المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأديب عبدالله زكريا الأنصاري


سعدون باشا
27-11-2008, 01:58 PM
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/25707747120091101.jpg
الشاعر والأديب
عبدالله زكـــريا الأنصـــاري
رحمه الله


ولد في الكويت عام 1922م.


درس بمدرسة والده الملا زكريا الأنصاري الذي كان يملك مدرسة لتعليم القرآن الكريم والقراءة والكتابة وكان أيضاً إماماً لمسجد العبدالرزاق. عام 1928 التحق بالمدرسة المباركية ودرس فيها حتى عام 1936م.
أول مديرة لمكتب التوجيه والإرشاد في الجامعة.
قام بالتدريس في مدرسة والده لمدة أربع سنوات، بعدها طلب للتدريس في دائرة المعارف ثم في المدرسة الشرقية لمدة عامين من عام 1940 - 1942م. عام 1950م اختير من قبل مجلس المعارف محاسباً لبيت الكويت في القاهرة وأقام هناك حتى عام 1960م.
عام 1950 تولى رئاسة تحرير مجلة البعثة التي صدرت عن بيت الكويت عام 1946م. وظل يكتب مقالها الافتتاحي حتى توقف بعد أربع سنوات عام 1954م.
كتب أيضاً في مجلة (كاظمة) وهي أول مجلة تصدر وتطبع في الكويت عام 1948م وكان رئىس تحريرها الأستاذ أحمد السقاف.
انضم إلى وزارة الخارجية عند تأسيسها عام 1962م وعاد للقاهرة مرة أخرى للعمل في السفارة الكويتية هناك حتى عام 1965.
عام 1965 عاد للكويت وتولى إدارة الصحافة والثقافة في وزارة الخارجية حتى تقاعد عام 1987م.
عام 1968م رأس تحرير مجلة البيان التي تصدر عن رابطة الأدباء في الكويت حتى عام 1973م.
كتب العديد من القصائد الشعرية في الوصف والغزل والوطنيات والقوميات والاجتماعيات. نشر بعضها ولم ينشر بعضها الآخر، كما أنه لم يطبع له أي ديوان شعر رغم غزارة شعره.
طبع ستة دواوين شعرية لخاله المرحوم الشاعر محمود شوقي الأيوبي أربعة منها طبعها في القاهرة هي: الموازين في الأخلاق ونظام الحياة عام1953م، هاتف من الصحراء عام 1955م، الأشواق عام 1955م، رحيق الأرواح عام 1955م، وطبع ديوانين في الكويت هما ألحان التورة عام 1969م، المنابر والأقلام عام 1982م.
فازت قصة " رغبة " بالمركز الأول في مسابقات جامعة الكويت الثقافية حول القضايا الاجتماعية لسنة 1994.
يحتفظ بسلسلة من الملفات أسماها صور وخواطر تعدت الـ 54 ملفاً تحتوي على الكثير من القصائد واليوميات والتعليقات بدأ بتدوينها منذ بداية تقاعده.
مؤلفاته:
1- فهد العسكر (حياته وشعره)، الطبعة الأولى عام 1956.
2- مع الكتب والمجلات 1972م.
3- الشعر العربي (بين العامية والفصحى) 1973م.
4- الساسة والسياسة (والوحدة الضائعة بينهما) 1975م.
5- صقر الشبيب (وفلسفته في الحياة) 1975م.
6- خواطر في عصر القمر 1976م.
7- روح القلم 1977م.
8- حوار المفكرين 1978م.
9- البحث عن الإسلام 1979م.
10- مع الشعراء في يدهم وعبثهم 1981م.
11- حوار في مجتمع صغير 1983م.
وتوفي الأديب في سنة 2006



مجلة العــــــــــربيhttp://www.alarabimag.com/arabi/common/mawsoa/ansary.htm (http://www.alarabimag.com/arabi/common/mawsoa/ansary.htm)

عبدالله الجسار
01-03-2009, 11:29 PM
رحمه الله رحمة واسعة

ليت شعره يجمع و يضم في ديوان لنطلع عليه

سعدون باشا
02-03-2009, 11:38 AM
حينما كان الشاعران الكويتيان أحمد السقّاف و عبدالله زكريا الأنصاري قريبان من سوق السمك .. رأوا رجلاً يحملُ سمكةُ نقرور فرِحاً مبتسماً مهولاً نحو سيارته فقال الشاعر عبدالله الأنصاري:
حامل النقرورِ يطوي الأرض بطي ... مسرعاً للبيتِ كي يشويه شي
فضحك الاثنان واتجها للسوق لشراء نقرورا لأكلهِ .. وظل بيت الشعر يرن في إذن الأنصاري وكلما تذكرها ضحك فقرر تكملتها على النحو التالي :

حامل النقرورِ يطوي الأرض بطي ... مسرعاً للبيتِ كي يشويهِ شي

غرغر البطـنُ لهُ مستبشراً .. هكذا النقرورُ يغري وهو نيّ

أه ليتني لو أبـدو في طبَــقٍ .. وأظهـــــرُ في أحسـَـــــنِ زيّ

حاملاً ريحَ شـــــواءٍ عاطـرٍ .. مثلما الأزهارُ فاحَت بعدَ رّي

لا تلمني إنْ هِمْتُ أوتغزّلتُ بهِ .. ولا تعتــــبْ عــــــــــــلي

فشريناه من بائــــــعِ الأسماكِ .. ميتــــــــاً بعــــــــــد حي

فليــّـــــــــــه الطبـّـــــــاخُ .. ليـَّـــــــاً أَيُّ لَـــــــيّ

فأكلنــــــــــاهُ ولم نشــــعر بهِ .. حتى خَزّ بيَ الشوكُ وأَدْمى رَاحَتَّي

الأديب
02-03-2009, 05:01 PM
رحمه الله رحمة واسعة

ليت شعره يجمع و يضم في ديوان لنطلع عليه

أخي الكريم .. شعره مجموع ومطبوع في حياته.
ويمكنك الحصول عليه.

- ( مرايا الذات؛ عبد الله زكريا الأنصاري- رحلة الكتابة والشعر ) إعداد الدكتورة سهام الفريح.
من مطبوعات المجلس الوطني للفنون والثقافة والآداب.

وكان الأستاذ يود ألا تنشره إلا بعدما يقضي .. فنشرته في حياته.

الأديب
02-03-2009, 05:08 PM
عبد الله زكريا الأنصاري
رمز الثقافة الكويتية والعربية

مقدمة
رثى أدباء ومثقفون كويتيون زميلهم الراحل عبد الله زكريا الانصاري، الأديب الذي أخلص الى أدبه كل الإخلاص، وأعطى من جهده وعمره للفكر والثقافة والسياسة الكثير. ولم يأل جهداً في سبيل نشر المعرفة، والاحتفاء بالإبداع في كل صوره.

ملامح إبداعية
حظيت سيرة عبد الله زكريا الانصاري بالعديد من الملامح التي ميزته، وأشارت إلى نبوغه في شتى المجالات، ولقد كرمته الكويت بفضل ما قدمه من عطاءات بجائزة الدولة التقديرية التي حصل عليها العام 2003 وهو تكريم يستحقه "الأستاذ" بجدارة . كما أن الأجيال المتلاحقة ستكرمه من خلال ترديد اسمه، والافتتان بمؤلفاته النثرية والشعرية التي تركها مزدانة بإبداعاته وتألقه في شتى المجالات الثقافية.

وحرصت مجلة "الكويت" في عددها الصادر في أيار / مايو من العام الماضي على الاحتفاء بالانصاري وذلك من خلال اصدار كتاب عنه ضمن سلسلة "كتاب الكويت" تضمن العديد من المحطات التي توقف عندها "الاستاذ". ثم صدر عن المجلس الوطني كتاب "مرايا الذات،عبد الله زكريا الانصاري رحلة الكتابة والشعر" لمؤلفته الدكتورة سهام الفريح، والذي تجولت فيه المؤلفة في عدد من المجالات التي أبدع فيها الانصاري خاصة في مجال الشعر.

الشعر أولاً
وأكد الدكتور عبد الله القتم في دراسة له عنوانها "المقالة في أدب الانصاري" انه: "على الرغم من مكانة الأستاذ عبدالله زكريا الانصاري في عالم الأدب نثره ونظمه، إلا ان التركيز كان دائما على شعره، وعندما يتطرق الباحث إلى نثره فإنه يمر عليه مرور الكرام، ولا يعطي مقالاته من الأهمية ما يليق بها".
وأشار القتم إلى مقالات الانصاري الجذابة في "البعثة" وغيرها، التي اتصفت بالتكثيف والتشعب، واللغة السهلة، ورؤيته الشاملة للأمة العربية.

مؤلفاته
وللانصاري تاريخ حافل بالمؤلفات التي أضافت إلى المكتبات العربية الثراء والتنوع ومنها : "الشعر العربي بين العامية والفصحى",, العام 1972، و"صقر الشبيب وفلسفته في الحياة" عام 1975، و"فهد العسكر,,, حياته وشعره" العام 1956، بالاضافة إلى كتب "من أدب السياسة" العام 2005، و"روح القلم" العام 1977، و"حوار الفكر" العام 1978، و"أدب المعاناة" العام 2004، و"كتاب الحياة"، و"البحث عن السلام".

وهذه المؤلفات وضع فيها الانصاري جل فكره كي تصبح مراجع أدبية وثقافية يمكن الاعتماد عليها في اثراء الفكر بالعديد من المواضيع المهمة، وهذا الاثراء جاء ضمن منظومة اهتمام الانصاري بمنهج انساني مهم، يتمثل في الاحتفاء الصادق بالأدب والفكر والحياة، ذلك الاحتفاء الذي أسهم في ايجاد رؤى جديدة وجديرة بالاهتمام في كل عصر.

كتاب الحياة
"كتاب الحياة" هو عبارة عن تأملات رصد فيها الانصاري عصارة فكره وراح يتجول في معان جديرة بأن ندور في فلكها، ونحاول الاسترسال في قراءة مدلولاتها من خلال ما بثه الانصاري من رؤى تتعلق - في المقام الأول - بالانسان الباحث عن القيمة في كل ما تراه عيناه، وتحس به مشاعره . يقول الانصاري :" المشكلة تتعلق بالانسان نفسه، انه يحمل المتناقضات في الحياة، لكن المعضلة ان الانسان الواعي المفكر العاقل قليل والكثير هو الإنسان الذي لا يستطيع ان يصل بعقله وفكره ودرجة من الوعي تمكنه من ادراك حقيقته".

رؤى اسلامية
ورصد الانصاري في هذا الكتاب بعض الرؤى المتعلقة بالاسلام الذي ارتكز على بناء الانسان لخدمة البشرية وأن اهتمامه كان متوجها إلى روح الانسان وضميره وعقله وقلبه، ويقول الانصاري عن الإعلام انه" سـلاح من أخطر الاسلحة في العصر الحديث، تتسلح به الأمم لتبني نفسها، وتــرفع شأنها وتصد به أي حرب من حروب الدعاية الموجهة ضدها إنه سلاح العصر، ووسيلة الوعي وصوت الحق الذي يدحض الباطل، وكم للباطل من صولات وجولات يطمس بها الحقيقة ويشعره الواقع، ويرفع شأن الاضاليل".

والمتابع لحياة الانصاري سيكتشف أنه موسوعة شعرية متنوعة، فهو يحفظ الشعر العربي قديمه وجديده، كما ان له دوراً سياسياً متميزاً في تاريخ الكويت المعاصر، بالاضافة إلى علاقته الوطيدة بالأدباء والمفكرين في العالم العربي، ويتذكر المفكر العربي جاسم عبد العزيز القطامي في أحاديثه الكثيرة علاقته بالانصاري خصوصاً في القاهرة خلال خمسينات القرن الماضي، وزيارتهما لمكتبة مدبولي وصداقاته مع المبدعين في مصر.

رثاء الرشيد
السفير السابق الشاعر يعقوب الرشيد كان أكثر المتأثرين بوفاة الاديب الكبير عبدالله زكريا الانصاري، لدرجة ان الكلمات كانت تخرج منه بصعوبة، وبتأثر شديد قال : "لقد كان أستاذي الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، والصداقة بيني وبينه كبيرة. وأتمنى وجود ثغرة اقدم فيها خيرا لهذا الاستاذ، الذي لم يقصر معي حينما كنت تلميذا صغيرا ولقد ذهبت الى المستشفى التي كان يرقد فيه في مرضه الأخير، ووجدته مجهداً جداً، فتأثرت كثيرا، ولم أدر ماذا أفعل".

الخزامي
وقال الاديب والكاتب سليمان الخزامي: "استطاع الانصاري أن يبني جسورا من التواصل الفكري والثقافي للمجتمع الكويتي في معطيات هذا الزمان، واستمرت هذه الجسور الى يومنا هذا. كما عمل على توطيد العلاقة منذ الاربعينات بين الكويت ومصر، عندما كان مسؤولا عن "بيت الكويت" في القاهرة، وساهم بكتابات كثيرة، وحفظ جزءا من تراث الكويت الادبي والفكري من خلال كتاباته الكثيرة التي خلفها لنا.عبدالله الانصاري مدرسة علينا أن نحافظ على ذكراها، ونحافظ على هذا الموروث الإنساني الذي تركه.

السبتي
وقال الشاعر علي السبتي: "كان خبر رحيله صدمة لنا جميعاً، كونه رائدا أثرى الحياة الثقافية بالعديد من المنجزات التي ستبقى بعد رحيله لأنها نابعة من انسان كان يحمل في قلبه حب الجميع، وفي ذاكرته الوطن الذي ساهم في نهضته، وتطوره، فهو رائد نكن له كل احترام، انه الاستاذ الذي تخرجت على يديه أجيال ما زالت تسير على منهجه، وحبه للعلم، والادب والثقافة. كما حمل مشاعل التنوير عالية، لتضيء الساحة الثقافية والفكرية".

العجمي
وقال الدكتور مرسل العجمي في تأبين الانصاري: "فقدت الكويت برحيله واحدا من أعمدة الادب والثقافة والتنوير ويتجلى اهتمامه في الأدب من خلال ايثار غيره على نفسه، كما يظهر اهتمامه بديوان فهد العسكر، والدراسات التي قدمها عن أدباء كويتيين آخرين، وكان قامة شامخة تركت أثرا واضحا في تضاريس الجو الثقافي الكويتي، أثر في من كان يعاصره وتأثر به من جاء بعده من الاجيال الشابة.

صالح
وقالت الأديبة ليلى محمد صالح: "بألم وحزن تلقيت نبأ وفاة أديبنا الرائد عبدالله زكريا الانصاري رائد الأدب الكويتي الذي ساهم في النهضة الادبية الكويتية منذ الاربعينات حين كان يكتب في مجلة البعثة الكويتية التي صدرت عام 1946، وتولى رئاستها عام 1950 حين سافر المفكر العربي الكويتي عبدالله حسين الى لندن لاكمال دراسته . وكان الانصاري مهتما من خلال مقالاته بالقضايا الوطنية والعربية وفي نقد الشعر العربي عامة والكويتي خاصة .

العبد المغني
وقال الباحث في تاريخ الكويت عادل العبدالمغني: "لقد دون أديبنا الروائع الادبية والفكرية بانتاج غزير متنوع، تجده يأخذك تارة الى البعيد ويدخلك في محاورات شعرية وفكرية عميقة مع فطاحل الشعر والادب قديما ابتداء من العصر الجاهلي ومروراً بالدويلات الإسلامية (عصر النضج الأدبي)، ويغوص بالقارئ تارة أخرى مع أعلام الأدب العربي في العصر الحديث ويعرج بك أيضا بعمق وتحليل دقيق ويصحبك مع من أنجبتهم الكويت من أعلام الشعر، أمثال الفيلسوف الزاهد صقر الشبيب والشاعر المتغرب محمود شوقي الايوبي وعملاق الشعر الذي طالما أبكى وأطرب رغم بؤسه وشقائه وعذابه الشاعر فهد العسكر.

الحمد
وقال الروائي حمد الحمد: "فقدت الكويت شاعراً وباحثا وأديبا ومفكراً، كان له دور في مجال التعليم والمجالات الأخرى، فكان يبحث عن رفعة اسم الكويت ويكفي سمعته العطرة بين الجميع، من خلال اخلاقه وتأثيره على الأدباء سواء في دعمه أو مشورته، والحذو حذوه في بذل الجهد والعطاء من دون انتظار مقابل، وهذا ما نتمناه من كل مواطن او انسان على أرض الكويت.

http://www.kuwaitinfo.net/na19k.htm (http://www.kuwaitinfo.net/na19k.htm)

الأديب
02-03-2009, 05:17 PM
أهم الظواهر الفنية في شعر عبد الله زكريا الأنصاري
بقلم أ. د. سهام الفريح

إن شعر الأنصاري يغلب عليه الشكوى الذاتية، والمشاعر الحزينة وفيه سعى إلى الهروب من هذه المشاعر، والبحث عن ملاذ لنفسه المعذبة والقلقة، فلم يكن حديث الحب وحده هو الملاذ، إنما الحديث عن الشعر بذاته وسيلته للتعبير عن ذاته المعذبة،

حتى أمسى هذا الحديث ظاهرة في شعره يفرغ فيه شكواه من الواقع الاجتماعي الذي يدفع به في بعض الأحيان إلى الحنين إلى الماضي، وهو حنين إلى قيم يجدها نبيلة وأصيلة، مع ما كانت عليه حياتهم في الماضي من بساطة وشظف في العيش.

أما شعرُهُ في المرأة، والذي بدا فيكادُ يخلو من الصور المادية التي يصور فيها إحساسه بجمال المرأة، وإنما تغلب عليه الصور المعنوية التي يضمنها القيم المثالية، التي تتمكن باقتدار من نقل إحساسه بالجمال بصورته الإنسانية الرفيعة، لذا لم تكن صور الأنصاري الذهنية مبتذلة في وصف جمال المرأة، وهو أمر تجدر الإشارة إليه بعد استقراء جميع قصائده الغزلية التي وقعت إلينا، وكما بينت هذه الدراسة، إلا في قصيدتين أو ثلاث ظهرت فيها الصور الحسية في وصف علاقة الحب أو في وصف امرأة تغزل بها في إحدى قصائده.

كما أن هذه الصور التي استخدمها، ليست بالصور التقليدية، أي نعني بها صور الشعر العربي القديم التي أبقى عليها كثيرون من شعراء العربية حتى عصرنا الحاضر. أما الأنصاري فقد جاء شعره في المرأة مختلفاً عن شعر غيره من شعراء جيله، لذا لم تصدر صوره الغزلية عن أخيلة نمطية، وإنما جاءت بخاصية جديدة أملتها عليه قيمة الإنسانية الرفيعة، التي فرضت سطوتها الحادة على حياته، ومن ثم نتاجه الفكري عامة والشعري خاصة، والأنصاري في شعره هذا يقف موقفاً قوياً تجاه المرأة.

لذا فقد عبّر الأنصاري عن واقع الحياة في عصره وبيئته عبر مضامين تلك الفترة مع عنايته بالمشاعر الإنسانية، فلم يكن عندها رومانسياً كمذهب شعراء جيله منغمساً فيها، ولا هو واقعياً بما في الواقعية من جفاف في بعض الحالات، وإنما كان شاعراً يعبر عن معاناته وهموم الحياة في زمانه (فكان واقعياً في مضامينه، رومانسياً في انفعالاته وعواطفه وتعبيراته وأحساسيه).

وان للشعر وقعاً طيباً في نفس الأنصاري، يجعله وهو يعيش عالم النظم الشعري يغفل كل ما حوله حتى يتلاشى، ولا يجد إلا نفسه والشعر ليتوحد معه في حميمية عجيبة، حتى نجده يجسم الشعر ويشخصه حتى يتعالى في القصيدة شامخاً وكأنه الخليل والصاحب الذي لا يفارقه في الحياة؛ يبثه أسراره ومكنونات نفسه باطمئنان وسكينة لا حدود لهما. لأنه يجد ذاته في الشعر، وكأن الشعر له وحده، والكتابة بكل أشكالها للآخرين. لعل هذا الجانب كان السبب في أن يكون الأنصاري ضنيناً بأشعاره لم يكشف عنها ولم ينشرها لأنها ذاته ومكونات نفسه التي لا يريد لها أن تشيع بين الناس. وقد بدأ هذا التلاحم بين ذات الأنصاري وشعره منذ فترة مبكرة من عمره الفني، كشفت عنه أشعاره التي نظمها في فترة الأربعينيات والخمسينيات، ولم تتميز بها قصائده في الحرب والمرأة فقط. وإنما تبرز عنده عندما يثور الشعور تجاه الحدث، فقد يكون الحدث وطنياً أو قومياً أو غيره كما في قصيدته (ثورة النفس) التي نظمها حول قضية فلسطين، إلا أن مقدمتها التي امتدت إلى (15) بيتاً تعبر عن تلك العلاقة التي تكونت بين الشاعر والشعر:-

كم تغزلت بالحسان الملامح
وتغنيت بالظُبا والرماح
إنه الشعر تارة يفتن الغي
د وطوراً يهزّ بيض الصفاح
وبه كم أزحّت هماً عن النف
س وأججت ثورةً للكفاح
إنما الشعر سلوي وغنائي
في غدّوي أشدو به ورواحي
فامتزجنا في شعوري شعري
وانقباضي به ومنه انشراحي

فقد كان الشعر سلوته وغناءه في غدوه ورواحه. حتى امتزجا في ذات واحدة. وكان الشعر في بعض حالاته هو دواء للشاعر.

ويراعي بين الأنامل طوع الأ
مر يجري مسطراً أتراحي
كلما حال في خيالي فكرٌ
خطه مسرعاً طليق سراح
ارسل الشعر من جناني لحوناً
وأداوي به بليغ جراحي

حتى يصل إلى هدفه من نظم القصيدة في قوله:

نكأ الجرح ما أصاب فلسطي
ن من الجور والأسى الملحاح(3)

فملامح الرومانسية تتضح في هذه القصيدة وفي غيرها من ديوانه، حيث تتعالى النزعة الذاتية في تصوير واقع الحياة على وجدانه، وما تخلفه فيه من جراحات عميقة. فليس الحب وحده الذي يهز مشاعر الأنصاري ليطلقها من عنانها إلى حلقات النظم، وإنما تهتز مشاعره الجياشة للعديد من القضايا لأنه إنسان شديد الحساسية دقيق الشعور.

والشعر الرومانسي هو الذي تطغى فيه الأنا على خطاب الشاعر، ولا يكون الشعر إلا وسيلته للتعبير عن هذه الأنا، ولا يهمه العناية بالقيم الجمالية للشعر قدر عنايته به، ولقد ظهر ميل الأنصاري إلى هذا المذهب واضحاً جلياً حتى في آرائه النقدية. (...).
ولنقف أمام هذه القصيدة التي اسماها (الأمر أمرك) ويعني به الشعر، والتي نظمها بتاريخ 2-2-1979م يخاطب فيها الشعر أو وحي الشعر هي:

ريحُ الُّنبُوَّةِ فيك تُحيي من عَبيرك كُلَّ مَيْتْ
أنَا من سَمَائِكَ قد هَبَطْتُ وفي سبيلكَ قد مَضَيْتْ
أنا ما قصدتُ سواكَ أَلْتمسُ الحياةَ وما نَوَيْت
أنتَ الحياةُ الحقُّ إني في مَنَاكِبها سَعَيْتْ
أنا منك يَاعَبَقَ النُّبوَّة مَا ارْتَدَدْتُ ومَا انْثنيتْ
كم رحتُ أسْعَى نَحْوَ فيئكَ مُسْتظلاً وَانْضَوَيتْ
أهَجرْتني أنَسِيتني أقََلَيْتني فيمن قَلَيْتْ
اهبطْ عَلَيَّ فَإنَّني يكَ قد بَدَأْتُ وما انتَهَيْتْ
اهبط لأَنْسُج من حُرُوفِك مَا وَدِدْت وما هَوَيْتْ
وأصوغْ منه خَواطِري شَتىَّ وأُعْلي ما بَنَيْتْ
وَأمْسَحْ به كُلَّ الجُرُوح فَكَم بُحْرقَتِها اكْتَويَتْ
يَاليْت أنَّكَ طَوْعُ أَمْري لَيْسَ غَيْرُك لَيْتَ لَيْتْ
فالأمر أمْرُك ليسَ غيرُك إنْ أَرَدْتَ وإن أبَيْتْ
مرايا الذات ص

وهذه الحميمية التي نُسجت وشائجها بين الأنصاري وبين الشعر لم ترد أمثلتها في أبياتٍ معدودة من شعره، وإنما تعدتها إلى قصائد كاملة هي للشاعر في مخاطبة الشعر ومناجاته وبقيت هذه المناجاة بين الشاعر والشعر لسنين طويلة لم تنحل وشائجها، ولم تنقطع، فإن كانت القصائد التي استشهدتْ ببعض أبياتها هذه الدراسة كانت قد نظمت في السبعينيات فإننا نجدها تمتد حتى هذه المرحلة فنعثر على قصيدة له (وما الشعر إلا عناء الحياة) فقد نظمت بتاريخ 15-1-1997م تظهر ارتباط الأنصاري بالشعر ذلك التلاحم الذي، وأن هذه العلاقة تذكرنا بعلاقة أبي نواس بالخمرة التي كانت أيضاً ملاذه والصدر الحنون الذي يرتمي في أحضانه ليبثه أنينه وشكواه.

عجبت من الشعر في أمره
وحيرني في مدى سره
فالشعر يصد ويهجر وتتداخل المعاني في إطار ألفاظ الحب فلا ندري إن كان يتحدث عن الحبيب الذي أشقاه هجره أم يتحدث عن الشعر؟
حبيب تناجيه في صدّه
وتطرب منه ومن سحره
يصد ويهجر هجر الحبيب
وطوراً ينهنه من هجره
تناجيه إمّا استبدَّ الهوى
وحرّقك الوجدُ من جمره
وفي هذه الأبيات تبرز تلك الحميمية بين الشاعر والشعر ويبرز قوله في الشعر واضحاً لا لبس فيه.
فيرخي إليك زمام الكلام
تضوع الجوارح من نشره
لكنه الحب الذي يسعى إلى إخفائه يظهر أحياناً بين ثنايا تعلقه بالشعر:
فتقطف الوردَ من خدهِ
وترتشفَ الخمرَ من ثغره
وتغدو رضياً هني الفؤاد
تميل وتغفو على نحره
وتسبح في حالمات الرَّؤى
وتستنشق العطر من زهره
مرايا الذات ص

لقد طغت المشاعر الحزينة على فضاءات بعض قصائد الأنصاري، حتى بدا فيها الشاعر، وهو في حالة من اليأس والتشاؤم، الذي يأخذه إلى التفكير في قضايا الحياة والإنسان، وكان شأن شعراء جيله المتأثرين بالرومانسية اتخاذ الحب أو الطبيعة أو الخمرة وسيلتهم في التعبير عن هذه المشاعر، إلا أن شعر الأنصاري كان وسيلته للخلاص والتعبير عن مآسي الحياة وبخاصة الإنسان، وما تخلفه من أثر في قلبه وما تجسده من حزن في نفسه الحساسة، كما في قصيدته (ياعروس الخيال)

أسكتت سَوْرةُ الشجون غنائي
فتلاشت أصداؤه في الفضاء
وعَروس الخيال شرَّدها الوهـ
م فتاهت في ظلمة ظلماء
ونَشيدي، وَأين منيّ نشيدي؟
ضاعَ في لجة من الأهواء
وتَداعت هياكُل الشعر صرْعَى
فوق هذي البليةِ الهوجاء
وخلال هذه النزعة الرومانسية يبرز في خطابه الشعري الحنين إلى الماضي، وهو حنين فرضته القيم النبيلة التي ربطها بقيم الإسلام وهو في الوقت نفسه يحتج على ماطرأ على مجتمعه الجديد من قيم زائفة جعلته يتمنى باندفاع عودة حياته الماضية كما في قوله:
يا عروس الخيال مالي ارى الكو
ن أراه في فتنة حمقاء
يا عروس الخيال مالي أرى العر
بَ يسيلون في مصب الفناء
أسكرّتهم دنيا المطامع حتى
أغرقتهم في بُؤرةِ الخيلاءِ
فتردَّوا في حمأةِ الذلّ والإث
مِ، وتَاهوا في مهمة الإغراء
والذئاب الذئاب أهوّت عليهم
بسياط الأذلة الجبناء
أتراها تعود أيامُنا الغرُ
وتَغدو مليئة بالبْهاء
أتراها تعود تلك الليالي
زاهياتٍ تفيض بالنعماء
حُلمٌ داعب الخيال وَوَلّى
كالرؤى لاح طيفها للرائي
ذاكَ عهدٌ مضى، وألوى به الدهر
وعفّى عليه أيَّ عفاء
مرايا الذات ص
http://www.al-jazirah.com/culture/14082006/fadaat14.htm

عبدالله الجسار
03-03-2009, 09:26 PM
شكرا لك اخي الاديب

سعدون باشا
04-03-2009, 02:11 AM
الأخ الغالي الأديب المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
تحية مبخرة ومعطرة بالعود وطاعة الرحمن
سعدت مشكورا وسررت مغمورا بشكري لك
لإستكمالك موضوعي المتواضع ليكون له عدة فوائد للأعضاء والقراء الأفاضل

أنتظر منك إبداعك وتألقك الدائم والمستديم
بمواضيع تأسر وتسحر عين القارئ

والله ولي التوفيق


تقبل مني أعذب وأرق تحية

العتيبي
04-03-2009, 02:18 AM
الأديب الشاعر عبد الله زكريا الانصاري من أعلام الكويت المشرّفة، فهو من الأدباء الأفذاذ، والشعراء الجزلين.
لدي معلومة لا أعلم مدى صحّتها، هل ابن اخته هو فضيلة الشيخ العلاّمة عدنان عبد القادر القادري الإمام في مسجد التركيت في الخالدية؟

سعدون باشا
04-03-2009, 02:34 AM
الأخ العتيبي المحترم
نعم معلومة صحيحة أن الشيخ الإمام عدنان القادري أبن أخت الأديب عبدالله الأنصاري
حيث أن أم الإمام والأستاذ عدنان القادري هي العمة مريم رحمها الله
وهو كان أستاذ في مادة العلوم في ثانوية كيفان للمقررات
وأخيه السيد قاسم عبد القادر رئيس تحرير مجلة المجالس

تقبل تحيـــــــــــــــاتي

IE
04-03-2009, 02:52 AM
شاعر من الكويت.. وشاعر من العصر العباسي قد يجد القارئ مفارقة في هذا الموضوع، وبخاصة بين جزأيه، فالشاعر الكويتي معاصر لنا عاش معنا عرفناه واستمعنا إليه، وسعدنا بمجالسته، وأما الآخر فقد عاش حتى سنة 908م بعد عمر قصير. وقد ترك الشاعران تراثا من الشعر جميلا.
الشاعر الكويتي هو الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري والشاعر العباسي هو الشاعر الخليفة عبدالله بن المعتز المولود في سنة 861م.
طرق سمعي اسم هذا الشاعر عندما كنت في مرحلة الدراسة الثانوية بمعهد الكويت الديني، وكان يدرسنا مادة الأدب شيخنا الاستاذ السيد أحمد صقر الذي تحدثت عنه سابقا في مقال من مقالات »الأزمنة والامكنة« وكان الشيخ يلقي علينا شعرا قاله ابن المعتز، وتحدث إلينا قليلا عن الشاعر والظروف التي مر بها، وأغراض الشعر التي تطرق إليها، وكان مما تمثل به من شعره أبياتا لا أزال أذكرها لخفتها ولطفها. وفيها يتحدث ابن المعتز عن مغامرة من مغامراته العاطفية حين مر بأحد الأديرة بحسب عادة شعراء ذلك الوقت الذين يجدون في هذه الأماكن راحتهم وما يتمنونه من أنس ومتعة، مطلع الأبيات:
سقى المطيرة ذات الظل والشجر
ودير عبدون هطال من المطر
ومنها قوله:
لاحظته بالهوى حتى استقاد
له طوعا، وأسلفني الميعاد بالنظر
وجاءني في قميص الليل مستترا
يستعجل الخطو من خوف على حذر
وفي آخرها بيت طالما تمثل به الكتاب والمتحدثون من الأدباء:
وكان ماكان مما لست أذكره
فَظُنَّ خيرا ولا تسأل عن الخبر
وقد سعدت جدا حين أرسل إلي أحد الزملاء الدارسين في مصر كتابا يضم عددا من قصائد ابن المعتز فوجدت الأنس معها والمتعة في بيانها.
عبدالله بن محمد المعتز بالله هو من نسل الخلفاء: المتوكل والمعتصم والرشيد فهم أجداده، أولع بالأدب منذ صغره فكان يتصل بالأعراب ويتعلم من فصاحتهم، وقد تقلد الخلافة لمدة يوم وليلة، ومات مقتولا بسبب التنافس على الحكم، وقد ألف قبل ولايته عددا من الكتب منها: الزهر والرياض، والبديع، والآداب، والجامع في الغناء، والجوارح والصيد، وفصول التماثيل، وطبقات الشعراء وغيرها، اضافة إلى ديوانه المطبوع في أكثر من طبعة، وألف عنه بعض الأدباء كتبا تحكي تاريخ حياته وتشرح أدبه، منها كتاب »يوم وليلة« للدكتور عبدالعزيز سيد الأهل.
هذا ما يتعلق بالشاعر العباسي، أما الشاعر الكويتي الاستاذ عبدالله زكريا الأنصاري، فهو أديب وشاعر غزير الانتاج، حاضر البديهة تفرغ في سنوات حياته الأخيرة للكتابة ونظم الشعر، وأكب على القراءة في مكتبته الغنية بأمهات الكتب يمضي فيها طيلة نهاره، وفي المساء يجلس إلى أصحابه فيتحدث إليهم، ويجيب على اسئلتهم، ويشاركهم فيما يتحدثون عنه من أمور.
عبدالله زكريا الأنصاري أديب وشاعر ودبلوماسي، له في دنيا الثقافة في الكويت أعمال باهرة، وكان في بداية عمله مدرسا، ولد في سنة 1921م في فريج قريب من دروازة العبدالرزاق، ودرس عند والده الذي افتتح مدرسة أهلية لتعليم الأولاد القراءة والكتابة والقرآن الكريم. وفي سنة 1928 م التحق الاستاذ عبدالله بالمدرسة المباركية وبقي بها حتى سنة 1936م.
وقام بعدها بالتدريس لمدة أربع سنوات في مدرسة والده، اكتسب خلالها خبرة في هذه المهنة الشريفة، فطلبته دائرة معارف الكويت لكي يعمل بالتدريس في إحدى مدارسها، فكان نصيبه العمل في المدرسة الشرقية.
وخرج من سلك التعليم لكي يعمل محاسبا في شركة تموين الأقمشة ثم صار رئيس المحاسبين بها حتى سنة 1948م. وفي سنة 1950 م ثم اختياره للعمل مشرفا ماليا في بيت الكويت في القاهرة، وفي شهر ديسمبر لسنة 1962م عين وزيرا مفوضا في وزارة الخارجية، ثم سفيرا بعد ذلك، ولكنه انتقل إلى البلاد ليتولى إدارة الصحافة والثقافة في وزارة الخارجية إلى أن تقاعد من عمله في سنة 1987م.
لا أريد أن أطيل في الحديث عن هذا الأديب الكويتي البارز فقد كتبت عنه كثيرا ضمن »الأزمنة والأمكنة« وكتب عنه غيري من الأدباء، وألفت حول فنونه الأدبية كتب كاملة. ولكني أود أن أشير إلى مهمتين قام بها الأستاذ الأنصاري في نطاق العمل الأدبي، وهما:
أولا: تولى منذ بداية الخمسينيات رئاسة تحرير مجلة البعثة وسار فيها خطوات طيبة جعلتها من أبرز المجلات الثقافية في الوطن العربي، واستكتب لها عدداً من الأدباء من الكويت ومن خارجها.
ثانيا: حفط لنا تراث الشاعر الكويتي المعروف فهد العسكر، وذلك ضمن كتابه »فهد العسكر حياته وشعره« الذي طبعه في عدة طبعات يضيف إلى كل طبعة منها ما يعثر عليه من قصائد هذا الشاعر التي لولا عبدالله زكريا الأنصاري لضاعت، ولم يكن ذلك مستغربا منه فقد كان قوي الصلة بالعسكر وكان يغشى مجالسه.
***
يبدو أن الحديث عن الشاعرين ابن المعتز وعبدالله زكريا قد وصل إلى نهايته، وذلك في إيجاز شديد يوجبه علينا ضيق المجال، ومعرفتنا بأن القارئ يستطيع أن يطلع على الكثير من المعلومات عنهما في الكتب المتوافرة الباحثة في تراث كل من هذين الشاعرين المبدعين.
أما الآن فقد آن أوان حديث آخر له علاقة بهما، وقد اشتركا فيه على الرغم من طول العهد بينهما.
ذلك أن الأمر سببه قصيدة لابن المعتز قرأها علينا - في أحد مجالسه - الاستاذ محمود محمد شاكر، وقال قبل أن يقوم بقراءتها: سوف أقدم لكم اليوم قصيدة جميلة معبرة لعبدالله بن المعتز، وهي غير واردة في طبعات ديوانه التي بين أيديكم، ولذلك قمت بنسخها لمن يريد أن يحتفظ بها. وقرأ القصيدة بطريقته التي تحبب إليك الشعر، ثم ناول الورق إلى أحد الزملاء فقام صاحبنا بنسخه وتوزيعه على الحاضرين، ومضت الأيام وانشغلنا زمنا عن ابن المعتز وشعره، ولكن بعض الذكريات تفد فجأة، فقد تذكرنا القصيدة ونحن في ديوانية الثلاثاء، وكان أخونا المرحوم عبدالحميد البسيوني حاضرا معنا في الديوانية فرجوناه أن يقرأها في أمسية جميلة - ذكرتنا بأيام سعيدة مضت، كان ضمن الحاضرين الأخ المرحوم محمد ابو خليفة، وكان من رواد ديوانية الأستاذ عبدالله زكريا فنقل إليه أنه استمع عندنا إلى قصيدة رائعة، وناوله نسخة منها كنت قد طلبت منه أن يتكرم بإيصالها إلى الأستاذ وهي عادة اتبعناها في كثير من الأمور التي نعرف أنها تهمّه.
أعجب الأستاذ الأنصاري كما اعجبنا بالقصيدة ورسخت في ذهنه، ثم ظلت معانيها تعايشه أياما قام بعدها بكتابة قصيدة هي الأخرى جميلة وجعلها على وزن وقافية قصيدة ابن المعتز، ثم أرسل إلينا نسخة منها، وقد سعدنا بهذه المشاركة وقرأ الأستاذ البسيوني القصيدة الجديدة التي كنا مستمتعين بالاستماع إليها، وكنا ممتنين للاستاذ عبدالله إذ شاركنا فيما كنا فيه.
قصيدة عبدالله بن المعتز طويلة، ملآى بشكوى الزمان والناس، يكاد (بحر الكامل) الذي اختاره لها أن يكون أنسب بحر عروضي يمكن أن يتناول الأمور التي تناولها الشاعر خلال هذه القصيدة. يقول مطلعها:
ما بالمنازل لو سألت أحدْ
ولقد يكون هوى بهن وودْ
أزمانَ أمرح في عنان صبا
أجري إلى لهوي ولست أُردْ
يسترسل بعد ذلك في الحديث عن حياته وكيف أنه كان كما قال: غرابفجع الدهر، متبعا للهو حتى قام به وقعد، ويرى أن هذا الدهر قد بلغت مسرته مساءته، وأنه أصاب عيش الشاعر الصالح فأفسده، وأن الشيب بدأ بالدبيب إلى خطوط زينته، وأحنى قامته. ثم دخل على الأمر المؤلم في حياته، وهو تنكر خلان الصفاء له، يقول:
وطواه خلان الصفاء كما
يُطوى رداء البيع حين يُردْ
وذلك لأنه:
شد الزمانُ عليه قبضتَه
فعدوا وقبضتهم عليه أشدْ
لقد كانت قبضتهم على صاحبهم أشد من قبضة الدهر عليه، على حين كانت أنعمه عليهم كثيرة بحيث يصعب عدها لأنها كما قال: »لو عددت كان التراب يُعد«.
وهو يرى أن فضله عليهم أَذَلَّهُم فحسدوه لجوده وكرمه، وكانوا قساة عليه بحيث يقومون مع الزمان ضده حين يعثر فيستند بيده حتى لقد وهت يده ولم تعد تستند عند وقوع ماتحذره بسند ينقذها، ومع حاجته إلى نجدتهم فإنهم ثنوا أعنة خيلهم عنه وابتعدوا كما تبتعد حمر الوحش حين ترد الماء فتخاف أن يكون عنده من يترصدها بالصد.
ثم ينتقل إلى معاني أول القصيدة فيقول:
قال العواذل حين شبتُ ألا
ينهاك شيبُ الرأس قلت فقدْ
(يعني فقد نهاني)
ولقد قضت نفسي مآربها
وتبعتٌ غياً مرة ورَشدْ
ونهار شيب الرأس يوقظ من
قد كان في ليل الشباب رقدْ
ومن هنا طفق يذكر أيام شبابه، حين كان يمضي تحت غيمة سارية بَشَّرَ برقها ووعد، تسيرها الرياح فتتوقف عند الجبال، يضيء برقها من بعيد كأنه نار سجرت به هذه الغيمة، ثم يمضي واصفا السحابة المكتظة بالماء، التي تتبع آثار المحل، تسح على الأرض بوابل مستمر لمدة يومين حتى تمتلئ الأرض بالسيل الذي يعلوه الزبد، والأرض التي مات ما فيها من كلأ تعود بعد ذلك خضراء مزهرة:
والأرض إن قتل الهجير لها
ولدا أعاش لها الربيع ولدْ
ثم يضيف أن هذه الأرض الممطورة التي وصفها هي مثوى تلك التي لج فؤاده بها، وهي أرض شهدت صباه، أما هذه التي كان يهواها فقد كانت غراء تغطي سنا قمر من وجهها بلثامها، وتظلم بالسواك بَرَداً.
يقوم بعد ذلك بوصف رحلته إلى الصيد حين يحمله حصانه ذو اللون الذي يشبه لون الورد حين يتقد لحسن لونه، وهذا الحصان قوي لا تؤثر فيه شدة الطراد، ولا يسيل عرقه من تعب بل إن ما قام به هو أنه:
بلَّ المها بدمائهن ولم
يبتل منه بالحميم جسدْ
وفي أبيات لاحقة يستمر في وصف حصانه هذا، مشبها إياه بأوصاف أخرى تدل على قوته ودربته إلى أن يصل إلى نهاية القصيدة التي يكرر فيها الشكوى التي بدأها بها، مفصلا أشد التفصيل، مبينا مواقف اصحابه الذين تَخَلَّوا عنه في محنته:
لي صاحب إن غبت يأكلني
وإذا رآني في النديِّ سجدْ
كم قد هممت بأن أعاقبه
يوما فما وجد العقاب أحدْ
مختتما القول بأن الدهر لم يبق أحدا من الرجال الذين يُعْتَمدُ عليهم في الملمات، وكانوا زينة الدنيا، ولكنه (أي الدهر) ساق لهم الفناء، ولم يبق إلا السيئ من الناس:
ياليت من أبقاه مخترم
منا ومن أفناه كان خلدْ
إنها أمنية خطيرة لا يمكن تحقيقها لأحد فإن فناء من أبقاه الدهر على حالة السوء التي هو عليها (مخترم)، وخلود من كان يستحق الخلود أمر لا يمكن حدوثه، وهذا هو سبب الألم الذي يحس به ابن المعتز، ويعبر عنه في هذ البيت الأخير الذي يشعر القارئ بمدى ما يحمله من آهات تكبدها شاعر رقيق.
***
لم أكن حاضرا مجلس الأستاذ عبدالله زكريا الأنصاري حين قرأ قصيدة ابن المعتز، ولكني استطيع من واقع قصيدته التي كتبها من وحي القصيدة الأولى أن أتصور المشاعر التي عبرت بباله، واتخيل ما أثارته من كوامن كان يتحملها دون أن يبوح بها، والدليل على ذلك سرعة استجابته بكتابة قصيدته التي جعل عنوانها: »لا يدوم حال على حال« واتمها في اليوم الثاني عشر من شهر فبراير لسنة 1997م.
يقول مطلع القصيدة:
ما في حياة المرء غير نكدْ
ومصائب تترى بدون عددْ
في أمسه مما يضيق به
ضيقا، كذاك بيومه وبغَدْ
لقد كان يعبر عن حاله تعبيرا صادقا، فقد أمَضَّه الألم وأضناه المرض وهو في جو عاصف يشاهد فيه الأحداث وهي تمر على أمته بكل غريب مؤلم:
في الجسم آفات ينوءبها
كم قام يبغي ردها فقعد
لاخير في عيش يكرره
كذب به غشٌّ وفيه حسدْ
وتمضي قصيدة الأنصاري متتابعة متبعا وزن وقافية قصيدة ابن المعتز وهو يعبر عن نفسه، وعن مشاهداته وملاحظاته في الحياة تعبيرا صادقا، ونحن نعرف فيه هذا الصدق الذي لم يتخل عنه في يوم من الأيام.
ليس جو قصيدة ابن المعتز هو جو قصيدة الأنصاري فقد كان للقصيدة الأولى جوها الخاص الذي قيلت وهو مسيطر على الشاعر، وقصيدة الأنصاري لها جو آخر، ونحن نعلم جيدا أن الفارق الزمني والنفسي بين قائلي القصيدتين وعصريهما لا بُدَّ وأن يؤثر في وضع فروق لا تخطؤها عين قارئ، ومع ذلك فان الروح التي دفعت بشاعرنا إلى إبداع قصيدته فيها نزعة من مشاعر ابن المعتز وبخاصة الإشارة إلى الدهر.
إن الأنصاري ليعجب للإنسان لشدة نزعته إلى حب البقاء ويعتبر ذلك أمرا بعيدا عن الرشد، لأنه كلما أزرت به الدنيا زاد حبه لها، وتمنى أن يعيش حياة مديدة، وفي ختام هذه الفقرة من قصيدته يقول: تبا لهذا الإنسان فان مايقوله بهدا الشأن غثاء وزبد لا خير فيه.
ولكن على العكس من ذلك فمهما اثقلت الدنيا ظهره ومالت به، ومهما ابيض فوداه، فإنه يملك من الفكر ومن العزم ما يجابه به ما يحاك له من أمر هذه الدنيا التي يصدها عنه، بقوة مهما تتابعت أدواؤها، وَلَدَّت في خصومتها.
إنه عازم على الصمود مهما حدث، إذ إنه قد آمن بالقدر الذي يترصده عن ثقة منه بأن المقدر كائن وهذه الدنيا لن تؤثر فيه مصائبها:
أتتابعت أدواؤها وغدت
تبدو بلا وتد وغير عمدْ
أم أنشبت أظفارها ومضت
بأمرّ مما قد أتت وأحََدْ
فلسوف أصمد غير مكترث
وأجبيها بالصمت، أبلغ ردْ
وهو بعد هذه الأبيات على مفترق طرق بين ما يعانيه في ذات نفسه من رزايا، وما يعانيه من خارجها، فالذي من خارجها لا يعانيه هو وحده، وانما تعانيه أمته بأسرها فهو يرى أن ما يحدث للعرب وبخاصة على ايدي الصهاينة أمر مثير ومَكُدًْر، ويقول إن الحياة تمضي بنا ونحن مهملون نردد في انفسنا كلمتين هما: عسى وقد، دون أن نصل إلى نتيجة ترجى:
ويسومنا خسفا زبانية
من كل فجّ جُمِّعوا وبلدْ
العنصرية من مذاهبهم
والغدر خيَّم فوقهم وجمدْ
ويمضي في هذا النمط يتحدث عن أفعال اليهود مع العرب ويذكر غدرهم وغطرستهم، ولكنه يرى أنه على الرغم من فساد الزمان وتمرده إلا أنه سوف يخفف من تقلبه وسوف تهدأ الأمور حين تعود المياه إلى مجاريها.
ثم يقول:
لله تاريخا صَحَا وزَهَاَ
وبنا أضاء الكون ثم خمدْ
كانت به أيامنا مثلا
بيض الصحائف فاستدار وصدْ
فغدت به سُوداً صحائفنا
أسفا، ومن زرع السواد حصدْ
إن الليالي لاتدوم على
حال ومن عرف السبيل وَرَدْ
***
نحن اليوم نقرأ القصيدتين ونترحم على الشاعرين اللذين ابدعاهما وعلى كل من ساهم في قراءتهما وتقريبهما إلينا ونشرهما بيننا.



د. يعقوب يوسف الغنيم - جريدة الوطن 4/3/2009

الأديب
04-03-2009, 10:14 PM
الأخ الغالي الأديب المحترم




السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
تحية مبخرة ومعطرة بالعود وطاعة الرحمن
سعدت مشكورا وسررت مغمورا بشكري لك
لإستكمالك موضوعي المتواضع ليكون له عدة فوائد للأعضاء والقراء الأفاضل

أنتظر منك إبداعك وتألقك الدائم والمستديم
بمواضيع تأسر وتسحر عين القارئ

والله ولي التوفيق



تقبل مني أعذب وأرق تحية

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

مهلاً يا أخي .. مهلاً ، كل هذا عني :o .. أنا أيها الحبيب لا أستحق هذا الإطراء ، والإسهام معك في المواضيع هو أدنى حقك علينا .


وأعجز الآن عن الاستجابة لثنائك الغالي "من الغلو" .. وكم أتمنى الآن أنْ أكون أنا وأنت في عصر السلاطين :).. فأقول مجزلاً في العطاء والمكافأة:
قطِّعوا لسانه بالعطية .. وأعطوه بكل ذرة من مديحه درة .. واجعلوها له في صرة !


ولكن .. ليس هناك أفضل من " جزاك الله خيراً " يا سعدون باشا.. ومبارك عليك وسام التميز ، وتستاهل كل خير.
.

سعدون باشا
05-03-2009, 02:46 AM
رويدا رويدا ... رويدك أيها الأديب السامق
تستنفرني تلك الأبجديات وتدفعني لخوض تلك الكلمات
وترغمني لأخطف من خلجانها أعذب التحيات لأعلقها على مقصلة الجبين
لتحكي قصة ذلك الأديب نرجسي المزاج
يداي عجزت من إمساك جيد الحروف أمامك خوفا من السقوط

سلمت يداك وسلم حرفك

كلي شكر وكلي تقدير لك لهذه الكلمات في حقي
تقبل مني أدفأ وأرق التحايا أيها الأديب الدؤوب

سعدون باشا
12-03-2009, 10:58 PM
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/23688769320090312.jpg
الأديب عبدالله زكريا الأنصاري أقصى اليسار
مع
صاحب السمو أمير البلاد
الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله


http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/123688769320090312.jpg

يا وطن
18-08-2009, 07:57 PM
http://www.kuwait-history.net/vb/up/uploads/22778111720081127.jpg
















الأخ الكريم سعدون باشا
الصورة هذه للأديب والشاعر الكويتي
د. علي السبتي
الله يطول بعمره

لذا اقتضى التنويه

engineer2
01-11-2009, 02:32 PM
الصورة ليس ل عبدالله زكريا يرجى تغيرها

معكم مؤسس موقع

http://www.alansarifamily.com

وشكرا

سعدون باشا
01-11-2009, 03:28 PM
كل الشكر والتقدير لكل من نوّه على الخطأ الذي ورد بالموضوع
حيث تم التعديل علية بتغير الصورة
بكل الود تقبلوا مني أعذب وأرق التحيات