IE
01-04-2012, 01:24 AM
صدرت أخيرا الطبعة الخامسة لديوان «روض الخل والخليل.. ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي» بعناية د.محمد الطبطبائي وتحقيقه. وقد رأى د. خليفة الوقيان في هذه الطبعة ما يستحق التوقف عنده من أخطاء جسيمة في تاريخ الكويت والحالة العلمية والقضائية فيها.
في مقالين ننشرهما تباعا يستعرض د. الوقيان الأخطاء التي وقع فيها الطبطبائي في المقدمة التاريخية لتحقيقه، وفق رأيه، مفندا اياها، ومصوبا ما جاء فيها من معلومات افتقرت، برأيه، إلى الدقة.
صدرت مؤخرا الطبعة الخامسة لديوان «روض الخل والخليل ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي» بعناية د. محمد الطبطبائي وتحقيقه. وكانت قد صدرت من قبل أربع طبعات لذلك الديوان، الأولى الطبعة الحجرية، الصادرة في بمبي - الهند في عام 1300 هــ. والثانية في القاهرة في عام 1385 هــ، ونشرتها المطبعة السلفية ومكتبتها، وكانت على نفقة حاكم قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، وكتب مقدمتها الأستاذ السيد صقر، كما كتب الأستاذ محب الدين الخطيب تعريفاً بصاحب الديوان وبيئته وعصره.
ثم صدرت طبعة ثالثة على نفقة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، حاكم البحرين، ولم يذكر مكان طبعها، وقد حققها وراجعها الأستاذ يس الشريف «مدير المعهد الديني» وهي مؤرخة في عام 1384هــ 1964م على الرغم من صدورها بعد طبعة القاهرة، اذ ان المحقق أشار الى تلك الطبعة. وضمت هذه الطبعة مقدمة مكثفة عن الزبارة كتبها الشيخ عبدالله بن خالد الخليفة.
وصدرت من بعد الطبعة الرابعة، وهي من منشورات المكتب الاسلامي بدمشق. ولم تحمل تاريخاً لصدورها، غير أن مقدمة الناشر مؤرخة في 1964/10/28. ويبدو ان هذه الطبعة صدرت متزامنة مع طبعة البحرين، اذ ان الناشر لم يشر اليها على حين أشار الى طبعة القاهرة، وقال انها «طبعت عن الهندية من غير اصلاح واعمال نظر، فكانتا كالنسخة الواحدة» (1).
أما الطبعة الخامسة، التي اعتنى بها وحققها د. محمد الطبطبائي فقد صدرت عن دار الرقابة في الكويت في عام 2011.
شكر واجب
وينبغي في البدء - توجيه الشكر للدكتور محمد لنهوضه بمهمة اعادة نشر ديوان الشاعر الكبير السيد عبدالجليل الطبطبائي بعد أن نفدت نسخه، وأصبح الوصول اليه شاقاً.
يقول د. محمد في مقدمة الديوان «وقد حققه من وقع في أخطاء كثيرة، إما بسبب عدم درايته بالتاريخ، أو بسبب عدم تخصصه في علم الشريعة.. يقول «ولقد عزمت منذ زمن على تحقيق الديوان» (2).
وهذا القول يعني - حسب مفهوم المخالفة - ان الأخ الكريم د. محمد الطبطبائي ذو دراية بالتاريخ، وصاحب تخصص في علم الشريعة، الأمر الذي يجيز لنا ابداء بعض الملاحظات بشأن جزء من المقدمة التاريخية التي وضعها للديوان، وتقع بين ص21 و31.
وقد نعود الى الموضوع مرة أخرى، لابداء مزيد من الملاحظات - إن اقتضى الأمر - وقد نعرض لديوان آخر قام د. محمد بتحقيقه - وهو ديوان السيد ياسين الطبطبائي - فجاء مثقلاً بالأخطاء.
الحياة العلمية في الكويت
يقول د. محمد عن السيد عبدالجليل الطبطبائي «وأما الكويت فهو رجل السياسة، ومؤسس النهضة العلمية فيها، فعندما وصل ميناء الكويت في عام 1794 تقريباً، وذلك عندما تأسست مشيختها لم يكن يُعرف فيها عالم ولا أديب. وكل من أتى بعده من علماء الكويت وأدبائها فهم امتداد له. وكان يتردد بين الكويت وجاراتها في شرق جزيرة العرب، حتى استقر في موطنه الكويت ملقيا عصا ترحاله فيها عام 1843م»(3).
وهذا القول مخالف للحقيقة، فقد أجمعت المصادر، ومنها رسائل السيد عبدالجليل نفسه انه انتقل إلى الكويت من مقر إقامته في البحرين في عام 1843م.
اما القول انه وصل ميناء الكويت في عام 1794م فلا يعني انه استقر فيها، ان صح ذلك القول؛ إذ تجمع المصادر انه بقي في كنف آل خليفة في الزبارة ثم في البحرين نحو أربعين سنة، وان المدة التي استقر خلالها في الكويت تقع بين عامي 1843م و1853م.
ثم ان مشيخة الكويت - حسب تعبير المحقق - لم تؤسس في ذلك التاريخ بل كانت موجودة قبل مولد السيد عبدالجليل.
العلماء الأوائل
أما قول المحقق «لم يكن يعرف فيها اي الكويت - عالم ولا أديب فيدل على انه غير ذي دراية بتاريخ الكويت وأخبار علمائها، إذ من غير المقبول ألا يحيط المحقق بالمصادر العديدة التي عرّفت بالعلماء الذين نسخوا المخطوطات، وألفوا الكتب، وتولوا القضاء في الكويت، فقد نسخ الشيخ مسيعيد بن احمد بن مساعد سالم موطأ الإمام مالك في جزيرة فيلكا الكويتية في عام 1682م أي قبل مولد السيد عبدالجليل بنحو اربعة وتسعين عاما.
ومن الطبيعي ان يكون الشيخ مسيعيد قد نشأ في بيئة علمية أخذ فيها العلم عن سابقيه، وقام بنسخ مخطوطة في الفقه المالكي لكي ينتفع بها قومه، إذ اعتقد انه من قبيلة العوازم وهم من المالكية.
ويبدو ان النسّاخ والمؤلفين الأوائل في الكويت كانوا اكثر ميلا للبدء بنسخ وتأليف الكتب التي تمثل المذهب الذي ينتمون إليه، لحاجتهم العملية إليها. والأمثلة عديدة في هذا المجال، فقد كتب الشيخ عثمان بن سند المالكي مذهبا - وهو من مواليد جزيرة فيلكا 1766م - الدرة الثمينة في مذهب عالم المدينة نظم متن العشماوية، وهي منظومة في الفقه المالكي، أرادها وسيلة لتعليم ابنه عبدالله، وكذلك فعل غيرهما من العلماء المنتمين إلى مذاهب أخرى مثل علماء العدساني والقناعي والتركيت الشوافع والفارس الحنابلة حين نسخوا مخطوطات في الفقه الشافعي والفقه الحنبلي.
مخطوطات عديدة
وقد وصلت إلينا مخطوطات كثيرة نسخها علماء كويتيون قبل وصول السيد عبدالجليل إلى الكويت، منها التيسير على مذهب الشافعي نظم العمريطي، التي نسخها الشيخ عثمان بن سري القناعي في عام 1213 ه/ 1798م. ومنهاج الطالبين وعمرة المفتين تأليف محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي التي نسخها إسحاق بن إبراهيم في عام 1260ه 1844م.
كما وصلتنا مخطوطات أخرى عديدة لعلماء لم يثبت التقاؤهم بالسيد عبدالجليل منها: «مروج الذهب ومعادن الجوهر» للمسعودي قام بنسخها الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن المطوع التميمي الحنبلي في عام 1262ه 1846م، ومخطوطة نيل المآرب بشرح دليل الطالب للناسخ نفسه في عام 1296ه 1879م. وزوال الترح على منظومة ابن الفرح الاشبيلي لابن جماعه قام بنسخها الشيخ عبدالله بن محمد العدساني في عام 1273ه 1856م.
وذكر الشيخ محمد بن ناصر العجمي انه رأى «مجموعا بخط عبدالله بن محمد العدساني من إحدى عشرة رسالة نسخها ما بين 1249 هـ إلى 1268 هـ (4) أي ما بين 1823 و1851م.
ولا يتسع المجال لمزيد من الشواهد التي تدل على وجود حياة علمية في الكويت سابقة لتاريخ مولد السيد عبدالجليل الطبطبائي، وبإمكان المحقق د.محمد الطبطبائي الرجوع إلى مصادر عديدة في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال، كتاب الأستاذ عدنان الرومي «علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون» وكتاب «روضة الأفراح» الذي حققه وقدم له الشيخ محمد بن ناصر العجمي، وكتاب الثقافة في الكويت بواكير اتجاهات ريادات.
زوار الكويت
من جهة أخرى، عرف الكويتيون كثيراً من العلماء والأدباء الذين كانوا يزورون البلاد ويتنقلون بين مساجدها ودواوينها، يحدثون الناس ويحاورونهم، ومن هؤلاء الزوار الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السويدي الذي زار الكويت، واحتفى به أهلها في عام 1772م، أي قبل مولد السيد عبدالجليل.
وكذلك فقد شهد الدبلوماسيون والمؤرخون والرحالة الأجانب والعرب باهتمام الكويتيين بالثقافة، ومن ذلك وصف لويس بيلي الذي زار الكويت في عام 1863م وعام 1865م الحاج يوسف البدر، بقوله «ومع أن الشيخ يوسف متشدد جداً في أمور الدين، فقد سمح لنفسه بأن يقرأ عن الديانات الأخرى» (5).
كما قال عن الشيخ صباح الثاني حاكم الكويت «دهشت قليلاً، حين وجدت شيخ الكويت على اطلاع جيد بالأمور السياسية في أقطار بعيدة، فهو يحصل على نسخة من صحيفة أورينتال باريس جازيت، ويحرص على متابعتها. (6).
وينقل الشيخ محمد بن ناصر العجمي عن مؤرخ نجد عثمان بن بشر قوله عن الحاج يوسف البدر «ثم أنه سنح لي أن أرسم فضيلة ومنقبة لكهل شاب ارتوى من العلم والأدب، واشتهر بإحسانه وفضله» (7).
الدارسون في الخارج
ويضاف إلى ما تقدم من مظاهر الاهتمام بالعلم والثقافة الاتجاه المبكر لطلب العلم خارج الكويت، وممن ذهبوا إلى مصر لطلب العلم عيسى بن علوي الذي اتجه لدراسة الطب، غير أنه توفي هناك في عام 1863م.
ومن الدارسين الذين درسوا في مصر خلال ذلك الزمن الشيخ أحمد الفارسي والحاج ماجد بن سلطان ثم الشيخ مساعد العازمي.
ومن مظاهر وجود الحياة العلمية والعلماء وجود القضاء المستقل في الكويت، وكان القاضي محمد بن عبدالوهاب بن فيروز أول من عرفنا من القضاة، وكانت وفاته في الكويت في عام 1135هـ (1722)م (8). وتولى القضاء بعده الشيخ أحمد بن عبدالله العبدالجليل، وهو من عائلة العبدالجليل المعروفة، ولا علاقة له بالسيد عبدالجليل الطبطبائي، وحين وصل الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني الكويت قادماً من الإحساء زوجه القاضي أحمد العبدالجليل ابنته، وتنازل له عن القضاء، ومنذ ذلك العام تعاقب على منصب القضاء جمهرة من علماء أسرة العدساني، باستثناء فترة وجيزة تولى القضاء خلالها الشيخ علي بن شارخ.
هذه أمثلة موجزة لبعض مظاهر الحياة العلمية في الكويت، فهل من الجائز أن يجهل المحقق د. محمد الطبطبائي تلك الحقائق أو يتجاهلها؟
ويزعم «ان الكويت لم يكن فيها عالم ولا اديب. وكل من اتى بعده - اي بعد جده السيد عبدالجليل - من علماء الكويت وادبائها فهم امتداد له»، وهذ القول لا يستثني الشيخ عثمان بن سند الذي ولد في جزيرة فيلكا الكويتية قبل مولد السيد عبدالجليل بنحو عشر سنوات، وعاش في الكويت نحو اربعة عقود - وفق رأي بعض الباحثين - وانتج نحو اربعين مؤلفا في الفقه والتاريخ والنحو، فضلا عن كتابة الشعر. وقد منحته كلية الشريعة شهادة تقدير. ولم يقل احد من اسرته شيئا مما قاله د. محمد.
أخطاء في تاريخ القضاء
يقول المحقق د. محمد الطبطبائي «كان من اوائل القضاة في الكويت السيد ابراهيم بن السيد طه الطبطبائي، المولود عام 1090 هـ تقريبا 1689 ميلادي، اذ كان قاضيا ابان السلطنة العثمانية على البصرة وما يتبعها، والتي منها الكويت والقطيف والبحرين والزبارة ونجد.. واستمر قاضيا فيها بعد نزوح العتوب الى الكويت.. ثم تلت مرحلة السيد ابراهيم الطبطبائي رحمه الله، المرحلة الثانية للقضاء في الكويت، وذلك لما كثرت الهجرات اليها وازدهرت، دعت الحاجة لقاض متفرغ للكويت، فعينت السلطنة العثمانية للكويت قاضيا منفردا، وهو الشيخ محمد بن فيروز المتوفى عام 1216 هـ 1801م، وهو احد شيوخ السيد عبد الجليل الطبطبائي رحمهما الله» (9).
خلط معيب
وسوف اترك التعليق على ما جاء في الفقرة الاولى لأهل القطيف والبحرين والزبارة ونجد. كما أفضل عدم التعليق على قوله «كان من اوائل القضاة للكويت السيد ابراهيم بن السيد طه الطبطبائي». واختصارا للقول سوف اكتفي بالاشارة الى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المحقق د. محمد، اذ كان يفترض فيه التمييز بين قاضي الكويت محمد بن عبدالوهاب بن فيروز (الجد) الذي أجمعت المصادر على أنه أول من عرف من قضاة الكويت، وانه توفي فيها في عام 1135 هـ 1722م، اي قبل ان يولد السيد عبد الجليل، الامر الذي يجعل تتلمذ السيد عبد الجليل عليه مستحيلا - ومحمد بن عبدالله بن فيروز (الحفيد) المتوفى في البصرة عام 1216هـ 1801م، وهو الذي تتلمذ عليه السيد عبد الجليل وعدد من علماء الكويت يقف في مقدمتهم عثمان بن سند.
ومحمد بن عبدالله بن فيروز عالم شهير، عرف عنه معاداة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد قال عنه المؤرخ عثمان بن بشر «ومحمد هذا من ألد اعداء الاسلام والتوحيد» (10).
وقد هجر الاحساء خوفا من انتقام الوهابيين، واستقر في البصرة، وهذه معلومات ما كان ينبغي ان تخفى على طالب في كلية الشريعة.
وكنت قد نبهت الى الخلط الذي يقع فيه بعضهم عند الحديث عن قاضي الكويت محمد بن عبدالوهاب بن فيروز المتوفى في عام 1135 هـ 1722م، وحفيده محمد بن عبدالله بن فيروز نزيل البصرة المتوفى في عام 1216 هـ 1801م في كتاب «القضية العربية في الشعر الكويتي» الصادر في عام 1977، وفي كتاب الثقافة في الكويت الصادر في عام 2006 م.
يتبع غدا
الحواشي والهوامش
1 - روض الخل والخليل - ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي - ص (ب) منشورات المكتب الإسلامي بدمشق.
2 - روض الخل والخليل - ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي - اعتنى به د. محمد الطبطبائي ص 8 - 9.
3 - المصدر السابق ص 6 - (لم تذكر المصادر تلامذة للسيد عبدالجليل في الكويت سوى الشيخ محمد بن عبدالله الفارس. أما ما ذكر عن تأثير له في مجال الأدب في الكويت فلا يقوم على دليل.
4 - محمد بن ناصر العجمي: روضة الأرواح (تحقيق وتقديم) ص 74.
5 - سمير عطا الله: قافلة الحبر ص 171.
6 - المصدر السابق ص 172.
7 - روضة الأرواح ص 58.
8 - انظر: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي: صفحات من تاريخ الكويت ص 32 ط 4.
القضاء في الكويت - نشأته وتطوره - حسين عيسى مال الله
9 - روض الخل والخليل - ص 21.
10 - عثمان بن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد 291/1 ط 4.
جريدة القبس 1/4/2012
في مقالين ننشرهما تباعا يستعرض د. الوقيان الأخطاء التي وقع فيها الطبطبائي في المقدمة التاريخية لتحقيقه، وفق رأيه، مفندا اياها، ومصوبا ما جاء فيها من معلومات افتقرت، برأيه، إلى الدقة.
صدرت مؤخرا الطبعة الخامسة لديوان «روض الخل والخليل ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي» بعناية د. محمد الطبطبائي وتحقيقه. وكانت قد صدرت من قبل أربع طبعات لذلك الديوان، الأولى الطبعة الحجرية، الصادرة في بمبي - الهند في عام 1300 هــ. والثانية في القاهرة في عام 1385 هــ، ونشرتها المطبعة السلفية ومكتبتها، وكانت على نفقة حاكم قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، وكتب مقدمتها الأستاذ السيد صقر، كما كتب الأستاذ محب الدين الخطيب تعريفاً بصاحب الديوان وبيئته وعصره.
ثم صدرت طبعة ثالثة على نفقة الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، حاكم البحرين، ولم يذكر مكان طبعها، وقد حققها وراجعها الأستاذ يس الشريف «مدير المعهد الديني» وهي مؤرخة في عام 1384هــ 1964م على الرغم من صدورها بعد طبعة القاهرة، اذ ان المحقق أشار الى تلك الطبعة. وضمت هذه الطبعة مقدمة مكثفة عن الزبارة كتبها الشيخ عبدالله بن خالد الخليفة.
وصدرت من بعد الطبعة الرابعة، وهي من منشورات المكتب الاسلامي بدمشق. ولم تحمل تاريخاً لصدورها، غير أن مقدمة الناشر مؤرخة في 1964/10/28. ويبدو ان هذه الطبعة صدرت متزامنة مع طبعة البحرين، اذ ان الناشر لم يشر اليها على حين أشار الى طبعة القاهرة، وقال انها «طبعت عن الهندية من غير اصلاح واعمال نظر، فكانتا كالنسخة الواحدة» (1).
أما الطبعة الخامسة، التي اعتنى بها وحققها د. محمد الطبطبائي فقد صدرت عن دار الرقابة في الكويت في عام 2011.
شكر واجب
وينبغي في البدء - توجيه الشكر للدكتور محمد لنهوضه بمهمة اعادة نشر ديوان الشاعر الكبير السيد عبدالجليل الطبطبائي بعد أن نفدت نسخه، وأصبح الوصول اليه شاقاً.
يقول د. محمد في مقدمة الديوان «وقد حققه من وقع في أخطاء كثيرة، إما بسبب عدم درايته بالتاريخ، أو بسبب عدم تخصصه في علم الشريعة.. يقول «ولقد عزمت منذ زمن على تحقيق الديوان» (2).
وهذا القول يعني - حسب مفهوم المخالفة - ان الأخ الكريم د. محمد الطبطبائي ذو دراية بالتاريخ، وصاحب تخصص في علم الشريعة، الأمر الذي يجيز لنا ابداء بعض الملاحظات بشأن جزء من المقدمة التاريخية التي وضعها للديوان، وتقع بين ص21 و31.
وقد نعود الى الموضوع مرة أخرى، لابداء مزيد من الملاحظات - إن اقتضى الأمر - وقد نعرض لديوان آخر قام د. محمد بتحقيقه - وهو ديوان السيد ياسين الطبطبائي - فجاء مثقلاً بالأخطاء.
الحياة العلمية في الكويت
يقول د. محمد عن السيد عبدالجليل الطبطبائي «وأما الكويت فهو رجل السياسة، ومؤسس النهضة العلمية فيها، فعندما وصل ميناء الكويت في عام 1794 تقريباً، وذلك عندما تأسست مشيختها لم يكن يُعرف فيها عالم ولا أديب. وكل من أتى بعده من علماء الكويت وأدبائها فهم امتداد له. وكان يتردد بين الكويت وجاراتها في شرق جزيرة العرب، حتى استقر في موطنه الكويت ملقيا عصا ترحاله فيها عام 1843م»(3).
وهذا القول مخالف للحقيقة، فقد أجمعت المصادر، ومنها رسائل السيد عبدالجليل نفسه انه انتقل إلى الكويت من مقر إقامته في البحرين في عام 1843م.
اما القول انه وصل ميناء الكويت في عام 1794م فلا يعني انه استقر فيها، ان صح ذلك القول؛ إذ تجمع المصادر انه بقي في كنف آل خليفة في الزبارة ثم في البحرين نحو أربعين سنة، وان المدة التي استقر خلالها في الكويت تقع بين عامي 1843م و1853م.
ثم ان مشيخة الكويت - حسب تعبير المحقق - لم تؤسس في ذلك التاريخ بل كانت موجودة قبل مولد السيد عبدالجليل.
العلماء الأوائل
أما قول المحقق «لم يكن يعرف فيها اي الكويت - عالم ولا أديب فيدل على انه غير ذي دراية بتاريخ الكويت وأخبار علمائها، إذ من غير المقبول ألا يحيط المحقق بالمصادر العديدة التي عرّفت بالعلماء الذين نسخوا المخطوطات، وألفوا الكتب، وتولوا القضاء في الكويت، فقد نسخ الشيخ مسيعيد بن احمد بن مساعد سالم موطأ الإمام مالك في جزيرة فيلكا الكويتية في عام 1682م أي قبل مولد السيد عبدالجليل بنحو اربعة وتسعين عاما.
ومن الطبيعي ان يكون الشيخ مسيعيد قد نشأ في بيئة علمية أخذ فيها العلم عن سابقيه، وقام بنسخ مخطوطة في الفقه المالكي لكي ينتفع بها قومه، إذ اعتقد انه من قبيلة العوازم وهم من المالكية.
ويبدو ان النسّاخ والمؤلفين الأوائل في الكويت كانوا اكثر ميلا للبدء بنسخ وتأليف الكتب التي تمثل المذهب الذي ينتمون إليه، لحاجتهم العملية إليها. والأمثلة عديدة في هذا المجال، فقد كتب الشيخ عثمان بن سند المالكي مذهبا - وهو من مواليد جزيرة فيلكا 1766م - الدرة الثمينة في مذهب عالم المدينة نظم متن العشماوية، وهي منظومة في الفقه المالكي، أرادها وسيلة لتعليم ابنه عبدالله، وكذلك فعل غيرهما من العلماء المنتمين إلى مذاهب أخرى مثل علماء العدساني والقناعي والتركيت الشوافع والفارس الحنابلة حين نسخوا مخطوطات في الفقه الشافعي والفقه الحنبلي.
مخطوطات عديدة
وقد وصلت إلينا مخطوطات كثيرة نسخها علماء كويتيون قبل وصول السيد عبدالجليل إلى الكويت، منها التيسير على مذهب الشافعي نظم العمريطي، التي نسخها الشيخ عثمان بن سري القناعي في عام 1213 ه/ 1798م. ومنهاج الطالبين وعمرة المفتين تأليف محيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي التي نسخها إسحاق بن إبراهيم في عام 1260ه 1844م.
كما وصلتنا مخطوطات أخرى عديدة لعلماء لم يثبت التقاؤهم بالسيد عبدالجليل منها: «مروج الذهب ومعادن الجوهر» للمسعودي قام بنسخها الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن المطوع التميمي الحنبلي في عام 1262ه 1846م، ومخطوطة نيل المآرب بشرح دليل الطالب للناسخ نفسه في عام 1296ه 1879م. وزوال الترح على منظومة ابن الفرح الاشبيلي لابن جماعه قام بنسخها الشيخ عبدالله بن محمد العدساني في عام 1273ه 1856م.
وذكر الشيخ محمد بن ناصر العجمي انه رأى «مجموعا بخط عبدالله بن محمد العدساني من إحدى عشرة رسالة نسخها ما بين 1249 هـ إلى 1268 هـ (4) أي ما بين 1823 و1851م.
ولا يتسع المجال لمزيد من الشواهد التي تدل على وجود حياة علمية في الكويت سابقة لتاريخ مولد السيد عبدالجليل الطبطبائي، وبإمكان المحقق د.محمد الطبطبائي الرجوع إلى مصادر عديدة في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال، كتاب الأستاذ عدنان الرومي «علماء الكويت وأعلامها خلال ثلاثة قرون» وكتاب «روضة الأفراح» الذي حققه وقدم له الشيخ محمد بن ناصر العجمي، وكتاب الثقافة في الكويت بواكير اتجاهات ريادات.
زوار الكويت
من جهة أخرى، عرف الكويتيون كثيراً من العلماء والأدباء الذين كانوا يزورون البلاد ويتنقلون بين مساجدها ودواوينها، يحدثون الناس ويحاورونهم، ومن هؤلاء الزوار الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله السويدي الذي زار الكويت، واحتفى به أهلها في عام 1772م، أي قبل مولد السيد عبدالجليل.
وكذلك فقد شهد الدبلوماسيون والمؤرخون والرحالة الأجانب والعرب باهتمام الكويتيين بالثقافة، ومن ذلك وصف لويس بيلي الذي زار الكويت في عام 1863م وعام 1865م الحاج يوسف البدر، بقوله «ومع أن الشيخ يوسف متشدد جداً في أمور الدين، فقد سمح لنفسه بأن يقرأ عن الديانات الأخرى» (5).
كما قال عن الشيخ صباح الثاني حاكم الكويت «دهشت قليلاً، حين وجدت شيخ الكويت على اطلاع جيد بالأمور السياسية في أقطار بعيدة، فهو يحصل على نسخة من صحيفة أورينتال باريس جازيت، ويحرص على متابعتها. (6).
وينقل الشيخ محمد بن ناصر العجمي عن مؤرخ نجد عثمان بن بشر قوله عن الحاج يوسف البدر «ثم أنه سنح لي أن أرسم فضيلة ومنقبة لكهل شاب ارتوى من العلم والأدب، واشتهر بإحسانه وفضله» (7).
الدارسون في الخارج
ويضاف إلى ما تقدم من مظاهر الاهتمام بالعلم والثقافة الاتجاه المبكر لطلب العلم خارج الكويت، وممن ذهبوا إلى مصر لطلب العلم عيسى بن علوي الذي اتجه لدراسة الطب، غير أنه توفي هناك في عام 1863م.
ومن الدارسين الذين درسوا في مصر خلال ذلك الزمن الشيخ أحمد الفارسي والحاج ماجد بن سلطان ثم الشيخ مساعد العازمي.
ومن مظاهر وجود الحياة العلمية والعلماء وجود القضاء المستقل في الكويت، وكان القاضي محمد بن عبدالوهاب بن فيروز أول من عرفنا من القضاة، وكانت وفاته في الكويت في عام 1135هـ (1722)م (8). وتولى القضاء بعده الشيخ أحمد بن عبدالله العبدالجليل، وهو من عائلة العبدالجليل المعروفة، ولا علاقة له بالسيد عبدالجليل الطبطبائي، وحين وصل الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني الكويت قادماً من الإحساء زوجه القاضي أحمد العبدالجليل ابنته، وتنازل له عن القضاء، ومنذ ذلك العام تعاقب على منصب القضاء جمهرة من علماء أسرة العدساني، باستثناء فترة وجيزة تولى القضاء خلالها الشيخ علي بن شارخ.
هذه أمثلة موجزة لبعض مظاهر الحياة العلمية في الكويت، فهل من الجائز أن يجهل المحقق د. محمد الطبطبائي تلك الحقائق أو يتجاهلها؟
ويزعم «ان الكويت لم يكن فيها عالم ولا اديب. وكل من اتى بعده - اي بعد جده السيد عبدالجليل - من علماء الكويت وادبائها فهم امتداد له»، وهذ القول لا يستثني الشيخ عثمان بن سند الذي ولد في جزيرة فيلكا الكويتية قبل مولد السيد عبدالجليل بنحو عشر سنوات، وعاش في الكويت نحو اربعة عقود - وفق رأي بعض الباحثين - وانتج نحو اربعين مؤلفا في الفقه والتاريخ والنحو، فضلا عن كتابة الشعر. وقد منحته كلية الشريعة شهادة تقدير. ولم يقل احد من اسرته شيئا مما قاله د. محمد.
أخطاء في تاريخ القضاء
يقول المحقق د. محمد الطبطبائي «كان من اوائل القضاة في الكويت السيد ابراهيم بن السيد طه الطبطبائي، المولود عام 1090 هـ تقريبا 1689 ميلادي، اذ كان قاضيا ابان السلطنة العثمانية على البصرة وما يتبعها، والتي منها الكويت والقطيف والبحرين والزبارة ونجد.. واستمر قاضيا فيها بعد نزوح العتوب الى الكويت.. ثم تلت مرحلة السيد ابراهيم الطبطبائي رحمه الله، المرحلة الثانية للقضاء في الكويت، وذلك لما كثرت الهجرات اليها وازدهرت، دعت الحاجة لقاض متفرغ للكويت، فعينت السلطنة العثمانية للكويت قاضيا منفردا، وهو الشيخ محمد بن فيروز المتوفى عام 1216 هـ 1801م، وهو احد شيوخ السيد عبد الجليل الطبطبائي رحمهما الله» (9).
خلط معيب
وسوف اترك التعليق على ما جاء في الفقرة الاولى لأهل القطيف والبحرين والزبارة ونجد. كما أفضل عدم التعليق على قوله «كان من اوائل القضاة للكويت السيد ابراهيم بن السيد طه الطبطبائي». واختصارا للقول سوف اكتفي بالاشارة الى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه المحقق د. محمد، اذ كان يفترض فيه التمييز بين قاضي الكويت محمد بن عبدالوهاب بن فيروز (الجد) الذي أجمعت المصادر على أنه أول من عرف من قضاة الكويت، وانه توفي فيها في عام 1135 هـ 1722م، اي قبل ان يولد السيد عبد الجليل، الامر الذي يجعل تتلمذ السيد عبد الجليل عليه مستحيلا - ومحمد بن عبدالله بن فيروز (الحفيد) المتوفى في البصرة عام 1216هـ 1801م، وهو الذي تتلمذ عليه السيد عبد الجليل وعدد من علماء الكويت يقف في مقدمتهم عثمان بن سند.
ومحمد بن عبدالله بن فيروز عالم شهير، عرف عنه معاداة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وقد قال عنه المؤرخ عثمان بن بشر «ومحمد هذا من ألد اعداء الاسلام والتوحيد» (10).
وقد هجر الاحساء خوفا من انتقام الوهابيين، واستقر في البصرة، وهذه معلومات ما كان ينبغي ان تخفى على طالب في كلية الشريعة.
وكنت قد نبهت الى الخلط الذي يقع فيه بعضهم عند الحديث عن قاضي الكويت محمد بن عبدالوهاب بن فيروز المتوفى في عام 1135 هـ 1722م، وحفيده محمد بن عبدالله بن فيروز نزيل البصرة المتوفى في عام 1216 هـ 1801م في كتاب «القضية العربية في الشعر الكويتي» الصادر في عام 1977، وفي كتاب الثقافة في الكويت الصادر في عام 2006 م.
يتبع غدا
الحواشي والهوامش
1 - روض الخل والخليل - ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي - ص (ب) منشورات المكتب الإسلامي بدمشق.
2 - روض الخل والخليل - ديوان السيد عبدالجليل الطبطبائي - اعتنى به د. محمد الطبطبائي ص 8 - 9.
3 - المصدر السابق ص 6 - (لم تذكر المصادر تلامذة للسيد عبدالجليل في الكويت سوى الشيخ محمد بن عبدالله الفارس. أما ما ذكر عن تأثير له في مجال الأدب في الكويت فلا يقوم على دليل.
4 - محمد بن ناصر العجمي: روضة الأرواح (تحقيق وتقديم) ص 74.
5 - سمير عطا الله: قافلة الحبر ص 171.
6 - المصدر السابق ص 172.
7 - روضة الأرواح ص 58.
8 - انظر: الشيخ يوسف بن عيسى القناعي: صفحات من تاريخ الكويت ص 32 ط 4.
القضاء في الكويت - نشأته وتطوره - حسين عيسى مال الله
9 - روض الخل والخليل - ص 21.
10 - عثمان بن بشر: عنوان المجد في تاريخ نجد 291/1 ط 4.
جريدة القبس 1/4/2012