطنه بفكر استراتيجي لا بمنحى عاطفي آني. لم تغب الثروة النفطية في الكويت والسيطرة الوطنية عليها عن بال سامي لحظة واحدة، فهو لم يكف عن طرحها في الفصول التشريعية جميعها التي نجح فيها في الوصول إلى عضوية مجلس الأمة، وفي كل دور انعقاد من هذه الفصول (الفصل التشريعي أربع سنوات، كل سنة دور انعقاد) طالب سامي الحكومة بتقديم "بيان إلى مجلس الأمة عن سياستها النفطية" ومن ثم لجأ إلى مناقشة هذه السياسة خاصة ذلك القرار الخاص "بالتأميم الكامل لشركة البترول الوطنية".
تملك النفط
ويبدو أن دور الانعقاد الأول لهذا الفصل كان مشحوناً بقضية الثروة النفطية وتملك الدولة لها. ففي هذا العام (1975/1976) شهدت الكويت أيلولة جميع حقوق شركة النفط البريطانية (B.P.) المحدودة وشركة الخليج (Gulf) الأميركية إلى دولة الكويت. وقد كان ذلك بعد مسيرة من المفاوضات بين الحكومة والشركتين انتهت عندما قدمت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الأمة تقريرها الخامس عشر عن مشروع القانون المقدم من الحكومة والقاضي بالموافقة على الاتفاقية الخاصة بأيلولة حقوق الشركتين أعلاه إلى دولة الكويت، وبموافقة مجلس الأمة على مشروع بقانون نفذته الحكومة مع شركات النفط بهدوء تام ومن دون ضجيج أو إثارة، وكان ذلك انتصاراً حاسماً للمطالب الشعبية والوطنية الكويتية التي قادها سامي المنيس ومجموعته من التقدميين الديموقراطيين والتي أيدهم فيها أحمد الخطيب وعبد الله النيباري. وهو أمر يجب أن يحتسب للقوى الوطنية وللحكومة وللشركات أيضاً التي رأت من مصالحها الانصياع لمطالب الأمة من دون إثارة مشكلات كان من المحتم أن تنتهي في غير مصلحتها. ومن السيطرة النفطية الكاملة للكويت على ثروتها، انتقل سامي في دور الانعقاد الثاني إلى مناقشة أدق التفاصيل في هذه السياسة، فهو يتفحص مجلس إدارة شركة نفط الكويت (K.O.C.) ويرى في تعيينه به كما كان موجوداً آنذك 1975 / 1976 "خطوة غير متقدمة" لأن "السيطرة الوطنية على إدارة هذه الشركة تتطلب مواصفات غير المواصفات التي تفضل بها وزير النفط".
وناقش سامي في مجلس الأمة ميزانية شركة نفط الكويت (كي أو سي)، وليس ميزانية وزارة النفط، وتلك أول مرة نلحظ فيها مناقشة مجلس الأمة لميزانية هذه الشركة، وربما بعد أيلولة ملكيتها لدولة الكويت. وكانت قبل ذلك من الشركات الأجنبية التي تتمتع بامتيازات، وما كان مجلس الأمة مخولاً بمناقشة ميزانيتها. انتهز سامي فرصة أيلولة الشركة إلى دولة الكويت ورفع صوته كعادته عالياً مطالباً الشركة الوطنية "بتحضير الكوادر الفنية الكويتية للحاضر والمستقبل والاهتمام بها ووضع خطة لهذا الغرض". وسامي يطرح هذا الأمر، وقد طرحه مراراً وتكراراً في الدورات السابقة، في ظروف مختلفة، فالشركة التي يخاطبها بتهيئة الكوادر الفنية شركة كويتية ولم تعد شركة استعمارية مستغ.لة تحول دون تهيئة الكوادر الفنية المدربة الكويتية خشية منها على التأثير في سياساتها الخاصة بها. لذا، فهو يطالب بحق وطني في عام 1976، وكان قد مضى على تصدير أول دفعة من النفط ثلاثون عاماً، إذ صدّرت الكويت أول شحناتها في عام 1946. وهو على حق في ما يطرح، إذ يريد أن يرى صناعة النفط الكويتية بعد مرور ثلاثين عاماً على بدئها، في أيد كويتية عربية لا في أيد أجنبية في معظمها كما كانت الحال قبل تأميم النفط. ونعتقد أن سامي قبل وفاته رأى تحقيق الكثير من آماله في شركة النفط بعد تزايد العمالة الكويتية فيها.
الميزانية
شارك سامي في دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي الرابع في مناقشة ميزانية الدولة، ولم يكن يرى في الميزانية أرقاماً ولكن كان يريدها كعادته أهدافاً وعطاء وإنتاجاً للوطن، بغض النظر عن أرقامها، لذا نجده يطالب الفعاليات الاقتصادية بتقديم الخدمات للعاملين في المؤسسات الاقتصادية من تعليم وتطبيب وترويح. وأردف طلبه هذا بتمنٍ على الحكومة أن تدرس إمكانية "أن تفرض على المؤسسات والفعاليات الاقتصادية تقديم خدمات للعاملين في هذه المؤسسات". كان الوطن يعيش في ذات سامي، فهو يرى الميزانية أرقاماً لمصلحة الوطن، ولما كان الوطن للجميع، فقد رأى أن على المنتفعين من هذا الوطن المساهمة في تخفيف الضغط عن الميزانية العامة للدولة. فهو يذكر أن وزارات التربية، الصحة والأشغال، تأخذ 63 في المائة من ميزانية الدولة، وتأخذ الصحة من 24 – 25 في المائة من هذه الميزانية لكنه يرى أن "التوجيه الصحي الذي يمكن أن يخفف من الإنفاق على الصحة أو زيادة النفع من ميزانيتها مفقود ولا بد من وجوده وفق برنامج مدروس".
أشار سامي إلى ملاحظة جديرة بالاهتمام، وهي لوم الفعاليات الاقتصادية والحكومة، فقد ذكر أنه "لا يرى أحدا يأخذ بملاحظات أعضاء مجلس الأمة عن الميزانية منذ عام 1963" عندما ناقش أول مجلس أمة ميزانية الدولة. ونرى سامي في نظرة مستقبلية يطالب بمشاركة الفعاليات الاقتصادية في تحمل أعباء الخدمات مع الحكومة، وكان مطلبه هذا ناجحاً، إذ نرى الآن الكثير من المستشفيات والمرافق العامة تقوم بإنشائها والإنفاق عليها الفعاليات الاقتصادية الوطنية أو المؤسسات.
رأى سامي أن وزارة التربية تأخذ 23 في المائة من ميزانية الدولة "وذلك ع.زّ لنا"، لكنه يرى في الوقت نفسه أن التطور التربوي بطيء خاصة في الإدارة، لذلك فإن "هذا المبلغ من الميزانية لا بد أن توازيه قيمته في الإنتاج".
كما رأى سامي أن هناك "غيابا كاملا للتخطيط الشامل للعملية التربوية والتطوير التربوي الذي هو رأسمالنا الحقيقي، والاهتمام بتوجيه الأجيال توجيهاً متكاملاً من خلال التنسيق مع الوزارات الأخرى"، خصوصا وزارة الإعلام وأجهزتها الإعلامية. كانت هذه دائماً على مدى الفصول التشريعية المختلفة نظرة سامي إلى التربية، إذ كان يحمل عبء تنشئة الأجيال في المستقبل على كاهله، ولم يترك فرصة إلا ونادى خلالها بالتطوير التربوي ومناهجه، وبالاهتمام بالعمالة الكويتية وتدريبها. ولا تزال مطالب سامي بالتطوير مستمرة نشهدها في ما يحدث من مناقشات في مجلس الأمة للسياسات التربوية.
انتقل سامي بعد ذلك إلى مناقشة أمر ميزانية وزارة الداخلية التي تساوي 15 في المائة من الميزانية العامة، وكانت نظرته دائماً إلى وزارة الداخلية "أساسها الحد من الجريمة وانتشار أنواعها في الكويت من مخدرات وهتك عرض وسرقة"، وله في هذا الأمر وجهة نظر علمية، على وزارة الداخلية وأجهزتها الأخذ بها، تقول "إن معالجة الجريمة في الكويت يجب أن تكون معالجة علمية، على وزارة الداخلية وأجهزتها الأخذ بها"، وتضيف "إن معالجة الجريمة في الكويت يجب أن تكون معالجة عصرية من خلال البحث عن أسبابها ومنعها قبل حدوثها"، ولكنه كان يرى ضرورة اكتشاف الفاعل إذا ما وقعت جريمة، خصوصا ذلك النوع الذي يمس الأمن الاجتماعي. وكان يرى في تسجيل أي جريمة "ضد مجهول" قصوراً فاضحاً في عمل وزارة الداخلية التي ينبغي عليها من أجل القيام بواجبها على الوجه الأكمل، أن تهتم "بترقية كوادرها وتدريبهم وإعدادهم إعداداً عصرياً". وحتى يكون تعامل المجتمع مع الجريمة تعاملاً علمياً لا غوغائياً، طالب سامي وزارة الداخلية "بتقديم دراسات عن الجريمة والواقع الاجتماعي والانطلاق عبر وسائل الإعلام قد يكون سبباً في ارتكاب الجرائم من خلال عرض مسلسلات الجريمة والشر في التلفاز"، ونبه إلى خطورة ذلك وضرورة الابتعاد عنه.
أسباب الجريمة
في دور الانعقاد الثاني، نظر سامي إلى معالجة الجريمة ومعرفة أسبابها والوقوف على مخاطرها من زاويتين، الأولى "أرقام الميزانية الضخمة المخصصة للداخلية والإشارة إلى المجالات الرئيسة التي ينبغي الاهتمام به". أما الثانية، فقد رأى ضرورة تضمين الرد على الخطاب الأميري "الحديث عن الجريمة لأنها موضوع الساعة، هناك جرائم خطف، هتك عرض وسرقات.. والمطالبة بمكافحتها". كما وجه سامي نقداً مباشراً إلى الوساطة في الجرائم وحماية المجرمين وطالب بالنزاهة في تطبيق القانون. ولما كانت النزاهة تعني القضاء على الفساد والمفسدين، ولما كانت وزارة الداخلية هي المسؤول الأول عن الأمن الوطني، لذا نرى سامي يطالب من على منبر مجلس الأمة "بتطهير وزارة الداخلية من المفسدين والمجرمين" وكانت صيحة عالية لم تذهب سُدى.
ناضل سامي ما في وسعه من أجل أجيال الكويت، ولم يتردد لحظة في مناقشة الأمن الاجتماعي أو الأمن الوطني، كما كان يسميه أحياناً، واستكمالاً لسعيه الدؤوب من أجل تأمين مستقبل أفضل لأجيال الكويت، وحاضر أكثر مسؤولية واتزاناً، وجه اهتمامه إلى جامعة الكويت وأعلن ضرورة استقلال الجامعة. وساهم مساهمة ملموسة وفاعلة في مناقشة قانون الجامعة خصوصا المواد التي تتعلق بمجلس الجامعة وكيفية تأليفه وانعقاده. وظل يناضل إلى أن جاء تأليف مجلس الجامعة من وزير التربية رئيساً، وإلى جانبه مدير الجامعة وعمداء الكليات وشخصيات اجتماعية أخرى، وأصبح اجتماع مجلس الجامعة مرة كل شهر بدعوة من رئيسه وزير التربية خلال السنة الجامعية، ويجوز دعوة مجلس الجامعة بناءً على طلب ثلث أعضاء المجلس في أي وقت. ولم يهدأ لسامي بال إلا بعد أن أعيد قانون الجامعة إلى مجلس الأمة وجرت مناقشته وإقراره، وهو القانون المعمول به حالياً.
لم يكن سامي ليتردد في مناقشة أي شأن قريب أو بعيد من المصلحة الوطنية العليا. وكان صوته عالياً من دون مجاملة أو مواربة، لكن ذلك لم يكن يعني أنه لا يعرف متى يصمت ومتى يتحدث، فكان صمته واجباً عندما يتعلق الأمر بأسرار الدولة وخباياها العسكرية، فها هو يناقش مشروع القانون المقدم من الحكومة إلى لجنة الداخلية والدفاع بتنظيم أداء الخدمة العسكرية الإلزامية بتاريخ 16/3/1975، وقد بحثت اللجنة مشروع القانون بحضور وزير الداخلية والدفاع الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح، وبحضور الخبير القانوني للمجلس ومقرره جاسم القطامي. وقد ناقش سامي مشروع القانون وأدخلت عليه بعض التعديلات لكن أحداً لا يعلم ما حدث وظل مكتوماً، فتلك مسؤولية وطنية لا يجوز تجاوز الحدود في الحديث فيها.
مشاركة فاعلة
كان هذا نشاط سامي ومشاركاته في الفصل التشريعي الرابع في ما يخص الشأن الداخلي، وهي مشاركات، على قصر هذا الفصل، فاعلة وثرية وحاسمة، وكانت له في هذا الفصل مشاركات تخص الشأن العربي والشأن الدولي. فنراه يطالب بإصدار بيان بتأييد الثورة الأريترية التي كانت تطالب باستقلال البلاد بعد أن أصبحت أريتريا دولة مستقلة. ويطلب سامي من مكتب مجلس الأمة إصدار هذا البيان على أن يبلغ المكتب لجنة الشؤون الخارجية في المجلس "بأي بيانات تحصل عليها من حكومة دولة الكويت تخص الشأن الأريتري". وما كان يمكن أن يهدأ سامي إذا ما أثيرت قضية القدس أو فلسطين الوطن السليب العزيز. فقد أثيرت في عام 75/76 في دور الانعقاد الثاني مسألة تدويل القدس الشريف، وهنا وقّع سامي مع تسعة أعضاء من مجلس الأمة، هم محمد الرشيد، جاسم القطامي، عبد الله الفوزان، حسين معرفي، عبد الله النيباري، ناصر العصيمي، يوسف المخلد، أحمد الخطيب وفيصل الدويش على اقتراح يطلب تحديد موقف لمجلس الأمة من مسألة تدويل القدس، ويقول الاقتراح:
"يرفض مجلس الأمة الكويتي التدويل، لأن أي تسوية لا تتضمن استعادة الأراضي المحتلة كاملة واستعادة الشعب العربي الفلسطيني لحقوقه الشرعية، بما في ذلك عودة القدس عربية إسلامية تعد تسوية مرفوضة".
وتمت الموافقة على هذا الاقتراح وصدر فعلاً، ولا تزال الكويت بكل فئاتها الرسمية والشعبية ملتزمة هذا الموقف لم يطرأ عليه أي تبديل أو أي تغيير رغم تبدل ظروف كثيرة في المنطقة. وامتداداً لهذا الموقف الداعم بلا حدود للقضية الفلسطينية وشعبها وقضية القدس، رفض سامي في دور الانعقاد الثاني ما عرضه وزير خارجية رومانيا أثناء زيارته للكويت من مشروعه الصهيوني الذي اقترحه في عام 1968 والقاضي بعدم الانسحاب الصهيوني من ضفة نهر الأردن الغربية... وكان رفض سامي لعرض وزير الخارجية الروماني منطلقاً من أن "الموقف الروماني يمس قضيتنا، قضية فلسطين".
ولم يكتف. سامي بالرفض فقط، بل طالب بأن "يرتبط موقف دولة الكويت من رومانيا بموقفها من القضية الفلسطينية"، وأشار إلى موقف رومانيا السلبي من الأمة العربية بعد نكسة 1967 عندما "رفضت قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني أسوة بما فعلته دول المعسكر الاشتراكي آنذاك".
كان اهتمام سامي واضحاً بكل ما هو عربي على أرض الكويت، وكان أكثر ما يُغضبه أن يلمس تمييزاً في التعامل أو يرى أثراً لمشكلات إنسانية يعيشها الإنسان العربي على أرض وطنه الكويت، لذا كنا نراه مؤيداً للفلسطينيين بلا حدود، انطلاقاً من محنتهم ومأساة التشرد التي يعيشونها، وكان دائم الاهتمام بأبناء الخليج العربي أينما وجدوا، ومهما كانت شرائحهم. وأولى الطلبة منهم اهتمامه الخاص وأثار مشاكلهم وواقعهم في مجلس الأمة من دون تردد أو خجل، فهو يقول عن طلبة البحرين في دور الانعقاد الثاني "هناك من يبيع دمه (يقصد إلى بنك الدم) من طلبة البحرين من أجل تغطية المصاريف في الكويت".
وحلاً لهذا المأزق المالي عند بعض طلبة البحرين، يقترح سامي أن تقوم "هيئة الخليج والجنوب العربي بدراسة أوضاع أبناء البحرين بالذات، خاصة أولئك الطلبة الجامعيين منهم وتقديم المساعدات لهم"، كما تمنى على الهيئة أيضاً دراسة أوضاع أبناء الخليج ومصاريفهم. ولم يقصر سامي يوماً في دعم منظمة التحرير ولا في دعم هيئة الخليج والجنوب العربي، مالياً ومعنوياً.
كانت تلك الدورة هي الأخيرة في الفصل التشريعي الرابع، إذ جرى حل مجلس الأمة في 29/8/1976، وكان حل المجلس نكسة للديموقراطية في نظر سامي وزملائه من نواب الشعب بل ونكبة حلت بالدستور حامي حمى الديموقراطية، خصوصا أن الحكومة أعادت العمل بالمادة 35 من قانون الصحافة التي تعد سيفاً مصلتاً على رقبة حرية التعبير والرأي والصحافة.
الحل والنشاط النيابي
كان للحكومة رأي في حل مجلس الأمة، كما كان للقوى المعارضة للحل رأي أيضا، ولكل طرف معطياته. ونقول بداية إن سجل مجلس الأمة في هذا الفصل يشير إلى نشاط نيابي واضح في خلال دوري الانعقاد اللذين تما في هذا الفصل، إذ عقد 66 جلسة، ولجانه 250 جلسة درست 362 موضوعاً، وقدم الأعضاء 226 سؤالاً ردت الحكومة على 213 منها، ووافق المجلس على 52 توصية . لكن يبدو أن ما خفي كان أعظم، فعندما قدم سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء استقالته في 29/8/1976 وأورد معطيات الحكومة التي أدت إلى حل المجلس، ومما جاء في نص الاستقالة:
شعوري بأن التجارب السابقة مع مجلس الأمة لم تعد تبشر بإمكان العمل الجاد المثمر.
أصبح من المتعذر علي وزملائي الوزراء مواصلة مسيرتنا نحو تحقيق الغاية التي عهدتم بها إلينا، وذلك لأسباب كثيرة، منها تعطيل النظر في مشروعات القوانين.
وقد أصبح الكثير من الجلسات التي يعقدها المجلس يضيع من دون فائدة، كما أصبح التهجم والتجني على الوزراء والمسؤولين من دون وجه حق همّ الكثير من الأعضاء.
ولما كان التعاون يكاد يكون مفقوداً بين السلطتين، ولحرصنا الدائم على مصلحة الوطن والمواطنين في مختلف الظروف، أتقدم لسموكم باستقالتي واستقالة زملائي الوزراء .
وبعد قبول الاستقالة كُلف ولي العهد نفسه بتأليف الوزارة. وفي اليوم نفسه وجه أمير البلاد كلمة إلى الشعب الكويتي جاء فيها أنه وجد نفسه "مضطراً في هذه الظروف العصيبة إلى أن يصدر أمراً بتنقيح الدستور لتجنب ما وصلت إليه الحال في ظل دستور 11 نوفمبر 1962". ثم صدر الأمر الأميري بتنقيح الدستور ووقف العمل بأربع مواد دستورية وهي المواد 56 فقرة 3، 107، 174 و181.
وحلّ مجلس الأمة على أن يتولى الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة له بموجب الدستور .
أما معطيات المعارضين لحل المجلس فيمكن القول إن: الأمر الأميري بحل مجلس الأمة قوبل برد فعل شعبي سلبي، إذ لم يكن هناك قبول على مستوى الهيئات الشعبية والصحافة اليومية والمجلات الأسبوعية .
فقد قامت بعض الهيئات الشعبية بإصدار بيان مشترك لم ترضَ فيه عن حل مجلس الأمة، وهي الاتحاد العام لعمال الكويت، رابطة الأدباء، جمعية المحامين، جمعية الصحافيين، نادي الاستقلال، جمعية المعلمين الكويتية والاتحاد الوطني لطلبة الكويت.
وقد تم تعطيل بعض الصحف التي عارضت الحل، كما أُغلق نادي الاستقلال معقل التقدميين الديموقراطيين. أبرز مظاهر المعارضة لحل مجلس الأمة، ما دار من مناقشات في الندوة التي أقامتها جمعية هيئة التدريس في جامعة الكويت، نشرتها الطليعة في ملف 29/2/1979، ونوقشت في الندوة أسباب حل المجلس في عام 1976، وكان من المتحدثين في الندوة محمد مساعد الصالح رئيس تحرير جريدة الوطن سابقاً، والصحافي الكويتي المرموق الذي لا يزال حتى الآن يكتب عموده اليومي المقروء في جريدة القبس، وأشار إلى "اننا نحن في الكويت بحاجة إلى عقول مفتوحة". وكان سعيداً إذ سمع أن الديموقراطية هي حكومة الشعب. وذكر محمد مساعد الصالح أن نائب رئيس الوزراء أشاد بالتنسيق والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في آخر جلسة لدور الانعقاد الثاني في 30/7/1976 إلا أن المجلس حُلّ في 29/8/1976 وكان من أسباب حله عدم وجود تعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على عكس ما قيل في 30/7/1976. ومع حلّ المجلس أعيد العمل بالمادة 35 من قانون الصحافة، وتم حلّ مجالس إدارات النوادي والجمعيات.
كانت وجهة نظر القيادة السياسية في حل المجلس أنه تم تعطيل النظر في مشروعات القوانين، وأن كثيراً من جلسات المجلس كان يضيع بلا فائدة، وأصبح التهجم والتجني على الوزراء والمسؤولين من دون وجه حق همّ كثير من أعضاء المجلس، وفقدان التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وأخيراً الأوضاع الدقيقة والحرجة التي تجتازها منطقتنا العربية، وذلك ما ورد في كتاب استقالة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء.
لكن الأستاذ محمد مساعد الصالح يرد على هذه الأسباب، ويرى أن مجلس الأمة استطاع أن يؤدي ما عليه ويعتبر إنجازه إنجازاً ضخماً جداً. واعتقد الصالح أن الإجراءات التي اتخذت في الكويت "كان سببها الغالب خارجياً هو أوضاع المنطقة العربية" ودافع الشعب الكويتي عما يحدث في المنطقة بعد حرب أكتوبر 1973. وقد ذكرنا بعضاً من إنجازات هذا المجلس. حلّ مجلس الأمة بعد ثمانية أشهر ويومين من انعقاد أول جلسة له، ولكن الأخطر من حل المجلس هو تعليق مواد الدستور، وهذا ما عاش سامي المنيس من أجل ألا يقع على مدى سنوات اهتمامه بالعمل الوطني، فالدستور هو الحياة ونبضها. وهنا بدأت معركة الدستور. شكلت لجنة تنقيح الدستور في العاشر من فبراير 1980 بأمر أميري من 35 شخصية كويتية انتخبت عبد الرزاق الخالد رئيساً لها. وأنهت أعمالها في 22/6/1980، وفي 24/8/1980 أصدر أمير البلاد أمراً أميرياً بدعوة مجلس الأمة إلى الانعقاد خلال مدة لا تتجاوز شهر فبراير 1981، وكان ذلك إيذانا بعودة مجلس الأمة وإجراء الانتخابات التي سبقها تحديد الدوائر الانتخابية في الكويت لعضوية مجلس الأمة، بحيث تقسم البلاد إلى خمس وعشرين دائرة انتخابية . وكان من المتوقع أن يناقش مجلس الأمة بعد إجراء الانتخابات في أول انعقاد له في الفصل الخامس التعديلات التي أدخلتها اللجنة على الدستور لإقرارها أو رفضها. وفي 23/12/1981 توافد المواطنون على مراكز الاقتراع لاختيار مجلس الأمة الخامس، لكن أحداً من نواب الشعب الذين رشحوا أنفسهم لهذه الانتخابات لم ينجح باستثناء د. خالد الوسمي.
وبعد أن تمت انتخابات أعضاء مجلس الأمة الخامس أحالت الحكومة في 5/4/82 مشروع تنقيح الدستور إلى المجلس، الذي أحاله إلى اللجنة التشريعية لدراسته، وكان فيه تعديل للمواد 50، 65، 66، 69، 71، 73، 80، 83، 87، 91، 93، 95، 100، 101، 104، 105 و112.
ولما كان تعديل المواد فيه مساس كبير بالدستور الكويتي وبالحريات التي يمنحها الدستور، فإن مجلس الأمة استطاع من خلال تفاهم واضح وتعاون مع الحكومة أن يقنع الحكومة بسحب مقترحاتها ولم يعدل الدستور.
ورغم نجاح هذا المجلس في وقف تعديلات الدستور، فإن بعضهم يرى أنه أخفق في حل أزمة المناخ التي هزت اقتصاد البلاد.
إنجازات مجلس الأمة الخامس
لما كان موضوعنا هو تتبع نشاط المرحوم سامي المنيس في مجلس الأمة كعضو منتخب، فإن غيابه عن هذا المجلس أفضى إلى خسارة برلمانية كما نعتقد، ويشاركنا في ذلك كثيرون، لكن يجب القول هنا أن مجلس الأمة الخامس نجح في تأسيس هيئات حكومية لها دور في الحياة العامة ومنها:
مشروع قانون في شأن إنشاء الهيئة العامة لشؤون الزراعة والثروة السمكيـة .
مشروع قانون في شأن إنشاء الهيئة العامة لاستثمار الاحتياطيات النقدية.
مشروع قانون في شأن إنشاء الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب.
مشروع قانون في شأن إنشاء الهيئة العامة لشؤون القصّر .
مشروع قانون إنشاء مؤسسة التأمينات الاجتماعية.
إن عدم نجاح أي من رموز التجمع الديموقراطي المشهود لهم بالوطنية والمثابرة في طرح القضايا التي تهم الوطن والمواطنين على مدى تاريخهم الطويل النضالي منذ بداية الخمسينات، ظاهرة تستحق التوقف عندها للنظر في أسبابها. ولما اشتهر هؤلاء بصراحتهم في القول وجرأتهم في مواجهة الأمور، فإن الأصح الأخذ بوجهة نظرهم عن أسباب فشلهم في تلك الانتخابات.
رأى هؤلاء استخدام وسائل عدة في الحملة الانتخابية أبرزها ظهور الورقة الطائفية، وذلك عندما عمدت القوى المضادة إلى تكتيل جمهور الناخبين انحيازاً لهذه الطائفة أو تلك.. فبعث ذلك بنعرة ذميمة. وفضلت القوى الوطنية أن تتمسك ببرنامجها ولو في خضم رياح الطائفية والعصبيات. وثاني الوسائل في نظرهم استخدام قضية الإسلام والشيوعية عندما اتهمت القوى المضادة ممثلي التجمع الوطني الديموقراطي (الخطيب، القطامي، النيباري، المنيس..) بالشيوعية التي تعني عندهم الكفر والإلحاد. وتلك "أكذوبة وخدعة انطلت مع الأسف على بعض المواطنين" .
أما عن معركة الدستور ورفض تعديله فلم يسكت رموز التجمع الديموقراطي عن هذه المحاولة وإظهار رأيهم في رفضها. وكانت أبرز مظاهر معارضتهم للتعديل تلك الرسالة التي بعث بها جاسم القطامي ود. أحمد الخطيب إلى أعضاء مجلس الأمة في ابريل 1982 وكان أبرز ما فيها (انظر نص الرسالة ملحق 2):
1 - إن التعديل شمل 16 مادة من الدستور.
2 – إن دستور 1962 أهم مكسب شعبي وجاء نتيجة طبيعية لتطور الحياة الاجتماعية والسياسية. فهو وثيقة تاريخية لا يجوز التعديل فيها إلا عند نشوء حاجة ماسة... كما أن دستور 1962 وضع ونية واضعيه منعقدة على إجراء التنقيحات فيه لتوسيع سلطات المجلس التشريعي بعد مرور فترة زمنية معقولة من تجربة الحياة النيابية.
3 – مناقشة المواد التي اقترح تعديلها والتي تؤثر في حجم وأهمية المشاركة في الحكم وفي الديموقراطية ومستقبل الشعب. وذكرت الرسالة المواد 65، 66، 96 و71 وتتعلق بحق مجلس الأمة بممارسة سلطاته التشريعية وإصدار القوانين والمواد 100، 101 و102 وتتعلق بممارسة المجلس سلطاته الرقابية على السلطة التنفيذية والأجهزة الحكومية. ورأت الرسالة أن تعديلات المادة 66 تفضي إلى تعطيل سلطات مجلس الأمة تعطيلا يكاد يكون تاماً وشاملاً. كما يلغي تعديل المادة 65 حق المجلس الدستوري في استعجال الحكومة إصدار القوانين إلغاءً نهائياً. وتعديل المادتين 71 و97 يؤدي إلى انتزاع سلطات المجلس التشريعية ووضعها بيد السلطة التنفيذية. أما تعديل المادة 69 فهو يوسع السلطات العرفية للحكومة. وخلصت الرسالة إلى أن مغازي التعديل:
- شل الصلاحيات التشريعية للمجلس.
- منح السلطة التنفيذية صلاحيات تشريعية واسعة أثناء انعقاد المجلس التشريعي.
- منح السلطة التنفيذية صلاحيات تشريعية ومالية واسعة فيما بين أدوار الانعقاد.
- التوسع غير المبرر بأي مقياس لصلاحيات الحكومة بإعلان قيام الأحكام العرفية.
- تقييد قدرة المجلس المنتخب في محاسبة الوزراء والرقابة على الأجهزة الحكومية.
وناشدت الرسالة أعضاء مجلس الأمة الخامس بالتصدي للدفاع عن الدستور والمكتسبات الديموقراطية والحقوق الشعبية التي جسدها .
أما الدكتور أحمد الخطيب أحد رموز التجمع الوطني الديموقراطي، فقد ألقى كلمة بعنوان "هل مجلس الأمة قادر على حماية الدستور؟" في 30/12/81 على مدرج كلية التجارة في جامعة الكويت، ربط د. الخطيب بين ما حصل في لبنان وبين قرار حل المجلس الوطني البحريني وقرار حل مجلس الأمة الكويتي. وذلك بسبب اشتداد الهجمة الإمبريالية الأميركية والضغط لترتيب أوضاع المنطقة. وذكر الخطيب أن أهم التعديلات على الدستور التي قدمت والتي تعمل الحكومة على إقرارها هي:
1 – إلغاء حق التشريع من قبل النواب.
2 – إلغاء حق الرقابة والحماية من خلال رفع الحصانة عن النائب داخل المجلس.
3 – وضع المزيد من العراقيل أمام النواب لطرح وجهات نظرهم. وإذا ما أقرت هذه التعديلات، فإن المجلس سيصاب بالشلل. وكان د. الخطيب متفائلاً بنجاح المعارضة في مجلس الأمة بإفشال التعديلات، رغم أنها لا تؤلف الأكثرية في المجلس إذا ما توافرت لها عوامل محددة منها:
- اتخاذ الموقف الوطني الشعبي.
- الطرح الموضوعي المبسط والاهتمام بكل النواب.
- تجنيد الرأي العام حول القضايا المطروحة.
ودعا إلى التمسك بالديموقراطية وعزا مصاب الأمة العربية كلها إلى غياب الديموقراطية التي بغيابها استطاعت إسرائيل أن تلعب بالأمة العربية وكأنها كرة بين قدميها . أما سامي المنيس، فقد شارك كمتحدث رئيس في ندوة جمعية الخريجين بدعوة من جمعية المحامين الكويتية مع د. ناصر صرخوه بعنوان "تنقيح الدستور بين التشريع ودور الإعلام" نشرته الطليعة في عددها 775 في 5/1/1981 وكان حديث سامي المنيس بعنوان "الصحافة وقضية تعطيل وتنقيح الدستور"، وبدأ حديثه بالإشارة إلى إعادة المادة 35 مكرر إلى قانون المطبوعات بعد حل مجلس الأمة وتعليق الدستور في 29/8/1976. تتبع اتجاهات الصحافة نحو القضية الدستورية خلال ست سنوات 1976/1982، وتابع الممارسة الصحفية عبر 3 مراحل:
المرحلة الأولى
صدور الأوامر لحل المجلس وتعطيل الدستور وتسليط المادة 35 مكرر على الحرية الصحفية ومفعول هذه الأوامر الفوري عندما أوقفت صحف الوطن، الهدف، الطليعة، الرائد والرسالة ( لمعارضتها حل المجلس)، وذكرت الصحف التي أيدت حل مجلس الأمة ومجدت تعطيل الدستور وامتدت المرحلة هذه حتى 1979.
المرحلة الثانية
امتدت من 1979 إلى 1981 عندما تغيرت نغمة الصحافة وعاد الحديث الحكومي عن النية لعودة الحياة النيابية وإعادة الدستور بعد تعديلات عليه، وذكر سامي أن الصحافة لم تطرح دستورية تنقيح الدستور بلجنة معينة من قبل السلطة التنفيذية للنقاش رغم أن المادة 174 حددت الإجراءات الخاصة بالتنقيح. وبدلاً من ذلك استمرت (هذه الصحف) في حملاتها على مجلس الأمة وعلى الممارسة النيابية.. كانت الصحافة خاضعة لتوجهات السلطة.
المرحلة الثالثة
بدأت مع قضية تنقيح الدستور (1981 – 1983)، ففي ابريل 1981 نشرت نصوص اقتراحات تعديل الدستور وحصرت الصحافة الموضوع بين مجلس الأمة والحكومة مع ميل للموافقة على مقترحات الحكومة. لكن كثافة "النشاط الشعبي والمقالات والمحاضرات فرضت نفسها على الصحافة"، وكانت كلها معارضة لحل المجلس إضافة إلى صحف اتخذت مواقف المعارضة للحل.
بعد استعراضنا لنشاط سامي المنيس وصحبه في التيار الوطني الديموقراطي من خارج مجلس الأمة والمعارض للمساس بالدستور، نقول إن حكومة الكويت مهما بلغ بها المطاف فإنها لا تخرج عن تلبية رغبات شعبها، كما أن المعارضة في الكويت مهما بلغ بها المدى في انتقاد الحكومة لا يمكن أن تصل إلى مرحلة الصدام معها، وتلك ظاهرة بارزة في تاريخ الكويت، لذا فإن محاولات الحكومة تعديل مواد الدستور والفزعة الشعبية لمعارضتها سرعان ما اختفت عندما سُحب مشروع تعديل الدستور وعادت الأمور إلى نصابها وعادت الحياة الديموقراطية إلى مسيرتها.
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/24291721420090521.jpg
المنيس في افتتاح مقره الانتخابي 1985
عاد سامي أحمد المنيس إلى مجلس الأمة السادس (1985 ـ 1986) عضواً منتخباً عن دائرة العديلية، كما عاد معه رفيق دربه د. أحمد الخطيب، و د. أحمد الربعي، وقد أظهرت نتائج انتخابات 1985 أنها لمصلحة المعارضة السياسية التي شملت ممثلي اليسار والقوميين وجماعة السلف وجماعة الإخوان المسلمين والشيعة من ذوي التوجه الثوري .
وكالعادة في كل فصل تشريعي، افتتح الفصل السادس بأمر من سمو أمير البلاد، وبدأ الافتتاح بالنطق السامي ثم تبعته قراءة الخطاب الأميري، وجرى تشكيل اللجان للمجلس المنتخب وفاز سامي المنيس بعضوية الشؤون الخارجية. وكالعادة أيضاً تألفت لجنة من المجلس للرد على الخطاب الأميري. وهنا بدأ نشاط سامي في هذا الفصل في دور انعقاده الأول، عندما طالب في مارس 1985 بتسجيل بعض النقاط على ما ورد في الخطاب الأميري. وكانت النقطة الأولى على حد تعبيره:
"إذا أردنا التعرف على العلل والمشاكل وبعض الظواهر السلبية نستطيع تحديد النقطتين التاليتين":
النقطة الأولى
"تتعلق بهيبة القانون الذي لم يعد محل احترام وقد أُهدر، وفيه تجاوزات".
وقد كان سامي محقاً، فحتى يومنا هذا كتبت بعض التعليقــات الصحفية الكويتية "أن هيبة القانون أُهدرت لمصلحة العشائرية".
النقطة الثانية
"تعددية التعديلات (في القانون) بهدف التوجه لقرار سياسي". ويضرب سامي مثلاً على ذلك أزمة المناخ 1983 التي حلت بسوق الكويت المالي، وما تلاها من تعقيدات مالية وديون صعبة وانهيارات وإفلاسات. ويقول: "استهدفت القوانين (التي صدرت بشأن الأزمة) حماية أشخاص على حساب الشعب، ولكن سبب إهدار الثروة البشرية ليس الإدارة العليا. فالإهدار هنا يمس مصيرنا".
التعدي على القانون
واستطرد في ذكر تعديلات القوانين وإصدارها لمصلحة المتنفذين، فقال "إن المخالفات البلدية بالملايين. لكن هذه المخالفات هي لحماية المتنفذين". وأشار سامي بلا مواربة إلى نفوذ أصحاب المصالح في مخالفة القوانين دون رادع أحياناً، وشرعنتها أحياناً أخرى. ولما لهذا النفوذ من أثر مدمر في المجتمع وقيمه. وتحدث سامي في مداخلاته عن الداء الذي يضر بالمجتمع، ورأى الدواء ـ ولو أنه لم يطرحه ـ في التخلص من سطوة المتنفذين على القانون.
الرد على الخطاب الأميري
وفي دور الانعقاد الثاني، أراد أن يتضمن الرد على الخطاب الأميري ملاحظات رآها مناسبة، فقد رأى أنه ليس من المهم "تشخيص الأوضاع القائمة، والأكثر أهمية في تصوري هو أن نترجم هذه الأفكار (التي وردت في خطاب صاحب السمو) إلى فعل، إلى عمل. ونتمنى ترجمة الأفكار في الميزانية القادمة". وعلق بقوله: "إلى متى سنبقى نقول كلاماً ونرى فعلاً آخر؟".
وفي التعليق على الرد على الخطاب الأميري، رأى سامي أن "نوعية التركيبة السكانية كان سببها طبيعة قوة العمل المتوافرة في الكويت، ويعود ذلك إلى أن القطاع الخاص يهتم بالربحية. لذا خلقنا مجتمع شرق آسيا. وإذا كان هناك حرص على التركيبة السكانية فينبغي أن يكون هناك حرص على قوة العمل، ففي الحكومة تبلغ العمالة مائة وتسعين ألفاً بينما تبلغ في القطاعين الخاص والمشترك أربعمائة وخمسين ألفاً". لكنه لا يذكر نسبة الكويتيين بين هؤلاء. في حين يذكر أن نسبة "الكويتيين في قطاع البنوك تبلغ 12 في المائة فقط". لكن يبدو أن أحلام سامي تحققت إذ ارتفعت هذه النسبة كثيراً الآن وفي طريقها إلى الزيادة.
كانت السياسة النفطية وشركات النفط الأجنبية وسياساتها وامتيازاتها الشغل الشاغل لسامي المنيس منذ انتخابه في الفصل التشريعي الأول 1963، وما انفك يناقش هذه السياسات ويظهر ضررها على الوطن والمواطنين، واستمر يطالب بسيطرة الوطن على ثرواته مع آخرين من زملائه في مجلس الأمة حتى تحقق لهم ذلك وأصبح النفط كويتياً من أوله إلى آخره، ولو أنه كان في حاجة إلى تزايد العمالة الكويتية فيه.
لذا نرى نقاشات سامي بشأن النفط تأخذ منحى جديداً في هذا الفصل وفي دور الانعقاد الأول 1985/1986. فنراه يذكر أن "مبيعات النفط 14.307.800.000 دينار بينما كان المبلغ 15.464.458.000 دينار في العام الذي سبقه أي أن المبيعات نقصت 1.156،658.000 دينار". في حين رأى أن "مبيعات المنتجات البترولية 1،672،190،000 دينار بزيادة 72 مليون دينار عن العام الماضي". ولا نرى له تعليقاً على هذه الأرقام لكنه أراد لفت الانتباه إليها.
التفت سامي، بعد أن ضمن عودة الثروة النفطية إلى أبناء الوطن، إلى الاهتمام بهذه الثروة ومصيرها، لذا نراه يولي المال العام اهتماماً واضحاً في هذا الفصل التشريعي، وكان تركيزه – رحمه الله – على مناقشة أبواب ميزانية الدولة مناقشة موضوعية هادفة، وطالب أول ما طالب بأن يكون "هناك تقرير أمام مجلس الأمة من اللجنة التشريعية الحاوي على الأسس التي أُقرت بموجبها أبواب الميزانية". وكان حريصاً على مناقشة تقرير ديوان المحاسبة عن كل وزارة أو مؤسسة. إذ كان يرى في دور ديوان المحاسبة الرقابي دوراً مكملاً لدور مجلس الأمة، وكان في نظره صمام الأمان لضبط الصرف في وزارات الدولة ومؤسساتها.
ومن مناقشة أبواب الميزانية الأول والثاني والثالث والرابع، انتقل إلى مناقشة ميزانيات الهيئات والوزارات، وبخاصة الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية وهيئة الإسكان في دور الانعقاد الأول من الفصل السادس. وما كان سامي ليناقش الميزانية إلا بعد قرار اللجنة التشريعية ومقارنته بما حدث من صرف في أبواب الميزانية، وما كان ليوافق على ميزانية إلا بعد تأكده من أداء ديوان المحاسبة لدوره الرقابي والتدقيقي على كل وزارة.
ومع اهتمامه بموازنة الدولة، التفت سامي في دور الانعقاد الثاني إلى طرح تساؤلات مالية بحتة، فقد ناقش باستفاضة هيئة الاستثمار والاحتياطي العام في الدولة "ورأى أن هذا الاحتياطي تجاوز 11،423،000،000 دينار في العام المالي 84/1985 وفي عام 1983 كان 11،760،000،000 وبلغت فوائد المبلغ في عام 84/1985 ما قيمته 452 مليون دينار، وهو مبلغ أقل من السنوات السابقة، حين بلغ 487 مليون دينار، 756 مليون دينار، 859 مليون دينار في السنوات 81/82، 82/83، 83/84 على التوالي".
استخدمت الدولة من الاحتياطي العام في سنتين 2،728،000،000 دينار، في ما سمي أزمة المناخ. ويعتقد سامي أن أخطر ما حدث هو السحب من الاحتياطي العام "خاصة إذا كان السحب من أجل إصلاح أخطاء فئة غرقت في الأرباح ثم ما لبثت أن غرقت في الخسائر". كان موقف سامي من السحب من الاحتياطي العام موقف المعارض وموقف الحريص على أموال الوطن والمواطنين.
التفت سامي إلى تقرير ديوان المحاسبة عن الاحتياطي العام ورأى أن التقرير "أشار إلى سحب 1،528،741،000 من احتياطي الأجيال القادمة"، وهو احتياطي لا يزال قائماً تضع الدولة فيه جزءاً من ايراداتها وتحافظ عليه من أجل أجيال الوطن القادمة والحرص على تمتعهم بثروات وطنهم جيلاً بعد جيل. "وكان هذا السحب من أجل المساهمة في زيادة رأسمال مؤسسة البترول الوطنية". ورغم أنه لم يرفض مبدأ السحب من أجل المساهمة في إنعاش مؤسسة وطنية، فإن التزامه بالقانون حتم عليه القول إن "سحب هذا المبلغ مخالف تماماً للمادة الثانية من القانون 54/1982. ويعلم المسؤولون في الهيئة أن هذا الأمر مخالف للقانون ومع ذلك يستمرون وسيناقشونه"، ويقصد بالهيئة هيئة الاستثمار. أشار سامي إلى أن المبلغ كان لشراء شركة سنتافي التي خسرت... ورأى في هذا السلوك المالي ممارسة غير مسؤولة من قبل الجهاز الحكومي. وكان ذلك في رأي سامي تخبطاً من هيئة الاستثمار. وأضاف كي يؤكد قناعته هذه ما نشر عن بيع حصة الهيئة في شركة وربة للتأمين التي بلغت أرباحها 1،295،000 دينار وتساءل لماذا تبيع الهيئة حصتها في الشركة وهي تربح؟.
قد ترد الهيئة بأن ذلك من أجل تنشيط القطاع الخاص، وإذا كان الأمر "كذلك فلماذا لا تنشط الدولة (والاستثمار من ايرادات الدولة وليس من القطاع الخاص) المطابع في القطاع الخاص بدلاً من وجود مطابع لوزارة الدفاع ووزارة التربية والخطوط الجوية الكويتية؟"، أما التخبط الثاني لهيئة الاستثمار الذي أورده سامي فكان في نظره "بيع حصة الهيئة العامة للاستثمار في بنك الكويت والشرق الأوسط".
يعدُّ نقاش سامي وتساؤلاته للهيئة العامة للاستثمار فصلاً جديداً في جرأته على كشف الحقائق، وحرصاً واضحاً على مصلحة الوطن، خصوصا أن هيئة الاستثمار مسؤولة عن جزء كبير من أموال الدولة.
انتقل سامي من الهيئة العامة للاستثمار إلى التعليق على أوضاع شركات الصرافة، وهو أمر مرتبط ارتباطاً مباشراً بأحوال المواطنين، ورأى "أن هذه الشركات، انطلاقاً من رأي البنك المركزي فيها، تعيش أوضاعاً حرجة ورديئة". كما أشار إلى أن وجود بعضها "يعمل على تخريب الاقتصاد لا سيما أن كثيراً من الأموال خرجت عن طريق هذه الشركات".
انتقل سامي في دور الانعقاد الثاني إلى الاستمرار في مناقشة الوضع المالي وسأل وزير المالية عن "أعمال صندوق صغار المستثمرين والمقاصة"، وعندما أجابه الوزير عن سؤاله، لاحظ سامي مغالطات بيّـنة في إجابة الوزير. ولم يجد من يدعم رأيه في هذه المغالطات إلا تقرير ديوان المحاسبة، ويبدو أنها كانت مثيرة وفاضحة لا تُحتمل، إذ نرى سامي يُستفز ويرد على الوزير قائلاً: "هناك احتمالان لوقوع مثل هذه المغالطات:
أن الوزير لا يعلم كالزوج المخدوع وهذا ما أستبعده.
أو أن الوزير يشارك في تضليل الرأي العام عن أعمال الصندوق وتضليل المجلس (مجلس الأمة) في مصداقيـة البيانات وهو أمر لا يجوز مروره مرور الكرام".
واستطرد مستشهداً بتقرير ديوان المحاسبة، فذكر المغالطة الأولى وهي قول الوزير إنه "لم يتجاوز الحد الأقصى لصرف معاملات المستفيد، ذلك الحد الذي حدده مجلس الوزراء". إلا أن سامي يرد عليه بقوله: "إن ديوان المحاسبة يقول هناك تجاوز (1900 مخالفة)". وينتقل إلى المغالطة الثانية وتتعلق بحق الصندوق في تحصيل واحد في المائة تقوم شركة المقاصة به". ويذكر سامي "أن ديوان المحاسبة أكد التقصير من ق.بل المقاصة في تحصيل هذا المبلغ". "وهناك مائتان واثنان وعشرون مليونا سكتت عنها شركة المقاصة".
رأى سامي في هذه التجاوزات المالية حقائق واضحة تتطلب مسؤولية وزير المالية عنها، ولا بد من طرح الاستجواب البرلماني اللازم ضد الوزير حتى نضع النقاط على الحروف. وهنا تظهر جرأة سامي في قول الحق وإبراز الحقيقة أمام وزير المالية الذي ربما كان أحد أصدقائه، لكنه أمام المال العام لا يراعي أحداً غير مصلحة الوطن.
أزمة المناخ
يبدو أن دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي السادس كان حافلاً بالمشكلات المالية. ويعود ذلك إلى تداعيات أزمة المناخ التي هزت سوق الأوراق المالية الكويتي عام 1983. ويبدو أن سامي كان أكثر همه المال العام، والقتال من أجل الحفاظ عليه، أولَم يقاتل من أجل استخلاص ثروة الوطن النفطية من براثن الشركات الاستعمارية؟ وهو يقاتل بضراوة أكثر من أجل الحفاظ على الثروة النفطية وأموالها التي أصبحت تعود إلى الكويت وأهلها، وكان يرفض رفضا قاطعا أن تؤول الأموال إلى فئة معينة أو فئة متنفذة.
تصدى سامي للوضع المالي وانتقل من الخاص إلى العام، وهو في 8/7/1986 يناقش الواقع الاقتصادي للدولة كما جاء في تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية التابعة لمجلس الأمة. ولكنه اختلف مع اللجنة في معالجة الوضع الاقتصادي في الوطن، وكان اختلافه حول مديونية البنوك، إذ تقول اللجنة "واجهت البنوك الكويتية أوضاعاً غير عادية"، بينما تعود إلى القول "إن أوضاع البنوك جيدة جداً" وذلك في الصفحة الثانية من التقرير.
تأمل سامي في أرقام المديونية لدى البنوك بعد تداعيات أزمة المناخ، فأكد أن الديون غير المنتظمة 1303 ملايين دينار، وأن جملة المديونية لدى البنوك 1650 مليون دينار منها ألف وثلاثمائة مليون ديون صعبة. وذلك بسبب أزمة المناخ التي رأى فيها سامي "أزمة أخلاقية قبل أن تكون أزمة مالية". وعند وضعها في إطارها الطبيعي، كما يقول سامي "فإنه لا علاقة لها بالاقتصادات والأصول التجارية"، خصوصا "أن بعض أعضاء مجالس الإدارات تجاوزوا على القانون وعلى الأعراف الاقتصادية والعلاقات التجارية وبدأوا يدخلون في هذه الحلقة المشبوهة". ولا أحد يناقش أو يناقض صحة ما قاله سامي.
استسلم سامي للواقع ورأى أن "البلاء حلّ باقتصاد الوطن على يد فرسان المناخ، ولولا رحمة من ربك لهزت هذه الأزمة كيان الكويت الاقتصادي بطريقة أقرب إلى التدمير منها إلى الإضرار". لكن سامي يريد إصلاح ما أفسده "المناخيون" ولا يجد ملاذاً يحمي المال العام ويراقب حركته غير ديوان المحاسبة الذي كان واضحاً أنه وثق به كثيراً.
فيقترح على مجلس الأمة "أن يوصي ديوان المحاسبة بتقديم تقرير إلى المجلس كل ثلاثة أشهر، بشأن فحص ومراجعة حسابات صندوق ضمان حقوق الدائنين الملحق بوزارة المالية، على أن يشمل الفحص إيرادات الصندوق المذكور.
تظــل أزمة المناخ وتداعياتها ملمحاً بارزاً في تاريخ الكويت المالي والاقتصادي، لما كان لها من آثار سلبية في مجمل حياة المواطنين. وتستحق هذه الأزمة من المؤرخين الاقتصاديين كل عناية في تسجيل وقائعها وكشف الأمور التي أوصلت إلى الأزمة المذكورة حتى تكون تجربة يُستفاد منها في عالم المال". ونلحظ أن سامي عمد، عند الإشارة إلى الأزمة، إلى ذكر الأرقام التي لها علاقة بالديون والمؤسسات الحكومية، وهي التي تؤرق حياة الحكومة والمواطن معاً. كما اهتم بصندوق المقاصة وديوان المحاسبة ودورهما، وهي أمور تصلح عناوين للكتابة عن الأزمة. وإذا كان المسرح الكويتي قد أّرّخ لهذه الأزمة القاتلة من خلال مسرحية "فرسان المناخ" فإن سامي ساهم في التأريخ لهذه الأزمة من خلال طرح عناوين وأفكار. وللأمانة، فإن أول من طرح "أن أزمة المناخ أزمة أخلاق لا أزمة مال"، ولا علاقة لها بالاقتصاد أو الأصول التجارية هو المرحوم سامي.
لم يستطع سامي السكوت بعد أزمة المناخ، وكان همه المساءلة والرقابة. فما حدث لم يكن متوقعاً إذ وصلت آثاره إلى المال العام الذي عاش سامي ومات وهو يدافع عن صيانته وقدسيته، وتساءل: "ما مدى جدية الحكومة في متابعة ملاحظات ديوان المحاسبة حول الخاص من المصروفات؟ وما إجراءات الحكومة بشأن هذه المخالفات؟". والسؤال واضح فيه تلميح لا تصريح عن هدر المال العام وفيه تلميح لا تصريح إلى إهمال الحكومة في تعقب المخالفات المالية.
ويشير سامي في دور الانعقاد الثاني للفصل السادس في 28/6/86 وربما كان فرحاً بذلك، إلى مراقبة ديوان المحاسبة لأعمال الهيئة العامة للاستثمار لأول مرة في تاريخها، ويشير إلى "ذكر ديوان المحاسبة اثنتي عشرة ملاحظة، منها خمس ملاحظات وافقت عليها الهيئة". لكنه ذكر أن أخطر ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة هو "التجاوز القانوني في ما يتعلق بالسحب من احتياطي الأجيال لأكثر من مليار دينار". وهنا يعود لتأكيد دور ديوان المحاسبة في الرقابة على المال العام، وضرورة الاهتمام بما يذكره الديوان من مخالفات مالية في وزارات الدولة، والعمل على تلافيها. ولا يزال ديوان المحاسبة كما تمناه سامي يعمل بإخلاص تام وبنزاهة لا يشك أحد فيها في ممارسة مهامه الرقابية وكشف المخالفات.
هدر المال العام
انتقل سامي من التلميح إلى التصريح وتحدث عن سياسة هدر الأموال العامة متسائلاً "من المسؤول عن عملية إهدار المال العام في الدولة؟"، وأجاب "الدولة هي المسؤولة عن الإهدار فهي تهدر 99 في المائة من المال العام بينما المواطن يهدر 1 في المائة. مَن المسؤول عن إهدار أموال المواطن؟ أين وزارة الإعلام؟ هل ساهمت في حلّ مشكلة هدر الكهرباء؟".
"إن الرواتب والأجور في الدولة ( 1985 / 1986 ) تصل إلى ثلاثمائة مليون دينار كويتي سنوياً، فماذا فعلت الدولة من أجل رفع إنتاجية الموظف؟ تطالبنا الداخلية برسوم فهل تريد تحسين الخدمات قبل أن ندفع الرسوم؟"، ويقصد التشريع لوضعها في مجلس الأمة. وتساءل: "من المسؤول عن أزمات الوطن التي تؤدي إلى إهدار قدراته حتماً؟ من المسؤول عن أزمات المناخ، المرور، مديونية البنوك، المظاهر البراقة، رفع العقار... إلخ". وكلها أسئلة تستحق الاهتمام، وهي موجهة إلى الحكومة المسؤولة عنها.
كان سامي يؤمن إيماناً واضحاً بمؤسسات المجتمع المدني، وكان يدعو إلى تأليف الجمعيات والنقابات، وأكثر ما يؤلمه أن يرى صعوبة تعترض هذه الجمعيات والنقابات، لذا فهو يعترض على عدم تأليف النقابات ويرى "أن ذلك يسير في طريق مسدود". وعلى حد تعبيره "فإن النقابات والجمعيات عمل شعبي يبرز الدور الجماهيري ولا يعني وجوده خلق مشاكل، فوجود الجمعيات (ذات النفع العام) إضافة إلى الجمعيات التعاونية وسيلة ناجحة للإنتاجية وللتعاون.. وهو وسيلة جيدة لإيجاد علاقات مع الجهات المسؤولة".
وانطلاقاً من هذا المبدأ نجد سامي يرحب بمشروع الهيئة الخيرية الإسلامية الذي طرحه النائب مبارك الدويلة في عام 1986، ويرى سامي "أن نشاط الجمعية هذه يعطي شخصية اعتبارية.
كما نجده أيضاً في 15/4/1986 يدافع بقوة عن "ضرورة إشهار جمعية حماية المستهلك" ويرى أن "وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل مخطئة في عرقلة هذه الجمعية". فالجمعيات كما يراها سامي أنشطة شعبية يجب تشجيعها وليست سرية أو مخالفة للقوانين أو مدمرة، فهي رافد للاستقرار الوطني. لذا فهو يطلب من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل إشهارها.
وما انفك يطالب بظهور مؤسسات المجتمع حتى كان له كثير مما أراد إن لم يكن كله قبل وفاته. وبنظرة سريعة على واقع الحياة في الكويت نرى عشرات الجمعيات الوطنية ذات النفع العام وكثيراً من جمعيات الصداقة مع الدول الأخرى من داخل مجلس الأمة، وكان سامي رئيس جمعية الصداقة الصينية الكويتية انسجاماً مع ما كان ينادي به.
سياسة التوظيف
انتقل سامي إلى مناقشة سياسة التوظيف، وكانت له فلسفة في توظيف الشباب في أجهزة الدولة وغيرها، فهو يعترض على طابع التوجهات في التوظيف، ويرى أن "الوضع الوظيفي نتيجة توجهات طابعها جهل المواطن خاصة والموظف عامة، إنسان محدود الطموح غير منتج في عمله"، وكان يسعى إلى تغيير هذا الواقع الذي رآه وكان من المطالبين دائماً بأن "تكون أرقام الميزانية على قدر الإنتاج المتوقع منها". وكان يطالب بمواجهة هذا الواقع بوسائل ناجحة ذات فعالية. ولم يكن يرى لجان التطوير الإداري وسيلة لتحقيق هذا الهدف، فهو يعتقد أن "لجان التطوير إحدى الطرق للهروب من مواجهة القضية". ويشخص الواقع الوظيفي كما يراه بأن هناك "إحساسا أن الموظف لم يحصل على حقه من الإدارة. وهناك مشكلة المعاناة من التجاوزات داخل الأجهزة".
ويرى "نقل الحديث عن الفساد الإداري إلى التطوير الإداري أمراً غير ذي بال"، فالمسألة الأساسية في نظره إحساس هذا المجتمع، "بأن الجهاز الإداري لم يستطع أن يلبي حاجات المجتمع في المرافق العامة كافة"، والإحساس الآخر هو "الاضطهاد القائم على التجاوزات فالإنتاج الوظيفي في القطاعين الأهلي والمشترك (الحكومي والأهلي) أفضل منه في الحكومي" ويرى أن العقبة في الإنتاج الحكومي تكمن في القيادات العليا.
ويضرب مثلاً على ذلك في بعثة الآثار المؤلفة من عشرة دارسين إلى الولايات المتحدة بطلب من وزارة الإعلام، وعندما أتم هؤلاء ابتعاثهم وعادوا إلى أرض الوطن قيل لهم "بس ما عندنا شغل! اذهبوا إلى وزارة التربية قولوا لهم أنتم مرسلون من الإعلام". وهنا يتساءل "ما فائدة التحصيل العلمي الذي ذهب المبتعثون من أجله في محاولة لتحسين الوضع الوظيفي، خاصة أنه يعود إلى ما كان عليه؟ فهل بعد هذا نستطيع الاطمئنان إلى سياسة التطوير الإداري؟" والجواب معروف في ضوء ما طرحه سامي وأمام هذه الواقعة (بعثة الآثار) وأمثالها، فتساءل سامي عن "طبيعة البعثات والدراسات العليا وما مفهوم البعثة".
وأشار إلى "أن 75 في المائة من وظائف الحكومة مكتبية وإدارية، أما خارج الحكومة فالوظائف فنية ومهنية". ولم يكن تساؤله من فراغ، فهو يريد البعثات تلبية لحاجات الوطن، يعود عضو البعثة بعدها ليسد الفراغ الذي أرسل في دراسته من أجل ملئه.
كان طامعاً في خلق جهاز فني مدرب في المجالات المهنية الحكومية، لذا صب كثيراً من جهده على مدى سنوات عدة في فصول تشريعية مختلفة على التدريب وأثره في المجتمع". لكنه في الفصل التشريعي السادس يطالب بمزيد من "الاهتمام بالتعليم التطبيقي والتدريب لأن ذلك يرتبط بتوفير قيادات وسطية" في مجال العمل الفني والمهني، وطالب بضرورة إظهار الاحترام للحرفيين المتدربين لأنه كان يرى انتقاصاً لحقهم في المجتمع إذا ما قورنوا بالأكاديميين خريجي الجامعات.
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/24386015020090601.jpg
المنيس مع المرحوم د. أحمد الربعي في ندوة
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/124386015020090601.jpg
المنيس مع مجموعة من الشباب
يتبع
لم يترك سامي أمراً ذا شأن في مجتمعه إلا وتساءل عنه رسمياً في أروقة مجلس الأمة وأثناء انعقاد الجلسات، فهو يسأل وزير العدل "عن عدد القضايا، والإجراءات التنفيذية، وأسباب عدم التنفيذ والمحكوم لهم والمحكوم عليهم"، وقد أجابه وزير العدل عما سأل عنه.
ورأى في إدارة الإطفاء "إدارة ذات شأن كبير في حياة الوطن والقضاء على كثير من الكوارث التي كان يمكن أن تحدث في غيابها"، ولكنه دعماً لهذه الإدارة الحيوية طالب سامي "إدارة الإطفاء ببذل مزيد من التوعية عن أخطار الحريق، لاسيما أن ميزانيتها وصلت إلى 18 مليون دينار في عام 85/1986". وأبدى ملاحظات حساسة منها ملاحظة نظام التخزين منعاً للكوارث وعدم التخزين في المناطق السكنية، والذي نعلمه أن إدارة الإطفاء تعمل ما وسعها في هذا المجال.
البلدية
لا تزال بلدية الكويت وأوضاعها حتى الآن تحتل مكاناً بارزاً في الصحافة وفي المناقشات العامة للمواطن، وكثيراً ما تصدر المراسيم بحل المجلس البلدي ثم إعادته. وهو مؤلف من أعضاء منتخبين ومعينين، وتغيرت تبعية هذا المجلس إلى أكثر من وزارة في الدولة. والمجلس البلدي في الكويت يحتل مكانة خاصة في نفس كل كويتي، فهو أقدم المؤسسات نشأة في الوطن وأكثر المؤسسات نشاطاً ومسؤوليات، خصوصا عن الأراضي منذ نشأته 1932 وحتى الآن. لذا كان الاهتمام بالمجلس البلدي أمراً طبيعياً عند عضو برلماني منتخب على قاعدة الدفاع عن الحرية والدستور ومصالح الشعب. رأى سامي أن "المجلس البلدي له خططه وبرامجه (في عام 85/1986) لكن هذه البرامج والخطط تواجه صعوبات حقيقية من المتنفذين وأصحاب المصالح". كما يلاحظ سامي " غياب السلطة التنفيذية (والبلدي إحدى مؤسساتها) والحكومة عن دعم قرارات المجلس والأجهزة الفنية فيه. وإذا ما صح ذلك فكيف يمكن للمجلس البلدي أن يعمل؟". ويرى سامي "أن كل القرارات التي صدرت من المجلس البلدي وكل التوصيات الفنية من إدارة البلدية تخضع إلى تسلط المتنفذين في هذا البلد. وتتجاوز الحكومة قرارات المجلس البلدي والفنيين والتخطيط وترسم سياسات معاكسة تماماً إرضاءً لهؤلاء المتنفذين... نبي (نريد) حماية فعلاً من المتنفذين.. ونوقف هؤلاء عن عملية التجاوزات". وهنا يرى سامي أن علة المجلس البلدي ليست في أعضائه أو فنييه، وإنما العلة في أصحاب النفوذ الذين يريدون مجلساً بلدياً يحقق مصالحهم.. كما يرى العلة في تغاضي الحكومة عن سطوة هؤلاء وعدم إعمالها بجد على تنفيذ القوانين على المواطنين بالتساوي. وحتى يتخلص المجلس البلدي من سطوة هؤلاء المتنفذين "فإنه سيظل عاجزاً عن إصلاح جهازه الإداري"، فهؤلاء المتنفذون قادرون "على أن يدخلوا أي موقع". وأمام هذا التوصيف للحالة التي يعيشها المجلس البلدي "ما قدرة المواطن على تحقيق مصالحه؟".
ويضرب سامي مثلاً على سطوة هؤلاء المتنفذين عندما يتساءل: "كيف تحولت المنطقة الصناعية واستغلت استغلالاً بشعاً؟". وهنا يضع سامي يده على بيت الداء وموطنه ويعلن أننا "لا نحتاج إلى قوانين، نريد الشعور بالعدالة ونريد تنفيذ القوانين (الموجودة) على القوي والضعيف".
كما يضرب مثلاً آخر في سطوة هؤلاء عندما يعلن في المجلس أن "البلدية تمنع بناء مجمعات تجارية في منطقة الجابرية، ولكن المتنفذين استطاعوا بناء هذه المجمعات". إذن والحالة كما وصفها سامي فالمجلس البلدي ليس بيده القرار وإنما "المتنفذون هم الأقدر على اتخاذ القرار". وإذا كانت الحال كذلك فما معنى وجود المجلس البلدي أَوَليس غيابه أفضل من وجوده؟!.
ناقش سامي مع زميله محمد المرشد في 24/6/1986 اقتراحه تعديل المادة 27 من القانون 15/1972 في شأن بلدية الكويت وحصر مناقشته في نقطتين:
1 – زيادة أعضاء المجلس.
2 – مبدأ التعيين الذي يقوم أساساً على اختيار ذوي الخبرة والكفاءة
سداً لفراغ محتمل عند الانتخابات.
ورأى أن "التعيين يفرز لنا قضايا ومشاكل لأنه لا يلتزم بتعيين الكفاءات المطلوبة بقدر ما يلتزم بترضية فئات أو شخصيات". وما كان هذا ليحدث في المجلس البلدي إلا بسبب غياب الديموقراطية ما بين 1976 و1981 عندما غاب مجلس الأمة.
ومن شأن البلدية وواقعها المحزن الذي عرضه، ينتقل سامي إلى مناقشة الإسكان ومشكلاته في فترة الانعقاد الثاني للفصل التشريعي، وبتاريخ 13/5/1986 ناقش سامي أمر إنشاء الهيئة العامة للإسكان التي أصبحت بديلاً لوزارة الإسكان، ويتحفظ على هذا الأمر لأنه في رأيه يقلل من "أهمية السياسة السكانية في البلد إضافة إلى أنه يتعارض مع آمال الشباب الطموحة في وزارة الإسكان".
هيئة الإسكان
في 14/6/1986 تُلي على المجلس تقرير لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بشأن اعتماد الحساب الختامي لهيئة الإسكان عن عام 1984 / 1985. وهنا وقف سامي متحدثاً عن قضية الإسكان ورأى أنها "قضية واسعة الاهتمام"، وذكر صراحة أن "أخطر قضية تواجه الإسكان وهيئة الإسكان هي قضية كثرة الأوامر التغييرية التي كلفت الدولة حسب تقرير ديوان المحاسبة في عام 1986 مبلغ ثلاثة عشر مليون دينار في مشروع واحد فقط".
ورأى أن مرد ذلك "يعود إلى غياب نظام خاص بشأن المقاولين من الباطن" وكما استفاد المقاولون من هذه الأوامر التغييرية مادياً فإن "هناك أوامر تغييرية أضرت بأصحاب السكن وأضرت بالمال العام"، لذا فهو يطالب بالحد من هذه الظاهرة والسيطرة عليها حتى تستقيم الأمور ويوقف الهدر في المال العام.
التعليم الجامعي
ومن الطبيعي أن يأخذ التعليم نصيبه من مناقشات مجلس الأمة وكان التركيز في دور الانعقاد الثاني على التعليم الجامعي والتطبيقي. ففي 10/12/1985 قرر مجلس الأمة مناقشة تقرير لجنة التعليم التابعة للمجلس والتي كان سامي عضواً فيها، وقد بحثت اللجنة في تقريرها سياسة القبول في الجامعة، وكان سامي قد طلب من المجلس في 29/10/1985 إحالة "سياسة القبول في الجامعة والمعاهد التطبيقية إلى اللجنة التعليمية لتقديم تقرير عنها". كما بحثت اللجنة وضع التعليم العام والتطبيقي.
ورأى سامي من خلال قراءته للتقرير أن "أوضاع الجامعة تشكل قلقاً حقيقياً للمجتمع" ورأى "أن رفع نسبة القبول في الجامعة أثقل على المواطن وعلى الطالب، وأصبح الوصول إلى الجامعة من الأمور الصعبة". وأشار إلى ظاهرة لافتة فعلاً عندما ذكر أن "نسبة التسرب في الجامعة تصل إلى 70 في المائة وأن سنوات التخرج منها تتراوح ما بين 7 و10 سنوات".
وذكر أن "هناك 3200 طالب على قائمة الإنذار، وأن هناك 1200 طالب على قائمة الفصل" في العام الدراسي 1985/1986. ورفض سامي أن يكون "الوضع الطلابي المذكور مرتبطاً بمعدلات الثانوية العامة، وإنما يرتبط بوضع الطلاب والأساتذة. فالطالب يجد صعوبة في التحرك من موقع إلى موقع، كما أن القرارات الاستيعابية وراء سياسة القبول، إضافة إلى نسب الثانوية العامة".
وأعلن سامي أن اللجنة التعليمية في المجلس لا تحدد نسبة القبول في الجامعة، فهذا من شأن الجامعة، ولكن "لا نُقر سياسة القبول المرتبطة بحصول الطالب على 70 في المائة من الثانوية العامة، ونستطيع القول للرئيس الأعلى للجامعة وزير التربية: يجب إعادة النظر (في هذه السياسة) لأننا لا نستطيع أن نحمل طلبتنا كل المسؤولية". أدرك سامي أن القبول في الجامعة رهن بالقدرة الاستيعابية ومعدلات الثانوية العامة، لكنه يرفض شرط المعدل 70 في المائة ويريده أقل من ذلك وترك الأمر للرئيس الأعلى للجامعة بعد أن طلب إليه إعادة النظر في هذا الأمر.
عرج سامي في دور الانعقاد الثاني بتاريخ 28/12/85 على أمر الطلبة الموظفين، وناقش أمرهم ورأى أن هناك "تضارباً بين الجامعة ومجلس الخدمة المدنية". وطالب "بوقف فصل الطلبة الموظفين الذين تم فصلهم وبإعادتهم إلى العمل بعد أن يتم التنسيق بين مجلس الأمة ومجلس الخدمة المدنية، وعرض الأمر على مجلس الأمة بعد أن يتم ذلك".
لقد كان الحس الشعبي والإحساس بمشكلات المواطن في ذات سامي المنيس، فهو ضد أي قرار يمس مصلحة أي مواطن، عاملاً كان أم طالباً، ولم يكن يتردد في المطالبة بحقوقه في أي دورة أو فصل تشريعي.
التعليم التطبيقي
ناقش مجلس الأمة، في دور الانعقاد الثاني هذا، أوضاع التعليم التطبيقي، وكان رأي سامي الذي أعلنه في المجلس "أن التعليم التطبيقي يواجه مشكلة اجتماعية، فالنظرة إليه أقل شأناً من (التعليم) الجامعي. كما يواجه مشكلة مادية فالجامعي يعيّن على الدرجة الرابعة بينما خريج التطبيقي يعين على الدرجة الخامسة". وسامي يعترض على الأمرين معاً. ويرى "أن يكون التعليم التطبيقي في مراحله الأولى كسنوات تمهيدية إلى الجامعة، ويجب أن يتم التحويل من المعاهد التطبيقية إلى الجامعة بيسر لا بصعوبة كما هو قائم، وحتى يكون التعليم التطبيقي جامعياً لا بد من الارتفاع بمستوى البرامج في التعليم التطبيقي".
كان رأي سامي هو رأي اللجنة التعليمية في مجلس الأمة، وما ذكره سابقاً هو توصيات اللجنة التعليمية إلى مجلس الأمة ومن ثم إلى هيئة التعليم التطبيقي والتدريب. وتطرق أيضاً إلى القضايا التي يواجهها هذا النوع من التعليم وأهمها قضية مراكز التدريب، فهو يريد منها "قيادات وسطية أو حرفيين"، بالإضافة إلى "الدراسات العليا التي يجب أن تتاح لمن يرغب أو للمؤهل لهذه الدراسات من طلبة المعاهد التطبيقية". ويطالب كذلك "بالتوسع في الدورات الخارجية التي تقدمها الوزارات المختلفة، إضافة إلى النظر في معادلة شهادات التطبيقي نظرة جدية".
أما عن نظرة المجمع إلى الحرفيين، فهو ينفي ما يقال إن المجتمع (الكويتي) يرفض العمل اليدوي، لأن "مجتمعنا عرف كل الوسائل الحرفية وما ينقصه هو التوجيه الإعلامي". إن فلسفة التعليم التطبيقي – كما رآها سامي – قائمة على أهمية الكوادر الفنية، وهذه الفلسفة تتطلب وقفة مقرونة بمراجعة للأعمال في القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع المشترك، وهو يرى "أن التوجهات القائمة الآن في سياسة الدولة نحو التعليم التطبيقي توجهات خاطئة". وحتى يثبت ذلك أورد الأرقام التالية:
"كان عدد الطلبة والطالبات المتدربين 1311 متدرباً ومتدربة فقط في العام الدراسي 1984 / 1985 وكما في المشروع، فإن من المتوقع أن يصل العدد إلى أكثر من 10127 في عام 1985 / 1986. وهذه الأرقام تحتاج إلى وقفة ومراجعة مقرونة أيضاً بحاجة القطاع الحكومي والخاص والأهلي إلى الكوادر المتدربة، فقفزة من هذا النوع في عدد المتدربين بحاجة إلى طاقة استيعابية من سوق العمل بكل أنواعه".
كما أورد مثالاً على التوجهات الخاطئة وأثرها الميداني على التعليم التطبيقي "فهناك مشاكل حقيقية بين المعاهد.. وكل المعاهد فيها مشاكل، فهناك قيادات غير كفوءة ومواقع المعاهد غير صالحة للتدريس، فمعهد التكنولوجيا زرايب. وهناك قيادات غير مسؤولة في تصرفاتها وسلوكها مع الأجهزة القائمة، ويجب إخراج الكادر الوظيفي بسرعة. إضافة إلى المقررات والأماكن للمتدربين التي ينبغي البحث عنها. وهي أمور ثلاثة لا بد من معالجتها بحكمة وروية حتى تصحح مسيرة التعليم التطبيقي".
ونعتقد أن نظرة سامي إلى المعاهد ومشكلاتها كانت صائبة، إذ جرى الأخذ بالكثير من انتقاداته، وها هي المعاهد تتقدم عاماً بعد عام ويكثر الإقبال عليها، وتكاد النظرة الدونية إليها تختفي من المجتمع وتحل محلها نظرة الاحترام والتقدير المقرونة بالرغبة، ونادراً ما نجد مؤسسة حكومية لا يتواجد فيها خريجو المعاهد التطبيقية، وتسير الأمور بوضوح نحو استيعاب الكثير منهم في القطاعين الخاص والمشترك.
طرح الثقة بوزير العدل
كان مجلس الأمة السادس أقوى المجالس النيابية، وكان واضحاً أن قوى المعارضة هي الأغلبية، كما كان واضحاً أن نشاط سامي قد انصب على المشكلات الوطنية. وبدأت بطرح قضايا حساسة للسلطة.. وتجرأت هذه المعارضة وطرحت الثقة بوزير العدل الذي ينتمي إلى الأسرة الحاكمة، بسبب دوره في أزمة المناخ . قدم بعدها الوزير استقالته كما تقدمت المعارضة بمشاريع قوانين مثل قانون محاكمة الوزراء، وقانون استقلالية القضاء ومطالبة النواب بأن يتولى المجلس الاطلاع على كشوفات وسجلات البنك المركزي. وأصرت المعارضة على محاسبة الحكومة على ممارساتها أثناء تعطيل الحياة النيابية الممتدة منذ عام 1976 .
حل المجلس
كانت نتيجة ذلك حل مجلس الأمة حلاً غير دستوري في أغسطس 1986 وفرضت الرقابة على الصحف والمجلات. لم يمر حلّ المجلس بسهولة، فقد رفض المواطنون ذلك ونظموا أنفسهم في ما عرف في تاريخ الكويت السياسي بلجنة الـ 45 التي تمثل جميع الدوائر الانتخابية، وضمت أعضاء من غرفة التجارة والاتحاد العام لعمال الكويت والاتحاد الوطني لطلبة الكويت وجمعية الخريجين وجمعية أعضاء هيئة التدريس وشخصيات عامة تمثل الاتجاهات السياسية والاجتماعية .
اتخذت مجموعة 32 نائباً، وكانوا جميعاً أعضاء في المجلس المنحل، قراراً بإنشاء الحركة الدستورية استجابة لرغبة اللجان في أكتوبر 89، وظهرت الحركة بشكل رسمي في 22/1/1990 وكان طبيعياً أن يكون أهم أهداف الحركة الدستورية الدفاع عن الدستور واستعادة الشرعية الدستورية وإجراء الانتخابات لعودة المجلس.
أدارت الحركة الدستورية بشكل منظم جبهة المعارضة لحل مجلس الأمة، وشكلت لجاناً شعبية في الدوائر الانتخابية، واستخدمت الحركة في دعوتها لعودة الحياة البرلمانية الدواوين والمساجد وتقديم العرائض وعقد المؤتمرات الصحفية.. وكان لها تجمعات عرفت بتجمعات يوم الاثنين، إذ كانت الحركة تدعو المواطنين إلى التجمع مساء كل اثنين في إحدى الديوانيات وكان أولها في 4/12/1989 في ديوانية جاسم القطامي .
لكن الحكومة لم ترضَ عن هذه التجمعات واعتبرتها مخالفة للقانون وقاومتها وحاولت منع إقامتها، واستخدمت القوة في بعض الأحيان لتفريقها. ودعت السلطة في 22/4/1990 المواطنين لانتخاب مجلس وطني بديل لمجلس الأمة مدته أربع سنوات. ورأى المواطنون في قانـون المجلس الوطني أنه مجرد مجلس استشاري أكثر من كونه تشريعيا .
وقد رأى أعضاء الحركة الدستورية في المجلس الوطني مخالفة للدستور وتزعمت الحركة الدعوة إلى مقاطعته ونجحت في ذلك إلى حد ما، إذ استجاب لدعوتها التجار وجمعيات النفع العام والهيئات الشعبية، ورأت مجموعة الـ 45 أن المشاركة في المجلس الوطني انتقاص لحقوق وإرادة الشعب الكويتي التي كفلها الدستور ولم يشارك التيار الديني في الدعوة إلى المقاطعة.
رغم المعارضة هذه، انتخب المجلس الوطني في 10/6/1990 وقد سبق انتخابه اعتقال قيادات الحركة الدستورية ولجنة الـ 45 ومنهم د. أحمد الخطيب، د. عبد الله النفيسي، الدكتور أحمد الربعي، جاسم القطامي، عبدالله النيباري وأحمد النفيسي.
ولكن الجماعة الوطنية وعلى رأسهم سامي المنيس نجحوا في مقاطعة انتخابات المجلس وظهرت للسلطة أثار المقاطعة، حيث كانت نسبة المشاركة ضئيلة.
تم افتتاح المجلس الوطني ولم يظهر أي تنظيم احتجاجي ولم يظهر أي شكل من أشكال الصدام لأن ذلك "لم يكن وارداً لدى الحركة الدستورية، حيث إن أغلب أطرافها لهم علاقات مع السلطة . وتلك سمة بارزة ومميزة في العمل السياسي في الكويت، فالأمور بين المعارضة والسلطة مهما تطورت لا تصل إلى حالة الصدام السافر. ونميل إلى الأخذ برأي د. أحمد الخطيب في وصفه للمعارضة في الكويت بقوله:
"إن مفهوم المعارضة السياسية من الصعب إطلاقه بدقة على الوضع في الكويت، فهذا التعبير قد يكون أكبر من الوضع الحالي"، ذلك لأن المعارضة في نظره تحمل معنى معيناً في الدول الديموقراطية البرلمانية، هناك حزب في السلطة وحزب خارج السلطة يشكل معارضة في البرلمان، وهذا غير موجود في الكويت.
ورأى أن الأقلية المعارضة، قصد منها التيار الوطني الديموقراطي، في مجالس الأمة المختلفة سواء كانت المعارضة في الكويت حزباً أو تياراً وطنياً أو ائتلافاً شعبياً، رغم حدة المناقشات تحت قبة البرلمان التي تصل أحياناً إلى التشابك، فإنه من غير المنطقي الطلب إلى المعارضة أن تصعد الأمور إلى حد الصدام مع السلطة في ممارسة الحق الديموقراطي، ولا يعني الصدام جرّ البلاد إلى ما لا تُحمد عُقباه.
سامي المنيس أثناء فترة الاحتلال
وفجأة ذُهل العالم مما حدث في 2/8/1990 عندما أقدم نظام الحكم في العراق على غزو الكويت واحتلالها سبعة أشهر خرج منها مهزوماً أمام قوات التحالف الدولي، وعادت الكويت حرة مستقلة ديموقراطية. ولا بد من الإشارة هنا إلى موقف سامي المنيس أثناء فترة الغزو وقبل التحرير.
لقد كان سامي – رحمه الله – موجودا في الكويت عند احتلالها، في بيته في العديلية.
كان سامي متفائلاً حتى في اللحظات المظلمة في التاريخ الكويتي وفي المراحل الأولى للاحتلال العراقي للكويت.. كان متفائلاً بقدرة الكويت والكويتيين على النصر وتجاوز المحنة. وفتح ديوانيته في منطقة العديلية واستقبل الكويتيين في تلك الفترة الحرجة وبعد خروجه من الكويت في أكتوبر 1990 ساهم في فعاليات مؤتمر جدة الشعبي الذي انعقد لتأكيد إصرار الكويتيين على التحرير، وعلى إعادة العمل بالشرعية الدستورية واختير لعضوية اللجنة الشعبية التي ساهمت في ذلك مع الحكومة الكويتية في المنفى في مدينة الطائف .
وكان قبل مشاركته في مؤتمر جدة شكل مجموعة تدافع عن الكويت في المحافل الدولية . وكان عضو لجنة الحريات العليا التي شكلت إبان الاحتلال العراقي لدولة الكويت، كما كان أحد أعضاء الوفود الشعبية التي زارت بلدانا عربية وأوروبية عدة للدفاع عن قضية الكويت العادلة .
ما بعد تحرير الكويت حتى مجلس الأمة الثامن 1992
ذكر سامي المنيس "أن وطنه الكويت جزء لا يتجزأ من المنطقة، ولا يمكن النظر إلى الكويت بشكل معزول عما يدور في هذه المنطقة" . ولعلنا نجد في تسلسل الأحداث بعد انتخاب المجلس الأول ما يثبت صحة قوله. فقد كان التأثير المتبادل للأحداث بين المنطقة والكويت واضحاً، كان أبرزها ما أفرزته نكسة 1967 إحدى حلقات الصراع بين الأمة العربية الإسلامية من جانب والكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية في العالم من جانب آخر.
لقد شهدت حركة القوميين العرب في الكويت انقساماً بعد نكسة 1967 ما بين مجموعة القطامي ومجموعة الخطيب، تحت تأثير ما حدث في حركة القوميين العرب نفسها. وقاد القطامي تنظيماً سياسياً جديداً باسم التجمع الوطني، وهو ناصري تماماً لكنه تبنى برنامجاً سياسياً قريباً إلى برنامج مجموعة. ومن أغرب ما يلاحظ على الحركة العربية المنظمة في الكويت بروز الاختلافات بين جناحيها الرئيسين: التقدميون الديموقراطيون، والناصريون (التجمع الوطني)، وكان ذلك كما ذكر سامي المنيس بتأثير الأحداث السياسية في المنطقة العربية بعد نكسة حزيران 1967. وذلك عندما رفض التقدميون الديموقراطيون عام 1970 مبادرة روجرز لحلّ القضية الفلسطينية وأيدها عبدالناصر، وسكت عنها التجمع الوطني، لأنه لم يشأ توجيه النقد إلى عبد الناصر.
كما أُخذ على التقدميين الديموقراطيين عدم مشاركتهم أو تأبينهم للرئيس عبد الناصر عندما توفاه الله في 28/9/1970 في جريدة الطليعة الناطقة باسمهم. ونجح كل فريق منهما في استقطاب مجموعات من الكويتيين في أشهر مؤسستين للتجمع المدني في الكويت: جمعية الخريجين (التجمع الوطني) ونادي الاستقلال (التقدميون الديموقراطيون). وازداد الخلاف في عام 1971 في الانتخابات التشريعية في الكويت عندما انتقد التجمع الوطني مشاركة التقدميين الديموقراطيين (نواب الشعب) في الانتخابات، وعندما هاجم التقدميون الديموقراطيون التجمع الوطني في انتخابات 1975. وظهر خلاف شكلي وليس جوهريا بين الفئتين بسبب الكيفية التي يجب أن تكون عليها الجبهة العربية المشاركة للثورة الفلسطينية بعد عام 1973. وما إن انتهت سبعينات القرن العشرين حتى وحد الطرفان بعد حلّ مجلس الأمة 1976 نفسيهما في وضع يفرض عليهما التنسيق، لا سيما أن خلافاتهما لم تكن جوهرية ولا تصل إلى الأهداف العليا للطرفين في نبذ الكفاح المسلح في الكويت وفي الدعوة إلى انتخابات دستورية. وينبغي القول هنا إن هذه الخلافات ما كانت لتؤثر في موقف الطرفين من القضايا التي تمس سلامة الوطن. ظهر هذا واضحاً عندما أقدم النظام العراقي في مارس 1973 على احتلال مخفر الصامتة الكويتي على الحدود العراقية، وعندما أصدر مجلس الأمـــة بيانه بالإجماع الذي شجب العدوان ودعا إلى حفظ الحقوق الوطنية الكويتية . كما ظهر الاتفاق بين الفئتين في عام 1973 عندما شاركنا في المؤتمر الشعبي لجمعيات النفع العام المؤيدة للثورة الفلسطينية عندما تعرضت للعدوان في لبنان، وعندما كان موقف الطرفين متطابقاً، كما كان متوقعاً منهما، في حرب أكتوبر 1973، وفي اتفاقية الصلح المنفرد مع الكيان الصهيوني 1979.
http://kuwait-history.net/vb/up/uploads/24397908220090603.jpg
سامي المنيس مترئسا وفد لجنة الحريات
ظهر على الخريطة السياسية في الكويت، بعد حل مجلس الأمة في 29/8/1976، اسم سياسي جديد هو التجمع الديموقراطي، لكن هذا التجمع لم يستمر طويلاً، وعندما لم ينجح أحد منهم في انتخابات 1981 (المجلس الخامس) لجأت حركة التقدميين الديموقراطيين إلى إحياء التجمع الديموقراطي الذي كان فيها إضافة إلى مجموعة سياسية اخرى. وكان خالد الوسمي الوحيد الذي نجح في هذه الدورة، وكان مؤيداً لحركة التقدميين الديموقراطيين وصوتها في مجلس الأمة. والدكتور خالد الوسمي أستاذ جامعي، يعترف الدكتور أحمد الخطيب في صحيفة الطليعة عدد 1694 بتاريخ 7/3/2005، "بالدور الكبير الذي لعبه زميلنا الدكتور خالد الوسمي في ذلك الوقت حيث إنه" الوحيد الذي نجح في المجلس وساهم في إفشال محاولات تعديل الدستور". كان هذا داخل المجلس، أما خارج المجلس فلم تسكت الحركة الوطنية عن هذه المحاولات وتصدت للأمر ووجه د. أحمد الخطيب وجاسم القطامي رسالة مشتركة إلى مجلس الأمة حول اقتراحات الحكومة بتنقيح الدستور والمتمثلة في:
1 – إزالة حق التشريع من أعضاء مجلس الأمة.
2 – إلغاء حق الرقابة والمحاسبة من خلال رفع الحصانة عن النائب داخل
مجلس الأمة.
3 – وضع العراقيل أمام النواب بطرح وجهات نظرهم في النقاش (الرسالة ملحق 2)
ونجح نواب الحركة الوطنية في مقاومتهم لهذه الاقتراحات.
وتمكن التجمع الديموقراطي من تحقيق انتصارات في انتخابات مجلس الأمة السادس عام 1985 عندما نجح في الانتخابات د. أحمد الخطيب، د.أحمد الربعي وسامي المنيس، لكن هذا المجلس سرعان ما صدر الأمر بحله عندما أصبحت الأغلبية فيه غير مؤيدة للسلطة التنفيذية. وشهدت الكويت بعد حلّ المجلس تحركاً شعبياً للمناداة بعودة الحياة الدستورية، كما سبق أن ذكرنا.
ويبدو أن هذا التحرك فُهم خطأ من نظام الحكم في العراق وفُسّر على أنه معارضة لمؤسسة الحكم المتمثلة في أسرة آل الصباح وليس معارضة لتعطيل الدستور، وزاد سوء فهم هذه الحركة الشعبية المطالبة بالديموقراطية اعتقال بعض رموزها ومنهم جاسم القطامي، أحمد الخطيب وأحمد الربعي ولم يُعتقل سامي المنيس، في مايو 1990.
وأحدث الغزو العراقي في 2/8/1990 الزلزال الأقوى في تاريخ العرب الحديث وأودى بكثير من الإنجازات القومية، كما أثار ألف علامة استفهام حول ما يطرحه الطغاة من شعارات غوغائية، وأحدث ردات فعل في نفوس الكثيرين، كما وضع المنطقة على حافة مستقبل لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى. وخرَّب أيّما تخريب وحدة التضامن العربي والالتفاف العربي حول القضية الفلسطينية، فماذا كان موقف أعضاء التجمع الوطني، وهي القوى الوطنية الديموقراطية، من هذا الغزو؟
موقف القوى الوطنية الديموقراطية من الغزو العراقي
كان أبرز دور لها خارج الكويت هو المساهمة في مؤتمر جدة، وكان دورها كما يقول د. الخطيب حاسماً حول عودة العمل بالدستور، وكان موقف القوى الوطنية الديموقراطية متمثلاً في:
الإدانة الكاملة للاحتلال ورفضه والعمل على إنهائه.
التمسك بالشرعية الدستورية كما نص عليها دستور 1962.
وبذا تمكنت هذه القوى من نقل مؤتمر جدة من مؤتمر مبايعة فقط لمؤسسة الحكم إلى إقرار لأحقية قضية الديموقراطية والدستور. كما ساهمت هذه القوى بالتحرك على المستويين العربي والعالمي لشرح طبيعة الاحتلال العراقي وممارساته الوحشية التي فاقت كل تصور، لكسب المؤسسات الإنسانية وإبراز هوية الشعب الكويتي الديمقراطيي التي ميزته عن عموم المنطقة، مع التوجه إلى حركات السلام وتحديد مسؤولياته تجاه هذه الحرب والتصدي لمقولة الاكتفاء بالحصار الاقتصادي، فهو كفيل بإخراج العراق من الكويت. وكان ذلك أبرز جهد قامت به الحركة الوطنية مع غيرها من الكويتيين، لأنه لو حدث أن تم ذلك لكان تحرير الكويت أبعد منالاً من نجوم السماء.
أما في داخل الكويت، فقد تمكنت رموز القوى التقدمية الديموقراطية المتمثلة في شخصية عبد الله النيباري الذي عاش فترة الاحتلال كلها داخل الكويت، من العمل على تقوية الوحدة الوطنية الكويتية الأسطورية في وجه الغزو وتوفير الظروف الملائمة للصمود على أرض الوطن والعصيان المدني في مقاومة الغزاة.
مؤتمر جدة
دُحر الغزو العراقي وعادت الشرعية إلى الكويت، وعادت الكويت حرة، وعادت مؤسسة الحكم لتمارس نشاطها وصلاحياتها المستمدة من قوة الشعب ورغبته، بعد احتلال دام من 2/8/1990 حتى 26/2/1991. وفي هذه الأثناء لم تغب الكويت لحظة عن أذهان العالمين العربي والعالمي، كما ناضل أهلها جميعاً داخلها وخارجها، من أجل تحرير الوطن حتى نجحوا في ذلك. وكان انعقاد مؤتمر جدة الكويتي في 27/10/1990 وكان لمجموعة الـ 45 - والذين اعتقل بعضهم قبل الغزو- موقف وطني موحد مع مجموع الشعب والسلطة التشريعية، وكان سامي أحد أعضاء هذا المؤتمر الذي أكد شرعية الحكم والعودة إلى الديموقراطية بعد التحرير.
المنبر الديموقراطي
ويبدو أن فكرة إنشاء المنبر الديموقراطي كتنظيم سياسي على الساحة الكويتية ظهرت أثناء فترة الغزو، وما إن تحررت الكويت في 26/2/1991 حتى عاد من غادر أثناء الاحتلال إلى وطنه. وعقدت القوى اليسارية والقومية مؤتمراً تأسيسياً تم فيه الإعلان عن تأسيس "المنبر الديموقراطي الكويتي". وضم هذا المنبر حركة الديموقراطيين الكويتيين (ومنهم سامي المنيس وأحمد الخطيب وعبد الله النيباري) والتجمع الوطني (جاسم القطامي) وبعض القوى اليسارية (اتحاد الشعب) وشخصيات وطنية مستقلة. وأصبح هؤلاء قائمة موحدة خاضت الانتخابات البرلمانية منذ 1992 وحتى الآن بهذا الاسم، وكان سامي أحد رموزه مع أحمد الخطيب وعبدالله النيباري وجاسم القطامي. إلا أن سامي لم يُوفق في انتخابات 1992، ولا يعني ذلك أنه كفّ عن نشاطه السياسي أو البرلماني.
برنامج المنبر الديموقراطي
عام 1992
تقدم المنبر الديموقراطي إلى الشعب في انتخابات 1992 ببرنامج انتخابي شرح فيه واقع الكويت بعد التحرير وآثار الغزو البغيض في نفوس الشعب الكويتي، كما أشار إلى الواقع البيروقراطي الحكومي. وكان برنامج المنبر منصباً على الانقاذ والتصحيح انطلاقاً من اعتماده ركائز أساسية في بناء المجتمع، وهي تعزيز الأمن وترسيخ الحكم الدستوري الديموقراطي وتحقيق التنمية البشرية. وهي الركائز التي رأى المنبر في تحقيقها صورة الكويت المستقبلية. وقد اقترح البرنامج تكريم الشهداء والعناية بأسرهم ودعم جهود البحث عن المفقودين وتعزيز الكيان الدستوري الديموقراطي من خلال تطبيق الدستور وتفسيره ديموقراطياً، والمساءلة السياسية وإصلاح السلطة التنفيذية والمراجعة التشريعية للمراسيم والقوانين التي صدرت منذ 3/7/1986 وحتى انعقاد المجلس المنتخب. وهي فترة تمتد لأكثر من ست سنوات غُيّ.ـب فيها مجلس الأمة، والمصادقة على اتفاقيات حقوق الإنسان وإلغاء المادة/ 9 من القانون 24/62 بشأن الأندية وجمعيات النفع العام، وتعديل وتوسيع القاعدة الانتخابية وضمان نزاهة الانتخابات والعمل على تحقيق استقلال القضاء استقلالاً تاماً.
وشدد البرنامج على الأمن الخارجي والأمن الداخلي للكويت. وأوضح موقفه من السياسة الخارجية للدولة التي يجب أن تقوم على التفاوض وحسن الجوار وتوازن المصالح واحترام المنظمات، ودعم حقوق الشعب الفلسطيني وحق الشعوب في الديموقراطية ونشر الوعي البيئي. كما أكد على التخطيط الاقتصادي والاهتمام بالقوى العاملة الوطنية، واهتم بحياة المواطن ومكافحة الغلاء وتعديل قانون التأمينات الاجتماعية والصناعة النفطية لمصلحة المواطن. ودعا إلى العمل من أجل الحد من ارتفاع أسعار العقار المخصص للسكن.
كما اهتم البرنامج بالتعليم ووعد بالسعي إلى مراجعة نتائج سياسة الدمج 91/92 وتعديل قانون التعليم الإلزامي ليشمل مرحلة الثانوية العامة والعمل على زيادة معاهد التعليم التطبيقي وبناء مجمع شامل للجامعة يضم جميع كلياتها. مع إصدار قانون جديد للجامعة يعطي لهيئة التدريس دورها في توجيه التعليم الجامعي مع زيادة الاهتمام باللغة العربية والتزام وزارة التربية بالقضاء على الأمية مع نهاية القرن العشرين.
ودعا البرنامج إلى استقلالية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب مع دعم المبدعين ونشر الثقافة الجادة. كما دعا إلى إنشاء هيئة وطنية للإذاعة والتلفاز مهمتها الوصول الحر إلى المعلومات والسعي إلى الحقيقة. وخص البرنامج المرأة فطالب بحقوقها السياسية ترشيحاً وانتخاباً، وبعدم تقييد امتيازاتها في العمل وتوفر عدالة شروط العمل في القطاعين الخاص والعام.
وأخيراً دعا البرنامج إلى الاهتمام بالبيئة بعد كارثة التلوث البيئي التي سببها الغزو العراقي، مع نشر الوعي البيئي وتنشيط الهيئات المهنية وإبرام الاتفاقات الدولية والإقليمية بشأن البيئة .
على أساس هذا البرنامج، خاض المنبر الديموقراطي انتخابات 1992 وكان مرشحوه عبد الله النيباري، جاسم القطامي، إبراهيم يوسف عبد المحسن، أحمد الديين، د. أحمد الخطيب، سامي المنيس، خالد الوسمي ومبارك سلطان العدواني.
ونجح عبدالله النيباري رفيق الدرب لسامي الذي لم ينجح. وافتقد مجلس الأمة صوتاً حراً جريئاً، لكن سامي كان يؤمن بأن الديموقراطية ليست عضوية في مجلس الأمة وحسب بل هي ممارسة يومية يعيشها المؤمن بها أينما وُجد. وشهد هذا الفصل التشريعي إنجازاً ملحوظاً لحقوق الإنسان عندما تألفت لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان كإحدى اللجان المنتخبة من بين أعضاء المجلس. ومن اللافت للنظر في حياة سامي أنه أصبح رئيساً للجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في مجلس الأمة لعام 1996 وما بعدها .
أنه أصبح رئيساً للجنة الدفاع عن حقوق الإنسان في مجلس الأمة لعام 1996 وما بعدها .
برنامج 1996 – 1999
عاد سامي إلى مجلس الأمة في انتخابات الفصل التشريعي التاسع في أكتوبر 1996. وخاض الانتخابات في هذا الفصل ملتزماً بالبرنامج الانتخابي للمنبر الديموقراطي تحت عنوان: "حكم ديموقراطي.. وطن آمن" .
وقد أوضح البرنامج رؤية المنبر الديموقراطي للقضايا الكويتية المختلفة وكيفية معالجتها وحلها. وكان أهمها مستقبل الكويت والعلاقات الخارجية، متمثلة في تركيز جهود السياسة الخارجية الكويتية على عزل النظام العراقي عربياً وعالمياً، وإفقاده كل عون اقتصادي يمكن أن يحصل عليه من أي جهة كانت، مع تشديد الحصار الاقتصادي عليه.
كما دعا البرنامج الى تعزيز فرص السلام والتنمية في الخليج العربي والوطن العربي عموماً، على أسس من احترام القرارات الدولية ذات الأهمية وذلك مساندة للدول العربية لتحقيق السلام العادل في منطقة الشرق الأوسط، وتعزيز أواصر التعاون مع دول الخليج العربية. وتطوير العمل الديموقراطي من خلال العمل مع القوى الوطنية في الساحة الكويتية لتطوير العمل السياسي وتعميق الدور الشعبي وإبعاد أصحاب النفوذ عن التأثير في قرارات السلطة. ودعا البرنامج إلى قيام الأحزاب السياسية وتكريس حرية الصحافة والاعتناء بحقوق الإنسان.
وفي المسألة السكانية، بيّن المنبر الديموقراطي أن هناك 36 في المائة من مجموع السكان كويتيين، مما يعني ازدياد عدد الوافدين. ويمثل الوافدون 83 في المائة من قوة العمل والكويتيون 17 في المائة، يعمل 95 في المائة منهم في القطاع العام، كما تطرق إلى الرعاية السكنية وذكر أن هناك 45 ألف طلب.
وفي مجال الاقتصاد وإعادة هيكلته، أشار البرنامج إلى تشوهات حقيقية في البناء الاقتصادي، نتيجة الطبيعة الريعية لهذا الاقتصاد. ونادى بضرورة الحفاظ على ما تبقى من الاستثمارات ووقف الهدر وترشيد الإنفاق وتخصيص الخدمات بواقعية مع الاستمرار بتوفير التعليم المجاني في جميع مراحل التعليم لأبناء الكويت.
أما عن العمالة، فدعا المنبر إلى إعادة النظر في قانون العمل في القطاع الأهلي ونادى بتأسيس هيئة عامة للاستخدام والتوظيف للاعتناء بتشغيل العمالة الكويتية. أما عن اقتصاد النفظ، فقد ذكر البرنامج اعتماد الكويت شبه الكلي على ايرادات النفط، واخفاقها في تنويع مصادر الدخل. لذا أشار البرنامج إلى الصناعات النفطية التي يمكن أن تكون مجالاً للاستثمار. وركز البرنامج على العناية بالبيئة لأنها مرتبطة بحياة الإنسان، ودعا إلى فرض القوانين الصارمة ضد من يحاول تلويثها أو يعتدي عليها.
ومن الطبيعي أن يشدد البرنامج على أمن الوطن والمواطن، وعرج على حقوق الإنسان، خصوصا بعد المعاناة القاسية للإنسان في ظل الاحتلال العراقي الغاشم. ولم ينسَ البرنامج الاهتمام بالمرأة وحقوقها والاهتمام بالتعليم وتطويره، وكان سامي ملتزماً بهذا البرنامج التزاماً تاماً في مناقشاته في جلسات مجلس الأمة. وبدأ هذا الفصل في دور انعقاده الأول بحوار حول البرنامج الحكومي الذي يقدم عادة عند بداية كل فصل تشريعي عندما يلقي ولي العهد رئيس الوزراء الخطاب الأميري بعد النطق السامي بافتتاح الفصل والترحيب بصاحب السمو أمير البلاد.
كان تركيز البرنامج الحكومي على الأمن الوطني عندما أعلن سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء أنه ليس لديه أولوية سوى الأمن الوطني. لكن سامي يتساءل "هل الأولويات في ما يتعلق بالأمن الوطني غائبة عن هذا المجلس؟ وهل الاهتمام بالشؤون العامة كما قال سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ليس له أولوية". "لا أقبل أن يدار أمن هذا الوطن بردود فعل من دون أن يكون هناك برنامج مسبق. إننا ننشد تعاون مجلس الأمة مع السلطة التنفيذية، لكننا نريد تعاوناً صادقاً قوياً بين السلطتين لا التعاون الذليل. نريد مجلساً يتعاون وفق الأسس الدستورية، فالعمل الديموقراطي يعني الوضوح".
وهنا أشار سامي إلى النطق السامي في الفصل التشريعي الثامن دور الانعقاد الثاني الذي تضمن:
1 – إصلاح الوضع الإداري في مؤسساتنا العامة والخاصة والذي تنصلح من خلاله أمور كثيرة.
2 – الموقف الحاسم والصلب من الفساد والمفسدين ولا تهاون مع مرتكبي الحوادث المخزية التي تنال من قيم مجتمعنا وأمنه واستقراره.
وهما أمران لا يستطيع أحد معارضتهما، وهما مطلب شعبي ودستوري للمواطن.
لكن سامي رأى أن "رقي المجتمعات يقاس بمقدار التزامها بالقوانين التزاماً أخلاقياً منبعثاً من ضمائرها". أما عن الحسم ضد مرتكبي الجرائم، فيرى سامي وهذا أمر طبيعي "أن ذلك مرتبط ارتباطاً مباشراً بتطبيق القانون على الناس جميعاً". لكنه يرى أن السبب في عدم تطبيق القانون يعود إلى "المواد الخاصة بالاستثناءات من الوزارة".
مقاومة الفساد
أما عن مقاومة الفساد، فهو يرى أن "الخلل موجود في التشريعات التي تخدم الفساد والمفسدين". وإذا ما أردنا التحدث عن الأمن فإنه في نظر سامي يندرج تحت بندين:
الأول: "المضي الجاد والمخلص والمثابر لمنع الجريمة قبل وقوعها. أما ما يشغل بالنا فهو الثاني، المتمثل في الجريمة التي تقع من دون الوصول إلى الجاني". وهما أمران ركز عليهما سامي في جميع الفصول التشريعية، ولم يكف عن إثارتهما ومطالبة وزارة الداخلية بتحقيقهما.
كان سامي يطالب بإعطاء رجل الأمن الصلاحيات القانونية التي تخوله التحرك لمكافحة الجريمة، وذلك عندما ذكر "أن رجل الأمن عندما يشعر بأن ليس أمامه خطوط حمراء للوصول إلى مرتكبي الجرائم، خصوصا تجار المخدرات والخمور، وقتها نقدر أن نقول إن رجل الأمن بدأ يشعر بالاطمئنان وإن ما من شيء يمنعــه من الوصول إلى الجناة".
الفئة الباغية
وهنا أثار سامي علة العلل في كثير من المجتمعات، وليس في الكويت فقط، تلك العلة المتمثلة في وجود فئة متنفذة أو متسلطة تتمتع بامتيازات معينة، ويقوم بعض أفراد هذه الفئة باستغلال قوتهم ونفوذهم في المجتمع فيستبيحون القوانين والأعراف الاجتماعية في سبيل تحقيق كسب مالي، وربما يعود ذلك إلى شعور هذه الفئة بأن الدولة ملك لهم وليست لغيرهم، وهم الأحق بالانتفاع منها كما يشاؤون. وهذا شعور بإلغاء مواطنة الآخر. وقد يكون من بين هؤلاء تجار مخدرات أو تجار خمور، وقد يكون من بينهم سراق للمال العام وقد يكون بينهم من يستخدم آخرين لارتكاب جرائم التصفية والعدوان الجسدي... إلخ. وهؤلاء هم آفة كل مجتمع ولا سبيل لنهضة اجتماعية إلا بالقضاء عليهم، ومما يساعد في تحقيق ذلك أنهم معروفون وأن معرفتهم سهلة أيضاً، كما أنهم معروفون بجبنهم، إذ سرعان ما ينهارون عند ظهور أي بادرة حاسمة أو صارمة في تنفيذ القوانين وفرض هيبتها، وعندما يشعرون بأي تحرك شعبي منظم ضدهم.
العمل والعمال
كانت مشكلات العمال أينما وجدوا وأحوالهم على أجندة سامي الدائمة والثابتة، وسعى ما في وسعه إلى تنظيم العمالة في الكويت من خلال مؤسسات عمالية ونقابات وجمعيات. ونجح في ذلك عندما أسس أول نقابة لعمال النفط في مطلع حياته النقابية السياسية. ورأى في مرحلة نضج تفكيره وتقدمه في العمر "أن ظهور مؤسسة استخدام للعمالة في القطاعين الخاص والعام تساهم في حل الكثير من مشكلات العمالة الوافدة إلى الوطن. وتخلصها من خطر الابتزاز والاستغلال والإهمال".
شهد هذا الفصل التشريعي الدعوة الى تعديل قانون العمل في الكويت، ومن يعرف سامي يدرك أنه مع التعديل إذا كان في مصلحة العمال، وأنه ضده إذا مس أي حق من حقوقهم. وهو الساعي دائماً إلى تحقيق المكاسب للعمالة الوطنية والوافدة. لذا فإنه يود أن "يأتي تعديل أوسع وأشمل في قانون العمل في القطاع الأهلي". بل يذهب إلى أبعد من ذلك، ويدعو وزير الشؤون الاجتماعية والعمل إلى أن "يعيد النظر في قانون العمل في القطاع الأهلي بالكامل وليس بالجزئية"، والتعديل وإعادة النظر في قانون العمل يعني أنه يعاني من نواقص تسيء إلى وضع العمالة في القطاع الأهلي بالذات، كما تسيء إلى سمعة الكويت دولياً، لاسيما أن هناك منظمات دولية تقدم ملاحظاتها عن سلبية المعاملة في القطاع الأهلي. وليست الخطورة في هذه الملاحظات، بل في الكثير من الأعمال غير الإنسانية وغير المعقولة ضد العمال والتي تؤثر سلباً في سمعة هذا البلد.
وحتى يضع الأمور في نصابها ولا يكون حديثه عن العمال في القطاع الأهلي حديثاً انفعالياً، فإنه يذكر قضايا محددة يعاني منها العامل في القطاع الأهلي أهمها "عدم تحديد ساعات العمل في هذا القطاع، تدني الأجور، تجارة الإقامات، أعمال لا يقرها إنسان يقدر معنى الإنسانية. وهل هناك ما يسيء إلى سمعة الوطن أكثر من هذا؟".
يبدو أن ملاحظات سامي عن العمالة في القطاع الأهلي كانت ككرة الثلج، إذ سرعان ما كبرت لتصبح ظاهرة يجري الحديث عنها في الكويت وخارجها، ولتفرض نفسها على صانع القرار لحلها حتى تعود الأمور إلى نصابها، وتعود الكويت إلى نصاعتها وتتخلص من مرتزقة الإقامات ومستغلي الخدم.
التعاون بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء
شهد هذا الفصل التشريعي ظاهرة الأقاويل عن عدم التعاون بين مجلس الأمة ومجلس الوزراء، وكان لافتاً للنظر في أوائل 1997 عندما انتقل الحديث إلى الشارع أو الديوانيات. ويتصدى سامي لهذه الأقاويل قائلاً "إن ذلك يعني أن هناك إقرارا داخليا من الداخل في نفوسنا أنه ح.نّا (نحن) فريقين مو فريق واحد للكويت. ومشكلتنا الأساسية إثبات الثقة. ومع الأسف هناك أطراف غير مسؤولة تحرض على توجيه الرأي العام أو اتخاذ قرارات داخل المجلس الوزاري بأن مجلس الأمة معطّ.ل، غير متعاون. إن عنق الزجاجة عندنا المصداقية لكلمة التعاون، يجب أن نترجمها بشكل آخر لا بالتصريحات. نريد أن يكون التعاون في إنقاذ البلد وانتشاله من حالة الهاوية واللي قاعدة تعيشها".
وهنا يحمّـل سامي أطرافاً في مجلس الوزراء مسؤولية التحريض على مجلس الأمة، كما يحملها مسؤولية إثارة الرأي العام. ورغم أنه ينفي عدم التعاون ولا يثبته، فإنه يشير إلى تعاون من نوع جديد يكون شاملاً، لا من أجل إصدار تشريع أو قانون وإنما من أجل إنقاذ الوطن ككل، ذلك لأنه يرى الوطن، يعيش حالة لا يرضى عنها يصفها بالهاوية.
كان مفهوم التعاون عند سامي شاملاً للوطن لا لحل قضايا جزئية أو فردية هنا أو هناك، لذا فهو يرى أفضل طريقة للتعاون من أجل انتشال الوطن هي تحديد الفساد والمفسدين وأين يقع الانحراف ومعرفة الخلل المتمثل في منح الاستثناء في التشريع إلى الوزير كما يراه في محاربة الوساطة بطريقة عملية لا بطرق الوعظ والإرشاد، وذلك من خلال رفضها وعدم تلبية مطالبها، لأنها معطلة للعدالة والمساواة وفيها هدر واضح لحقوق الآخرين.
يرى التعاون شاملاً بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة، كما يرى أنه يجب أن يكون شاملاً أيضاً مع المواطن إذا "كنا شركاء في هذا الوطن نسعى إلى رفعته". وحتى نتمكن من زرع الثفة في نفوس المواطنين ونضمن تعاونهم لا بد من الإيمان "بحق المواطن في ممارسته الحياة الاجتماعية كما يراها هو لمصلحته، متمثلة في انتشار جمعيات النفع العام، ومن أهمها جمعية حماية المستهلك التي ستكون وسيلة للقضاء على التلاعب والرشاوى، وتكون بذلك وسيلة من وسائل الرقابة الشعبية المنظمة من خلال مؤسسات شعبية سيكون لها دور في الحد من جريمة المخدرات وغيرها. وستكون امتداداً للرقابة الشعبية المتمثلة في مجلس الأمة من جهة، وفي ديوان المحاسبة من جهة أخرى، والمواطن هنا يؤدي واجباً ويأخذ حقاً".
التعليم والصحافة
شارك سامي في 29/4/1997 في مناقشة تقرير لجنة شؤون التعليم والإرشاد رقم 28، وأشار إلى الرقابة على الصحافة بعد حل مجلس الأمة في 1986 وما ترتب عليه من نتائج سلبية. وطالب بتوسيع ملكية الصحف لإيمانه بأن الخوف "ليس من مالك الصحيفة فقط، بل يمكن أن يكون الانحراف من صاحب القلم"، كما طالب "بمنــح جمعيات النفع العام حق إصدار الصحف، وبعدم مصادرة الحريــة".
انتقل سامي في 3/5/1997 إلى مناقشة الوضع الاقتصادي في البلاد، وذكر أن "الظروف المعيشية أصبحت قاسية لا سيما أن 95 في المائة من المقتدرين على العمل هم قوى عاملة في القطاع الحكومي" كما ذكر برنامج الحكومة "وحياتهم مرتبطة بالراتب والأجر من الدولة"، ورغم ذلك "لم يُشر برنامج الحكومة إلى إعادة النظر في الأجور مع أن إنفاق الأسرة يتزايد، خصوصا أن الحياة كلها مستوردة من الخارج".
النفط
ولم ينسَ سامي كعادته التعريج على النفط، وتمنى على مجلس الأمة" أن يبادر إلى تشكيل لجنة نفطية من داخل المجلس على غرار اللجان الأخرى، لا سيما أن مجلس الأمة الكويتي، وهذا ما نعتز به منذ 1963 وهو من المجالس المتميزة في قضايا النفط، أسقط اتفاقية الدمج لأنها كانت مجحفة في حق الوطن، وأتى مجلس 1971 وأسقط اتفاقية المشاركة المجحفة بحق دول النفط، وجاء مجلس 75 ليؤمم النفط.
بنك التسليف
شارك سامي في مناقشة سياسة بنك التسليف وتساءل عن الشرائح وعددها التي يمكن أن يشرع من أجلها مجلس الأمة، ورأى أن هناك علة في سياسة الإقراض في هذا البنك وهي مشكلة التحصيل.
حادثة الاعتداء على النيباري
وهنا ذكر سامي حادثة الاعتداء على العضو عبدالله النيباري في 6/6/1997 ويتقدم " بالشكر لرجال الأمن عن كشف الجريمة" (وهو أمر اعتاد على طرحه في المجالس التي انتخب فيها). وأعلن أن "الرصاص لن يُسكت الحق وسيحاولون بكل الوسائل القذرة أن يحققوا أحلام وقف المطالبة بالحق والدفاع عن هذا الوطن، وموضوع الاعتداء ذو شقين، شق الجريمة، والشق السياسي"، ورأى في الجريمة "احتلالاً لكرامة هذا الوطن وحرية هذا الشعب". ويطلب "إعادة النظر في مفهوم قضية الاعتداء على السيد عبدالله النيباري بأنها فردية وشخصية".
كان النائب عبدالله النيباري تعرض لاعتداء بإطلاق الرصاص عليه في الشارع من أحدهم في 6/6/1997 بسبب مواقفه التي خُيّــل للمعتدي أنها تمس مصالحه، وأن موقف النيباري منه موقف شخصي. لكن قضت العناية الإلهية أن ينجو عبدالله النيباري من هذا الاعتداء ويتعافى بعد علاجه في مدينة بوسطن الاميركية. لكن هذا الاعتداء ترك وساماً وطنياً دائماً على يد النيباري اليسرى.
انتقل سامي في 17/6/1997 إلى مناقشة مؤسسة التأمينات الاجتماعية ورأى "أنها ليست مؤسسة حكومية وهي حسب تقرير ديوان المحاسبة مؤسسة خاسرة في السنة المالية، ما قيمته 28،402،000 دينار كويتي". وينتقد سياسة المؤسسة " في مشاركة أفراد أو مؤسسات (اقتصادياً) ذوي سمعة سيئة"، وأشار إلى أن أحد هؤلاء اعتدى على النائب عبدالله النيباري.
المؤسسات العامة
في 24/6/1997 ناقش سامي تقرير اللجنة المالية والاقتصادية عن الهيئة العامة للشباب، وأشاد بالهيئة ودورها لكنه "رأى أن مشكلة الرياضة في تسلق البعض على هذا المرفق المهم. فهناك من يكون على رأس بعض الأنشطة ولا علاقة له بالرياضة، وهذا نموذج تخريبي. وكثير من منتسبي الأندية الرياضية لا علاقة لهم بالرياضة وعلاقتهم بالتصويت، فهل المسألة أصبحت وجاهة؟". ويرفض سامي تسييس الرياضة ويطالب بأن تكون الرياضة للرياضيين (خلوها للرياضيين)، لذا فإنه يرى أن على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل والهيئة العامة للشباب "أن تنظر إلى الأمر من منظور جدي ولا تترك القيادة الرياضية في صراعات تؤدي إلى تأخر الرياضة"، و"التواجد الرياضي معدوم، على كثرة المنشآت، بسبب الشللية.. ربع فلان..، دعونا نجعل بيئة الرياضة صالحة، وأن تكون مكانا للكل يتردد عليه ويستفيد منه، ومهمة الهيئة كما أدرك ليست في الأندية فقط مهمتها تصل إلى الساحات الشعبية".
ومن هنا نرى تركيزاً واضحاً من سامي على الرياضة، وذلك ينسجم تماماً مع اعتقاده بأن أولى مسؤولياته كعضو مجلس أمة هي الحفاظ على الأجيال وتنشئتها تنشئة صالحة والحفاظ على تربيتها تربية جسدية ناجحة.
دور «كونا»
ناقش سامي في دور الانعقاد الأول أيضاً دور وكالة الأنباء الكويتية (كونا) ورأى فيها "إحدى الأذرع المهمة للدولة، وتحتل مكانة في الصحافة العالمية" وربما يعود نجاح كونا - على حداثة عمرها بين وكالات الأنباء العالمية - إلى الاستقلالية التي تتمتع بها من دون تدخل في سياساتها. ودفاعاً عن كونا، أشار سامي إلى "ضرورة قدسية الصحافة وخبرها وعدم نسبة أخبار إلى الصحيفة منقولة عن "كونا". ودعا إلى تعميق "الاستقلالية لكونا حتى تكون أكثر تأثيراً في السياسة الاعلامية للخارج" وأشاد سامي بدورها في "احتضانها للعديد من الشباب الكويتي الواعد". وسامي على حق في ما قال، فوكالة الأنباء الكويتية من معالم الكويت الحضارية.
ودعا سامي مرة أخرى في 1/7/1998 عند مناقشة الحساب الخاص لـ "كونا" وزير الإعلام والحكومة "لأن يدركا مدى أهمية أن تكون هناك استقلالية أكثر في اتخاذ القرار والخبر في كونا". ورأى سامي "أن الخبر المنقول من كونا عربياً ودولياً لا يقدر بثمن". وأشار مرة أخرى إلى سرقة الأخبار من "كونا" قائلاً: "إن هناك داخل الكويت من يسرق من كونا في صحافتنا المحلية، حصولك على تعليق له قيمة حتماً على الأمن الوطني". "يرى البعض أن جهد "كونا" هو في الخبر المذاع وهذا غير دقيق، فأحياناً تكون قراءة الخبر وخلفيته السياسية ليس بالضرورة أن يطرح للنشر، إنما يوضع أمام أصحاب القرار السياسي ليتخذوا الخطوة المناسبة ". ورأى " أن هناك قصوراً من "كونا" (يرجو تلافيه)" وهو عتاب ومدح أكثر منه ذما، لأنه يرى أنه "يجب أن تكون هذه الجهود موجودة عند كثير من أصحاب القرار، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمة". كما طالب الجهات الحكومية بتسديد مستحقات "كونا" عليها والبالغة 168 ألف دينار كويتي حسب تقرير ديوان المحاسبة.
ولعلنا لا نغالي في القول عندما نرى في "كونا" مؤسسة إعلامية وطنية قومية توافي المواطن والمستمع بأخبار العالم أولاً بأول عبر وسائل متنوعة، أبرزها الهاتف، كما تتنوع أساليب "كونا" في تقديم الخدمات بتنوع الخدمات الإعلامية نفسها، وهي دائمة التطور. وكان ما أشار إليه سامي من ضرورة إيصال التقارير الإخبارية إلى صانعي القرار السياسي أو الاقتصادي أمرا يستحق العناية من مجلس إدارة "كونا".
وانتقل سامي متسائلاً عن "إضراب العاملين في شركة الخطوط الجوية الكويتية، وعن أسباب الخلاف بين إدارة المؤسسة والطيارين والمهندسين والفنيين العاملين"، كما استفسر عن "تكلفة مشروع الديوان الأميري والأوامر التغييرية ومبرراتها التي تراوحت بين مائة مليون ومائة وعشرين مليون دينار".
استجواب وزير المالية 1997
أما أهم حدث شارك فيه سامي في دور الانعقاد هذا، فهو مناقشته للوضع المالي ومشاركته في استجواب نائب رئيس الوزراء ووزير المالية السيد ناصر الروضان في 5/7/1997، مع عضوي مجلس الأمة أحمد المليفي ومشاري العصيمي، وجرت مناقشة الاستجواب في جلسات متتالية، وكان هذا هو الاستجواب الثاني الذي شارك فيه سامي في حياته البرلمانية.
ذكر سامي في حديثه في صحيفة الاستجواب المقدمة، أن الحديث أصبح يومياً عن تدني أوضاع البلاد المالية، ورأى في القانون 1/1993 لحماية المال العام مظهر قوة من مظاهر الانتفاضة الشعبية التي عبرت عن شن حرب على أعداء المال العام. وتساءل سامي: "هل دور الوزير الانتظار حتى تكشف الصدف حدوث انفجار وفضائح؟ هل يقبل من الوزير بأنه تم إبلاغ النيابة العامة عن سراق المال العام لينتهي الأمر؟.
لقد قطعنا على أنفسنا عهوداً في مخيمات الانتخاب بأننا عازمون جميعاً على محاسبة كل معتد أثيم على المال العام، وتذكرون العدوان الذي لحق باستثماراتنا في الخارج ومازالت حلقاته متداولة بين يدي القضاء وجهات التحقيق الرسمية حتى اليوم، والاعتداء على المال العام لا يتم إلا في الأجواء الموبوءة التي تعم فيها الفوضى، وعلى الأخص في فترة مابعد التحرير". وعدد سامي أسباب شيوع الفساد في المؤسسات المالية وهي "انعدام الرقابة، والأنظمة التي سيطرت على حركة المال العام وانعدام الأساليب التي تكشف التلاعب وانعدام المتابعة مع انعدام الرغبة في فرض الأنظمة الكفيلة بضبط حركة المال العام وعدم التحري والدقة في اختيار الأطهار الشرفاء المخلصين لإدارة المال العام، مع انعدام الرغبة في التشريعات التي تُحكم الرقابة، وعدم الأخذ بملاحظات مجلس الأمة، وانعدام القناعة بأن مجلس الأمة في مقدمة السلطات الثلاث في الدولة". ويضيف سامي "وتنص المادة 130 من الدستور على تولي الوزير الإشراف على وزارته. لن نتخلى كأعضاء عن استخدام الأدوات التي زودنا بها الدستور".
وقد نشرت مجلة الطليعة في عدديها رقم 1284 بتاريخ 9 يوليو 1997، ورقم 1285 بتاريخ 16 يوليو 1997 تفصيلاً لهذا الاستجواب، ومما نشرته الطليعة في العدد 1284 في عناوين بارزة ما يلي:
مقصّر:
ــــ قوانين الأرض الفضاء والأعمال الشاقة والتأمين التكميلي تحولت على يد الوزير إلى حبر على ورق.
ـــ خسارة مالية جسيمة في 94/95، 95/96 في الخطوط الجوية الكويتية.
ــ تجاوزات واختلاسات تمت في المجموعة الاستثمارية العقارية الكويتية في المغرب ولم تتخذ بحقها أي إجراءات.
ـــــ عبد الرحمن العنجري كشف التجاوزات واضطروه إلى تقديم الاستقالة من مكتب استثمارات تونس.
ــــ الاستثمارات الكويتية في مكتب لندن.
ــــ الشبهات تكتنف تعيين نائب الرئيس التنفيذي لشركة الباص الجوي.
ــــ التعدي على أملاك الدولة .
كما نشرت الطليعة في العدد 1285 في عناوينها الرئيسة: ياللعار !
ــــ تجاوزات وتلاعب واستغلال نفوذ.
ــ الوزير تجاهل الرد على الأسئلة المحرجة.. والحكومة لم تلتزم تطبيق القوانين.
ـــــ سرقات ورشاوى لم تجد رداً من الوزير
كما نشرت الطليعة في العدد نفسه ما قاله النائب سامي المنيس في جلسة استجواب الوزير، ومنها:
ــــ هل يرضى أهل الكويت أن تدار شؤون البلاد بأسلوب حب الخشوم؟
ـــــ لا يستطيع وزير المالية التعذر بالجهل بشؤون وزارته بعد ست سنوات من تبوئها.
ــــ "الكويتية" دفعت 750 ألف دولار رشوة لرئيس شركة طيران أجنبية بعلم وزير المالية وموافقته.
ــــ وزير المالية مهيمن على الكويتية (شركة الخطوط الجوية) وإليه وحده يُعزى فشلها أو نجاحها.
ــــ لم يشجب وزير المالية نداءات المجلس بشأن الاعتداء على المال المودع في بنوك البحرين والشرق الأوسط وتونس العالمي والكويتي الفرنسي.
ــــ ويذكر في العدد نفسه أن ما جرى على يد قوات الاحتلال عام 90 وما اقترفه سراق المال العام عملان من طبيعة واحدة.
ــــ فشل الاستجواب في حجب الثقة عن وزير المالية، لكن الموضوعات التي ناقشها الاستجواب المتعلقة بالمال العام فتحت أذهان الناس ونبهت إلى خطورة ما يجري، إضافة إلى أن سامي وزميليه أدوا واجبهم كما اعتقدوا بأمانة وصدق.
حماية المال العام
ناقش سامي خلال دور الانعقاد الأول تقرير لجنة حماية المال العام، الذي اشتمل على إلمامة كاملة ومتابعة حية للشركات "التي تعرضت لها استثماراتنا الخارجية في لندن وأسبانيا، وفي بعض البنوك الأجنبية في مجال الأسهم والسندات والتي منيت جميعها بخسائر فادحة بسبب المناخ العام السائد في البلاد بالنسبة للمال العام، والتربص به وتحين الفرص للانقضاض عليه، والاطمئنان إلى أن وزير المالية المسؤول المالي العام ومعه صحبه في سبات عميق، مما هيأ الفرص للتطاول على أموال الشعب ومن يتحرك ضميره لكشف ذلك يتعرض للتنكيل به".
انتقل بعد ذلك إلى التحدث عن كتاب رسمي من وزارة التجارة إلى هيئة الاستثمار، يشير إلى التجاوزات في المادة 140 من قانون الشركات التجارية، كما يشير مع كتاب سابق إلى تواجد مخالفين للقانون التجاري لهيئة الاستثمار. كان همه الحفاظ على المال العام، وانبرى بقوة إلى كشف التلاعب في هذا المال والسطو عليه، وكانت أقواله تستند إلى واقع عرفته الكويت على صفحات الجرائد، وليست قصة شركات ناقلات النفط وقصة الاستثمارات في أسبانيا ببعيدة عن الأذهان.
قدمت لجنة الشؤون المالية والاقتصادية في شهر يوليو 97 تقريرها بربط ميزانية البلدية، وانبرى سامي لمناقشة التقرير مؤكداً "أن البلدية مؤسسة شعبية وفيها ممثلون للشعب ونقدر قراراتها، لكن لا بد من إبداء ملاحظات أهمها:
1 – الأخذ بالمبدأ القانوني الخاص بالأراضي الفضاء.
2 – هناك تباين في المجلس البلدي أرجو أن يكون لأسباب فنية وليس بشكل إشارة غير مشجعة حول إفادة واستفادة البعض، كما حدث في الواجهة البحرية ـ مشروع المرحلة الخامسة.
3 – هناك تعد على الطرق والأرصفة وعدم احترام اللوائح والقوانين.. مما يعني ظهور الواسطة والمحسوبية" اللتين كان سامي يمقتهما ويعتبرهما سر كل بلاء في البلد.
قضية معرض الكتاب
في 20/12/1997 أثيرت قضية بعض الكتب التي عرضت في معرض الكتاب السنوي العربي الذي يشرف على إقامته المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، على أرض المعارض في منطقة مشرف، وكان سبب الإثارة أن هذه الكتب طعنت في الذات الإلهية. وهوجمت الكتب كما هوجم المسؤولون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب من قبل أناس عزَّ عليهم التعرض للذات الإلهية، وهم في ذلك - من دون أدنى شك - على حق في ما ذهبوا إليه. ومع أن سامي كان ضد ما جاء في هذه الكتب من مساس بالذات الإلهية، إلا أنه "رأى في تصعيد الحملة من بعض العناصر وطرحها في مجلس الأمة لا تنديداً بالكتب ولكن لحاجة في نفس يعقوب"، ربما كان القصد منها استهداف المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب! وهناك أيضاً، كما رأى سامي، قضية ثانية وهي "إركاع الفكر وحرية الرأي للإرهاب غير المسؤول وتجريح وتكفير من البشر والإنسان، هناك غايات تختلف عن النوايا"، وقصد سامي أن يناقش الأمر في إطاره فقط وألا يأخذ أبعاداً أكبر من حجمه.
وتطور أمر الكتب التي مست الذات الإلهية في معرض الكتاب السنوي إلى استجواب وزير الإعلام، وجرت مناقشته في مارس 1998، وكان رأي سامي "أن هذه الكتب لم تصدر في الكويت ولم يكتبها كويتيون والمشكلة أنها عرضت في معرض الكتاب السنوي في الكويت، ولا داعي لاستغلالها لمصالح أخرى". أما عن الكتب، فقد رأى أن فيها مخالفة صريحة لقانون المطبوعات والنشر، إذن فالمشكلة في نظر سامي هي "إجازة عرض كتب يجرمها القانون". أما عن انتهاك الأخلاقيات" "فليست فيما ورد في هذه الكتب فقط، والأخلاق لا تتجزأ... الكذب والفساد والاعتداء على المال العام، عدم المصداقية، التفسخ.. مرفوضة ولكن لماذا تستغل منابر المساجد للتشهير؟"
العمالة
ناقش سامي قضايا القوى العاملة في 21/2/1998 ولكن ليس في إطار التمنيات والرغبة، ورأى أن مدخل قضية العمالة الصحيح والطبيعي هو "كيف يتحول هذا الإنسان (العامل) إنساناً قادراً على العطاء. لذا فإن ما ينقصنا هو تشخيص العلة في الإدارة الحكومية، وهذا التردي في هذه الإدارة"، ورأى في خطة وزير الدولة التي عرضها، خطة متواضعة عندما رأى أن يتحمل القطاع الخاص 1% من القوى العاملة.."حتى هذا الأمر قد لا يكفي بسبب الامتيازات في القطاع الحكومي". ثم تحدث عن توفير الفرص للكويتيين، فربط سامي بين العمالة في الكويت وإنشاء هيئة كويتية لحقوق الإنسان "تكون مرادفة للجهود الرسمية، وستعطينا فرصة عظيمة". هناك "تكرار للتجاوزات التي تحدث في الوزارات نتيجة بعض الممارسات، والعلة تكمن في قانون العمل في القطاع الأهلي.. لعيب في التشريع. وقد أخذنا وعداً بإنجاز قانون جديد، خصوصا أن قانون العمل في القطاع الأهلي من دون تعديل منذ عشرين سنة، والقانون الجديد سيقضي على كثير من الظواهر السلبية المرتبطة بحقوق الإنسان".
ورأى سامي ضرورة إنشاء صندوق حرفي "يساعد على توفير فرص العمل"، وطالب "بتأليف هيئة تشغيل تستطيع قراءة قوة العمل في القطاع الخاص والنفطي، فمصلحة الوطن تحتم علينا أن نقرأ القوى الشعبية والقوى العاملة (الوافدة) المناسبة للبلد كما يجب أن تكون ". واقترح أن يحال إلى اللجنة التشريعية في المجلس إمكانية " تشكيل لجنة اختصاص بشؤون النفط ".
وربط مرة أخرى بين العمالة وحقوق الإنسان، وذكر في 24/2/1998 أن "التقرير الثاني للجنة حقوق الإنسان التابعة لمجلس الأمة، وهي لجنة غير الهيئة الكويتية التي اقترح إنشاءها كهيئة شعبية تكون رديفاً للجنة، رأى "أن الكويت تعرضت للنقد حول بعض التجاوزات التي قد يكون الإعلام المعادي ضخمها وهيئة حقوق الإنسان الشعبية مكملة لكل الجهود الرسمية القائمة في مجلس الأمة، أو في الخارجية أو العدل أو الداخلية. وستعنى اللجنة (هيئة حقوق الإنسان) بحقوق الوافدين على أرض هذا الوطن، لذا لا يزال أمامنا شوط كبير للحفاظ على حقوق الإنسان... والأهم من ذلك احترام القوانين، فالقانون يُنتهك، والقانون لا يعترف بجنسية... التطبيق يكون على المواطن والمقيم".
كما أشار سامي أيضاً إلى ضرورة المعاملة الإنسانية للعمالة المقيمة خصوصا أننا نجد الآن العمال ينتظرون الأمرَّ (وذلك) أمر يسيء إلى البلد نتيجة الضعف في تطبيق القانون. ورأى "أن القانون مهم جداً فهو قانون سيكون أمام العالم وأمام منظمة العمل الدولية (وله ارتباط) بسمعة الكويت". وأشار إلى انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالعمل، ومنها "خدم المنازل والمآسي التي تحدث لا يمكن السكوت عنها، فوزارة الشؤون لم تضع يدها على خدم المنازل ولا أي وزارة سوى مخافر الشرطة، والله يعلم "شقاعد يصير" (ماذا يحدث) بالمخافر لغير الكويتيين". وأشار إلى الموجودين من العمالة في سجن طلحة والإبعاد ومخفر الدسمة. وطالب "بإنجاز قانون العمل الجديد كي يساعدنا.. ويرتقي بالبلد وبسمعته واحترامه. وعندما تظهر هيئة حقوق الإنسان الشعبية راح تهتم (ستهتم) بالضعاف اللي ما لهم حد يسأل عنهم". (انظر ملحق 3، تقرير سامي عن العمالة الوافدة).
ويمكننا هنا ربط دفاعه عن العمالة وحقوق الإنسان باقتراحه بقانون في 11/3/1998 مع آخرين من زملائه بإنشاء صندوق الإقراض المتوسط للحرفيين والصناعيين والمهنيين وإقرار مجلس الأمة بالموافقة على الصندوق بعد أن قام سامي بشرح أهدافه شرحاً مفصلاً.
احترام الدستور
ناشد سامي الجميع "احترام الدستور ومواده، ورأى في الديموقراطية الملاذ الوحيد على ما في الديموقراطية من هـفوات، وأظهر إحساسه بالقلق من تعديل قانون احتياطي الأجيال"، ومصدر إحساسه "أننا بدأنا نعتدي على حق أجيالنا القادمة، وبدأنا نتوجه إلى الاعتداء على حق هذه الأجيال في الحياة الكريمة". وتمنى على المجلس "عدم مناقشة الاقتراح المقدم بتعديل قانون احتياطي الأجيال إلا بعد معرفة المركز المالي الحالي للدولة". لا سيما أن سامي كان أبدى قلقه على الحاضر والمستقبل بسبب ما يتعلق بمستقبل المواطنين وحياتهم بسبب قضايا النفط، وربط بينها وبين ميزانية الدولة التي وضعت وفق سعر برميل النفط 13 دولارا في حين كانت قيمته 18 دولاراً، "إلا أننا في اللحظة الراهنة أصبح وضعنا سيئاً عندما وصل سعر البرميل إلى عشرة دولارات، والقلق منبعه على حد تعبير سامي عقليتنا ما تحركت وما نشوف أكثر من موضع قدمنا بس".
يتبع
ناقش سامي في دور الانعقاد الثاني هذا ظاهرة تفشي المخدرات في الوطن، ورأى "أن هناك جرائم ترتكب بحق مجتمعنا في ما يتعلق بانتشار المخدرات"، وأشار بتاريخ 14/4/1998 إلى أمرين الأول "الكمية المتوافرة في السوق حسب تصريح مسؤول كبير، والثاني أمر الضابط المتهم بترويج المخدرات". ورأى "أن من حق المجلس مناقشة قضية المخدرات لما لها من نتائج وخيمة على حياة المجتمع ككل". واستمر في مناقشة الأمر في جلسة أخرى بتاريخ 19/5/1998 وناقش "دور عصابات ترويج المخدرات". وتساءل "كيف نحصن المواطن من آفة المخدرات المدمرة. كيف تتم رعاية الأحداث منها ومن إدمانها؟ إن المهم هو تحصين شعبنا من الآفة وليس ضرب الرؤوس الكبيرة فقط. صحيح أن وزارة الداخلية مسؤولة عن هذا الأمر لكن هناك مسؤوليات على وزارة التربية ووزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لمكافحة هذه الآفة". وهو هنا يدعو إلى محاربة المخدرات من خلال أمرين: سد المنافذ التي يمكن أن تسرب منها المخدرات، والتوعية بأخطارها في المدارس وفي الإعلام.
حرية الصحافة
ومن القضايا التي ناقشها سامي في دور الانعقاد الثاني الحريات الصحفية التي ما انفك يناقشها منذ عام 1963 في أول مجلس نيابي، وأعلن في 16/5/1998 تقديسه اللامحدود لمفهوم الحريات الصحفية، ورأى في الصحافة الجناح الآخر لمفهوم الحرية والديموقراطية، إذ إن 96% من قضايا المواطنين تثار في الصحافة، ورأى أنها حامية المال العام ومدافعة عن حقوق الإنسان.
الجامعة
وانتقل بعد الصحافة إلى الجامعة، وطالب باستعجال إقرار قانونها، لأن الانتهاء من هذا القانون في نظره "أصبح كالمنشآت نتحدث عنها ولا ننجزها. فالحكومة تطلب إعادة مشروع القانون الجامعي إلى لجنة شؤون التعليم والثقافة والإرشاد".
هيئة المعلومات المدنية
ومن الجامعة إلى هيئة المعلومات المدنية، فناقش أمرها في 9/6/1998 ورأى "أنها هيئة كما يشعر المرء للبطاقة المدنية. وتلك نظرة قاصرة وذلك أمر لا يساوي تسعة ملايين دينار نحطه عليها (يُصرف عليها)، والهيئة تشعر بغياب الدور المناط بها، ونرى في الهيئة وسيلة لتلمس كثير من القضايا ومنها أوضاعنا الأمنية، والاجتماعية والتركيبة السكانية"، ويتساءل عن مهماتها وعن مشكلاتها. وبمعنى آخر يريدها هيئة مدنية بكل أبعادها الحضارية الحديثة، تساعد في تحديد التركيبة السكانية وضخ المعلومات التي تساعد الأجهزة الأمنية.
وقد نوقشت ميزانية هيئة المعلومات المدنية وتم إقرارها. كما نوقشت ميزانية هيئة الاستثمار في 17/6/1998، ورأى سامي أن ديوان المحاسبة أورد "عشر ملاحظات على الهيئة، منها القروض الشخصية. وتساءل هل من خلاف بين الهيئة والبنك المركزي؟، أي الجهات تتحمل متابعة القروض؟ ورأى انعدام الحرص على إعادتها "وأصبحت فلوساً في الهوا مضى أكثر من عشر سنوات عليها". وتساءل "وين راحت هالبيزات (يقصد الأموال)؟"، وأجاب "هناك علة، هناك يد خفية ما تبي (لا تريد) توصل إلى ها المبلغ (القروض). وكل جماعة تذب (أي ترمي الحمل) على الثانية واليد الخفية ما تبي توصل 996 مليون دينار منذ 1982 من دون فوائد، نأتي إلى بعض استثماراتنا والخسائر المتتالية وتحديداً الشركة العربية للفنادق وأكثر وضوحاً في اليمن.. ولنقرأ الحقيقة.. هناك أسباب سياسية واقتصادية راحت فلوسنا ولا حد يتحمل مسؤولية إدارية والمشكلة في عدم الاختيار المناسب والإدارة الجيدة"... ويطالب بأن يكون الاستثمار في المكان المناسب.
الاستثمار
وللمرة الثانية، يثير سامي موضوع الاستثمارات الكويتية، ويركز على ضرورة اختيار الكوادر الطيبة والنظيفة لإدارة هذه الاستثمارات، كما يذكر خسائرها والسطو عليها من قبل معدومي الضمائر، ويطالب بالمحاسبة القاسية. وفي استطراده لاهتمامه بالمال العام والاستثمارات، يستفسر سامي في 30/6/1998 "عن الإجراءات التي ستتخذها الحكومة في شأن قضية شركة ناقلات النفط الكويتية بعد صدور حكم التمييز في جلسة 22/12/1997".
التأمين الصحي
أُثير في هذا المجلس موضوع التأمين الصحي، وقال سامي "أريد أن أسمع من الصحة عن فلسفة التأمين الصحي". وناقش تقرير لجنة الشؤون الصحية والاجتماعية والعمل بشأن الاقتراح بقانون من قبل الأعضاء في شأن التأمين الصحي بفرض رسوم على الخدمات الصحية العلاجية التي تقدم لغير الكويتي.
ورغم معارضة سامي لهذا الأمر من خلال تساؤله عن فلسفة التأمين الصحي، فإنه يرى بعد أن أصبح الأمر واقعاً "ضرورة وجود مؤسسة واحدة اسمها مؤسسة التأمين الصحي، وتتوحد شركات التأمين وتستعين بالخارج". وأشار سامي هنا "إلى ضعف تبرير منع العلاج عن البدون بحجة أن ذلك سيؤدي إلى كشف هويتهم". وعاد إلى مناقشة التأمين الصحي في شهر يوليو 1998 وطالب بتواجد حكومي عند مناقشة التأمين الصحي لأن القانون مهم. "ويؤسفني ما قاله وزير الدولة لشؤون المجلس أن الحكومة تلتزم بمناقشة قانون التأمين الصحي إلى آخر الجلســة". ودعا إلى البدء بالتأمين الصحي لاستكمال كل القرارات، بما فيها الميزانيات بعد التأمين، ورفض مناقشة قانون التأمين الصحي بتخصيص جلسة السبت 25/7/1997 لهذا القانون".
ميزانية الموانئ
كان سامي ينتهز فرصة مناقشة ميزانية أي هيئة أو وزارة ليشرح الدور المأمول منها، ويتساءل عن المردود الانتاجي لأي ميزانية وهي لم تكن في نظره مجرد أرقام وحسب. فعند مناقشته لميزانية الموانئ في 5/7/1998 وجدها مناسبة ولكنه وجد الفرصة سانحة ليناقش طبيعة هيئة الموانئ قائلاً: "إننا لم نحسم أمر مؤسسة الموانئ كمؤسسة ربحية، فإذا كانت مؤسسة ربحية يكون برنامجها وفلسفتها مختلفين عما هو قائم. الحرب قائمة في العالم على الموانئ، لذا لا بد أن نعي معنى موانئ فهو مرتبط بالمنطقة الحرة، فهل لدى الموانئ استعداد لإنشاء مناطق حرة؟".
وهنا أضاف سامي: "نريد عناصر وطنية لفهم الدور المناط بالموانئ ولا بد من النظر إلى العنصر البشري عند وضع أي برنامج للموانئ. ارتباط لا بد أن يكون في البحر وفي المنطقة الحرة". ويلاحظ هنا أنه أثار موضوع حرب الموانئ في العالم كما أثار موضوع ارتباط الموانئ لا بالنقل البحري فقط ولكن بالمناطق الاقتصادية الحرة، منتهزاً فرصة مناقشة الميزانية التي وافق عليها لإظهار دور الموانئ وضرورة تركيزها على إعداد العناصر البشرية المدربة والضرورية.
الإطفاء
ونرى الموقف نفسه من سامي عند مناقشته الحساب الختامي للإطفاء في 8/7/1998 وتمنى حساباً ختامياً لكل المؤسسات على هذا الشكل.
وانتهز الفرصة ليشير إلى " قضية تعاون المواطنين والوافدين مع الإطفاء"، ولفت النظـر "إلى تجاوزات في التخزين وقصور في الوقاية لا من الإطفاء ولكن من الآخرين". كما انتهز فرصة مناقشة الحساب الختامي لبنك التسليف، وأثار موضوع إزالة "الادخار" من اسم البنك من دون معرفة الأسباب والمبررات التي زال فيها الادخار ورأى "أن ضعف الإدارة وراء هذا النمط من القرارات غير المدروسة". "وللبنك ديــون وهو عاجز عن استردادها، وهناك استمرار لعدم فاعلية التدقيق والمتابعة لدى البنك". وهو في نظر سامي أمر غريب إذ إن "البنك مسؤول عن إدارة ملياري دينار ولا توجد لديه إدارات، فالبنك كما يراه سامي "يدار عن طريق الواسطة وحقوق الناس غير موجودة، وأكبر مؤسسة فيها محسوبية وواسطة على حساب قضايا الناس.. حتى المناقصات كارثة".
لذا، فإن سامي يرجو وزير المالية إعادة النظر في تقرير اللجنة المالية، ويتساءل "عن نوع التطور الإداري الذي خلفه البنك، نحن هنا أمام نظام اقطاع هناك مليارا دينار تهدر ونحن نتفرج"، وطلب إعادة الميزانية إلى اللجنة. ويلاحظ هنا بوضوح أن مناقشات سامي استهدفت إدارة البنك ومدى نجاحها، ولم يتطرق إلى أرقام الميزانية.
الرعاية السكنية
كما نلحظ أسلوب سامي هذا عند مناقشته ميزانية المؤسسة العامة للرعاية السكنية في 11/7/1998 وأشار إلى "مجمع الصوابر السكني والبحث عن اتحاد الملاك". وهنا تساءل "ما الدور الفعلي للمجلس الأعلى للإسكان؟.. هناك أجواء مرضية مسؤولة في الصحافة تهدف الى تحقيق مصالح نفعية.. من يتحمل قضايا الإسكان؟ المجلس الأعلى أم التخطيط؟" وعند مناقشته لميزانية هيئة الشباب والرياضة لم يرَ أي ملاحظات لديوان المحاسبة على ميزانية الهيئة، وهو أمر إيجابي في نظره، وتمنى على الهيئة "الاهتمام بالساحات الشعبية".
البنك المركزي
أما عند توقفه عند البنك المركزي، فرأى "أن أمراضنا الراهنة وعلتنا القائمة هي ضعف الرقابة من البنك المركزي على الأداء العام للمصارف. ولو كان هناك إشراف حقيقي على البنوك لم رأينا مأساتنا الراهنة المتمثلة في قضية المديونيات الصعبة، وهذا الخلل سببه غياب البنك المركزي ودوره الأساسي في الأداء العام في المصارف والمكاتب المصرفية". وتساءل "كيف يسمح البنك المركزي لمن اتُهم في المال العام بتبوء مراكز قيادية؟" ورأى ان العلة في الإصلاح الاقتصادي هي عدم "قدرتنا على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب في المكان المناسب. وبنك البنوك (المركزي) يتحمل كل المسؤوليات التي مرت بالكويت من انهيار سوق المناخ إلى قانون المديونيات الصعبة. وما لم يتم تصحيح المسار بتطهير كل عناصر الفساد تأخرنا وتراجعنا. عللنا سببها بفقدان الضمير والأخلاقيات، ويجب أن نعيد الثقة لأنفسنا، فهناك تسابق على الربح وعلى جمع المال وعلى الثروات ولا توجد ضوابط قانونية". وانتقد سامي تفرد البنك المركزي في 7/2/1998 بتفسير قانون المديونيات الصعبة، وتطرق إلى تباين الآراء بين غرفة التجارة والمصارف " ونحن هنا نهرب من التحديات".
البلدية
ناقش سامي وضع البلدية في الكويت، وأشار إلى القضايا "التي تخسرها البلدية أمام المحاكم وتجاوزت سبعة ملايين دينار"، وتساءل "من يتولى قضايا البلدية؟"، واستطرد قائلاً "كل قضايا الدولة تخسرها أمام المحاكم. من يتولى الدفاع عن مصالح الدولة؟ وهل لهم صلة بالمتهمين في هذه القضايا؟ ما مدى مسؤولية الفتوى والتشريع أمام المحاكم؟".
كانت هذه نهاية لمناقشة سامي في دور الانعقاد الثاني من الفصل التشريعي الثامن، ويلاحظ على مناقشاته في هذا الفصل بدوريه الأول والثاني الالتزام التام ببرنامج المنبر الديموقراطي الذي انتخبه الشعب على أساسه في طرح القضايا الوطنية بأمانة وصدق. كما يلاحظ عليه النشاط غير المحدود في مناقشة الأمور مصحوباً بالجرأة والموضوعية، لا تأخذه في محاولة إظهار الحق كما يراه لومة لائم. ولا بد من القول هنا إن سامي كان في دور الانعقاد الأول عضواً في لجنتي التعليم والثقافة والإرشاد وفي لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان. وإضافة إلى ما سبق يمكننا أن نضيف العديد من أنشطة سامي.
ففي دور الانعقاد العادي الأول وجه سامي 24 سؤالاً إلى الوزراء على النحو التالي: 15 سؤالا للسيد نائب رئيس الوزراء وزير المالية، ثلاثة اسئلة الى وزير الداخلية، ثلاثة أسئلة للسيد وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، سؤال واحد للسيد وزير التجارة والصناعة، سؤال واحد للسيد وزير الاشغال العامة وسؤال واحد للسيد وزير النفط.
طلبات المناقشة
كما تقدم السيد سامي المنيس بطلبات مناقشة وتحقيق عن الأوضاع الأمنية في البلاد مع خمسة وعشرين عضواً آخرين بتاريخ 18/1/97 نظراً لما رأوه من خطورة يتعرض له الوضع، متمثلاً في انتشار الجريمة والمخدرات، وتقدم في 5/2/1997 بطلب فتح باب المناقشة في صفقة الأسلحة (المدفع الصيني، وصواريخ سي سكوا البريطانية) مع خمسة عشر نائباً آخرين.
مجلس الأمة التاسع 1999 - 2000
كان حل مجلس الأمة في الفصل التشريعي الثامن حلاً دستورياً، لذا فقد جرت انتخابات مجلس الأمة في الفصل التشريعي التاسع في شهر يوليو عام 1999 أو بعد حل المجلس بستين يوماً. وقد نجح سامي في هذه الانتخابات عن الدائرة العاشرة (العديلية، الجابرية، السرة) على قائمة المنبر الديموقراطي، ولم يطرأ تغيير على برنامج المنبر الديموقراطي الانتخابي الذي طرحه في دورة 1992/ 1996، وزاد عليه ما ذكره المنبر عندما عقد مؤتمراً استثنائياً في مارس 1999 وأصدر برنامجه الجديد بعنوان "طريق الكويت نحو النهضة والتغيير".
مشروع المنبر الديموقراطي
قدم المنبر في هذا المؤتمر ملامح المشروع النهضوي للكويت، مجتمعاً ودولة.. يجمع بين درجة من التغيير ومستويات من الإصلاح تتناسب وموازين القوى الاجتماعية والسياسية ومستويات التطور وإمكاناته .
اعترف المنبر في هذه المرحلة بعدم اتفاق المجتمعين على تبني المؤتمر هوية فكرية محددة بعينها، إلا أنه ينطلق من التوجهات والمبادئ والقيم العامة التي تشكل ملامح عامة لهويته الفكرية، وهي السيادة الوطنية، الديموقراطية بأبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، واحترام حقوق الإنسان والالتزام بسيادة القانون واحترام مبدأ الفصل بين السلطات. كما أشار إلى البعد القومي العربي والانتماء إلى الحضارة العربية الإسلامية. ومثل المنبر الديموقراطي، الكتلة الاجتماعية الوطنية، الفئات الشعبية الواسعة من المواطنين، وفي مقدمتهم ذوو الدخول المحدودة .
كان دور الانعقاد العادي الأول لهذا الفصل التشريعي في 17/7/1999 وجرت مراسم افتتاحه كالمعتاد. وكان سامي رئيس جلسة الافتتاح إذ كان أكبر الأعضاء سناً. وبعد النطق السامي لصاحب السمو أمير البلاد معلناً افتتاح دور الانعقاد، ردّ سامي بصفته رئيس السن للمجلس بكلمة وضع فيها خلاصة تجربته الديموقراطية أمام صاحب السمو أمير البلاد.
شكر سامي صاحب السمو على تفضله في افتتاح هذا الفصل التشريعي في ظل نظام ديموقراطي متنامٍ مستقرة جذوره في وجدان الشعب الكويتي وضميره وقال في كلمته:
"نعاهدكم أن نكون بارين بالقسم الذي نؤديه، حافظين للأمانة التي وضعها الشعب الكويتي أمانة في أعناقنا" وأشار إلى "إقبال المواطنين على صناديق الاقتراح لإيمانهم بالشورى كأساس للحكم وبالديموقراطية منهاجاً وسلوكاً يضبط العلاقة بين السلطات العامة، وبالتمثيل النيابي أداة تمارسها الأمة من خلال سيادتها التي نص عليها الدستور. وكان إنهاء الفصل التشريعي الثامن قبل مدته بحل دستوري وما أعقبه من انتخابات عامة أجريت في موعدها المقرر، دليلاً صادقاً على إيمان سموكم بالديموقراطية وبأحكام الدستور".
الخيار الديموقراطي – الدستور
"أكدت الأحداث في الكويت أن لا بديل للخيار الديموقراطي كأساس للحكم. ووجود مجلس نيابي يمارس صلاحياته في التشريع والرقابة وفقاً للدستور، وهو اللبنة الأساسية التي تضمن للدولة الاستقرار والسلام الاجتماعي والسياج المنيع الذي يحفظ للأمة وحدتها وتماسكها وأمنها الداخلي والخارجي".
"لا تزال الكويت تعاني بعد اندحار الغزو الكثير من القضايا الاجتماعية والمالية والاقتصادية والأمنية، وهي قضايا عالقة تنتظر المواجهة والحسم بقوانين تسنها السلطة التشريعية أو بقرارات تصدرها السلطة التنفيذية، نأمل أن يتحقق ذلك بالتعاون الصادق والبناء بين السلطتين. ومن دون إرادة قوية ووقفة شجاعة تعالج القضايا من الجذور وعلى النحو الذي يرتضيه الشعب الكويتي سوف يضاعف من وطأتها".
"سوف تجد منا يا صاحب السمو الجهد الذي لا يكل، إيماناً منا جميعاً بأن الوظيفة النيابية تكليف وليس تشريفا، ومصلحة الوطن لا تعلو عليها مصلحة أخرى. ويكون التعاون وفقاً لأحكام الدستور والالتزام بهذه الأحكام والعمل بها نصاً وروحاً".
لقد أفرغ سامي كل ما في جعبته من قناعة وتصورات عن العمل النيابي والتعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ولم يتردد في ذكر القضايا التي تواجه السلطتين والتي تحتاج إلى شجاعة في حلها. لكنه لم ينسَ أن يعد صاحب السمو ببذل الجهد لحل القضايا والتعاون وفق الدستور.
لقد كان لسان حال سامي يقول ألا هل بلغت.. اللهم اشهد.
كان سامي عضواً في اللجنة التعليمية كما كان رئيساً للجنة حقوق الإنسان في هذه الدورة. وكانت أهم القضايا التي طرحها المرحوم في هذه الدورة أو ناقشها: الجريمة وأبعادها، حقوق المرأة، القروض والاستهلاك، البيئة، التعليم (الجامعي والتطبيقي)، مناقشة الميزانية العامة وبعض ميزانيات المؤسسات، قضية الناقلات، إضافة إلى موضوعات ثانوية أخرى.
الأمن الاجتماعي
كانت أولى القضايا التي ناقشها سامي قضية الأمن الاجتماعي في 24/7/1999 حين أشار في بداية حديثه إلى "أخطر مرحلة حقيقية باستخدام المادة 71 من الدستور لإصدار مراسيم بقوانين، والتمادي في استخدام المادة قد يخل في العمل الدستوري في الكويت" وتنص المادة 71 من الدستور على ما يلي:
"إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حلّه، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية. ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك. أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ماكان لها من قوة القانون إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخـــر".
ثم توقف في حديثه عند الأمن الاجتماعي ورآه "في حالة تراجع وفي وضع خطير جداً. هناك خلل يتعلق بالمفهوم الصحيح للأمن الاجتماعي. إحصاءات الداخلية تبين صعود الجريمة وأشكال الجريمة. وأخطر شيء عندما تسجل الجريمة ضد مجهول، وتصاعد الجنح والجنايات ضد مجهول، وقضية المؤسسات العقابية فيها خلل. فعدد السجناء في ازدياد، وتحول السجن المركزي إلى مركز لتفريخ الجريمة. تجارة المخدرات لها أساسيات في السجن المركزي، وعدم تنفيذ الأحكام، ورأى أنها ظاهرة غير معقولة".
والمتتبع لنشاط سامي في الفصول التشريعية الستة التي انتخب فيها عضواً في مجلس الأمة يلحظ بوضوح اهتمامه بهذا الأمر، وذلك منسجم مع مسؤولياته وحمله الأمانة في تمثيل الشعب فالأمن الاجتماعي ركن أساسي في المجتمع. وكان سامي موضوعياً في طرقه للأمور، فهو هنا يشير إلى واقع الجريمة وبخاصة جريمة المخدرات وخطورتها، لكنه عندما يرى جهداً لمكافحة الجريمة وتنفيذ الأحكام فـإنه سرعان ما يعترف بذلك، إذ نراه يمتدح وزير الداخلية في 22/2/2000 "على جهده وتنفيذ الأحكام ".
كان الأمر الثاني الذي شارك في مناقشته ميزانية الدولة وميزانيات بعض المؤسسات التابعة للدولة. وتساءل في 31/7/1999 "لماذا أصدرت الحكومة هذه المراسيم وبدأت تحديداً بالمرسوم الخاص بالميزانيات؟"، واستطرد "لم تجاوب الحكومة حتى الآن عن المركز المالي للدولة. وهو أمر مكمل لقضية الميزانية وإقرار الميزانية". "عقدتنا أن الحكومة اللي تبيه (تريده) تسويه (تفعله) أليس أمامنا خيار إلا أن نقول نعم أو لا لهذه الميزانيات بناء على مراسيم صدرت؟". وبذا حدد سامي أموراً رآها دستورية يجب توافرها قبل مناقشة الميزانية. وفي 4/11/1999 عاد سامي مرة أخرى إلى مناقشة الميزانية العامة للدولة، وكان موقفه مكملاً لما بدأه في 31/7/1999، إذ انطلق من مبدأ أهمية تنفيذ المادة 150 من الدستور التي تنص على:
"تقدم الحكومة إلى مجلس الأمة بياناً عن الحالة المالية للدولة مرة على الأقل في خلال كل دور من أدوار انعقاده العادية".
بعد هذا وجه سامي اللوم للدولة حول الإنفاق الواسع في الباب الأول من الميزانية الخاص بالرواتب والأجور، ورأى أن سبب الإنفاق الواسع هذا "يرجع أساساً للفهم القاصر وغير المسؤول في إدارة الدولة بشكل صحيح". فالحكومة السابقة استخدمت المادة 107 التي تنص على:
"للأمير أن يحل مجلس الأمة بمرسوم تتبين فيه أسباب الحل. على أنه لا يجوز حل المجلس للأسباب ذاتها مرة أخرى.
وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يتجاوز شهرين من تاريخ الحل.
فإن لم تجرَ الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فوراً كأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد".
وهنا "أقول من حق المجلس استخدام المادة 102 بعدم التعاون مع الحكومة ورئيسها"، وتنص المادة 102 على:
"لا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة. ولا يطرح في مجلس الأمة موضوع الثقة به.
ومع ذلك إذا رأى مجلس الأمة بالطريقة المنصوص عليها في المادة السابقة عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، رفع الأمر إلى رئيس الدولة. وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة. أو أن يحل مجلس الأمة.
وفي حالة الحل، إذا قرر المجلس الجديد بالأغلبية ذاتها عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء المذكور اعتبر معتزلاً منصبه من تاريخ قرار المجلس في هذا الشأن. وتشكل وزارة جديدة".
علق سامي على ميزانية الدولة في 10/7/2000 بقوله "سياسة الإنفاق مرتبطة بإيرادات النفط وتقديرات الميزانية على أساس المعدل الاحتياطي القائم على 13 دولاراً لبرميل النفط. إعدادنا للميزانية يشوبه شوية (قليل) من عدم الاستقرار في اتخاذ القرار. لا نستطيع التحكم في أسعار السوق (للنفط) ولكن نتحكم في الإنفاق، أرقام الميزانية مخيفة، فالباب الأول 66% من الإنفاق العام للدولة. الغياب في الباب الأول هو الإنتاجية وزيادة الباب الأول تترافق مع التراجع في مستوى الخدمات". هناك ضعف الإنتاجية وفي الأداء العام للدولة، لذا فإنه يرى أنه "لا بد من إعادة النظر في قانون العمل لتحسين الأداء العام".
كانت ملاحظات سامي على الميزانية، وكما عرفناه منذ الفصل التشريعي الأول، قائمة على مردود أرقامها الإنتاجي وليس على أرقامها، وكان يهمه من الميزانية تحسين مستوى الخدمات، وتحسين الإنتاج الوظيفي أكثر مما تهمه الأرقام التي يعرف مصدرها الأهم وهو النفط.
شارك سامي بجدية في مناقشة ميزانية المؤسسات التابعة للدولة، وأورد ملاحظاته على كل ميزانية منها. فعند مناقشة ميزانية هيئة الزراعة والثروة السمكية في 3/7/2000 أشاد بالسلوك المالي لهذه الهيئة استناداً إلى ما رآه من "قلة المخالفات المالية حسب رأي ديوان المحاسبة"، ولم يتردد في توجيه الشكر للهيئة. لكنه التفت إلى بعض مناحي القصور في أدائها ورآه في بعض المناطق السكنية في الكويت "خاصة في الجابرية والسرة، وتمنى الاهتمام بالحدائق والتشجير". وكانت ملاحظة المرحوم سامي المنيس في محلها، أخذتها الهيئة مأخذ الجد، فالتشجير والحدائق أمران بارزان لا أحد ينكرهما في السنوات الأخيرة في مناطــق الكويت السكنية.
كما لفت سامي النظر "إلى الآثار المترتبة على إزالة قرية الصيادين التي ألحقت ضرراً بجماعات من الصيادين"، وتمنى على الهيئة "تهيئة مواقع بديلة لهؤلاء".
شارك سامي في مناقشة ميزانية جامعة الكويت في 4/7/2000، وأبدى قلقه "على حجم المخالفات التي ترد على جامعة الكويت حسب ديوان المحاسبة، وأريد جواباً من الوزير أو المقرر (اللجنة المالية) عن طبيعة المخالفات في الإنشاءات الجامعية في الشويخ والخالدية. وكما ورد في اللجنة المالية، فإن وزارة الأشغال تتحمل الجزء الأكبر من هذه المخالفات". وانتهز سامي فرصة مناقشة ميزانية الجامعة ليتساءل: "ما مصير قانون الجامعة؟"، ورأى "أن مشاكل الجامعة سببها عدم إخراج قانون الجامعة الذي مازال منذ السبعينات بدون إنجاز". ثم انتقل في مناقشته إلى قضية تخص طلبة الجامعة وهي "قضية الفصل والإنذار" ورأى ضرورة "إعادة النظر في فصل الطلبة وأنه تجب معالجة سنوات التخرج". ولم تكن هذه المرة هي الأولى التي يطرح فيها سامي قضية الفصل والإنذار وسنوات التخرج، فقد اهتم بها في الفصول التشريعية السابقة. ولم يذكر في مناقشته مدى اهتمام الجامعة بهذا الأمر. وتجب الإشارة هنا إلى أن سامي رأى في 6/6/2000 وجوب الإشادة بعطاء جامعة الكويت، وأشار إلى محاولات التطوير ولم يسجل عليها أخطاء. كما سبق لسامي في 29/5/2000 أن ناقش سياسة القبول الجامعي في الطب البشري وطب الأسنان والصيدلة، وأشار إلى حواره مع وزير التربية حول هذا الأمر واقتناعه بما قال الوزير. ولا بد من التذكير هنا بأن سامي كان عضواً في اللجنة التعليمية في هـذا المجلس.
أما عن بنك التسليف، فقد رأى حسبما ورد في تقرير اللجنة المالية وبناء على ما ورد في تقرير ديوان المحاسبة "أن الأمر مرتبط بالقروض وقضايا الإسكان، وأشار إلى العجز المتوقع في نهاية الخطة الخمسية، فتمويل البنك من خزينة الدولة، وهناك بعض الأقساط المستحقة. وأشار إلى إسقاط الادخار من إدارة بنك التسليف، وتساءل ما المبررات لإلغائه؟ خصوصا أن النمط الاستهلاكي قائم على الاقتراض ولا بد من تشجيع الادخار. وتمنى إعادة النظر في مفهوم الادخار، خاصة أنه انتشر بين الطلبة والأطفال والشباب". وبذلك رأى سامي أن الادخار نمط تربوي يمكن تدريب الطفل والطالب والشاب عليه للحد من النمط الاستهلاكي السائد في المجتمع، وهو أمر جدير بالاهتمام ووضع القواعد المشجعة له بدلاً من إلغائه.
كان سامي، كعادته، دائماً يذكر بالإيجابيات في التعامل الصحيح مع المؤسسات والعمل على تقدمها وإنتاجها، فنراه يتعرض لمعهد الكويت للأبحاث ويقول "معهد الأبحاث منذ عام 1967 والتوصيات السابقة متعاونة معه"، مما يعني "أن نظرة الحكومة لمؤسسات الدولة لا ترتقي إلى مستوى الطموحات التي أوردها التشريع القانوني"، وهو أمر غير طبيعي، إذ ينبغي الاستفادة من المؤسسة التي تنشأ حسب الأهداف التي أنشئت من أجلها، ومعهد الأبحاث مهمته الأساسية تقديم الاستشارات حسب الأهداف، فلماذا لا تتعاون أجهزة الدولة مع المعهد؟ خصوصا أن عدم تحسين إيرادات المعهد يعني موته مبكراً". إن ذلك حسبما أورد سامي لا يحتمل، فالدولة تنفق الملايين على البحث العلمي ليصب هذا الإنفاق في مردود البحث على الإنتاج في المجتمع، فلماذا يهمل المعهد وهو المؤسسة البحثية الأرقى؟.
انتقل سامي بعد ذلك في 9/6/2000 إلى المشاركة في مناقشة ميزانية بيت الزكاة والحساب الختامي، وذكر أن "ديوان المحاسبة أورد ملاحظات عن مخالفات. فهل الملاحظات قصور في الإدارة أم تجاوزات؟ هناك أمور يُشتّم منها أنها غير طبيعية. فالنمط الذي تستخدم فيه الصيانة مبالغ فيه. وهناك مخالفات في استخدام السيارات ويجب أن يكون بيت الزكاة النموذج الشرعي. وأي ملاحظة مهما صغرت يجب أن نهتم بها. إن استمرار عدم تضمين الحساب الختامي لبيان المركز المالي لبيت الزكاة مضلل. شلون (كيف)؟ لم تأت الإشارة إلى الحساب الختامي لعام 1997 / 1998". وشدد على الاهتمام بتقارير ديوان المحاسبة، قائلاً إن "هذا الديوان هو المظلة الجادة والأساسية التي أتمنى لمجلسكم أن يأخذ باتجاهها خطوة جدية، إذا كنا نريد معالجة أوضاعنا العامة. وديوان المحاسبة هو الذراع التي تمكننا من أن نلعب الدور الرئيس في صيانة الحق العام والمال العام".
ديوان المحاسبة
لقد رأى سامي في ديوان المحاسبة لما اشتهر عنه من دقة ونزاهة منذ تأسيسه، سفينة النجاة الثانية التي يجب استخدامها بعد مجلس الأمة في مراقبة الأداء المالي لوزارات الدولة ومؤسساتها، وكان دائم التشجيع والتأييد لهذا الديوان داعياً إلى الأخذ بملاحظاته مأخذ الجد.
في 27/6/2000 شارك سامي في مناقشة الحساب الختامي لمؤسسة التأمينات الاجتماعية لعام 97/1998 وهي مؤسسة تخص كل مواطن كويتي. وقال في حديثه "لم يشرح المدير ملاحظات ديوان المحاسبة في بعض المؤسسات (التي تشارك فيها مؤسسة التأمينات الاجتماعية) وأسباب خسائرها، وبالذات قضية الصناعات الوطنية". وتساءل سامي: "ما رأي اللجنة المالية في مخالفة القوانين من قبل التأمينات الاجتماعية؟"، خصوصا أن تقارير اللجنة المالية "خالية مما ورد بديوان المحاسبة حول التأمينات وهذا يؤلمني، خاصة في بنك الكويت المتحد الذي تشارك فيه التأمينات بنسبة 29% هناك إسقاط ديون خمسة ملايين دينار ويجب توقف المالية (اللجنة المالية) عند هذا الموضوع، وديوان المحاسبة يطلب الحقيقة، فتقارير اللجنة المالية (في مجلس الأمة) لم تراع. ما ورد في تقارير ديوان المحاسبة جميعها إنما تم اختيار بعض القضايا".
نبه سامي في مناقشته إلى أخطاء الحساب الختامي للتأمينات الاجتماعية، وركز على دور ديوان المحاسبة والاهتمام بملاحظاته. "ولا أظن أن ملاحظات سامي ذهبت سدى، فالتأمينات الاجتماعية من أقوى المؤسسات في الدولة وما استمرار قوتها إلا بسبب انضباطها والأخذ بمبدأ إصلاح أي ملاحظات تمس عملها".
أما عند مناقشة ميزانية وكالة الأنباء الكويتية (كونا) فقد كان في ذهن سامي الدور الرائد لهذه الوكالة، وأشار إليه في الفصل التشريعي الثامن، ونشاطها الإخباري والإعلامي، ورأى فيها هذه المرة في 27/6/2000 "معلماً من المعالم المهمة للدولة". وكان المهم في نظره كيف "تُوجه الوكالة لخدمة الدولة"، وذلك ما ركز عليه في الفصل التشريعي الثامن، لأنه رأى في ما تقدمه "كونا" من أخبار صادقة وتحليلات ما يساعد متخذ القرار على اتخاذ القرار الصحيح والعلمي.
استند سامي إلى ديوان المحاسبة كعادته، وكان يهمه بعد ذلك نقطتان، الأولى البحث عن الإيرادات الذاتية للوكالة، خاصة أن "خدمة الوكالة تثلج الصدر"، وأشاد بخدمة الانترنت وضرورة تشجيعها. أما الثانية، فهي "صناعة الرجال، والوكالة في نظره تحاول ذلك.
وكان سامي دائماً بناء في نقده، يشير إلى موطن القوة في أي مؤسسة كويتية ويشجعها ويشيد بها، كما يشير إلى مواطن الضعف داعياً إلى تلافيها، وهو هنا يرى في "كونا" مؤسسة واعدة لنشاطها واهتمامها بتنشئة الكوادر المتخصصة وتنمية قدراتها.
كما شارك سامي في مناقشة التقرير المقدم عن التعليم التطبيقي، واستهل مناقشته بتوجيه الشكر للقائمين على هذا التعليم في 4/7/2000، وطرح سؤالاً يتعلق بمنشــآت التعليم التطبيقي وطالب بإعادة باب الإنشاءات كما هو في عام 1998/1999.
كما تساءل عن سبب الإخفاق في المبعوثين للخارج الذين ترتفع نسبتهم إلى 75% أو 50%، ويعودون للوطن عليهم ديون. وطرح سؤلاً مباشراً "عن سياسة البعثات في الهيئة". وأشار سامي إلى مشكلة المباني للهيئة وعجز في الكوادر وركز على فلسفة تخريج الكوادر القيادية الوسطية، "فنحن بحاجة إلى العمالة الفنية (الكويتية)"، كما رأى "ضرورة فصل التعليم التطبيقي عن التدريب". كان سامي ذا رؤية مستقبلية عن الوطن، لذا كان حديثه دائماً من شقين: تشخيص الواقع ونقده موضوعياً، والالتفات إلى المستقبل.
ومن الموضوعات ذات الصلة بحياة المواطن اليومية التي شارك سامي في مناقشتها في هذا الفصل التشريعي، نمط الاستهلاك والقروض وذلك بتاريخ 13/6/2000.
رأى سامي في النمط الاستهلاكي السائد في المجتمع الكويتي "إغراقاً لهذا المجتمع في بحر لا يُعرف له قرار"، لذا فهو يقول "إذا أردنا إنقاذ مجتمعنا فيجب أن تكون عندنا قدرة على إعادة النظر في واقع الاستهلاك القاتل في مجتمعنا". وضرب أمثلة على هذا النمط الاستهلاكي القاتل ورأى "في البيوت ظاهرة استهلاكية، وفي وسائل النقل ظاهرة استهلاكية". قاصداً بذلك "الإسراف في البيوت وتأثيثها وتجميلها والإسراف في شراء السيارات المتنوعة التي لا طائل من ورائها". وأردف قائلاَ "اختفت وسائل النقل الجماعي للطلاب في السبعينات"، وهو أمر دعا إلى إعادته. وليس بخاف على أحد أثر هذا الاختفاء على الاختناقات المرورية وازدحام السيارات الخاصة في توصيل الطلاب إلى مدارسهم والعودة منها، كما ليس بخاف على أحد الكم الهائل من السيارات الخاصة التي تجوب شوارعنا، يقودها الشباب بغير هدف.
وكم كان واضحاً عندما ذكر صراحة "الضرر الذي يأتي مباشرة للفرد والأسرة نتيجة لهذا النمط الاستهلاكي في الحياة"، والذي انتج في المجتمع ظواهر خطيرة أبرزها الاهتمام بظواهر الحياة وقشورها. ولم ينسَ محاولته الحد من هذه الظاهرة فوجه نداء إلى الإعلام "ليعمل على توجيه المجتمع الوجهة الصحيحة".
ذكر سامي مشكلة القروض المالية ومحاولات السعي للحد منها، وهو أمر لم يعارضه، لكنه قرنه بوجود "وجه مظلم هو المرابون الذين يستغلون الناس. وهناك وسائل الإغراء مما يجعل وسائل القروض تتجاوز إطار القانون". ولم ينسَ التعريج على استخدام حق الشيك وأثره في حياة الكثيرين وما ينتهي إليه أمر "استخدام هذا الحق من وضع كثير من الناس في السجون". وهنا يتصدى سامي إلى ظاهرة تصيب عصب الحياة في المجتمع، ونبه إلى ما يمكن أن تؤول إليه.
ومن نمط الاستهلاك، انتقل إلى قضية شغلت المجتمع وأثارت ألف سؤال وسؤال، وهي قضية ناقلات النفط، وتساءل بتاريخ 3/5/2000 "لماذ كل القضايا التي تهم المال العام أو أموال الدولة بشكل عام تخسر أمام القضاء؟ هذا يدل على أن أموال الدولة لم تعد محل جدية إن لم تكن هناك مشاركة في قضية الخسران. فالقضايا التي تتبناها "الفتوى والتشريع" عليها علامة استفهام". ورأى ضرورة التنبيه لهذا الجانب. أما مسؤولية النيابة عن القضية، فيجب أن نتوقف أمامها، وتساءل "إلى أي مدى توصلت في التحقيق؟ وإذا لم تتمكن الأجهزة المعنية في قضية الناقلات فستظل مكانك س.رّ". ورأى سامي أخيراً أن "القرار السياسي مهيمن.. وهو يتحكم في مفهوم استقلالية القضاء".
لقد تحدث سامي بما رآه واجباً عن هذه القضية التي شغلت الرأي العام في الوطن، "وكانت موضوع تراشق وتبادل اتهامات بين صحيفتي القبس والوطن، هي وقضية الاستثمارات الكويتية في إسبانيا، ولم تعد أسماء المتهمين في هذه القضية سراً، ومنهم من سلم نفسه للقضاء ومنهم من لا يزال خارج البلاد. وينبغي القول هنا إن السلطة التنفيذية لم تسكت عن القضية أو تتراخى، فتابعتها في المحافل الدولية ولا تزال، ونأمل ألا يفلت من العقاب أحد من المتهمين".
وبتاريخ 4/12/1999 شارك سامي في مناقشة برنامج الحكومة الخاص بالأمن الاجتماعي ومكافحته المخدرات، والتنمية البشرية العسكرية. وكان متحفظاً في حديثه عن المؤسسة العسكرية لكنه لم يُخف. آلامه بقوله "موضوع التسلح موضوع آخر مثير للجدل وموجع للقلب". ويرجو من حكومة الكويت "إجابة عن تصريحات وزير الدفاع الأميركي بشأن توسيع القاعدة حول ميناء الدوحة. إلى الآن لا نعرف ما حقيقة ما يحدث. نتلقى أوضاعاً من خلال الجرائد وتصريحات الآخرين". ويطلب سامي "إعادة النظر في سياسة التجنيد". وعاد في 2/5/1999 إلى المشاركة في مناقشة أمر المؤسسة العسكرية في مجلس الأمة، ورأى أن "على مجلس الأمة اختيار الوقت المناسب لفهم بعض القضايا بالمؤسسة العسكرية، إذ لم تعد هذه المؤسسة مرتبطة بالعدد بل بالكفاءة والقدرة، قدرتها على استيعاب الأسلحة المتطورة. والمهم كيف نسعى إلى تطوير المؤسسة العسكرية وفق حاجات الكويت الفعلية". وهو على حق في ما يقول، فالمؤسسات العسكرية المتقدمة تعتمد النوع وليس العدد وتعتمد التكنولوجيا المتقدمة والأسلحة المتطورة.
كما شارك سامي في مناقشة موضوع آخر رآه مرتبطاً بالأمن الوطني، ففي 29/2/2000 انبرى سامي لتفنيد الآراء حول تطوير حقول الشمال (النفطية) والتعامل مع الشركات الأجنبية، وأشار "إلى احتكار شركة ريدادير لمدة سنتين ونصف السنة في إطفاء حرائق آبار النفط التي أشعلها الغزاة قبل هزيمتهم في 26/2/1991، وكيف أنجزت الكويت الأمور في شهور وكسرت احتكار الشركة الأجنبية". وأشار إلى بيان 24/4/1999 وبيان وزير النفط حول اختيار شركات النفط العالمية لتطوير حقول النفط. وذكر سامي "أن هناك فريقين بشأن هذا الأمر، فريق مخاوف يعتمد على التاريخ (ويقصد تاريخ شركات النفط الاستعمارية التي استغلت نفط الكويت بشراهة)، وفريق مشاركة شركات النفط العالمية في حقول الشمال".
وخلص إلى القول "إن الموضوع له ارتباط بالأمن الوطني للكويت، وقد تساعد حقول الشمال على الأمن الوطني من خلال وجود شركات أجنبية". وذكر أن استيراد الكويت من الدول الصناعية يصل إلى ثمانية مليارات دولار.. والمهم في نظره هو احتياطي النفط وهو ما دفع بالكويت إلى الشركات الأجنبية.
واضح أن سامي – رحمه الله – كان يميل إلى الرأي القائل بالاستعانة بالشركات الأجنبية لتطوير حقول الشمال، وهو ما يبدو في الأفق أنه سيكون كذلك وفق المصالح الوطنية العليا للكويت. وكان هذا الموضوع أيضاً ولا يزال موضع اهتمام الرأي العام ومجلس الأمة والصحافة الوطنية، لكنه لم يحسم نهائياً حتى الآن.
ولم يغفل سامي دور المؤسسة العسكرية في الحياة المدنية، فقد دعا في 14/7/2000 في مجلس الأمة "إلى الاستفادة من الطاقات العسكرية"، قاصداً المنشآت العسكرية في الحياة المدنية. لم يكن سامي متردداً في مناقشة أي أمر يمس مصلحة الوطن، حتى لو كان ذلك على نفسه، وعلى المؤسسة التشريعية (مجلس الأمة) التي هو عضو فاعل فيها. ففي 7/3/2000 شارك في انتقاد الأداء الديموقراطي والعمل البرلماني قائلاً:
"حرصنا على هذه المؤسسة (مجلس الأمة) يبدأ أولاً وقبل كل شيء ليس بالفهم الصحيح لللائحة، إنما بأداء الأشخاص والأعضاء بالدرجة الأولى. أتمنى من خلال المحبة والصدق في الأداء أن نبدأ في عملية الديموقراطية وفق ما رسمته اللائحة الداخلية".
"هناك إحساس لدى الجميع بأن إنتاجيتنا (كأعضاء مجلس أمة)، تراجعت وتدنت، وهذا ما أدى بالبعض إلى التفكير في إعادة النظر في اللائحة الداخلية وفق الحاجة. المعالجة عن طريق هذا الاقتراح خاطئة خشية التجاوز على الأداء".
وأكمل حديثه قائلاً: "العمل الديموقراطي والعمل البرلماني لا يمكن حصرهما في عدد جلسات المجلس بل هما ركيزته الأساسية.. يجب أن تكون هناك ندوات أسبوعية لتثقيف الناس وإدراك أبعاد العمل الديموقراطي في مستوياته المختلفة، وكلما خلقنا ندوات سياسية وأمنية وأمناً وطنياً واجتماعياً كان ذلك أفضل، والقيمة هناك بالأفكار التي طرحناها والقضايا التي نوقشت".
"إذا كانت هناك متابعة شعبية كان هناك إنجاز، كأن تكون جلسات مسائية (لمجلس الأمة) وليس صباحية، أي ترك الوزراء يمارسون دورهم (صباحاً) ومجلس الأمة يمارس دوره (مساء)، فالجلسات الليلية تساعدنا على العمل والمتابعة وإثراء النقاش بشكل صحيح. والجلسات الصباحية على حساب السلطة التنفيذية.. وإذا أردنا ذلك (ما ذهبت إليه) نأخذ قرار توصية وليس تعديل اللائحة الداخلية ونجرب هل ننجح أم لا".
أراد سامي من أداء مجلس الأمة أداء منتجاً فاعلاً، وأراد توضيح مفهومه للديموقراطية في مجلس الأمة وخارجه، وتطلع إلى توفير الوقت المناسب لمشاركة الوزراء في جلسات مجلس الأمة حتى يقضي على الشكوى من غياب بعض الوزراء عن الجلسات، ولا أحد يعارض هذا الرأي لكنه لم يخضع للتجربة.
كانت الصحافة وحريتها جزءاً لا يتجزأ من حياة سامي، وعمل ما في وسعه على تحقيق الحرية لها، ومقاومة المادة 35 من قانون الصحافة، التي تحد من هذه الحرية.
وفي هذا الفصل من دور الانعقاد العادي الأول في 5/2/2000 يتحدث عن تعطيل إحدى الصحف ويقول: "المادة 35 من قانون المطبوعات ضد تعطيل الصحف. لم يسبق أن تم سحب امتياز جريدة منذ 1962. وهناك تعطيل إداري لجريدتي السياسة والأنباء".
"يجب على مجلس الأمة أن يقف وقفة شجاعة ويقول ماذا يحدث في هذا البلد. أين تتجه القرارات؟ وما النوايا التي رسمت لوطننا؟ من الضروري عقد جلسة خاصة لمناقشة أوضاعنا. ما حدث أمس من إغلاق صحف تتويج للقلق العام". ويطلب سامي استخدام المادة 102 من الدستور بعدم التعاون مع الحكومة.
كان سامي ينشد التعاون بين الحكومة ومجلس الأمة في حل مشكلات الوطن، ولكن طلبه لهذا التعاون امتد إلى ضرورة تعاون جمعيات النفع العام والجمعيات المهنية، ورأى "في إشراك المواطنين عن طريق الجمعيات توفيراً للوقت والجهد". وسرعان ما ينتقل في 4/12/1999 إلى مناقشة برنامج الحكومة ككل، وليس تعاون الجمعيات، ويرى أن مناقشة هذا البرنامج من الأمور المهمة "الذي بالتأكيد يعطينا فرصة (كمجلس أمة) ويعطي الحكومة كذلك لخلق الأجواء الصحية المطلوبة لتحقيق إنجاز".
وضوح البرنامج الحكومي
ورأى سامي "أن لغة البرنامج الحكومي راقية، إذ تقول برؤية جديدة تقوم على أساس من الوضوح والصدق مع النفس ومن الاقتناع بحتمية التغيير والثقة بقدراتنا على الفعل المؤثر لإحداثه". هذا ما تقوله الحكومة ولكن سامي يقول:
"ليت هناك ترجمة عملية لهذه العبارة الرائعة (التغيير) تغيير الوكيل أو الوكلاء مع وصول الوزير الجديد. لكن التغيير المطلوب هو إجراءات عملية ملتزمة بالمؤسسات الدستورية، والعبارات الإنشائية لا تمثل الواقع وتبث القلق والإحباط".
هكذا كان رحمه الله ينشد الفعل المؤثر لا الحديث عنه. ونعتقد أن نقده الموضوعي ما كان ليذهب أدراج الرياح، فكثير من آرائه، على قسوتها، كانت محل تقدير من زملائه في المجلس ومن أعضاء الحكومة ويؤخذ بها بجدية.
كان سامي – رحمه الله – مؤيداً لحقوق المرأة السياسية، ولم يكن يرضى عن أي مقاومة لهذه الحقوق، سرية كانت أم علنية. وكان منسجماً مع قناعته ومع الرغبة الأميرية التي تعطي المرأة حقوقها السياسية. وندد بالنوايا ضد هذه الحقوق في 23/7/1999 قائلاً "هناك نوايا ضد حقوق المرأة، والسياسة تريد حرمان نصف المجتمع، أما نحن فلنستجب للرغبة الأميرية، فذلك اتجاه حميد يعزز الديموقراطية". إن ما تمناه سامي أصبح واقعاً، فقد نالت المرأة الكويتية حقوقها السياسية بعد موافقة مجلس الأمة عليها. وأصبحت وزيرة تحتل منصب وزير التخطيط والتنمية الإدارية في عام 2005 والمواصلات والصحة والتربية والاسكان فيما بعد.
آخر المداخلات
وربما كانت آخر مداخلاته في مجلس الأمة بتاريخ 11/7/2000 أمام لجنة الشؤون الخارجية، فقد أشاد بالاتفاق مع المملكة العربية السعودية بالمناصفة النفطية التي حققتها الاتفاقية (في المنطقة البحرية)، كما أشاد بالمفاوض الكويتي الذي تمكن من تحقيق المصالح الكويتية الوطنية وتعزيز العلاقات مع المملكة العربية السعودية. وربما كان آخر حديث في مجلس الأمة الذي عايشه منذ 1963 منسجماً مع مبادئه الدستورية التي يطمئن إلى تطبيقها على يد المخلصين، عندما قال: "الاتفاقية تمت وفق المادة 70 من الدستور، إذ لا ملاحق غير معلنة فيها" وتنص المادة 70على:
"يبرم الأمير المعاهدات بمرسوم ويبلغها مجلس الأمة فوراً مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون للمعاهدة قوة القانون بعد إبرامها والتصديق عليها ونشرها في الجريدة الرسمية.
على أن معاهدات الصلح والتحالف، والمعاهدات المتعلقة بأراضي الدولة أو ثرواتها الطبيعية أو بحقوق السيادة أو حقوق المواطنين العامة أو الخاصة، ومعاهدات التجارة والملاحة، والإقامة، والمعاهدات التي تحمل تعديلاً لقوانين الكويت، يجب لنفاذها أن تصدر بقانون.
ولا يجوز في أي حال أن تتضمن المعاهدة شروطاً سرية تناقض شروطها العلنية".
كان سامي في هذا الفصل التشريعي رئيساً للجنة الدفاع عن حقوق الإنسان التي أنشئت سنة 1992، ويبدو أن هذه اللجنة لم تكن تلقى الدعم أو الترحيب في مجلس الأمة، ربما لأن معظم اهتماماتها كان بالوافدين. ويذكر د. أحمد الخطيب ذلك صراحة "الحكومة أرحم مليون مرة من أعضاء مجلس الأمة في قضايا حقوق الإنسان" . ويؤكد محمد مساعد الصالح شيئاً مما ذهب إليه الدكتور الخطيب عندما قال "أنا اعتبرها - لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان- ليس لها سلطة، ولا سمعة كبيرة جداً، صارت نوعاً من الديكور، يعني مهما كان دورها كلجنة حقوق الإنسان، ألا يمكن أن تقوم بزيارة إلى سجن طلحة وزيارة الأحداث؟ أنا لا أرى لها دوراً كبيراُ" .
رحيل سامي
رحم الله سامي رحمة واسعة. فقد شاء القدر أن يؤدي فريضة الحج سنة وفاته، كما شاء القدر أن تكون خاتمته حسن العمل والأداء والتوجه إلى الله سبحانه. فقد دأب في آخر فصل تشريعي له على بدء حديثه بالبسملة وكان مؤدياً لصلواته في أوقاتها كما شهد بذلك صحبه.
لقد كان، رحمه الله، كما وصفه النائب محمد جاسم الصقر "ضمير مجلس الأمة لا تحكم سلوكه ومواقفه إلا المصالح الحقيقية للوطن والمواطنين. إن غيابه خسارة فادحة للعمل الوطني والسياسي، وهذا الذي جسد دائماً البعد القومي العربي لقضايا الكويت" إن شعباً أنجب سامي قادر على إنجاب غيره، وليس لنا إلا أن نشارك الجميع تفاؤلهم في أن يعوض الله وطنه الكويت بسامٍ غيره. كان لوفاة سامي أحمد المنيس في 23/8/2000 رنة حزن وألم عميقين لا في الكويت وحدها ولكن في معظم أقطار الوطن العربي، وقد رثاه الراثون على صفحات جرائدهم، كما أرسل آخرون منهم رثاءه إلى مجلة الطليعة ومن لم يرث بعث برقية عزاء إلى ذويه وأصدقائه.
لقد لقي المرحوم سامي المنيس الاحترام والتقدير من أميره ومن شعبه ومن محبيه حياً وميتاً، إذ سرعان ما أمر الشيخ جابر الأحمد عند سماع نبأ وفاته بإرسال طائرة خاصة حملت جثمان الفقيد من جمهورية مصر العربية التي أحبها وارتبط بأوثق العلاقات مع مثقفيها، حيث فاضت روحه، إلى وطنه الكويت الذي عاش معززاً على أرضه ودافع عن مصالح شعبه حتى النفس الأخير، ليدفن في ثراه وسط حشد من المشيعين له في جنازته قلّ نظيره من أبناء شعبه والحكومة عند التشييع إلى مثواه الأخير. "أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العظيم.
انتهى ...
جون الكويت
25-03-2010, 11:55 PM
هل اكتملت المقالات ؟
فهد القصيم الاول
01-11-2017, 08:55 AM
والله تحسدون على هكذا حضارة وهكذا ديمقراطية وبس ,,دمتم بخير ,,
فهد القصيم الاول
08-11-2018, 11:11 AM
تاريخ مجيد يجسد العلاقة التاريخية والديمقراطية في بلد النهار العربي ,,المنيس والخطيب والثنيان من صفوة الزعماء الديمقراطيين ..تحياتي لكل حر في بلاد المسلمين ,,
vBulletin® v3.8.9 Beta 3, Copyright ©2000-2025, vBulletin Solutions, Inc.