تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الغرباء


عبدالرحمن محمد ناصر الإبراهيم
24-01-2011, 12:29 AM
عندما كنا صغاراً أكثر ما يطربنا بحكم البيئة المحافظة التي عشنا فيها أنشودة غرباء ، كأن على رؤوسنا الطير حال سماعها ، لعل عذوبة صوت المنشد أعطتنا هذا الإحساس لم نفهم كلماتها لكننا استوعبنا فكرة الأنشودة التي تتمحور حول أنك إن تمسكت بمبادئك الدينية فأنت غريب!.

كبرنا والأنشودة محتفظةٌ بمكان خاص في قلبي لكِنَّ عقلي يرفض فكرتها التي فهمناها سابقاً ، فالغربة لم تعد غربة الدين فقط ، ولم تعد تقتصر الغربة على مغادرة الوطن والبعد عن الأصحاب ، الغربة يا سادة هي غربة المكان والزمان نكون بين أهلنا وأحبابنا وتحتوينا أوطاننا لكننا لا نزال غرباء لأن الغربة معنوية لا ترتبط بالسجون والمطارات فكم من غريب يعيش في منزله وكم من مغترب يسكن وطنه .

نرى أنفسنا غرباء في مواطن عديدة خلال اليوم تبدأ الغربة حالما تصحوا من النوم،تغادر البيت متجها إلى عملك تركب السيارة وبلا شعور تربط حزام الأمان وتغادر ، جرب عند وقوفك في الزحام أو الإشارة كم غريب مثلك عنده احترام للقانون واقتناع بفلسفة حزام الأمان كم إنسان يربط الحزام إن شاهد رجل المرور وينزعه نزعا بعد أن يمر بجانبه ، حتى أن البعض لا يتورع أن يصفك بالجبان الخائف لأنك تربط الحزام فهو ما زال يعتقد أن الخيل هي وسيلة التنقل !

هل غربة الشارع تنتهي عند حدود حزام الأمان؟ بالطبع لا ، كثيرون منا يجمعون مخلفاتهم الورقية في أكياس مخصصة لها داخل مركباتهم ، وآخرون يعتقدون أن الشارع هو كيسهم الكبير ، وعندما تصحح لهم المعلومة إما بنصح مباشر أو بإماطة لأذاهم عن الطريق ضحكوا وردوا عليك بسخرية ولماذا نحافظ على النظافة هل تريدنا أن نقطع رزق عمال النظافة! .

في الشارع أيضاً تلتزم بالسرعة القانونية ولا تمشي على حارة الموت ومع ذلك تسمع أصوات أبواق السيارات وتُنعتُ بأنك شاب بعقلية عجوز لأن لا تتجاوز السرعة القانونية.

تصل إلى مقر عملك الحكومي أو الخاص في الوقت المناسب تجلس على مكتبك متحفزا لإستقبال المراجعين تبتسم لهم تنجز معاملاتهم ، يأتي زميل لك فيسألك هل تعرف كل هؤلاء! إذا لماذا تنجز معاملاتهم بهذه السرعه! ، لأنك غريب فلن ترد فعنده وعند الكثيرين مثله المراجع العادي يصعد المبنى مستلقا بحبل معتمدا على نفسه والمراجع الذي يأتي من طرف فلان كمن يركب المصعد ، أما فلان نفسه فسرعة انجاز معاملته بسرعة الضوء.
خلال جلوسك على مكتبك تأتيك اتصالات فتقول "أهلا وسهلا... سعدت بك.... سوف أنجازها في الوقت المحدد ....أعذرني معاملتك مخالفه لا استطيع تمريرها ...أهلا بك واعذرني على عدم انجازها" .
تقوم بهذا كله لأنك محافظ على مبادئك وغريب ، خلال حديثك في الهاتف يظهر انسان بالقرب من مكتبك تومئ له برأسك وشفاتك مبتسمه وتطلب منه الجلوس بنظرة ، تعتذر منه بعد اغلاق الهاتف بأنك كنت على الهاتف! كل هذا لأنك غريب ، يأتيك نفس الزميل فيقول لك لا أدري لماذا تعامله هذه المعامله فقد كان عندي وعندما طلبت منه الحضور غدا لأخذ التوقيع غضب مني! واتجه إليك لا أدري لماذا يحبونك الناس حتى وهم لا يعرفونك ، الأمر غريب!.

يأتي إليك عامل النظافة تهش بوجهه باسما تطلب منه الدعاء لك إن كان مسلما تكرمه بدراهم معدودة لا تمثل أهمية لك تجد السعادة في عينيه وكل الأمنيات بأن تكون أنت الوزير والمدير كل هذا لأنك عاملته بأخلاق الغريب .

تتصل على المطعم لتطلب تكلمه ب"لوسمحت ... إذا كان ذلك ممكناً.... بعد إذنك..... إذا تكرمت .... شكرا لك وبإنتظارك" ، فيأتيك الطلب وعليه توصيه وتدفع نفس السعر والجرسون مبتسم كل هذا حصل لأنك غريب.
يناقشك أحدهم فيتعصب لرأيه وتتعصب أنت لرأيك يعطيك الحجة فترد عليه بحجة يحاول اقناعك فتأبى أن تقتنع ، يتحول النقاش إلى جدال عقيم وصراخ بين الصم تنسحب بعد أن ترى أن لا فائدة ترجى يصِفكَ الطرف الآخر بالضعيف وقليل الحيلة والرجل الورقي ، وعندما تسكت وتبتسم من بعيد تكون أخلاق الغرباء معك.
والمواقف كثيرة جدا وقد يقول قائل أحب أن أكون غريباً لكن الآخرين سيستغلون غربتي وطيبتي وحسن خلقي ، وبعدها سأكون ساذجا أحمقا في نظر الكثيرين فكيف لي أن أكون غريبا دون أن أستغل؟.

السؤال لا يكون هكذا بل هل سأكون غريبا لأنني أريد من الآخرين أن يعاملوني بطريقة معينة أم أنا غريب لأنني أسير على القانون والطريق الصحيح وأوسع ما استطعت مدارك عقلي ، وهل الغربة مدعاةٌ للسذاجة بالطبع لا أن تكون نظاميا وقانونيا هذا لا يعني أنك غبي بل متغابي تعرف أن ما تفعله هو الصحيح في وسط أكوام من الخطأ لكنك تسود القوم بفعلك ويهابك الجميع لحسن خلقك ولا يتجاوزك أحد لأنك قانوني فالجميع إن لم يحترمك فإنه يخاف منك.

الغربة شعور واقتناع وعمل فالغريب متميز عن أقرانه بالسلام على من لا يعرف والإبتسامة للجميع والشعور بأن جميع الناس أخوته ، الغريب هو ذاك الرائع الذي يدرك أن التغيير لن يحصل فجأة يفهم أن القوانين جامدة مادامت على الورق ويعرف أنه بإلتزامه فيها يصورها على شكل بشر ، الغريب هو من يقرأ ويطلع ويتأمل وبعدها يعمل ولن يكون غريبا ما لم يحسُ بأنه في عالمنا الثالث محارب فالناجحون محاربون في عالمنا والممنوعات والخطوط الحمراء كثيرة في مجتمعاتنا والغريب الذكي من يسيّر هذه العقبات لصالحه ، هل تريدون أن تعرفوا الغريب من أول نظرة ! ما عليك إلا أن تخلقوا مشكلة وستجدونه أول من يعلق الجرس.

طوبى للغرباء الأحرار في دنيا العبيد ، وأكثر ما يفرحني في هذه الأيام أنني أرى الغرباء في ازدياد.

المراقب
24-01-2011, 11:13 AM
مااروعك !!..أستاذ عبدالرحمن

تتلاعب بالاحرف والعبارات كما يتلاعب الساحر بااوراق اللعب

صناعة لايجيدها الا مبدع ..وباحتراف !!

تتقن النفث بلغه لايفهمها إلا فطين..البعض يتعب في فك الرموز..

والبعض الآخر عندما يفهم تتطاير الكلمات كما يتطاير الدخان ..

قمه بالرقي أستاذنا وأديبنا..

عبدالرحمن محمد ناصر الإبراهيم
26-01-2011, 01:28 AM
الأخ الفاضل المراقب

يسعدني أنك تستمتع بقراءة المقال ويسعدني أكثر عدد القراء الصامتين للمقال :)

دمت بخير وعافيه :)

كويتي_مطيري
26-01-2011, 01:37 AM
يعطيك العافيه بومحمد على هالمقال الأكثر من رائع ..


بس فيها مفاهيم حيل حيل تتعارض مع فلسفة الدين الإسلامي ..


اوضحها قريب ان شاء الله

:)

تحياتي

عبدالرحمن محمد ناصر الإبراهيم
26-01-2011, 01:29 PM
الكريم كويتي مطيري

أن يروق لك المقال فهذا أمر ممتاز ، لكن أن تكون هناك مفاهيم تخالف فلسفة الدين الاسلامي هذه استوقفتني :)

أتمنى أن تعود لتوضح أكثر مع طلبي عدم اختزال المقال بكلمه أو جمله :)

لك ودي عزيزي

عبدالرحمن محمد ناصر الإبراهيم
17-02-2011, 04:25 PM
المقال نشر في جريدة المستقبل الكويتية
http://www.almustagbal.com/node/1769
ووضعوا صورة ليست صورتي لمن يقرأ المقال في نسخة الجريدة الورقية :)

صقر الفهد النواخذة
17-02-2011, 08:37 PM
موضوعك اكثر رائع وفلسفتك متوازنة وموهبتك حلوة
انشاالله انشوفك كاتب معروف

عبدالرحمن محمد ناصر الإبراهيم
18-02-2011, 02:25 AM
مشكووور أخوي صقر الفهد

ما قصرت